Wednesday, December 30, 2015

ماذا اريد في السنة الجديدة؟



ماذا اريد في السنة الجديدة؟
علي زبيدات – سخنين
في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة أربد الكثير الكثير. لن ارضى بعد اليوم بالنزر القليل، ولن اقنع بالفتات الذي يتساقط عن موائد اللئام. وداعا للقناعة. سوف أركل المثل الذي يقول: القناعة كنز لا يفنى في مؤخرتة حتى يرحل من غير رجعة فقد عمل بما فيه الكفاية على تخليد تخلفنا وفقرنا.
اولا وقبل كل شيء اريد أن أرى البلدان العربية نظيفة من كل تدخل اجنبي ومن جميع القواعد العسكرية الاجنبية. فليرحل كل إلى بلده. ليعود الامريكي إلى شوارع شيكاغو وحقول تكساس وليطلق النيران هناك كما يشاء وحسب التقاليد العريقة للمافيا ولرعاة البقر. وليرجع الروسي الى صقيع سيبيريا وليرافقه من يعشق احتضان الدببة. وليرحل الفارسي والتركي والاوروبي وكل من دنس بقدميه الاراضي العربية. اريد في السنة الجديدة تكنيس القواعد العسكرية في قطر والكويت والامارات والبحرين وعمان والسعودية والاردن ومصر وجيبوتي والمغرب والعراق وسوريا وفي كل مكان من المحيط إلى الخليج. هل يوجد هناك من يدعي وجود دول عربية مستقلة؟ لقد اصبحت هذه الدول كالعاهرات ينتهك كل من تسول له نفسه من قوادي العالم ويستبيح حرمتها بل اسوأ من ذالك فالعاهرات على الاقل يملكن حرية اختيار زبائنهن. لنبدأ بتوزيع المكانس على الجماهير لتباشر بحملة التنظيف.
وبعد ذلك اريد اسقاط كافة الانظمة التي جلبت هذه القواعد وادخلت الجيوش الاجنبية من اجل حمايتها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: حمايتها من من؟ والجواب، من شعوبها المسحوقة طبعا. فلو كانت هذه الانظمة تستحق الحياة لحمتها شعوبها ولم تكن بحاجة إلى قوات اجنبية من أجل حمايتها. اريد في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة أن يكون الشعار السائد: الشعب يريد اسقاط النظام. واذا قام نظام متعفن آخر مكان النظام الذي سقط فليسقط هو الاخر حتى القضاء على كل الانظمة القمعية الاستبدادية وحتى تنال الشعوب حريتها وكرامتها كاملتبن. فمن يريد نظاما يقتل شعبه؟ ومن يريد نظاما يسرق القوت من افواه اطفال شعبه؟ ومن يريد نظاما لا يتعامل مع شعبه الا بالعصا؟ وبواسطة اجهزة قمعية من مخابرات وشرطة وسجون وغيرها؟ لا احد.
في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة اريد أن ارى فلسطين نظيفة من رجس الكيان الصهيوني الكولنيالي العنصري وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وتعمير قراهم ومدنهم المدمرة. لن اتمنى في السنة الجديدة قيام "الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس" لاني لا اريد أن ارى دولة معوقة ومشوهة تسمى مجازا دولة فلسطين. لن اصفق ولن احتفل عندما تقوم احدى الدول أو احدى المنظمات الدولية بالاعتراف بهذه الدولة. ولن اتمنى كما يفعل الاخرون بأن يعم السلام (الامريكي – الاسرائيلي – العربي الرجعي) في المنطقة لأن من مثل هذا السلام ستفوح رائحة النفط والبارود إلى سنوات طويلة قادمة. سوف ارجئ تمنياتي بالسلام حتى يعود الحق لاصحابه وتتحقق العدالة.
في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة اريد أن ارى البلدان العربية نظيفة من الحركات الطائفية والتكقيرية على اشكالها. اريد ان ارى هذه البلدان خالية من الافكار والمعتقدات والايدولوجيات الرجعية والعنصرية التي تنمو عليها وتترعرع مثل هذه الحركات. اريد ان ارى هذه البلدان نبراسا للفكر الحر، لحرية المعتقدات، للتسامح، ولقبول الاخر المختلف.
في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة اريد أن ارى شعوب العالم تنتفض ضد النظام الرأسمالي العالمي الذي جلب للعالم الحروب والامراض والجوع. اريد ان ارى هذه الشعوب حرة ومستقلة وفي الوقت نفسه متحدة لا حدود تفرقها ولا صراعات تمزقها ولا حروب تدمرها.
قد يقول البعض هذه احلام بل هي اضغاث احلام. ربما. ولكني انصح من يقول ذلك أن يستمع أولا إلى اغنية جون لنون "تخيل"” Imagine” ويتذكر الكلمات التي تقول: “قد تقول انا حالم. ولكني لست الوحيد. اتمنى في احد الايام أن تنضم الينا. وسيعيش العالم وكأنه واحد".

