Thursday, June 25, 2015

من أمستردام إلى تل أبيب مرورا برام الله



من امستردام إلى تل ابيب مرورا برام الله

على زبيدات – سخنين

مدينة امستردام غنية عن التعريف. فهي ليست عاصة هولندا واكبر مدينة فيها فحسب بل هي من اكثر المدن شعبية في العالم من الناحية السياحيةايضا. وقد توجتها الاطراف المختصة بالسياحة عالميا لعدة سنوات في المكان الاول في السياحة أوروبيا وعالميا. ولعل اكثر ما يجذب السواح اليها (وخصوصا من منطقة الشرق الاوسط) هو لبراليتها وانفتاحها على السياحة الجنسية وعلى المخدرات الخفيفة المتاحة. ولكن بالطبع تقدم استردام للسائح اكثر من ذلك بكثير فهي المدينة التي تحتوى على اكبر عدد من المتاحف من بين المدن الاوروبية،بعض هذه المتاحف يحتوي على كنوز فنية لا تقدر بثمن كلوحات فان غوخ وريمبراندت وغيرهما هذا بالاضافة الى القنوات والمنتزهات والنوادي التي تضفي عليها جوا مثاليا لكل من يفكر في قضاء عطلة ممتعة.
بالمقابل مدينة تل ابيب هي الاخرى مدينة غنية عن التعريف خصوصا بالنسبة لنا نحن ابناء الشعب الفلسطيني. فهي تحاول جاهدة تقليد امستردام في العديد من النواحي السياحية ولعل ابرزها المهرجان الدولي السنوي للمثليين جنسيا حتى اصبحت تل ابيب تعتبر،بحق أو من غير حق، عاصمة المثليين العالمية. هنا حسب رأيي ينتهي التقليد والتشابه بين المدينتين. فلا اظن ان تل ابيب تستطيع أن تضاهي أو ان تقلد امستردام في المتاحف والمعارض والمهرجانات والنوادي الراقية.
ولكن هذه المقارنة العرضية كانت كافية لكي تطلب تل ابيب من امستردام التوقيع على اتفاقية توأمة بين المدينتين وان تجد اصواتا كافية في امستردام لقبول مثل هذا الطلب خصوصا في هذه المرحلة حيث تمت اعادة انتخاب نتنياهو كرئيس لاكثر حكومة يمينية وتعثر المفاوضات السياسية مهما كانت فاشلة مسبقا وللخروج من العزلة الدولة السياسية وتزايد اصوات المقاطعة والعقوبات عليها.
في هولندا لا يتم انتخاب رئيس البلدية بانتخابات عامة مباشرة كما يجري في البلاد. رئيس البلدية في هولندا هو موظف دولة يتم اختياره بواسطة مناقصة حسب مؤهلاته بغض النظر عن انتماءاته الحزبية والسياسية. ولكن يتم انتخاب اعضاء المجلس البلدي الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة على عكس اعضاء البلديات عندنا الذين يشكلون جوقة خاصة تردد اللحن الذي يعزفه الرئيس. فاتفاقية التوأمة ليست من صلاحيات رئيس البلدية ولا يستطيع فرضها بينما لا يشكل المجلس البلدي اكثر من ختم لقرار الرئيس كما يجري عادة عندنا. فالاتفاقية يجب ان تنال موافقة المجلس بعد مناقشتها في جلسة علنية مفتوحة تتاح الفرصة للمواطنين المشاركة في ارائهم (ولكن طبعا من غير الدخول في النقاش والتصويت). وعندما