Friday, April 27, 2007

لكي لا يصبح الدفاع عن حرية التعبير دفاعا عن الخطأ

لكي لا يصبح الدفاع عن حرية التعبير دفاعا عن الخطأ

يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير:" إنني مستعد أن أموت من أجل أن أدعك تتكلم بحرية مع مخالفتي الكاملة لما تقول". منذ أن تفجرت قضية عزمي بشارة وقبل أن يعرف أحد تفاصيل التهم المنسوبة إليه طفحت الصحف العربية والعبرية والمواقع الالكترونية بالإخبار والمقالات والتحليلات والمقابلات التي تناولت هذه القضية من كافة جوانبها. وفي خضم هذه المعمعة ونتيجة لها بدأت تتبلور صورة مشوهة للقضية برمتها. وكأنه يوجد هناك طرفين متناقضين، الطرف الأول هو الطرف المدافع عن عزمي ويضم كافة الأحزاب والمنظمات التي اتفق على تسميتها وطنية والطرف الآخر الذي تقع في مركزه المؤسسة الاسرائلية وإعلامها وبعض الإعلام العربي الذي يدور في فلكها. هذا الفرز المقولب والمشقلب أبعد ما يكون عن الواقع. خصوصا وأن هذا الكرنفال يستغل حاليا للترويج عن مواقف وأفكار ذات أهمية وطنية وقومية عليا بحجة الدفاع عن حرية عزمي بشارة التي تريد دولة إسرائيل "الديمقراطية" سلبه إياها.
أعود لما قاله فولتير وأقول خلافا لكافة المداحين والمصفقين: إنني مستعد أن أموت من أجل حرية عزمي بشارة في التعبير عن أرائه وأفكاره مع إنني معارض معارضة كاملة هذه الآراء وهذه الأفكار. هذا الموقف يحتم علي أن أقولها ألان بجرأة وصراحة، مع علمي بمعارضة الكثير من القراء لهذا التوجه حتى ممن يوافقون على موقفي هذا، وذلك من باب الحفاظ على الوحدة ورص الصفوف من أجل مواجهة غطرسة السلطات ومقاومة سياستها القمعية. إلا أن استغلال هذه القضية من قبل التجمع الوطني الديمقراطي، من حيث الأساس، ومن قبل بعض الكتاب المقربين من اجل الترويج لهذه الآراء والأفكار والمواقف جعل الصمت عليها مستحيلا بل جريمة لا تغتفر.
لذلك لن أخوض في ضرورة الدفاع عن عزمي في وجهة الملاحقة السلطوية الإسرائيلية، هذه بديهية لا تحتمل النقاش. ولكني أرفض أن تكون المؤسسة الإسرائيلية هي المعيار لصحة أو عدم صحة الموقف السياسي لحزب معين أو لشخص يحترف السياسة، أرفض أن يكون رئيس الشباك هو المرجعية السياسية في تحديد ما هو صواب وما هو خطأ في مواقف الجماهير الفلسطينية، ومن يشكل خطر على هذه الدولة ومن لا يشكل خطرا عليها.
لا أكتب من باب التشفي أوالشماتة، ولا أكرر المثل العربي الشهير: " على نفسها جنت براقش" ولكني أردد ما قاله أرسطو:"أحب الحقيقة وأحب أفلاطون ولكني أحب الحقيقة أكثر".