Wednesday, December 23, 2015

تراجيديا المقاومة والموت



تراجيديا المقاومة والموت
علي زبيدات – سخنين

الحدث الذي طغى على الساحة العربية، الفلسطينية خاصة، في الاسبوع الاخير هو قيام طائرات الحرب الاسرائيلية باغتيال سمير القنطار في احدى ضواحي دمشق. قلت الفلسطينية خاصة، لان سمير القنطار هو فلسطيني قبل أن يكون لبنانيا شاء من شاء وأبى من أبى، وهو مقاوم فلسطيني قبل أن يصبح عضوا في حزب الله وقبل أن يقاتل في سوريا دفاعا عن النظام. وذلك ليس فقط لانه امضى اكثر من نصف عمره في غياهب السجون الاسرائيلية بل أبضا بسبب عشقه لفلسطين البلد والشعب والقضية، كما كان يصرح دائما. تراجيديا القنطار الشخصية ان أمنيته كانت أن يستشهد على ارض فلسطين ولكنه بدل ذلك استشهد على ارض سوريا. ولكن هناك تراجيديا اعم واشمل من هذه التراجيديا الشخصية انها تراجيديا المقاومة الفلسطينية والمقاومة العربية بشكل عام. على الصعيد الشخصي اليد القاتلة واحدة ان كانت على ارض فلسطين أو على ارض سوريا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف وصلنا إلى درجة أن يموت المقاوم العربي في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا بأيدي عربية أو بأيدي اجنبية بمباركة عربية ويهرب من فلسطين وكأنه يهرب من الطاعون؟ أين اختفى عصر الدوريات العربية، الذي كان القنطار احد فرسانه، عندما كان الفدائيون يقتحمون حدود فلسطين طالبين الشهادة؟
لن اتكلم هنا عن سمير القنطار الفدائي ولا عن معرفتي به عن بعد داخل السجون الاسرائيلية فهو ليس بحاجة إلى شهادة لا مني ولا من غيري. وفي الوقت نقسه لن اتكلم عن خياراته اللاحقة بالانضمام إلى حزب الله والقتال إلى جانب النظام السوري. فقد كتب في الاسبوع الاخير الكثير عن هذا وعن ذاك ولا يوجد لدي ما اضيفه في هذا الموضوع . ولن انجر إلى هذا الاستقطاب البغيض الذي لا يعرف سوى كيل الشتائم والمسبات ويستبعد كل تفكير عقلاني بهذه الحالة التي افقدتنا البوصلة ورمتنا في دوامة زعزعت كياننا وجرتنا إلى الهاوية. وبالمقابل لن اجامل أحد ولن اساوم على الموقف الحاسم من الكيان الصهيوني المغتصب ومن القوى الامبريالية القديمة والجديدة ومن الرجعية العربية وارهاب التنظيمات والانظمة.
لو بذل العرب، رجعيون وتقدميون، ارهابيون ومقاومون، وجميعهم يقسمون أغلـظ الايمان بأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الاولى، لو بذلوا في مقاومة إسرائيل ١٪ فقط مما بذلوه في تدمير سوريا لكان مصير اسرائيل اليوم على كف عفريت. ولو بذل النظام السوري خلال نصف قرن من حكمه ١٪ فقط مما بذله في هذه الحرب القذرة لتحررت الجولان منذ زمن بعيد. نعم، بهذا المعنى ومن هذا المنطلق اضع الجميع في سلة واحدة.
