Wednesday, March 26, 2014

المنظمات الصهيونية تزرع والكيان الصهيوني يحصد



المنظمات الصهيونية تزرع والكيان الصهيوني يحصد
علي زبيدات – سخنين
في نقاش صاخب جمعني مع بعض الاصدقاء صدمت من حماسة البعض في الدفاع عن المنظمات الصهيونية، وخصوصا عن منظمة الجوينت التي تجتاح البلد منذ عدة سنوات. وكان دفاعهم يعتمد على ان هذه المنظمات تقدم الدعم الانساني خصوصا للاوساط الضعيفة والمهمشة مثل النساء، المسنين والشباب في ضائقة وكل ذلك بدون مقابل. ويتابع هذا البعض دفاعه زاعما: أن كل من يعارض نشاطات هذه المنظمات فهو مصاب بالانعزالية والانغلاق والمواقف العدمية. والاحرى بنا كمؤسسات وكأفراد وخصوصا المثقفين الترحيب بهذه المنظمات "الانسانية وفتح الابواب على مصراعيها أمامها.
حقا، ان الجوينت تطلق على نفسها منظمة "انسانية" بل هي اكبر منظمة يهودية "انسانية" في العالم اذ تنشط فيما لا يقل عن ٧٠ دولة. (كافة المعلومات من موقعها الرسمي). وتدعي بأنها منظمة غير سياسية وغير ربحية قامت من أجل: "مساعدة الجاليات اليهودية في العالم وفي ارض اسرائيل خصوصا في حالات الطوارىء والازمات". ومهمتها الاساسية في البلاد مساعدة الدولة لاقامة مجتمع قوي، ولكي يكون المجتمع قويا يجب العمل على تقليص الفجوات الاجتماعية.
اذن، لمنظمة الجوينت يوجد هدف وهي لا تخفي هدفها هذا وبالتالي لا تقدم مساعداتها مجانا لوجه الله. منظمة اخرى ناشطة في وسطنا العربي هي صندوق ابراهام الذي يدعي بانه يقدم مساعداته بدون تفرقة على اساس الدين، العرق أو الجنس. لكنه يختبىء وراء شعار المساواة في الحقوق ويفضح نواياه بنفسه عندما يقول ان هدفه "ترسيخ المواطنة الكاملة لتكون البيت القومي للشعب اليهودي وبيت مواطنيها العرب". لذلك ليس من باب الصدفة ان يقدم هذا الصندوق مساعداته للتنظيمات التي ترفع راية التعايش المشترك المزيف.
لم يعد بالامكان حصر عدد المنظمات الصهيونية والمؤيدة للصهيونية التي تغزو مجتمعنا من مدارس وجمعيات ونوادي ومؤسسات اهلية . اذكر هنا بعضها: الصندوق الجديد لاسرائيل، مؤسسة فورد، صندوق فريدريخ ايبرت، صندوق كونارد ادينوار، هاينريخ بيل والاتحاد الاوروبي. وقد وصل الامر قبل سنوات الى قيام ٧٥ منظمة صهيونية من الولايات المتحدة وكندا والدول الاوروبية بعقد أحد أكبر مؤتمراتها في مبنى بلدية سخنين.
لا تعاني هذه المنظمات من نقص بالموارد والاموال. وهي مستعدة أن تتبرع بمبالغ زهيدة او حتى سخية لكي تحقق اهدافها المعلنة والمخفية. على فكرة، حسب رأيي، معظم هذه المبالغ لا تصرف أصلا للصالح العام ولكنها تجد طريقها الى جيوب اصحاب الدكاكين (مدراء الجمعيات وكبار الموظفين). يمكن هنا الاشارة الى ثلاثة اهداف اساسية لهذه المنظمات:
اولا: تجميل وجه دولة اسرائيل في العالم. فبينما ترتكب الدولة يوميا الجرائم في حق الشعب الفلسطيني بالحصار والقتل وسلب الاراضي وبناء المستوطنات واقامة جدار الفصل العنصري والحواجز والاعتقالات، تقوم هذه المنظمات بتسويق الوجه "الانساني" "الديمقراطي" لهذا الكيان في العالم.
ثانيا: تساهم هذه المنظمات بجعل الاحتلال ونظام التمييز العنصري أقل تكلفة. فمن واجب الدولة حتى ولو كانت دولة محتلة أن تلبي الحاجات الضرورية للمواطنين في مجالات التعليم والصحة والضمانات الاجتماعية. جاءت هذه المنظمات لتخفف العبء عن الدولة لكي تتفرغ لاحكام قبضتها الحديدية على الارض الفلسطينية المغتصبة وقمع نضال الشعب الفلسطيني.
ثالثا، وربما كان الهدف الاخطر، هو تربية جيل خانع يرضى بالامر الواقع، في البداية من خلال تكوين شريحة طفيلية فاسدة منتفعة مباشرة من اموال المنظمات الصهيونية. يبدؤون بالدفاع عن تغلغلها في كافة مرافق حياتنا ومن ثم تصبح الطريق لترويج الخدمة والوطنية والخدمة في الجيش والشرطة قصيرة. المنظمات الصهيونية تزرع بذور الاتكالية والطفيلية والفساد في ربوعنا والدولة سوف تحصد الخنوع والولاء مستقبلا.
على مؤسساتنا الوطنية أن تكنس هذه المنظمات من مدارسنا وشوارعنا، من مدننا وقرانا قبل فوات الاوان.