جدوى العمل في الكنيست:
يقول عزمي بشارة في تصريحاته القليلة بعد تفجر الأزمة الراهنة انه استنفذ العمل في البرلمان الإسرائيلي وانه لا يستطيع أن يقدم أكثر من خلاله، وانه يريد أن يتفرغ للكتابة الفكرية ولأدبية. كلام جميل جدا، أي أن الكنيست أصبحت صغيرة على مقاسه وأصبح النضال من خلالها غير مجدي. ألا يحق لنا يا دكتور أن نتساءل: لماذا خلال 11 سنة أقمت الدنيا ولم تقعدها من أجل الوصول إلى الكنيست؟ لقد عملت على شق التيار الوطني الذي كان يتشبث بموقف نبذ الكنيست لأسباب مبدئية وجذبت قسم لا يستهان به منه إلى جانبك ودخلت في تحالفات غريبة عجيبة كنت تركلها بقدميك حالما حققت غايتك بالفوز بعضوية الكنيست، وكنت تتهكم على كل واحد ينتقد النضال البرلماني الإسرائيلي، واليوم تأتي لتخبرنا بعدم جدوى هذا "النضال". هل تغيرت الكنيست؟ أم هل تغيرت أنت؟ أم الجماهير التي أوصلتك الى حيث وصلت هي التي تغيرت؟ نريد أن نفهم!
لقد كنت أنا شخصيا من الإفراد القلائل الذين لم تنطل عليهم نظرية ضرورة الانخراط في المؤسسة الصهيونية رقم واحد ألا وهي الكنيست، بينما انطلت هذه النظرية على معظم الرفاق منهم لفترة قصيرة ومنهم لفترة طالت 11 سنة وآمل أن تنتهي اليوم.
كنا نقول دائما، أن الكنيست لا يمكن أن تخرج من جلدها، أنها جوهر النظام الكولونيالي ألصهيوني ألذي أغتصب الأرض وشرد الإنسان، ولن نشارك في الكذبة التي تقول إن الكنيست مرتعا للديمقراطية. وكنت تتهم هذا الموقف بأنه موقف صبياني غير جدي وغير مسؤول ومضر وتدمغه بما لا يحصى من الصفات السلبية الأخرى.
ماذا حققت لنا من خلال الكنيست أنت وباقي الأعضاء العرب "الوطنيين" (طبعا مع استثناء الأعضاء العرب غير الوطنين الموجودين في الأحزاب الصهيونية)؟ أدخلتم خطابا سياسيا جديدا؟ أدنتم سياسة التمييز؟ عارضتم سن القوانين المجحفة في حق جماهيرنا؟ ألقيتم الخطابات الحماسية؟ وماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أن المؤسسة الإسرائيلية واصلت اقتراف جرائمها على جميع المستويات وأنتم وفرتم لها العذر (Alibi) وقمتم بتجميل وجهها البشع في عيون العالم. أنظروا: يوجد لدينا أعضاء كنيست عرب، يشتموننا ويعارضوننا ويؤيدون أعدائنا وأكثر من ذلك، أنهم يتلقون أجورهم منا مقابل ذلك أيضا، أليست هذه هي الديمقراطية؟؟

القومية العربية بين الفكر والممارسة
يحب الدكتور عزمي بشارة أن يدعو حزب التجمع بالتيار القومي الديمقراطي، وبصفته زعيم التجمع فهو بالضرورة زعيم التيار القومي الديمقراطي أيضا. وهو الوريث الشرعي والوحيد لجمال عبد الناصر الذي كان عيبه الوحيد انه لم يكن ديمقراطيا، وللناصرية من بعده وهي أيضا لم تكن ديمقراطية. وكانت مهمة عزمي التاريخية أن يزوج القومية بالديمقراطية، وهكذا نمت وترعرعت فكرة التيار القومي الديمقراطي. حتى هنا كلام رائع، هذا من حقه أليس كذلك؟ هل يمكن أن يدخل الفيل في سم الإبرة؟ طبعا؟ ولم لا؟ إذا استطاع عزمي بشارة إن يحقق القومية العربية من خلال الكنيست الصهيوني فمن السهل إدخال قطار من سم الإبرة وليس فيلا فقط. ولماذا نلوم عزمي فقد دخل البعض الكنيست تحت شعار الإسلام هو الحل وإعادة الخلافة الإسلامية. يبدو أن عصر المعجزات لم ينته بعد. لا أبالغ ولا أجدد شيء إذا قلت إن ألد أعداء القومية العربية ووحدة الأمة العربية هي الكنيست الإسرائيلي. إذا رأيتم أحدهم يدخل خمارة وسألتموه: إلى أين؟ فأجابكم: أريد أن أصلي. فهل تصدقوه؟