حقارة الشاعر اللبناني سعيد عقل وحقده على الفلسطينيين الى درجة ترحيبه بالجيش الاسرائيلي الذي احتل بيروت تتقزم امام حقارة وحقد الطائفيين الذين عبروا عن شكرهم للطائرات الاسرائيلية التي اغتالت القنطار. وكأن الطائرات الاسرائيلية قامت بجريمتها هذه دفاعا عن الشعب السوري.
دولة إسرائيل، بالاضافة لما تمثله من كبان كولونيالي مغتصب، فهي توقع على اتفاقيات لا تحترمها ولا تلتزم بها، ليس على الصعيد السياسي كما في اتفاقيات اوسلو التفريطية فحسب بل وفي تعهداتها التي ترغم على توقيعها مثل تبادل الاسرى. فهي لا تغفر للمقاومين ابدا وتتحين الفرص للانتقام منهم. حيث اعادت معظم المحررين في صفقة شاليط الى السجون واغتالت بعضهم. اغتيال الفنطار نابع اولا وقبل كل شيء من هذا الحقد وغريزة الانتفام. اسرائيل هي الدولة الوحيدة المستفيدة مما يجري من قتل ودمار في منطقتنا. وهي مستعدة للعمل على تدمير مصر والاردن والسعودية ودول الخليج وكافة الدول العربية التي تطلب الان مودتها اذا ما اقتضت مصلحتها ذلك تماما كما تعمل اليوم على تدمير سوريا وكما عملت في الماضي القريب على تدمير العراق. على هذه الدول ان تأخذ العبرة من العملاء الذين تجندهم اسرائيل لخدمتها على الساحة الفلسطينية وتلقي بهم بعد عصرهم وانتهاء صلاحيتهم إلى المزابل. وسيكون مصيرهم، في أحسن الاحوال، كمصيرها إلى زوال.
تستطيع السعودية وباقي دويلات الخليج، بواسطة اموال النفط وتغول اجهزتها الامنية والحماية الاجنبية، أن تؤجل سقوطها ولكن يخطئ من يظن ان هذه ستشكل ضمانا دائما. تظن هذه الدول من خلال دعمها للحركات التكفيرية والطائفية على شتى اشكالها في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من الدول، بالاضافة إلي ارتمائها في احضان امريكا واسرائيل، أن تؤمن على حياتها ومستقبلها. ولكن الطوفان سوف يجرفها عاجلا ام آجلا إى مزبلة التاريخ.
الانظمة العربية الجمهورية التي اعتدنا أن نطلق عليها انظمة قومية وتقدمية لم تقدم هي الاخرى نموذجا افضل لشعوبها وها هي تنهار الواحد تلو الآخر والسبب الرئيسي في ذلك ليس الحركات الارهابية المتكالبة عليها وليست مؤامرة كونية تتعرض اليها، بل بسبب سنوات طويلة من الحكم الفاسد والقمعي الذي صادر ابسط حقوق الحياة الكريمة للمواطن.
الاستقطاب والاصطفاف في قطبين متصارعين هو تبسيط لطبيعة الصراع وهذا التبسيط قد اوقع العديد من حركات المقاومة الشريفة في مطبات وورطات تتناقض مع اهدافها. ايران ليست افضل من تركيا أو من السعودية لا من حيث نظامها السياسي والاجتماعي ولا من حيث اطماعها . الصراع الروسي الامريكي هو صراع امبريالي لا يمكن ان يصب في مصلحة الشعوب.
الشعوب العربية هي الوحيدة المغيبة في هذه التحالفات والائتلافات وهي الوحيدة التي تدفع الثمن.
الدرس الذي ينبغي علينا جميعا ان نستخلصه من عمليةاغتيال سمير القنطار هو اعادة توجيه البوصلة العربية إلى فلسطين.