Wednesday, March 19, 2014

ثوار آخر زمن

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000008861 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000008845
ثوار آخر زمن
على زبيدات – سخنين

الاتهامات الخطيرة التي تراشقها مؤخرا وعلى رؤرس اللاشهاد كل من محمود عباس ومحمد دحلان يجب أن تضيء ضوءا احمرا امام كل فلسطيني بغض النظر عن مكان اقامته وعن مركزه أو عن الفصيل الذي ينتمي اليه. لا يمكن القول بعد الآن بأن ما يجري هي صراعات داخل تنظيم فتح ولا يحق لاحد أن يحشر انفه فيها. فالقضية تجاوزت منذ وقت بعيد حدود الفصيل واصبحت تعرض مجمل القضية الفلسطينية للاندثار والزوال.
لم تكن حركة فتح، منذ تأسيسها وحتى اليوم، بمنأى عن الصراعات الداخلية. هذه الصراعات التي وصلت في كثير من الحالات الى الاشتباكات المسلحة والتصفيات الجسدية. منذ البداية، شكل تأسيس الحركة ارضا خصبة لمثل هذه الصراعات حيث جاء جيل المؤسسين من تيارات مختلفة بل ومتناقضة فمنهم من ترعرع في احضان حركة الاخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي ومنهم من كان ينتمي الى احزاب قومية مثل حزب البعث وحركة القوميين العرب ومنهم من كان بدون ولاء تنظيمي. في ذلك الوقت كانت تداعيات النكبة ومن ثم هزيمة حزيران ١٩٦٧ قد فرضت على جميع التيارات أن تتعايش مع بعضها البعض. فكانت دعاية فتح والتي وجدت آذانا صاغية عند اوساط واسعة من الشعب الفلسطيني انه لا يمين ولا يسار في الثورة الفلسطينية ولا تقدمية أو رجعية ولا برجوازية او طبقة عاملة، فالكيان الصهيوني سلب ارض الجميع وهجر الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية،الاجتماعية والفكرية. وتضيف هذه الدعاية انه يجب تجميد كافة الخلافات والتناقضات إلى ما بعد التحرير. صمدت هذ النظرية لفترة من الزمن لا تتعدى العشرة اعوام وبالتحديد من الانطلاقة عام ١٩٦٥ وحتى تبني البرنامج المرحلي عام ١٩٧٤ وكانت هذه القترة بمثابة الفترة الذهبية لحركة فتح حيث استطاعت ليس فقط الاستحواذ على دعم وتعاطف معظم أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بل استطاعت ايضا أن تدب روح الذعر في الكيان الصهيوني.انتهت هذه الفترة مع جنوح الدول العربية، ومعها قيادة حركة فتح التي هيمنت على منظمة التحرير، الى طريق التسوية السلمية ابتداءا بمؤتمر جنيف ومن ثم كامب ديفيد وحتى أوسلو. وكان الانشقاق الاول في حركة فتح من قبل ابو نضال الذي شكل فتح – المجلس الثوري وشرع بتصفية قيادات فتح الذين اتهمهم بالانحراف وتقديم التنازلات للعدو الصهيوني. هذا لا ينفي وجود انظمة عربية استغلت تنظيم ابو نضال لتمرير مآربها الخاصة. جاء الانشقاق الثاني الاشد خطورة في صفوف فتح بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢ والذي اسفر عن اقامة تنظيم فتح الانتفاضة الذي خاض وما زال يخوض صراعا مريرا مع القيادة التقليدية التاريخية لحركة فتح.
ولكن هذه الانشقاقات وغيرها من صراعات كانت على الاقل تعتمد على مواقف سياسية وخلفية نظرية. اما الصراع الاخير بين عباس ودحلان فعلى ماذا يعتمد؟ فقد كانا حليفين ملتصقين. اولا، في مواجهة ياسر عرفات واليوم كل واحد يتهم الاخر بدس السم له. وثانيا، في اعقاب انتخابات المجلس الثوري لحركة فتح عام ٢٠٠٩ حيث ضم الطرفين تحالف وثيق. الان لا تقتصر التهم على لغز اغتيال عرفات بل تشمل ايضا سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من فتح ومن حماس من ضمنهم صلاح شحادة الذي اغتالته اسرائيل وهذا يعني التخابر المباشر مع اجهزة الامن الاسرائيلية وهذا بدوره يعني الخيانة العظمى. اما عن الفساد بكافة اشكاله فحدث ولا حرج. كيف يمكن أن نستوعب كل هذه الاتهامات التي يستصعب الفلسطيني العادي تصديقها؟ فاذا كانت صحيحة ولو بشكل جزئي تبقى مصيبة. واذا كانت غير صحيحة وهي مجرد تبادل شتائم في ساعة غضب يقوم بعدها الاشقاء العرب (من السيسي وحتى امير الامارات) بمساع حميدة للمصالحة تكون المصيبة اكبر.
هل عرفتم الان لماذا تنحدر القضية الفلسطينية برمتها وبخطوات سريعة الى الحضيض وعلى كافة المستويات؟ اذا عرف السبب بطل العجب: بسبب مثل هذه القيادات المهترئة. على الكوادر الفتحاوية الشريفة التي لم تفسدها السلطة بعد بدولارات النفط والدول المانحة أن تبادر وتكنس مثل هذه الزعامة المتعفنة الى مزبلة التاريخ.