اوتوبيا دولة كل مواطنيها
ليس من الضروري إن يكون الشخص ماركسيا لينينيا لكي يعتقد أن الدولة، كل دولة، من حيث تعريفها هي نتاج صراعات طبقية طويلة ومريرة ومستمرة، تارة تأخذ هذه الصراعات أشكال عنيفة (حروب، ثورات، تمردات) وطورا إشكال سلمية(حركات إصلاحية، إضرابات، احتجاجات) وهذه الصراعات تفرز دائما طبقة أو طبقات حاكمة وأخرى محكومة. إذن، لا يوجد هناك دولة لجميع مواطنيها، حتى أكثر الدول ديمقراطية في العالم. فكم بالأحرى دولة قامت على انقاض شعب بعد أن اقتلعته من أرضه ومارست في حقه التطهير العرقي والقمع المتواصل؟ كيف يمكن لدولة كهذه أن تكون أيضا دولة لهذا الشعب؟
هذه الكذبة التي أفرزتها الثورة الفرنسية الكبرى قبل أكثر من ثلاثة قرون تحت شعارات: الحرية، المساواة، الإخوة، قد وأدتها الشعوب المضطهدة من خلال نضالها المستمر ضد الاستعمار الغربي ولكنها ما زالت حي ترزق هنا بفضل الدكتور عزمي. إسرائيل سوف تتحول بقدرة قادر من دولة صهيونية كولونيالية إلى دولة لجميع مواطنيها وسوف تصبح دولة ثنائية القومية. هل هذه دعوة إلى اسرلة الفلسطينيين أم أنها دعوة إلى فلسطنة الإسرائيليين؟ وهل يوجد هناك فرق جوهري بين الدعوتين؟ أترك الإجابة للقارئ نفسه.
هذا غيض من فيض لما يروج له من أفكار ومواقف في ظل ملاحقة السلطات العربية لعزمي بشارة وللتجمع الوطني الديمقراطي وبالتالي لكافة جماهيرنا في الداخل على مختلف قياداتها وأحزابها ومشاربها. يجب أن يكون واضحا للجميع أن التصدي لسياسة القمع السلطوية لا تشمل تهريب الأفكار والمواقف.

