Wednesday, February 10, 2010

السلام الاسرائيلي


علي زبيدات – سخنين

من يقول أن إسرائيل لا تريد السلام؟ ولماذا لا نصدق رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو خلال اجتماع حكومته عندما يعلن أنه يريد السلام مع الفلسطينيين ومع سوريا وكافة الدول العربية؟ كانت إسرائيل دائما وأبدا تصبو إلى السلام ولم تترك حجرا لم تقلبه بحثا عن السلام، وقد قدمت وما زالت مستعدة أن تقدم تضحيات أليمة وتنازلات جسيمة من أجل الوصول إلى السلام المنشود. المشكلة الحقيقية هي رفض الفلسطينيين ومعظم العرب يد السلام التي تمدها إسرائيل بينما هدفهم الوحيد هو القضاء على الدولة اليهودية. عندما يتخلوا عن هدفهم هذا لن تبقى هناك أية عقبة في طريق السلام وأكبر دليل على ذلك هو اتفاقيات السلام مع مصر والأردن.
أنا شخصيا أصدق أن إسرائيل تريد السلام. وأصدق نتنياهو وغيره من القادة الاسرائيليين ممن سبقوه وممن سوف يأتون بعده، ممن يقف على يمينه ومن يقف على يساره. إذا قال الرجل أمام الملأ، أمام العالم أجمع أن وجهه نحو السلام فلماذا لا نصدقه؟
السؤال الذي يجب أن يطرح هنا ليس إذا كانت إسرائيل تريد السلام أم لا تريده بل أي سلام هذا الذي تريده؟ وما هو جوهر هذا السلام الذي تعرضه على العرب وعلى الفلسطينيين والذي يلاقي الدعم من أمريكا ومن الغرب عموما والذي يحظى بقبول وتعاون عملائهم المحليين؟
تتنصل إسرائيل منذ قيامها وحتى اليوم من أية مسؤولية عن النكبة الفلسطينية. فهي لم تقدم على تشريد الشعب الفلسطيني ولم تقم بسلب أرضه ولم تهدم بيوته وقراه. كل ما جرى للشعب الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى اليوم كان بجريرة الشعب الفلسطيني نفسه الذي لم يستقبل القادمين الجدد، العائدين إلى أرض الآباء والأجداد، بالأحضان ولم يرشوا طريقهم بالورود. فلو قبل الفلسطيني النزوح بمحض إرادته وقبل بتسليم بيته وأرضه عن طيب خاطر لما كانت هناك مشكلة أصلا. ولكن للأسف يبدو أن الفلسطينيين لم يقرؤوا كتاب هرتسل حيث يقول أن الفلسطينيين سوف يغادروا المكان مقابل تعويض بسيط ومن سيبقى منهم سوف ينعم بخدمة دولة حضارية متطورة. إذن السلام الإسرائيلي يشطب من قاموسه أي شيء اسمه لاجئين فلسطينيين وكل شيء اسمه حق العودة. هذا ما يقوله اليسار الإسرائيلي قبل أن يقوله اليمين الإسرائيلي، وهذا ما يقوله من يوجد في الحكومة ومن يوجد في المعارضة. إذن لماذا لا نصدقهم؟