Wednesday, March 12, 2014

يوم الارض بين احياء الذكرى وقتل الذاكرة



يوم الارض بين احياء الذكرى وقتل الذاكرة
علي زبيدات – سخنين

من المفروض أن يكون الهدف الاساسي لاحياء الذكرى هو الحفاظ على الذاكرة الجمعية لشعب لكي تبقى حية قادرة على احتضان نضاله وهويته. إذن كيف يمكن وكيف يعقل أن يصبح احياء الذكرى اداة في قتل هذه الذاكرة؟ هل هو مجرد فذلكة كلامية تلاعب في الالفاظ؟. في السنوات الاخيرة، أصبحنا محترفين في احياء الذكريات: كل سنة نحيي ذكرى النكبة بمسيرات العودة حتى اصبحت النكبة امرا روتينيا والعودة تبتعد أكثر فأكثر. وفي كل سنة نحيي ذكرى الشهداء وقافلة الشهداء تتزايد كل يوم بينما نقف مشلولين لا يتحرك فينا الا السنتنا المنفلتة من عقالها. وفي كل سنة نحيي ذكرى يوم الارض بينما تختفي الارض حتى اصبح بالكاد أن نجد موضعا لاقدامنا عليها. هذا ما اقصده عندما اقول ان احياء الذكرى اصبح اداة لقتل الذاكرة.
أصلا، لدي مشكلة في استعمال مصطلح "احياء الذكرى" لأنه يفترض مسبقا أمرين: أولا، وقوع حدث جلل كان له تأثير بالغ على حياة الشعب. وثانيا نسيان أو تناسي هذا الحدث بشكل كلي أو جزئي. وجاء "احياء الذكرى" ظاهريا لانقاذ هذا الحدث من النسيان. لم تكن النكبة حدثا منفصلا وقع لمرة واحدة وانتهى بل هي مستمرة إلى يومنا هذا بدون انقطاع فلا مجال هناك لنسيانها حتى نتذكرها من جديد. ولم تصادر الارض لمرة واحدة وانتهى الامر ولكنها تصادر يوميا وتبقى حاضرة دوما حتى ولو صودرت قبل خمسين عاما إذ هل يعقل أن ينسى شخص ارضه المصادرة التي يراها يوميا في يد آخرين؟ وهل يعقل أن ينسى كونه لاجئا او مهجرا او محتلا؟ وهل يستطيع أحد أن ينسى شهداءه بينما كل يوم يسقط شهيد جديد؟
في ٣٠ آذار نحن لسنا بحاجة الى يوم ل"احياء ذكرى يوم الارض" ولكننا بأمس الحاجة إلى يوم أرض جديد. لقد اصبح احياء ذكرى يوم الارض تحايلا على يوم الارض نفسه لسلبه طابعه النضالي. لم يعد يوم الارض شاهدا على تمسكنا بالارض وعلى مقاومتنا لسياسة الدولة العنصرية بقدر ما اصبح شاهدا على اخفاقنا بالتمسك بالارض ورضوخنا للسياسة العنصرية. لقد بقتل يوم الارض ونحن ندعي احياءه من خلال نفخ الشعارات الرنانة من على منصات المهرجانات الاستعراضية. سوف تجتمع لجنة المتابعة بكافة مركباتهاواللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية اسبوع أو اسبوعين قبل هذه المناسبة وسوف تقرر احياء يوم الارض في مهرجان مركزي في احدى قرى مثلث يوم الارض، هذا المثلث المفكك الذي وضع مؤخرا جميع بيضاته في سلة الحكومة عندما استقبل رؤساء هذه السلطات وزير المالية ومن قبله وزير الداخلية استقبال المنقذين. منذ يوم الارض الاول، يقوم كل وزير داخلية جديد بالحج الى احدى هذه القرى ويوزع الوعود يمينا وشمالا لتوسيع مناطق النفوذ وحل جميع مشاكل الارض والمسكن، وفي كل مرة يطمئن رئيس السلطة المحلية ابناء بلدته بأن الوعود هذه المرة جدية وان الفرج قريب. المهم المحافظة على الهدوء والنظام واحترام القوانين التى سنت خصيصا لسلب الارض. هل من باب الصدفة ان تتزامن زيارات الوزراء مع اقتراب يوم الارض؟. طبعا كمواطنين في "دولة ديمقراطية" نستطيع أن ننظم المهرجان الذي نريده ونلقي الخطابات النارية كما تجود به قرائح الخطباء. وعلى المهرجان المركزي أن يكون في احدى قرى مثلث يوم الارض لكي يضمن له النجاح. فقد أصبح المقياس الوحيد لنجاح أو فشل يوم الارض هو عدد المشاركين في المهرجان المركزي. لم تعد قضية الارض ذات اهمية بل انجاح مهرجان يوم الارض هو المهم.
من أجل انقاذ يوم الارض من احتضان الدببة له يجب العمل على صعيدين: الاول، مصادرة احتكار يوم الارض من قبل لجنة المتابعة واعضائها من موظفي وزارة الداخلية الذين يسمون انفسهم مجازا رؤساء بلديات وتمكين الحركات الشبابية في كل مكان لتقوم بدورها التاريخي. والثاني، تحرير يوم الارض من قيوده الجغرافية (ما يسمى مثلث يوم الارض) ولينطلق الى كافة ارجاء فلسطين حيث تكون قضية الارض ملتهبة ويواجه اصحابها عملية تطهير عرقي كما هو الوضع في النقب أو قرية رمية او عكا أو القدس.
على يوم الارض ان يتجاوز احياء الذكرى ويسكن في الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني كيوم نضالى مستمر حتى العودة والتحرير.