Friday, April 20, 2007

من مسيرة العودة الى العودة نفسها

في ذكرى النكبة، تنظم جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين كل سنة مسيرة العودة إلى إحدى القرى المهجرة. في هذه السنة سوف تنظم مسيرة العودة العاشرة في قرية اللجون، في السنة الماضية كانت في قرية أم الزنات والسنة التي سبقتها كانت في الهوشة وقبلها كانت في اندور. وفي السنة القادمة كما يبدو سوف تكون في قرية أخرى وهكذا دواليك. وبما انه يوجد لدينا أكثر من 500 قرية مهجرة، فهل هذا يعني إن لجنة الدفاع عن المهجرين سوف تنظم لنا كل سنة في هذه الذكرى مسيرة "عودة" على مدى الخمسة قرون القادمة؟
مسيرة العودة العاشرة، كالمسيرات التي سبقتها، سوف تكون مسيرة شعبية ترفع الإعلام عاليا وتسير خلف شعارات حق العودة وترفع لافتات بأسماء مئات القرى المهجرة. وسوف تنتهي كالعادة بمهرجان خطابي حماسي تسفك على منصته الكلمات الثورية الحمراء من قبل زعاماتنا. ويكون مسك الختام فقرة فنية ملتزمة تلهب حماس الجماهير التي ترد بالتصفيق الحاد والهتافات المدوية. ومن ثم يعود كل واحد إلى بلده على أمل اللقاء في السنة القادمة في نفس الذكرى ولكن على ارض قرية مهجرة أخرى لإعادة تسجيل الاسطوانة نفسها.
لقد آن الأوان أن نسأل أنفسنا بجرأة وبصراحة: هل ستؤدي هذه المسيرات مهما كانت مسيرات شعبية عارمة إلى تطبيق حق العودة؟ أم أنها أصبحت، مثلها مثل مسيرات أخرى كيوم الأرض وهبة الأقصى، من باب رفع العتب.
أنا لا أدعو إلى إلغاء مسيرة العودة أو إلى إلغاء مسيرات يوم الأرض وهبة الأقصى، ولكن ينبغي أن تكون هذه المسيرات جزء من إستراتيجية هادفة، واضحة وملموسة من أجل تحقيق الغايات والشعارات التي ترفعها. فإذا غابت الإستراتيجية أصبحت هذه المسيرات عبثية فارغة من المضمون، بل تصبح في العديد من الحالات ضحكا على الذقون.
إننا بحاجة إلى أفكار جديدة خلاقة ، إلى انطلاقة إبداعية تزيل الغبار والأدران التي التصقت بمسيرتنا النضالية والتي حرفت بوصلتها عن اتجاهها الصحيح. بعد حوالي 60 عاما على النكبة والتهجير أصبح واضحا للأعمى والأبكم والأصم أن دولة إسرائيل لن تعيد الحقوق لأصحابها، وأن ما يسمى بالشرعية الدولية أعجز من إن ترغم إسرائيل على فعل ذلك، هذا إذا لم تكن متآمرة معها. أما عن العجز العربي والفلسطيني الرسمي فحدث ولا حرج. تبقى النتيجة المنطقية كما يلخصها مثلنا الشعبي: " لا يحرث الأرض إلا عجولها"
السنة القادمة سوف يحيي شعبنا الذكرى الستين للنكبة التي طالت كثيرا، فهيا نعمل على جعل هذه الذكرى انطلاقة حقيقية جديدة نحو العودة، هيا نفكر بعمل مميز فريد من نوعه. بهذه المناسبة أضع بين يدي المسئولين بعض الأفكار التي قد تكسو روح العودة لحما وعظما وتخرجه من فضاء الشعارات إلى حيز الواقع الواعد المتدفق.
دعونا نختار قرية مهجرة يعترف القاصي والداني بحق أهلها بالعودة إلى ربوعها، ونجد عشرة عائلات من هذه القرية تحلم ليل نهار بالعودة إليها وتريد أن تحقق حلمها. ونشتري عشرة كرفانات نضعها على أنقاض هذه القرية ونعلن للعالم أجمع (الذي أصبح إعلاميا على الأقل قرية كونية صغيرة) أن مسيرة العودة الحقيقية قد بدأت، وأن مسيرة إلف ميل قد بدأت بهذه الخطوة المتواضعة. ومن ثم دعونا ننتظر الجرافات الحكومية المصنوعة أمريكيا حتى تأتي لتهدم هذه الكرفانات لكي نقوم نحن في اليوم التالي بإعادتها من جديد، حتى تترسخ وتصبح بيوتا ثابتة.
أنظروا إلى المستوطنات الصهيونية اللاشرعية كيف قامت على كل تله وجبل. نحن على الأقل "نستوطن" على أرضنا ولا نغتصب أرض أحد. قد يقول البعض ولكن هؤلاء المستوطنون يتمتعون بالدعم الحكومي والمالي، وأقول لهم إننا سوف نتمتع بالدعم الجماهيري المحلي والعربي والعالمي إما الدعم المادي فلم يكن أبدا مشكلة، خصوصا وأن هذه الكرفانات تكلف أقل بكثير مما تكلفة المسيرات العقيمة.
هل تذكرون سفينة العودة، قبل حوالي عشرين عاما؟ بالرغم من أنها كانت خطوة رمزية ومكبلة بأفق سياسي ضيق إلا أنها ألهبت حماس الجماهير وأشعلت الأمل في قلوب اللاجئين المشردين، الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية إلى أن تفقد أعصابها وقامت بعملية إرهابية وأغرقت السفينة في ميناء ليماسول القبرصي. فلماذا لا نعيد تجربة مشابهة؟
العودة الفعلية إلى إحدى قرانا المهجرة سوف تشعل نيران الأمل المقدس عند كافة المهجرين وسوف تضع الحكومة الإسرائيلية العنجهية أمام وضع لن تحسد عليه، وسوف تضع العالم أمام اختبار نوايا لا يمكن أن يتهرب منه.
وأخير أتساءل: هل سيبقى قرار حق العودة حبر على ورق أم آن الأوان يصبح عملا بناء ملموسا؟
إنه تحد أمام جماهيرنا جدير أن نخوضه.