Thursday, December 17, 2015

ذكرى الانطلاقات وسنوات الضياع

 
ذكرى الانطلاقات وسنوات الضياع
علي زبيدات – سخنين

تشهد نهاية كل سنة وبداية كل سنة جديدة ذكرى انطلاقة ثلاثة تنظيمات فلسطينية مركزية. وهي حسب الترتيب الزمني لذكرى انطلاقتها (وليس حسب الانطلاقة نفسها): الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حركة حماس وحركة فتح. كما تشهد نهاية كل سنة ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الاولى. مما لا شك فيه تستحق كل مناسبة من هذه المناسبات منفردة مقالة خاصة بل عدة مقالات. كتابة مقالة واحدة تشمل جميع هذه المناسبات ليس فقط انها لن تفي الموضوع حقه بل سيكون من المستحيل تفادي التبسيط والسطحية. لذلك لست هنا بأي حال من الاحوال بصدد تقييم أو حتى ما يشبه التقييم لأي من هذه التنظيمات. انها مجرد خواطر بطبيعة الحال نقدية جاءت من وحي ما قرأته وشاهدته في ذكرى الانطلاقة التي نظمتها هذه الفصائل نفسها. (الجبهة الشعبية وحماس، اما فتح فسوف تحتفل في انطلاقتها في اليوم الاول من العام الجديد ولا اظن انها ستحمل طياتها اي تجديد)
حسب رأيي بدت هذه التنظيمات وكأنها قد تعبت من احياء ذكرى انطلاقتها كل سنة تماما كالشخص الذي يمل من الاحتفال بعيد ميلاده. فنراها كل سنة تقلص من مراسيم هذه الذكرى وتكتفي باصدار بيان عادة ما يمجد نضالات الماضي وبعض الاجتماعات المتواضعة هنا وهناك تقتصر غالبا على بعض النخبة القيادية دائرة ضيقة من الاعضاء الملتزمين. نظرة عابرة على مراسيم الذكرى في السنوات الاخيرة كافية للتأكد من هذا الانحسار.
انطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سنة النكسة، كرد على النكسة من أجل محو آثارها. من أجل ذلك كانت انطلاقتها محاولة لتيغير شكلها التنظيمي وجوهرها الايدولوجي، من حركة قومية عربية إلى حزب ماركسي- لينيني. هل نجحت في هذه المهمة؟ أظن، بعد مرور ٤٨ عاما على المؤتمر التأسيسي الاول (الانطلاقة)، لا حاجة لجواب على هذا السؤال. وأظن أن القيادة تتساءل قبل الاعضاء: أين أخطأنا؟ أين فشلنا؟
ولدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من صلب حركة القوميين العرب. ومن سخرية الاقدار التي لا ترحم أن هذه الحركة ولدت بدورها في عام النكبة كرد فعل على النكبة ومن اجل محو آثارها. كان الرأي السائد في ذلك الوقت أن محو آثار النكبة (تحرير فلسطين) لا يمكن ان يتم الا من خلال نضال قومي عربي موحد. لم تكن حركة القوميين العرب وحيدة في هذا المضمار. في الوقت نفسه تقريبا تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تبنى المنطلقات نفسها، وبعد ذلك بسنوات قليلة اكتسحت الناصرية الساحة العربية وبدا ان الحركات القومية العربية قريبة من تحقيق حلمها خصوصا على ضوء الوحدة المصرية – السورية في اطار الجمهورية العربية المتحدة. في هذه الفترة عاشت حركة القوميين العرب اجمل سنوات حياتها القصيرة،حتى أن صدمة الانفصال لم تؤثر عليها كثيرا نظرا لسيطرة القوميين على الحكم في العراق واستيلاء البعث على السلطة في سوريا، وعاد حلم الوحدة بزخم اكبر مرة اخرى ليضم مصر وسوريا والعراق. ولكن سرعان ما تهشم هذا الحلم تحت اقدام الاحزاب والحركات القومية المتنازعة في هذه البلدان الثلاث. وجاءت النكسة لتدق المسمار الاخير في نعش الوحدة. وهنا تفرقت حركة القوميين العرب الى عناصرها المكونة حسب انتماءت اعضائها القطرية، الفرع الفلسطيني اصبح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لقد واجهت انطلاقة الجبهة الشعبية عوائق ذاتية وموضوعية عديدة وشديدة التعقيد. فقد توصل بعض القادة المؤسسين إلى قناعة عميقة بأن البرجوازية العربية التي تتبنى الايديولوجية القومية عاجزة عن قيادة اي نضال تحرري وانه لا بد من تبني الماركسية – اللينينية بصفتها ايديولوجية الطبقة العاملة. ولكن هذا التحول بدا مستحيلا: قسم كبير من القيادة ومن الجماهير رفض مثل هذا التحول، وقسم آخر نادى بالتحول السريع حتى ولو كان الثمن انقسام الصفوف. ومن ثم كيف يمكن تبنى الماركسية التي تتبناها الاحزاب الشيوعية العربية التي اعترفت بقرار تقسيم قلسطين ووقفت ضد الوحدة العربية؟هذا ناهيك عن النزاع السوفياتي – الصيني حول مفهوم الماركسية – اللينينية. حسب رأيي هذا التخبط الايدولوجي مستمر حتى هذا اليوم وكان السبب الرئيسي للوضع البائس الذي وصلت اليه الجبهة الشعبية.