عرضت اتفاقية التوأمة للنقاش في جلسة البلدية عرضت آراء الجمهور في البداية حيث تكلم ما لا يقل عن ثمانية من ممثلين عن لجان تضامن من بينها لجنة يهودية مناهضة للصهيونية تسمى:”صوت يهودي آخر" ولجنة تمثل الجالية الفلسطينية ومواطن يمثل نفسه ولكنه مهتم بحقوق الانسان. جميع هؤلاء عبروا عن رفضهم وعن امتعاضهم لاتفاقية التوأمة المعروضة. فجميعهم اكدوا بانه لا يمكن تقديم حبل النجاة لاسرائيل في هذه المرحلة بالذات حيث تتوغل في هضم حقوق الفلسطينيين وتستمر في بناء الجدار العازل واحكام الحصار على غزة والتمادي في بناء المستوطنات متحدية بذلك كافة القرارات الدولية وترفض اية تسوية سلمية. فقد حاول رذيس البلدية فان دير لان أن يفصل عملية التوأمة بين البلديتين عن سياسة الدولة ولكن جميع المتحدثين انه في اسرائيل لا يمكن الفصل بين سياسة الحكومة والسياسة المحلية فالبلديات هي وسيلة لتنفيذ السياسة الحكومية حتى وان كان رئيس البلدية من حزب معارض كما هو الحال في تل ابيب، هذا بالاضافة إلى ان تل ابيب نفسها فامت وتوسعت على انقاض مدينة يافا الفلسطينية التاريخية على انقاض قرى فلسطينية مهجرة اخرى.
تدخلات ممثلي لجان التضامن والمواطنين خلطت الاوراق الى درجة أدت إلى تغيير آراء العديدين من اعضاء المجلس البلدي وانتقالهم من المعسكر المؤيد الى المعسكر المعارض، حتى ان عدد من ممثلي الحزب الذي نينتمي اليه رئيس البلدية (حزب العمل الهولندي) وهو بالمناسبة الحزب الشقيق للحزب الذي بنتمي اليه رون خولدائي، قد غيروا رأيهم واعلنوا انهم سوف يصوتون ضد الافتراح. سيتم التصويت النهائي في بداية الشهر القادم حيث يتوقع اسقاط اتفاقية التوأمة.
ما هو دور رام الله اذن في الموضوع؟ في نهاية جلسة ولاقناع المجلس البدي بقبول الاقتراح سحب رئيس البلدية من قبعته ارنب رام الله حيث اعلن انه بالموازاة مع توقيع اتفاقية التوأمة مع تل ابيب سوف توقع بلدية امستردام اتفاقية تعاون مع بلدية رام الله مما سوف يساهم في اعادة الثقة بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني وربما لتجديد العملية التفاوضية بينهما، وبأن رام الله قد رحبت بهذا الاقتراح على لسان ممثلها في هولندا. وكاد البعض أن يقع بالفخ: فإذا كان الفلسطينيون موافقين الا يكون من الوقاحة أن يعارض الاخرون؟. لقد تعودنا على رخص سلطة رام الله ولم تعد تفاجئنا. يبدو انها سعيدة بوقوفها على الهامش واكتفائها بالفتات. هذا ما حدث مؤخرا بسحب افتراح طرد اسرائيل من الفيفا، وبالترحيب بمقترحات لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي التي رفضتها اسرائيل وغيرها من المواقف المخزية السابقة واللاحقة.
سلطة أوسلو وصمة عار على جبين القضية الفلسطينية.