Wednesday, March 05, 2014

المرأة العربية إلى جزر القمر



المرأة العربية إلى جزر القمر
علي زبيدات – سخنين

يوم المرأة العالمي على الابواب. في هذه المناسبة انصح النساء العربيات خصوصا من الدول العربية الكبرى مثل مصر والسعودية والعراق والسودان واليمن وسوريا أن يقمن الرحال بزيارة لجزر القمر. هذه النصيحة ليست نكتة سمجة، حسب دراسة اجريت مؤخرا تبين أن مكانة المرأة هي الافضل في جزر القمر حيث تتمتع المرأة بقدر من الحرية الاجتماعية وبقدر من الحقوق والحماية الاجتماعية وأكثر وحتى قوانين تحمي المرأة من الانتهاكات الجنسية وتعاقب مرتكبيها. على عكس مصر، أم الدنيا، التي تبوأت المكان الاخير حيث تتعرض النساء بنسبة٩٩٪ للتحرش الجنسي من غير حساب أو عقاب. هذا بالاضافة الى ختان البنات وزواج القاصرات والعنف داخل العائلة وغيرها من الانتهاكات.
في يوم المرأة العالمي يصبح الجميع من أنصار المرأة، يحتلون كافة المنابر والمنصات لترويج بضاعتهم الكاسدة من شعارات مزيفة وتشويه للحقائق حتى تبدو المرأة العربية وكأنها قادمة من كوكب آخر تسوده الحرية والمساواة والتقدم والانجازات. ولكن في نهاية المطاف جميع هذه البهلوانيات لا تستطيع أن تطمس واقع المرأة العربية المأساوي.
أعلم أن الكتابة النقدية في هذا المجال أشد خطرا من السير في حقل من الالغام، لا تدري متى ينفجر تحت قدميك لغم بالرغم من حرصك الشديد على تجنبه. لقد أصبح الكلام عن حرية المرأة والدفاع عن حقوقها وعن رفع مكانتها صناعة تماما كالصناعة الدينية والوطنية والقومية تمتهنه كافة الاطراف من رجال الدين والسياسة وحتى الحركات النسوية الاشد رديكالية. بل الاصح انها اصبحت تجارة،على اعتبار أن الصناعة لا تخلو على الاقل من انتاج ومن ابداع. وبالفعل ترددت كثيرا قبل الكتابة في هذا الموضوع فلا احد يحب النقد مع اننا نتفق جميعا، نظريا على الاقل، على ضرورته. ولكن في بعض الظروف، كالظروف التي نمر بها هذه الايام، لا بد من اجتياح أعتى حقول الالغام.
لا يمكن تحييد الدين والعادات والتقاليد عما آلت اليه أوضاع المرأة العربية. ذكرت هذه العناصر الثلاث مجتمعة ليس من باب الصدفة فهي مممتزجة مع بعضها البعض منذ قرون حتى اصبح الفصل بينها مستحيلا. لا يهم هنا اذا كان الحجاب او النقاب دينيا صرفا ام ان هناك تأثير للعادات والتقاليد، ،كذلك الامر بالنسبة لختان البنات وزواج القاصرات وتعدد الزوجات ومكانة المرأة في المجتمع بشكل عام. جميعنا يعلم أن