حتى بعد أن تخلى معظم العرب ومعظم الفلسطينيين عن 82% من فلسطين التاريخية وأبدوا استعدادهم عن التنازل عن حق العودة الشامل ( اتفاقيات أوسلو، مبادرة السلام العربية) إلا أن هذا لم يكن كافيا بالنسبة للسلام الإسرائيلي. القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل وبصفتها هذه يجب أن تمر بعملية تهويد جذرية وهذا ما يحصل منذ احتلالها وحتى اليوم. لا يوجد مكان لأي شي "غريب" في القدس بما في ذلك سكانها الأصليين. ومن يعارض ذلك فهو ضد السلام. الاستيطان هو حق تاريخي ولإلهي، الكتل الاستيطانية المزروعة فيما تبقى من الأراضي الفلسطينية يجب أن تبقى جزءا من دولة إسرائيل في كل اتفاقية سلام ومن لا يقبل ذلك هو بكل بساطة ضد السلام. حدود إسرائيل كما هو معروف هو المكان الذي يقف عليه آخر جندي إسرائيلي. والجنود الإسرائيليون كما صرح مؤخرا رئيس الحكومة سوف يحيطون بالدولة الفلسطينية العتيدة من جميع الجهات في كل اتفاقية سلام. ومن لا يقبل ذلك هو أيضا وبكل بساطة عدو للسلام.
باختصار شديد، السلام الإسرائيلي يقول: قضية اللاجئين هي مشكلة عربية وربما دولية ويجب أن تحل بعيدا عن إسرائيل، القدس يجب أن تحمل الطابع اليهودي فقط بصفتها العاصمة الأبدية للدولة وكل شيء يمس بهذا الطابع يجب أن يزول، الكتل الاستيطانية باقية في مكانها في كل اتفاقية سلام، لا يوجد حدود ثابتة للدولة الفلسطينية ولا سيادة كاملة لها وذلك لاحتياجات إسرائيل الأمنية. أصلا إذا ما قامت دولة فلسطينية بشكل من الأشكال فإن الهدف الوحيد من قيامها هو الحفاظ على أمن وسلامة إسرائيل.
هذا هو السلام الإسرائيلي المطروح. ومن أجل تحقيق هذا السلام إسرائيل مستعدة أن تفاوض ليس فقط 20 سنة بل 200 سنة. وإذا توقفت المفاوضات لفترة معينة فهي على استعداد لتجديدها في أي وقت ولكن بدون شروط مسبقة والبدء من الصفر. من يرفض هذا السلام فهو في أحسن الحالات عدو للسلام يجب فضحه وتحييده، وفي أسوأ الحالات فهو إرهابي يجب القضاء عليه.
بما أن معظم الفلسطينيين ضد هذا السلام فهم إرهابيون يجب محاربتهم وقتلهم وقمعهم. وهكذا تحول السلام إلى حرب مستمرة.
كما قلت سابقا: أنا أصدق كل ما تقوله إسرائيل حول سلامها وأضيف أن طبيعتها لا تسمح لها بطرح سلام آخر وإلا تخلت عن طبيعتها. فهل هناك في العالم العربي والفلسطيني من يجيد فهم لمقروء والمسموع؟