Friday, June 19, 2015

فلسطيني من فلسطين



فلسطيني من فلسطين
علي زبيدات – سخنين
لم اتوقع أن يلاحقني شبح هويتي الوطنية إلى كل مكان اسافر اليه ويزج بي في نقاشات كنت أود للحظة ألا أخوض فيها. سافرت إلى هولندا لزيارة خاصة. لم اسافر من اجل الترفيه عن نفسي مع اني مثل غيري بحاجة في بعض الاحيان إلى رحلة ترفيهية. ولم اسافر للتمتع بالاماكن السياحية والمناظر الطبيعية التي تعج فيها هولندا من جنوبها إلى شمالها. لذلك وللأسف لن اكتب عن مثل هذه الاماكن والمناظر كلمة واحدة أو حتى نصف كلمة. ما أن وصلت إلى هولندا حتى بادر بعض الاصدقاء والمعارف ممن يسكنون في مدينة روتردام التاريخية التي تعرضت لدمار شبه شامل اثناء الحرب العالمية الثانية يشبه الدمار التي تعرضت اليه غزة في الحرب الاخيرة في السنة الماضية، وطلبوا مني القدوم إلى روتردام للتكلم في امسية عن الاوضاع السياسية الراهنة في البلاد. لم يسعني بالطبع ان ارفض مثل هذا الطلب. هنا بدأت المشكلة، فقد قامت احدى الصديقات المبادرات بتعريفي قي الدعوة المقترحة للامسية باني فلسطيني من "اسرائيل" ولحسن حظي أو لحسن حظها انها وضعت كلمة إسرائيل بين مزدوجين. ولكن هذا لم يكن كافيا لاسترضائي، فأنا ارفض التعريف عن نقسي كفلسطيني من "اسرائيل" مع أو بدون مزدوجين. وبعد احتجاجي اقترحوا أن يكون التعربف: "فلسطيني مواطن في دولة اسرائيل"، فقلت إن هذه التسمية اسوأ من سابقتها.
في الحقيقة انا لا الوم اصدقائي ومعارفي الهولنديين على ذلك، بالمناسبة جميعهم داعمين للحق الفلسطيني ومتضامنين مع نضال الشعب الفلسطيني من اجل الحرية والعودة وان كل اقتراحتهم التعريفية مستمدة من الاحزاب والمنظمات الفلسطينية الوطنية. عدت إلى جرد كافة التعريفات التي تستعملها مؤسساتنا الوطنية على كافة اشكالها ومستوياتها فوجدتها كثيرة ولكني لم اجد حتى تعريفا واحدا يصلح للتعبير عن هويتي الوطنية: واليكم بعض هذه التعريفات المتداولة:
١- عربي اسرائيلي
٢- فلسطيني مواطن في دولة اسرائيل
٣- فلسطيني تحت المواطنة الاسرائيلية
٤- فلسطيني من الداخل(من فلسطينيي أو عرب الداخل)
٥- فلسطيني من ال١٩٤٨
٦- فلسطيني من الاقلية القومية الفلسطينية
٧- فلسطيني من الاقلية القومية الاصلانية الفلسطينية.
امام هذا الكم الهائل من التعريفات والذي كل تعريف فيه يفتح ابوابا لا تنتهي من النقاش الذي لا ينتهي، تذكرت انه في زيارتي السابقة لهولندا قبل حوالي سنة اصطدمت بموقف مشابه ولا ادري كيف خرجت منه في حينه. لم يكن لدي الرغبة والقوة للاسهاب في مناقشة كل تعريف على حدة وتبيان اعتراضاتي وتحفظاتي عليه فاختصرت النقاش بالقول بأنني بالتأكيد لست عربيا اسرائيليا وأن مثل هذا المخلوق غير موجود أصلا في الواقع بالرغم من اوهام البعض وذلك بسب تعريف الدولة لنفسها بانها "دولة يهودية ديمقراطية". ولا اشعر بأني مواطن في هذه الدولة لان مفهومي للمواطنة يختلف تماما عما تمنحه الدولة. وانا لست فلسطيني ١٩٤٨ بينما ذاك فلسطيني ١٩٦٧، فسنة الاحتلال لا تشكل عنصرا حاسما في تكوين الهوية الوطنية. وبالطبع ارفض اعتبار كوني اقلية قومية لان ذلك يشترط وجود اغلبية قومية أي الاعتراف بالمبدأ الصهيوني الاول الذي يقول بأن اليهود في جميع انحاء العالم يشكلون قومية واحدة الامر الذي ينكره العديد من اليهود انفسهم. ويشترط ايضا الاعتراف بتقسيم فلسطين وتشريد شعبها والقبول بواقع تمزيقه.كما يتجاهل هذا التعريف، واقع ان الشعب الفلسطيني، بالرغم من كل ما سبق وصفه، ما زال يشكل اغلبية وانه اذا ما نظر اليه كجزء من الامة العربية فهو اضعاف اضغاف تجمعات المستوطنين الصهاينة.
بعد تفكير عميق وتناول كافة التعريفات الانفة الذكر من كافة جوانبها اقترحت على اصدقائي استخدام ابسط تعريف واقربها إلى الحقيقة: فلسطيني من فلسطين
لا اكثر ولا اقل. وبعد ذلك ، اذا كانت هناك ضرورة للتوضيح واذا كان هناك من بحاجة للتوضيح، يمكن ذكر المنطقة الجغرافية أو سنة الاحتلال أو الوضع العام السائد.
وقد تقبل اصدقائي الهولندين هذا التعريف البسيط بدون أي تحفظ: وحبذا لو كل فلسطيني مسافر أو مقيم ولتفادي البلبلة أن يعرف نفسه بكل ثقة وبكل بساطة: انا فلسطيني من فلسطين. نقطة سطر جديد.

