Friday, November 29, 2019

كذبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني

كذبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني
قد يتساءل البعض: هل يوجد هناك رجل عاقل يرفض التضامن "العالمي" مع شعبه ومع قضيته العادلة خصوصا حينما يخوض هذا الشعب نضالا مريرا ضد قوى عاتية لا قدرة لديه على مواجهتها وحيدا؟ جوابي هو: نعم يوجد. أنا ضد هذا التضامن عندما يكون كذبة بل أكثر من ذلك عندما يكون قناعا لتصفية هذه القضية العادلة.
كنت في عام 1977 أسيرا سياسيا في سجن الرملة المركزي عندما أصدرت الأمم المتحدة قرار 32/40 بالاعلان عن يوم ال29 من نوفمبر/تشرين الثاني كيوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. كنا نستعد كعادتنا في سنوات سابقة لإحياء ذكرى قرار 181 المشؤوم الصادر عن المؤسسة ذاتها لتقسيم فلسطين. أذكر أنني فكرت كثيرا في هذا التحول المفاجئ: هل جاء اختيار هذا التاريخ بالذات من باب الصدفة؟  وإذا كانت النوايا حسنة فلماذا لم يتم إختيار تاريخ آخر. وقد ناقشت شكوكي هذه مع بعض أصدقاء السجن، ولكن كما يبدو كان الوقت متأخرا  فقد جاءت تعليمات قيادة فصائل منظمة التحرير للاحتفال بهذا اليوم على أنه يوم تضامن عالمي وليس كذكرى لقرار مجحف. وقد صور الأمر وكأنه انجاز بل انتصار فلسطيني تاريخي على الساحة الدولية. كان أكثر المتحمسين لهذا التحول الأسرى من حركة فتح والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وبشكل أقل باقي التنظيمات والاسرى المستقلين. واذكر أن حديثا دار بيني وبين رفيق من الجبهة الشعبية حول هذا الموضوع وكان جوابه في النهاية: يا رفيقي ما المانع أن نحيي ذكرى التقسيم ونحتفل بيوم التضامن في آن واحد؟! كانت الجبهة الشعبية في ذلك الوقت تتزعم جبهة الرفض على الساحة الفلسطينية ومن ثم انضمت لبعض الانظمة العربية مشكلة جبهة الصمود والتصدي التي عارضت خطوات السادات التي افضت الى اتفاقيات كامب ديفيد. ولكن، حسب رأيي، لم تستطع الجبهة الشعبية الربط بين قرار الأمم المتحدة المشبوه حول يوم التضامن العالمي وبين تطورات الحلول التصفوية التي قادها السادات.
لنعود الى الساحة الفلسطينية: لم يأت هذا اليوم من فراغ ولم ينزل دفعة واحدة من السماء. تعود البداية (الرسمية) إلى قرارت المجلس الوطني في دورته الثانية عام 1974 والتي تعرف بالبرنامج المرحلي أو النقاط العشر وطرح شعار "السلطة الوطنية". جاء هذا التحول في أعقاب "الانتصار" في حرب أكتوبر 1973 والذي فتح الباب على مصراعيه للتوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل حيث هرول "المنتصرون" إلى مؤتمر جنيف الذي صممه هنري كيسنجر.  وقد جلس ياسر عرفات ينتظر الدعوة للحاق بهذا المؤتمر تلك الدعوة التي لم تصل ابدا، وخرج النظام السوري من المؤتمر بلا حمص بعد تعنت الجانب الاسرائيلي ولم يبق في الميدان سوى أنور السادات الذي فضل الانتقال من جنيف إلى كامب ديفيد. 
نتائج التسوية على الساحة الفلسطينية فشلت مؤقتا ولكن نهج التسوية حافظ على استمراريته وتطوره حتى بلغ غايته بعد عقد من الزمن في اتفاقيات أوسلو. جاء قرار يوم التضامن العالمي أولا وقبل كل شيء دعما مباشرا لزيارة السادات إلى الكيان الصهيوني وخطابه في الكنيست وتقديم قطعة صغيرة من الحلوى صغيرة لزعامة منظمة التحرير كرشوة لتخفيف معارضتها لخطوات السادات. وقد حققت بذلك نجاحا كبيرا، فليس من باب الصدفة أن يكون ياسر عرفات متواجدا في البرلمان المصري عندما أعلن السادات عن نيته في زيارة القدس المحتلة. وحتى بعدما انضمت منظمة التحرير رسميا لجبهة الصمود والتصدي فقد كان انضمامها شكليا وعلى أي حال فقد انهارت هذه الجبهة بعد سنتين من قيامها.
الهدف الآخر من هذا القرار كان موجها للجماهير الفلسطينية وكانت الرسالة واضحة بأن انسوا قرار التقسيم وأنه لم يبق أمامكم سوى الانضمام لمن هللوا للتقسيم منذ صدوره والتهوا  واستمتعوا بيوم التضامن العالمي.
  بعد مرور 42 عاما على قرار الأمم المتحدة من حقنا أن نسأل: أين هو التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني؟ وماذا حقق أكثر من رفع العلم الفلسطيني على بناية الأمم المتحدة في نيويورك؟
هذا اليوم كان وسيبقى وصمة عار على جبين الأمم المتحدة ويوم ذكرى لأحد بشع القرارات في التاريخ الحديث، قرار تقسيم فلسطين الذي منح عمليا كلا القسمين للكيان الصهيوني.