التخبط الايديولوجي جر وراءه تخبط تنظيمي وسياسي. على الصعيد التنظيمي حصلت هناك انشقاقات اهمها انشقاق الجبهة الديمقراطية. على الصعيد السياسي تبنت الجبهة الشعبية سياسة المراحل اسوة بباقي الفصائل الفلسطينية. وشددت في ادبياتها على ثلاثة مراحل: ١) اقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، مما برر تحالفها الاستراتيجي مع حركة فتح (البرجوازية الفلسطينية) بل والتسليم بقيادتها لهذه المرحلة. ٢) تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني واقامة دولة فلسطين الديمقراطية. ٣) اقامة المجتمع الاشتراكي. النتيجة انطلاقة جبارة وسنوات طويلة من الضياع.
حركة حماس التي احتفلت بانطلاقتها بعد ايام قليلة من احتفالات الجبهة الشعبية هي اصغر التنظيمات الفلسطينية سنا ولكن اكبرها قوة وتأثيرا. جاءت انطلاقتها في مرحلة مد ثوري وهي الانتقاضة الفلسطينية الاولى. هذه الانتفاضة جاءت بدورها في مرحلة تراجع منظمة التحرير الفلسطينية التي تشمل الفصيلين المركزيين: قتح والجبهة الشعبية. فجاءت حماس لتملأ الفراغ على اعتبار انه فصيل جديد مقاوم بعيد عن القساد والمساومة وملتحم بالجماهير. واصبح خلال فترة وجيزة التنظيم الرئيسي على الساحة الفلسطينية مما دفع قيادة منظمة التحرير للاسراع في انهاء الانتفاضة وعقد اتفاقيات اوسلو مع اسرائيل. فشل هذه الاتفاقيات انقذ حركة حماس ليس لانها قاومتها أو رفضتها مبدئيا بل لانها لم تكن في اعين الجماهير طرفا فيها مع انها ااستفادت منها كثيرا. في عام ٢٠٠٦ حققت حماس نجاحا كبيرا في الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية. مما افزع الحزب الحاكم في السلطة ممثلا بحركة فتح ودفعه للتحالف مع دولة الاحتلال لاقصاء حماس. ومن هنا بدأت حكاية الانشقاق الفلسطيني وسيطرة حماس على قطاع غزة المعروفة. ولكن سرعان ما وقعت حماس هي الاخرى في فخ السلطة وتخبطت بين المقاومة والمساومة في ظل ايديولوجية الاخوان المسلمين الانعزالية والرجعية على الصعيد الاجتماعي. وهي في هذه المرحلة تعيش في اوج تخبطها، فمن جهة واجهت وصمدت امام ثلاثة حروب شنتها اسرائيل في اقل من ست سنوات بالاضافة إلى الحصار الاسرائيلي المحكم الذي انضمت اليه مصر وسلطة اوسلو. ولكنها من جهة اخرى انتهت هي الاخرى إلى هدنة مع دولة الاحتلال لاجل غير مسمى. انعكس هذا التخبط على مراسيم الذكرى الاخيرة لانطلاقتها التي اقتصرت على الخطابات والبيانات وبعض النشاطات المتواضعة في ظل انسداد افاق المقاومة الفعلية. مرة اخرى انطلاقة جبارة تلتها سنوات من الضياع.
في اليوم الاول من الشهر الاول من كل سنة تحتفل حركة فتح بانطلاقتها. يكفي أن اذكر هنا انه في سنواتها الاولى لم نسمع اصلا عن شيء اسمه انطلاقة فتح بل كنا نسمع عن انطلاقة الثورة الفلسطينية. من منطلق أن الثورة الفلسطينية هي فتح وأن فتح هي الثورة الفلسطينية. وهذا عكس في وقته الكثير من الحقيقة. اما اليوم فلم يتبق من هذه الثورة سوى الجملة التي يختتم بها رئيس حركة فتح الذي هو رئيس السلطة والذي هو رئيس منظمة التحرير خطابه قائلا: وانها لثورة حتى النصر، قبل أن يعود للتنسيق الامني مع دولة الاحتلال.
تبدو الصورة مأساوية. وهي حقا كذلك. لا يعرف التاريخ حروبا تحررية كوميدية. سنوات الضياع سوف تنتهي وانطلاقات جديدة سوف تتفجر.