Wednesday, June 10, 2015

متى تصل حركة المقاطعة إلى هنا؟



متى تصل حركة المقاطعة إلى هنا؟
علي زبيدات – سخنين

حركة المقاطعة العالمية المعروفة باسم BDS تفقد دولة إسرائيل توازنها. تكتسح هذه الحركة بخطوات حثيثة بلدان العالم وتنتقل من الاوساط الشعبية الى المؤسسات الرسمية، تدعو الى مقاطعة دولة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وذلك بسبب سياساتها الاحتلالية والاستيطانية واصرارها على هضم حقوق الشعب الفلسطيني. لقد حققت حركة المقاطعة في الفترة الاخيرة انجازات هامة عديدة في كافة المجالات: مقاطعة اقتصادية، سياسية، ثقافية وأكاديمية. العديد من الشركات الكبرى سحبت استثمارتها او تعلن عن نيتها بسحب هذه الاستثمارات، جامعات عريقة تعلن عن مقاطعتها للجامعات الاسرائيلية، تنظيمات جماهيرية تشن حملة غير مسبوقة لمقاطعة المنتوجات الاسرائيلية مما يكبد الشركات الاسرائيلية خسائر باهضة.
أمام هذا الوضع المتفاقم، توحدت المنظمات والاحزاب الصهيونية من يمينها مرورا بمركزها وحتى يسارها لمواجهة هذا الخطر الجارف وكل طرف منها يتهم الاخر بانه لا يعمل بما فيه الكقاية لمواجهة هذه الحملة. هكذا نرى مائير لبيد احد زعماء المعارضة يطير الى الولايات المتحدة لمواجهة حملة المقاطعة في البلد الذي كان (وما زال) الحليف الاستراتيجي لدولة اسرائيل والتي تحقق فيه مؤخرا حركة المقاطعة تقدما كبيرا على صعيد الجامعات ومنظمات حقوق الانسان. زعيم حزب العمل والمعسكر الصهيوني يتسحاق هرتسوغ هو الآخر ينضم إلى ماكنة الدعاية الاسرائيلية لمواجهة حملة المقاطعة. وقد قامت المؤسسة الاسرائيلية بتجنيد كل من يمكن تجنيده في هذه المعركة من سياسيين وفنانين ومثقفين ووسائل اعلام. وبما انني من قراء جريدة وموقع يديعوت احرونوت التي تعتبر نفسها الاكثر انتشارا في البلاد حيث قرأت اعلانها بانها تقود مواجهة حملة المقاطعة على المستوى الاعلامي في البلاد وخارجها من خلال موقعها باللغة الانجليزية ايضا. وفتحت صفحاتها لكل من يهاجم حركة المقاطعة ويدافع عن اسرائيل بغض النظر عن انتماءاته القومية والسياسية والثقافية. وقد لفت انتباهي استضافتها للبروفيسور إيلان درشوفيتس الذي يعمل في جامعة هارفرد الامريكية والذي ادعى مثله كباقي المجندين بأن الهدف الاساسي من وراء حملة المقاطعة هو ليس الاحتجاج على الاحتلال والاستيطان غير الشرعيين بل تقويض الكامل لدولة اسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وان من يقود هذه الحركة هم من اللاساميين المتطرفين ومن منكري الهلوكوست. كما جندت الصحيفة الناشط الفلسطيني باسم عيد الذي يهاحم حركة المقاطعة بكل مناسبة ومن غير مناسبة بحجة ان مقاطعة اسرائيل تضر بالاساس بالفلسطينيين الذين يفقدون مصادر رزقهم في حالة انسحاب المصانع والمصالح الاسرائيلية من الضفة الغربية، كما تضر بالمفاوضات وبالمسيرة السلمية على حد قوله حيث تنشغل اسرائيل في مواجهة حركة المقاطعة بدلا من التركيز على ايجاد حل سلمي للنزاع الاسرائيلي -الفلسطيني.
لقد استطاعت دولة اسرائيل على مدى سبعة عقود ان تبتز العالم بسبب جرائم النازية بحق يهود اوروبا بعد ان نصبت نفسها الوريث الشرعي لضحايا النازية واستولت على اموال التعويضات التي وجدت طريقها إلى البنوك والشركات الكبرى بينما يعيش معظم الناجين من معسكرات التركيز النازية تحت خط الفقر. كما استطاعت في هذه القترة ان تقنع العالم، مع بعض الاستثناءات، بأن كل نقد لدولة اسرائيل وسياساتها هو لا سامية موجهة لليهودي لكونه يهوديا لا اكثر. هذه الادعاءات والاكاذيب لم تعد تنطلي على احد خصوصا وان العديدين من قادة حركة المقاطعة ومن المناهضين للحركة الصهيونية هم من المفكرين والمثقفين اليهود. ان استعمال مصطلح اللاسامية بهذا المعنى المبتذل والمزيف اصبح مهزلة حتى بالنسبة لاصدقاء اسرائيل التقليديين.
نقطتا الضعف في حركة "المقاطعة وسحب الاستثمار والعقوبات" هما أولا: الدول العربية التي أصبحت تنفسم إلى قسمين: قسم يقيم علاقات تطبيعية علنية مع إسرائيل في جميع المجالات وعلى كافة المستويات مثل مصر والاردن والسلطة الفلسطينية. وقسم يقيم علاقات سرية، أو بالاحرى شبه سرية معها، ولكن ايضا في جميع المجالات وعلى كافة المستويات. وثانيا، وهو الاهم بالنسبة لنا هو تهافت اوساط واسعة من جماهيرنا على المراكز التجارية ااسرائيلية وعلى المنتجات الاسرائيلية.
لقد آن الاوان أن نلتحق بالحركة التي قامت اصلا من اجل الدفاع عن حقوقنا. طبعا مع الاخذ بعين الاعتبار ظروفنا الخاصة الناتجة عن سيطرة الاقتصاد الاسرائيلي على كافة مرافق حياتنا. ولكن يبقى هناك الكثير الكثير مما يمكن عمله في هذا المجال من خلال دعم وتقوية الانتاج الوطني ومقاطعة العديد من المنتجات الاسرائيلية التي يمكن الاستغناء عنها.
قد ترتدع بعض المؤسسات والمصالح الكبرى من قانون المقاطعة الذي سنته الكنيست قبل سنوات ووافقت عليه المحكمة العليا مؤخرا ولكن لا سبب هناك لارتداع المواطن العادي. المسألة تبدأ في مقاومة الثقافة الاستهلاكية التي تغزو مجتمعنا والتي تجعلنا كالقطيع الوارد إلى المراكز التجارية في الناصرة العليا وكرمئيل وحيفا وضواحيها في الشمال وكذلك الامر في المركز وفي القدس. المقاطعة هي جزء من المقاومة الوطنية.