Wednesday, February 03, 2010

المقاومة هي الطريق الوحيد لدحر سياسة التطهير العرقي



علي زبيدات – سخنين

وصلتني رسالة من صديقة فرنسية تدعوني لزيارة باريس للتعرف على عائلة صديقة لها من قبيلة نافاهو من سكان أمريكا الأصليين. هذه العائلة النشيطة في الدفاع عن حقوق الهنود الحمر في الولايات المتحدة هي أيضا من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني. حيث ترى أن كلا الشعبين قد تعرض لسياسة الإبادة العرقية على يد الرجل الأبيض. تقوم هذه العائلة الفريدة من نوعها اليوم بسرد مأساة الهنود الحمر من خلال الموسيقى الهندية التراثية والقصص الشعبية. في الوقت نفسه سيتم اللقاء مع ناشط استرالي من السكان الأصليين (الابورجينز) الذين تعرضوا هم أيضا لإبادة عرقية على يد الرجل الأبيض نفسه.
بالطبع لم أستطع رفض هذه الدعوة وسوف أسافر قريبا إلى باريس. ولكني أوضحت مسبقا لصديقتي الفرنسية بعض الفوارق الأساسية لسياسة التطهر العرقي التي تعرضت لها الأماكن الثلاث: الولايات المتحدة الأمريكية، استراليا وفلسطين هذا بالإضافة إلى وجوه الشبه العديدة. جوهر الصراع واحد وهو كولونيالية متوحشة تقوم على النهب والسلب والإبادة الجماعية من قبل الإنسان "المتحضر" ضد الإنسان "البدائي" المتخلف.
هناك ثلاثة فوارق أساسية لعبت دورا هاما في بلورة واقع الشعوب الثلاث وجميعها تصب في مصلحة الفلسطينيين مما يبقي الأمل حيا للانتصار على سياسة التطهير العرقي وهي:
أولا: الحركة الصهيونية التي قادت سياسة التطهير العرقي في فلسطين، بعد أكثر من قرن على نشاطها وأكثر من 60 سنة على إقامة دولتها كانت وما زالت حركة محدودة الإمكانيات عدديا، قوتها لا تنبع من ذاتها بل مأخوذة من الآخرين وهي هامشية عالميا حتى بين الذين تدعي أنها تمثلهم. خلال هذه الفترة لم تستطع هذه الحركة من جلب أكثر من خمسة ملايين مستوطن. بينما وصل المستوطنون في أمريكا إلى أكثر من 300 مليونا وفي استراليا إلى 22 مليونا. هذا الفارق الكمي الهائل أتاح للمستوطنين في أمريكا واستراليا إمكانية تغيير الواقع جذريا من خلال السيطرة الكاملة وفرض سلطتهم السياسية والاقتصادية والثقافية. بينما فشلت الموارد البشرية الضئيلة للحركة الصهيونية بإحداث مثل هذا التغيير.
ثانيا: الحركة الكولونيالية الصهيونية جاءت متأخرة 3 قرون على الأقل عن الحركات الكولونيالية في العالم الجديد. الشيء الذي كان يمكن أن ينجح نجاحا كاملا قبل 3 قرون في مناطق نائية عن العالم القديم لا يمكن أن يحقق النجاح نفسه بعد 3 قرون وفي مركز حضارات العالم.
ثالثا: مقاومة التطهير العرقي والاحتلال الاستيطاني في فلسطين ما زالت مستمرة بالرغم من كافة الانتكاسات، بينما انتهت بالنسبة للهنود الحمر في أمريكا والابورجينز في استراليا. لقد حققت الحركة الصهيونية انتصارات عديدة في معارك عديدة ولكنها لم تحقق نصرا تاريخيا. بالمقابل تعرض الشعب الفلسطيني لهزائم عديدة وخسائر جسيمة ولكنه لم يخسر تاريخيا بعد. ما دامت هناك مقاومة بكافة أشكالها فأن الخسارة التاريخية مستحيلة.
مع كل تضامني مع الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول أمريكا اللاتينية ومع كل تضامني مع المواطنين الأصليين في استراليا فإننا لا يمكن أبدا أن نقبل بنفس المصير. وأظن أن مناصري قضيتنا العادلة من بين هذه الشعوب لا يريدون لنا أن ننتهي إلى نفس المصير. بل هم يرون في نضالنا المستمر والمتواصل تعويضا لما آلت إليه نضالاتهم الماضية.
أبدو متفائلا جدا وأنا أأكد أن الحركة الصهيونية ومن خلال شكلها الحالي كدولة تقف أمام مأزق تاريخي لا فرار منه، تقف أمام طريق مسدود. لكن هذا لا يعني أنه لا تساورني بعض الشكوك وأنا أرى هذه الدولة المشوهة تصرح وتمرح في أرجاء العالم العربي من المحيط إلى الخليج، تغتال هذا وتؤجج الصراعات الداخلية هنا وهناك وبالرغم من ذلك تتهافت الأنظمة العربية إلى طلب ودها. يساورني الشك عندما أرى القيادة الفلسطينية التي من المفروض أن تقود النضال من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة تنبطح بهذا الشكل المخزي أمام عنجهية هذه الدولة. يزعجني جدا ـن نمنح هذه الدولة الشرعية ونقدمه على طبق من ذهب ونعتبر أنفسنا أقلية مع أن العكس هو الصحيح. لم يعد هناك شيء اسمه نزاع إسرائيلي عربي على الصعيد الرسمي حيث أن جميع الدول العربية إما مطبعة علنا أو سرا وإما ممانعة كلاميا فقط. هذه الدول ميئوس منها ولا يمكن المراهنة عليها. إلا أن الشعوب العربية وقواها الحية ما زالت ترفض التطبيع وهي التي في نهاية المطاف سوف تحسم المعركة التاريخية.
إن انتصار الحق الفلسطيني في نهاية المطاف سيكون انتصارا لكافة الشعوب التي تعرضت وتتعرض لحروب الإبادة من قبل الرأسمالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتهدد بحروبها هذه الحياة على كرتنا الأرضية.