Thursday, December 10, 2015

بؤس الديمقراطية



بؤس الديمقراطية
علي زبيدات – سخنين

أعترف من اليوم فصاعدا سوف بان دولة اسرائيل هي دولة ديمقراطية بل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة كما كانت تقول دائما وكنا لا نصدقها. وانصح الجميع أن يعترفوا بهذه الحقيقة التي لا تحتمل الشك أو النقاش. في هذه الدولة الديمقراطية يوجد "برلمان" يسمى الكنيست الذي يمثل حسب المعايير الديقراطية السلطة التشريعية. ينتخب كل اربع سنوات على الاقل بانتخابات عامة ومباشرة. ومن كثر ولعها بالديمقراطية غالبا لا تستطيع الانتظار اربع سنوات فتقوم بتجديد نفسها في انتخابات مبكرة. يشارك المواطنون العرب في هذه الانتخابات على قدم المساواة مع اخوانهم (أو اولاد عمهم) اليهود وينتخبون ممثليهم الذين يملؤون البرلمان ضجيجا وشتائما حسب تقاليد اكثر البرلمانات ديمفراطية في العالم. ويوجد هناك حكومة يقودها الحزب الاكبر مع ائتلاف من مختلف الاحزاب. وينبغي على هذه الحكومة التي تسمى، مرة اخرى حسب المعايير الديمقراطية العريقة، بالسلطة التنفيذية ان تنال ثقة البرلمان والا سقطت ايما سقوط. ويستطيع كل نائب في البرلمان بمن فيهم النواب العرب ان يقدم طلبا بنزع الثقة عن الحكومة واسقاطها. وهناك السلطة القضائية المكونة من محاكم ذات مستويات واختصاصات مختلفة تدار بواسطة قضاة حسب القوانين التي تسنها السلطة التشريعية. وهذه المحاكم تحاسب الجميع من رئيس الدولة ورئيس الحكومة إلى اصغر مواطن. واذا اردتم دليلا على ذلك فهناك رئيس دولة ما زال يقبع في السجن بتهم الاغتصاب والتحرش ورئيس حكومة في طريقه إلى السجن بتهم تلقي الرشوات وجرائم اخرى هذا بالاضافة الى عدد لا بأس به من الوزراء وكبار الموظفين.
اسرائيل دولة ديمقراطية كما هي بريطانيا دولة ديمقراطية. هل يوجد هناك من لا يعترف ببريطانيا كدولة ديمقراطية؟ بل ام الديمقراطيات الحديثة في العالم؟ قبل ثمانية قرون بالتمام والكمال أي في سنة ١٢١٥ صدر الميثاق العظيم، الماجنا كرتا، الذي حدد من صلاحيات الملك المطلقة ويشدد على سيادة القانون. وتتالت منذ ذلك التاريخ الثورات الديمقراطية التي رسخت اسس الديمقراطية الحديثة من دستور وبرلمان وسيادة القانون وفصل بين السلطات حتى اصبحت الديمقراطية الانجليزية مصدر الهام لكل الديمقراطيات الحديثة في العالم. غير ان هذه الديمقراطية لم تمنعها من اقامة امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، تمتد من مشارق الارض الى مغاربها، ومن خوض الحروب الاستعمارية التي لا تنتهي لسلب ونهب الشعوب الضعيفة وقتل ملايين الابرياء من المواطنين البسطاء في شتى ارجاء العالم، هذا بالاضافة للحروب الامبريالية ضد باقي منافسيها. ليس فقط لم تمنعها ديمقراطيتها من ارتكاب كل هذه الجرائم بل على العكس يبدو انها شجعتها على اقتراف المزيد من الجرائم المستمرة إلى يومنا هذا.
واسرائيل دولة ديمقراطية كما هي الولايات المتحدة الامريكية دولة ديمقراطية: برلمان ينتخب بانتخابات حرة، ودستور اصبح نموذجا تحتذي به كافة الدساتير "الديمقراطية" في العالم. واهم من ذلك كله انتخاب رئيس لاقوى دولة في العالم يستطيع أن يبذر في حملته الانتخابية ما يقدر ععليه من ملايين الدولارات بالاضافة الى طرح افكاره مهما كانت عنصرية وسخيفة على مرأى ومسمع العالم باسره. والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب ليس استثناء بل هو القاعدة. لم تتورع الديمقراطية الامريكية التي يحاولون تصديرها لدول العالم عن قتل الملايين من سكان امريكا الاصليين ومن باقي شعوب العالم من كوريا وفيتنام وافغانستان والعراق وغيرها، ولم تتورع من استعمال ابشع اشكال التمييز والعنصرية ضد مواطنيها السود واللاتينيين وباقي المهاجرين.
عودة الى الديمقراطية الاسرائيلية. على ذمة بنيامين نتنياهو فإن هذه الديمقراطية اشد عراقة من الديمقراطيتين الانجليزية والامريكية مجتمعتين. ففي لقائه مؤخرا مع نظيره اليوناني الكسيس تسيبراس، الذي اتهم زورا وبهتانا هو وحزبه سيريزا باليسارية وبانه صديقا للفلسطينيين حتى وقفنا الى جانبه في خلافه مع الاتحاد الاوروبي وقفة لم نقفها حتى مع قضيتنا، قال: انهما ينتميان إلى دولتين ديمقراطيتين في شرق البحر الابيض المتوسط تمتد الى جذور قديمة في اثينا واورشليم قامت عليها الحضارة الغربية كلها. لا ادري اذا كان نتنياهو يعرف بان الديمقراطية الاثينية القديمة التي يتغنى بها الجميع كانت لا تشمل اكثر من نصف السكان من النساء والعبيد وان هذه الديمقراطية أعدمت أول اسير سياسي وهو الفيلسوف سقراط. ولا ادري عن اية جذور ديمقراطية قديمة خرجت من اورشليم، ربما يقصد تلك الاوامر التي اصدرها رب الجنود بقتل الرجال والنساء والاطفال وحتى الحيوانات؟
تعلمنا في كتب المدنيات أن الديمقراطية يجب ان تدافع عن نفسها ضد اعدائها. وبما ان الفلسطينيين هم الد اعداء الديمقراطية فكان من الواجب شن حرب ابادة لا تعرف الرحمة عليهم وذلك دفاعا عن الديمقراطية. وهكذا كان تشريد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني عملا ديمقراطيا وهدم ٥٣٠ قرية لا غبار عليه ومصادرة ونهب اراضية تمت وفق القوانين الديمقراطية ويتم هدم البيوت ايضا حسب القوانين الديمقراطية. السجون تمتلئ بالاسرى ديمقراطيا وحسب القانون والاعدامات بدم بارد هي ثمن بسيط دفاعا عن الديمقراطية.
مع مثل هذه الديمقراطيات ما الحاجة إلى انظمة استبدادية؟