Thursday, June 04, 2015

اوقفوا التطهير العرقي في رمية الجليلية



اوقفوا التطهير العرقي في رمية الجليلية

علي زبيدات – سخنين

أذكر انني قد قمت في بداية سنوات السبعين بزيارة لاحد اصدقائي البدو في منطقة الكمانة. ومررت في طريقي بقرية رمية البدوية التي تواجه سياسة ترحي تقترب من مرحلتها النهائية في هذه الايام. كانت الفرية حينذاك مترامية الاطراف، مليئة بالبيوت والزرائب، وتعج بالحياة وبالضجيج البشري والحيواني. وقد كانت اصوات الرعاة تمتزج مع اصوات المواشي والطيور الداجنة لتشكل سمفونية رائعة يرتد صداها بين الوديان والجبال. وقد بدت قرية رمية ومضارب بدو الكمانة الشرقية والغربية والحصينية وكأنها قرية واحدة متواصلة تغطي جبال الكمانة باكملها. واذكر ايضا حينما مررت بالقرب من مستوطنة كرمئيل كانت لا تزال مستوطنة صغيرة بائسة بشعة منكمشة على نفسها. من ذلك الوقت وحتى اليوم انقلب واقع المنطقة رأسا على عقب. اولا، تم تقطيع اوصال التجمعات البدوية بعد عملية ترحيل ممنهجة للاهالي وضرب الحصار على المتبقين منهم في الكمانة والحصينية وكان نصيب قرية رمية نصيب الاسد من التهجير والمحاصرة وذنبها الوحيد انها وقعت في صلب مخططات مستوطنة كرمئيل للتوسع والتغول. بالمقابل تحولت كرمئيل من مستوطنة صغيرة في سنوات الستين، إلبى مدينة تطوير صغيرة كما يعرفها القانون الاسرائيلي في سنوات الثمانين والى مدينة متطورة ومركزية كما اصبحت في سنوات الالفين.
عدت إلى رمية قبل حوالي سنتين مع تجدد الاحتجاجات الشعبية في مواجهة سياسة الترحيل وسلب ما تبقى من اراضي اهلها. من القرية المترامية الاطراف المفعمة بالحباة لم يتبق سوى يعض البيوت تسكنها بعض العائلات وسط غابة من العمارات الوحشية الشاهقة التي تحاصرها من جميع الجهات فاغرة فاها لكي تلتهمها لقمة سائغة. شكلنا مجموعة متواضعة اطلقنا عليها اسم "اصدقاء رمية " حاولت جاهدة مع الاهالي الذين يعصف بهم اليأس من كل جانب مواجهة هذا الخطر الوجودي. وقد استطاعوا تنظيم بعض الاحتجاجات على مفارق الطرق وبعض الاماكن المركزية في كرمئيل. واستطاعت المجموعة دفع لجنة المتابعة العليا للشؤون العربية للتتدخل. ولاول مرة قررت هذه اللجنة تنظيم مظاهرة قطرية تسير من مركز القرية وحتى بلدية كرمئيل تطالب البلدية ومديرية اراضي اسرائيل برفع اياديها عن رمية. ولكن في اللحظة الاخيرة تراجعت لجنة المتابعة عن قرارها هذا لاسباب ما زالت موضوعا للنقاش واستعاضت عن المظاهرة القطرية باجتماع شعبي على اراضي قرية رمية تحول الى منصة للخطابات الرنانة التي لم تمنع مصادرة شبر واحد او هدم بيت واحد. وانسحبت من الموضوع نهائيا بعد أن شكلت لجنة ثانوية من رؤساء مجالس محلية في المنطقة لملاحقة القضية والتي بدورها لم تحرك ساكنا.