Friday, April 06, 2007

ما وراء وراء مبادرة السلام العربية

أفرزت تجارب الشعوب المضطهدة التي خاضت النضال الطويل والمرير من أجل حريتها واستقلالها بديهية وعتها وتبنتها كافة الشعوب تقول: أينما يوجد اضطهاد توجد هناك مقاومة. ما عدا دولنا العربية أبت إلا أن تثبت العكس: أينما يوجد اضطهاد يوجد هناك استسلام وخنوع. بل أنكى من ذلك، البديهية عندنا تقول: كلما ازداد الاضطهاد كلما ازداد الاستسلام والخنوع.
بينما تحظى المقاومة عند هذه الشعوب بالاحتضان والحماية والاحترام تصبح عندنا عصابات متطرفة وإرهابية يجب شن حرب عالمية لتصفيتها جسديا وتتكالب عليها الزعامات المتهرئة وتتآمر مع المضطهدين من أجل قمعها وإجهاض نضالها.
من نافل القول أن نذكر من بحاجة للتذكير أن جامعة الدول العربية قامت بقرار انجليزي بعد الحرب العالمية الثانية وخروج انجلترا من هذه الحرب منهوكة القوى، عاجزة عن الاستمرار في ممارسة دورها الاستعماري القديم، وذلك لهدفين أساسيين: الأول تكريس حالة تشرذم العالم العربي ومنع وحدته بكل ثمن. والثاني: تخليد حالة التبعية للإمبريالية الغربية. ومنذ تأسيسها وحتى اليوم، أي بعد أكثر من 60 عاما، قامت جامعة الدول العربية بدورها هذا المفصل على مقياسها على أفضل وجه. المحاولات الضئيلة التي قامت بها بعض القوى لتغيير هذا الدور قد باءت جميعها بالفشل الذر يع. على كل حال، لسنا بصدد الحديث عن جامعة الدول العربية وتاريخها "النضالي" من خلال مؤتمرات القمة التي تعقدها (معدل مؤتمر قمة واحد كل 3 سنوات) ولكننا بصدد الحديث عن "مبادرة السلام العربية" التي تمخضت عن مؤتمر الرياض الأخير الذي يحمل الرقم التسلسلي: مؤتمر القمة العربية ال19.
كما هو معروف، هذه المبادرة ليست جديدة، فقد تم تبنيها قبل 5 أعوام في قمة بيروت، عندما كانت دماء مجزرة مخيم جنين لم تجف بعد وعندما كانت نابلس وغزة تدمر وعندما كان المرحوم ياسر عرفات مسجونا في المقاطعة. وفي ذلك الحين أيضا لم تكن هذه المبادرة جديدة حيث تم تبنيها قبل سنوات في قمة الرباط أثناء أحد الاجتياحات الاسرائلية للبنان. هذه المبادرة كانت وما زالت كما قال عنها اريك شارون: هذه المبادرة لا تساوي الحبر التي كتبت به.