Thursday, December 03, 2015

الجماهير العربية ومكانة القانون



الجماهير العربية ومكانة القانون
علي زبيدات – سخنين

يعقد مركز مساواة يوم الجمعة الموافق ٤ كانون اول/ديسمبر مؤتمرا ضخما تحت عنوان " المكانة القانونية للجماهير العربية". وصفته بالضخم لانه يشمل، على حد قول المنظمين، عددا كبيرا من اعضاء الكنيست ومن الخبراء يهودا وعربا اليهود والعرب، سفراء وممثلين عن السلك الدبلوماسي في هذه الدولة وممثلي جمعيات مدنية. ووصفته بالضخم، لانه يتناول كل المواضيع التي تتعلق بالجماهير العربية في هذه الدولة من سياسية واقتصادية وثقافية وكل تشعباتها من علاقة هذه الجماهير بمؤسسات الدولة والميزانيات التي اقرت مؤخرا وتعين المواطنين العرب في مواقع اتخاذ القرار، البطالة، الفقر والتعليم وباختصار كل ما يمكن ان يخطر ببال. وأخيرا وصفته بالضخم، ومرة اخرى حسب المنظمين، لأن أكثر من مائتي شخص سوف يشاركون به. ولكني اشك أن يكون ضخما من حيث الاهمية والمستوى والمضمون. وحسب رأيي لن يلد هذا الجبل الضخم أكثر من فأر صغير، هذا ان ولد اصلا.
لا اكتب بصفتي خبير في أي شي، فالخبراء كما سبق وقلت موجودون في الطرف الاخر، بل أكتب كمراقب من بعيد لا يعجبه العجب. كلمات الافتتاح والترحيب، بالاضافة لمدير مركز مساواة السيد جعفر فرح ورئيس لجنة المتابعة محمد بركة، ستكون من نصيب سفير الاتحاد الاوروبي وهذا ليس غريبا نظرا لأن هذا الاتحاد هو الممول الرئيسي لهذا المؤتمر. ولسفير اليابان الذي يبدو ان بلاده قد ساهمت في التموبل. على فكرة، الاتحاد الاوروبي كريم جدا في تمويل مثل هذه النشاطات التي تجمع عدد من اعضاء الكنيست من احزاب مختلفة وموطفين كبار من عدة وزارت مع بعض وحولهم بعض الخبراء من محامين وستشارين خصوصا وان النشاط يتم تحت كنف وبرعاية القانون الاسرائيلي وهنا تكمن احدى فوائدة المضمونة وهي تأكيد الطابع الديمقراطي للدولة.
يقولون أن الازمنة تتغير ولكل زمان رجاله وقادته واشكال النضال خاصة به. قد يكون ذلك صحيحا. ولكن هذا لا ينفي وجود رجال وقادة واشكال نضال تتناقض مع روح العصر الذي يتواجدون فيه حيث يطفنو على السطح لفترة معينة ويتغير ون مع تغيير الزمان نفسه. في بلادنا اصبح النضال "المدني" الذي تقوده الجمعيات الممولة من قبل الاتحاد الاوروبي أو احد الصناديق المنتشرة في الدول الغنية هو الشكل الرئيسي للنضال بعد أن دفع بالاشكال الاخرى الى الهامش.
والان لصلب الموضوع. ارفق مركز مساواة في الدعوة لهذا المؤتمر عشرة مطالب تشكل اساسا لعمل هذا المركز، ليس حصرا لهذا المؤتمر، بل بشكل عام. طبعا المجال هنا لا يسمح بالتطرقل كافه هذه المطالب لذا سوف اكتفي ببعضها.
مثلا، مطلب "الاعتراف الرسمي بالمجتمع العربي الاسرائيلي كأقلية قومية في الدولة وكأهل الوطن الاصليين”.