بعد انقطاع نشاطات مجموعة اصدقاء رمية لسنة كاملة، عادت للاجتماع مؤخرا مع ممثلي الاهالي وفي الافق يلوح سوط القضاء الاسرائيلي بتعيين حلسة للبت في مصير القرية امام المحكمة العليا في القدس في شهر تشربن اول/ اكتوبر القادم. شخصيا، لم اكن راضيا كل الرضا عن النقاشات المنهكة وفي بعض الاحيان العقيمة التي سيطرت على الاجتماع. في النهاية تم الاتفاق على ثلاثة نقاط مركزية كان قد تم الاتفاق عليها في موجة الاحتجاجات السابقة قبل سنتين ولم تتمخض عن اية نتائج ايجابية.
أولا: تنشيط النضال الشعبي وحشد الجماهير العربية والصديقة ورفع مستوى الوعي العام للقضية على ان يكون النشاط الاول في هذا الاتجاه تنظيم تظاهرة رفع شعارات يوم الجمعة ٦/١٢ بعد صلاة الجمعة على المدخل الرئيسي لكرمئيل من جهة الغرب.
ثانيا: متابعة المسار القضائي، ليس فقط من خلال الاستعداد لجلسة المحكمة العليا في اكتوبر بل ايصا تقديم شكوى جديدة باسم الجيل الثاني والثالث من السكان الذين تم تجاهلهم في المفاوضات والاتفاقيات السابقة.
ثالثا: التوجه للقائمة المشتركة لكي تكثف نشاطها البرلماني وذلك من خلال بعث رسائل لاعضاء الكنيست العرب او تشكيل وفد من الاهالي ومجموعة الاصدقاء لزبارة القائمة المشتركة في الكنيست. وبالتوازي العمل على اعادة نشاط اللجنة الثانوية المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا والتي تضم رؤساء مجالس محلية في المنطقة.
لقد عبرت عن رأيي المتشائم ولكن الواقعي وتحفظي فيما يتعلق بالنقطتين الثانية والثالثة أي المسار القانوني والمسار البرلماني. حيث اثبت القضاء الاسرائيلي انه يحكم بموجب قوانين عنصرية لخدمة سلطات عنصرية، كما اثبت النضال البرلماني عقمه على مدى عشرات السنين. اما بالنسبة للنقطة الاولى: النضال الشعبي قلت ان ذلك مرهون اولا وقبل كل شيء بموقف واضح وصلب من قبل اهالي رمية برفض كافة الاقتراحات المبنية على اساس مبدأ المبادلة او التعويض. يوجد لاهالي رمية حق مطلق أن يبنوا بيوتهم وبيوت ابنائهم على اراضيهم، ارض ابائهم واجدادهم وكل بديل آخر يجب أن يكون مرفوضا رفضا قاطعا. فقط على ارضية صلبة كهذه بمكن الرهان والاعتماد على نضال شعبي فعال وحاسم يخترق الاطر المحلية والقطرية ويصل الى العالمية. النضال من اجل تحسين شروط صفقة هنا وصفقة هناك لا يضمن التفاف الجماهير الشعبية وتحويل نضالها إلى نضال شعبي قادر على مواجهة سياسة التطهير العرقي والانتصار عليها.