نعود لجملتنا الأولى حول العلاقة بين الاضطهاد والمقاومة والتي اثبت العرب عدم صلاحيتها. في السنوات القليلة الماضية صعدت أمريكا وإسرائيل اضطهادها لشعوب المنطقة، فقامت بتدمير العراق واحتلاله واستمرت في محاولاتها التي لم تتوقف لتدمير لبنان وفلسطين. وكان من الطبيعي ومن المفروض، حسب القاعدة المذكورة أعلاه، أن تكتسح المقاومة جميع الساحات وتجرف معها جميع التيارات. غير أن النتائج كانت عكسية: كلما تصاعد العدوان وزاد الاضطهاد كلما ازداد الصوت العربي الرسمي خنوعا، وكلما أصبح الانبطاح الرسمي العربي أمامها مخزيا ومهينا. وأكثر من ذلك، بل تورطت جميع الأنظمة العربية كل حسب طاقاته وإمكانياته لقمع هذه المقاومة، واليوم أصبح دور هذه القوى في ضرب المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية سافرا وشرسا. لا يتم ذلك بالخفاء، بل في وضح النهار وعلى رؤوس الأعيان. فقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي علنا وعدة مرات: أن زعماء عرب قد طلبوا منه بل ترجوه أن يسحق المقاومة الوطنية في لبنان في حربها الأخيرة. بصمات كوندليسا رايس والمرت واضحة على كل قرارات مؤتمر القمة. ولو كان المؤتمرون يملكون ذرة واحد من الكرامة لأطلقوا على مبادرتهم الأخيرة " مبادرة إنقاذ بوش واولميرت السلمية" أو مبادرة " السلام الأمريكية-الإسرائيلية- العربية" أو " مبادرة التطبيع العربية"
لقد عقد مؤتمر الرياض الذي صدرت عنه هذه المبادرة من أجل إنقاذ الحكومة الإسرائيلية وإعادة بعض الهيبة والاعتبار للجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، ولكنه قهر في لبنان ومن أجل إنقاذ ألإدارة الأمريكية الغارقة في المستنقع العراقي. مما لاشك فيه أن هذه المبادرة تشكل الخطر الأكبر ليس على القضية الفلسطينية فحسب بل وعلى جميع القضايا المصيرية للعالم العربي بأسره. إننا أمام حلف بغداد جديد أركانه النظام السعودي والأردني والمصري وبعض القوى الثانوية كحكومة فؤاد السنيورة وسلطة محمود عباس والحكومة العميلة في بغداد، مدعوما من قبل أمريكا وإسرائيل والإتحاد الأوروبي. هدفه لا يختلف من حيث الجوهر عن حلف بغداد السابق ألا وهو تخليد حالة التشرذم في العالم العربي وتبعيته للإمبريالية.
تظن هذه الأنظمة المتهرئة بان هذا الحلف سوف ينقذها من مصيرها المحتوم وهو السير بخطوات حثيثة إلى مزبلة التاريخ، تقدم التنازلات وراء التنازلات وتلهث وراء رضا أمريكا وإسرائيل عنها، ولكنها لا تدري أنها بذلك تقصر أعمارها بأيديها. في نهاية المطاف لن يسعفها استجداء ولا انبطاح، لأن من يتم استجدائهم والانبطاح أمامهم سوف تلحق بها إلى مزبلة التاريخ.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو دورنا نحن فلسطينيو الداخل وما هو موقعنا من مبادرة السلام العربية هذه؟ في الحقيقة نحن أيضا قدمنا مساهمتنا المتواضعة لهذه "المبادرة السلمية". هل ظننتم أن الحملة السلامية من "التصور المستقبلي" إلى مبادرة جمعية مساواة وجمعية مدى إلى دستور عدالة الديمقراطي جدا جدا والإعلان عنها في هذه الفترة بالذات جاء عن طريق الصدفة؟ هل يوجد صدفة في السياسة؟ وهل تكرار الشيء نفسه يسمى صدفة؟ لقد نسيت أن أقول لكم، أن زعامتنا ممثلة بلجنة المتابعة العليا ورؤساء السلطات المحلية، التي وأدت منذ قليل يوم الأرض وتعمل على وأد ذكرى النكبة وذكرى انتفاضة الأقصى، هي جزء لا يتجزأ من الحلف الذي تكلمت عنه أعلاه، الذي تسميه وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية: معسكر العرب المعتدلين. وما الغريب في ذلك؟ الا يكرر زعماؤنا بمناسبة ومن غير مناسبة أننا جسر للسلام؟ وهل يوجد سلام آخر مطروح غير السلام الأمريكي – الإسرائيلي - الرجعي العربي؟
عملية الفرز جارية على قدم وساق وعلى جماهيرنا أن تقرر أين تقف في حلف التطبيع أم في حلف المقاومة.
4/7/2007
علي زبيدات