للانصاف يجب أن انوه هنا بأن هذا المطلب ليس حصرا على مركز مساواة بل يشمل معظم الاحزاب السياسية الفاعلة والمؤسسات الرسمية ومعظم ما بسمى بالجمعيات الاهلية. وقد عبرت بعض الجهات عن موقفها هذا في عدة وثائق اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر التصور المستقبلي الذي تبنته لجنة المتابعة، مشروع "الدستور الديمقراطي" الذي نشرته عدالة ووثيقة حيفا الصادرة عن مركز مدى الكرمل. بالنسبة للشق الثاني من هذا المطلب "اهل الوطن الاصليين" فهذه حقيقة ثابتة، فنحن لم نأت من استراليا أو من امريكا اللاتينية ولا نقاش حول ذلك ولا داع اصلا لطلب ذلك. المشكلة في الشق الاول. حسب رأيي هذه اخطر مقولة يمكن ان بتفوهة بها فلسطيني واخطر مطلب بمكن ان تطالب به جهة وطنية كانت ام غير وطنية أمام القانون الاسرائيلي ام امام القانون الدولي. لأن الاعتراف بالجماهير الفلسطينية في الاراضي المحتلة عام ١٩٤٨ كأقلية قومية هي تشويه للحقيقة،للوعي الوطني وللهوية الوطنية. حسب الاحصائيات الاسرائيلية الرسمية الاخيرة عدد السكان اليهود (هذا اذا اعتبرناهم شعبا واحدا) ٦،٢٥١ مليون بينما عدد الشعب الفلسطيني حوالي ١٢ مليون. الاستفراد بال١،٧٣٠ مليون فلسطيني الذين يرزحون تحت الاحتلال منذ عام ١٩٤٨ وسلخهم عن باقي شعبهم يعني الاعتراف بالامر الواقع وهو القبول بتجزئة الشعب الفلسطيني والقبول بضياع ٨٠٪ من فلسطين على الاقل. كل من يرفض هذين الواقعين ويناضل ضدهما يجب ان يرفض تصنيف نفسه كأقلية. واذا ما زال هناك من يؤمن بان الشعب الفلسطيني جزء من امة عربية تعد ٣٥٠ مليون يستطيع ان يتصور من هم الاقلية في هذه الحالة ومن هم الاغلبية. لو طالب المهاجرون الاثيوبيون أو المهاجرون الروس بالاعتراف بهم كأقلية قومية في هذه البلاد لكان هناك بعض المنطق في مطلبهم، اذ ينتمون إلى شعب يسكن في بلاد اخرى لا تدعي بأن بلدنا جزءا منها. ولكن لا يعقل أن تؤمن بأن فلسطين، كل فلسطين وطن الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني وفي الوقت نفسه تطالب ان تكون اقلية قومية في هذا الوطن.
احد المطالب الاخرى الغريبة المطروحة بشكل مجرد هو ضمان التمثيل اللائق والمؤثر في كافة الهيئات السياسية والمجتمعية في الدولة ومن ضمنها (ماحش) قسم التحقيق مع رجال الشرطة، واختيار الحكام والقضاة، وتمثيل متساو في "المنظومة الرمزية للدولة"، وفي الحقيقة لا ادري ما المقصود من ذلك، هل القصد دمج نشيد موطني بنشيد هتكفا؟ وبندقة علم جديد يمزج النجمة بالالوان؟ او يكتفي بعلمين منفلصين متجاورين على طريقة بعض التنظيمات اليسارية الصهيونية؟
مكانة الجماهير الفلسطينية هي التي تحدد مكانة القانون وليس العكس. وكل قانون يمس بمكانة الجماهير الفلسطينية هو قانون غير شرعي مصيره مزبلة التاريخ.