في ذكرى النكبة، تنظم جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين كل سنة مسيرة العودة إلى إحدى القرى المهجرة. في هذه السنة سوف تنظم مسيرة العودة العاشرة في قرية اللجون، في السنة الماضية كانت في قرية أم الزنات والسنة التي سبقتها كانت في الهوشة وقبلها كانت في اندور. وفي السنة القادمة كما يبدو سوف تكون في قرية أخرى وهكذا دواليك. وبما انه يوجد لدينا أكثر من 500 قرية مهجرة، فهل هذا يعني إن لجنة الدفاع عن المهجرين سوف تنظم لنا كل سنة في هذه الذكرى مسيرة "عودة" على مدى الخمسة قرون القادمة؟
مسيرة العودة العاشرة، كالمسيرات التي سبقتها، سوف تكون مسيرة شعبية ترفع الإعلام عاليا وتسير خلف شعارات حق العودة وترفع لافتات بأسماء مئات القرى المهجرة. وسوف تنتهي كالعادة بمهرجان خطابي حماسي تسفك على منصته الكلمات الثورية الحمراء من قبل زعاماتنا. ويكون مسك الختام فقرة فنية ملتزمة تلهب حماس الجماهير التي ترد بالتصفيق الحاد والهتافات المدوية. ومن ثم يعود كل واحد إلى بلده على أمل اللقاء في السنة القادمة في نفس الذكرى ولكن على ارض قرية مهجرة أخرى لإعادة تسجيل الاسطوانة نفسها.
لقد آن الأوان أن نسأل أنفسنا بجرأة وبصراحة: هل ستؤدي هذه المسيرات مهما كانت مسيرات شعبية عارمة إلى تطبيق حق العودة؟ أم أنها أصبحت، مثلها مثل مسيرات أخرى كيوم الأرض وهبة الأقصى، من باب رفع العتب.
أنا لا أدعو إلى إلغاء مسيرة العودة أو إلى إلغاء مسيرات يوم الأرض وهبة الأقصى، ولكن ينبغي أن تكون هذه المسيرات جزء من إستراتيجية هادفة، واضحة وملموسة من أجل تحقيق الغايات والشعارات التي ترفعها. فإذا غابت الإستراتيجية أصبحت هذه المسيرات عبثية فارغة من المضمون، بل تصبح في العديد من الحالات ضحكا على الذقون.
إننا بحاجة إلى أفكار جديدة خلاقة ، إلى انطلاقة إبداعية تزيل الغبار والأدران التي التصقت بمسيرتنا النضالية والتي حرفت بوصلتها عن اتجاهها الصحيح. بعد حوالي 60 عاما على النكبة والتهجير أصبح واضحا للأعمى والأبكم والأصم أن دولة إسرائيل لن تعيد الحقوق لأصحابها، وأن ما يسمى بالشرعية الدولية أعجز من إن ترغم إسرائيل على فعل ذلك، هذا إذا لم تكن متآمرة معها. أما عن العجز العربي والفلسطيني الرسمي فحدث ولا حرج. تبقى النتيجة المنطقية كما يلخصها مثلنا الشعبي: " لا يحرث الأرض إلا عجولها"
السنة القادمة سوف يحيي شعبنا الذكرى الستين للنكبة التي طالت كثيرا، فهيا نعمل على جعل هذه الذكرى انطلاقة حقيقية جديدة نحو العودة، هيا نفكر بعمل مميز فريد من نوعه. بهذه المناسبة أضع بين يدي المسئولين بعض الأفكار التي قد تكسو روح العودة لحما وعظما وتخرجه من فضاء الشعارات إلى حيز الواقع الواعد المتدفق.
دعونا نختار قرية مهجرة يعترف القاصي والداني بحق أهلها بالعودة إلى ربوعها، ونجد عشرة عائلات من هذه القرية تحلم ليل نهار بالعودة إليها وتريد أن تحقق حلمها. ونشتري عشرة كرفانات نضعها على أنقاض هذه القرية ونعلن للعالم أجمع (الذي أصبح إعلاميا على الأقل قرية كونية صغيرة) أن مسيرة العودة الحقيقية قد بدأت، وأن مسيرة إلف ميل قد بدأت بهذه الخطوة المتواضعة. ومن ثم دعونا ننتظر الجرافات الحكومية المصنوعة أمريكيا حتى تأتي لتهدم هذه الكرفانات لكي نقوم نحن في اليوم التالي بإعادتها من جديد، حتى تترسخ وتصبح بيوتا ثابتة.
أنظروا إلى المستوطنات الصهيونية اللاشرعية كيف قامت على كل تله وجبل. نحن على الأقل "نستوطن" على أرضنا ولا نغتصب أرض أحد. قد يقول البعض ولكن هؤلاء المستوطنون يتمتعون بالدعم الحكومي والمالي، وأقول لهم إننا سوف نتمتع بالدعم الجماهيري المحلي والعربي والعالمي إما الدعم المادي فلم يكن أبدا مشكلة، خصوصا وأن هذه الكرفانات تكلف أقل بكثير مما تكلفة المسيرات العقيمة.
هل تذكرون سفينة العودة، قبل حوالي عشرين عاما؟ بالرغم من أنها كانت خطوة رمزية ومكبلة بأفق سياسي ضيق إلا أنها ألهبت حماس الجماهير وأشعلت الأمل في قلوب اللاجئين المشردين، الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية إلى أن تفقد أعصابها وقامت بعملية إرهابية وأغرقت السفينة في ميناء ليماسول القبرصي. فلماذا لا نعيد تجربة مشابهة؟
العودة الفعلية إلى إحدى قرانا المهجرة سوف تشعل نيران الأمل المقدس عند كافة المهجرين وسوف تضع الحكومة الإسرائيلية العنجهية أمام وضع لن تحسد عليه، وسوف تضع العالم أمام اختبار نوايا لا يمكن أن يتهرب منه.
وأخير أتساءل: هل سيبقى قرار حق العودة حبر على ورق أم آن الأوان يصبح عملا بناء ملموسا؟
إنه تحد أمام جماهيرنا جدير أن نخوضه.
No comments:
Post a Comment