هذا الثالوث مجتمعا أو مفككا إلى عناصره الاولية هو من الاسباب الاساسية لوضع المرأة العربية المزري. من السهل الدعوة للتحرر من العادات والتقاليد البالية والرجعية، ولكن لا احد يجرؤ على الدعوة للتحرر من النصوص الدينية. لقد وقفت مذهولا وانا اشاهد شريطا لاحد شيوخ الدين يقول فيه: "لقد كرم الاسلام المرأة بالضرب" ويشرح نظريته هذه بالاعتماد على نصوص قرآنية. لكني لم اذهل أن يقوم احد المعاهد المعادية للعرب والاسلام بترويج هذا الشريط. قد يقول البعض: هذا رأي احد المشايخ وهناك بالتأكيد من يعارض هذا الرأي. ولكن هذا لا ينفي ان التفكير الديني ينطلق من مبدأ أن المرأة تحتاج الى تأديب، يبقى النقاش حول شكل هذا التأديب. السؤال الغائب هنا هو: من يؤدب المؤدبين؟. مبدأ آخر نابع من صلب التفكير الديني هوالفصل بين الجنسين منذ الولادة وحتى الممات والذي تعاني منه المرأة العربية وبالتالي المجتمع العربي بأسره. يبقى النقاش محصورا في شكل ودرجة هذا الفصل. الدعوة الى اعادة النظر في هذا النمط من التفكير هي ليست بحد ذاتها دعوة الى الكفر أو الانحلال أو إلى تقليد الاجانب بل هي ضرورية لتحرير المرأة العربية من سطوة الثقافة الذكروية.
الحركات النسوية المنتشرة كالفقع في طول البلاد وعرضها هي الاخرى تتحمل مسؤولية تردي أوضاع المرأة العربية وحبذا لو قامت هذه الحركات في هذه المناسبة بمراجعة تفكيرها واساليب عملها بدلا من كيل المدائح على نفسها لانجازاتها الوهمية. فمقياس تقدم المرأة مثلا هو قيامها بالتنافس على مكان مضمون في الكنيست أو للمجلس البلدي او للجنة المتابعة. هذا المقياس حسب رأيي يعكس خلل في الوعي اللازم من أجل نيل المرأة الحرية الفعلية لأن هذه المؤسسات فاسدة ومفسدة. هل تقدم المرأة يقاس بمنافسة الرجل على السلطة والفساد؟ أنا أصلا لا اؤمن بأن جوهر تحرر المرأة هو المساواة مع الرجل. فالنساء اللاتي وصلن الى هذا النوع من المساواة لم يكن افضل من الرجال، يكفي هنا أن نذكر هناعلى سبيل المثال لا الحصر تاتشر وغولدا مئير وانديرا غاندي وهيلاري كلينتون. المساواة مع شيء سيء هي مساواة سيئة.
حرية المرأة لن تتحقق من خلال مشاركتها لعالم الرجل بل من خلال العمل- مع الرجل -لتغيير هذا العالم القائم على الثقافة الذكروية وتخليد دونية المرأة. الطريق الى هذه الحرية يستوجب تعليم المرأة واقتحامها كافة مجالات العمل والنضال ضد الاستغلال والتمييز ضد النساء على اساس جنسي. حتى ذلك الحين اتمنى للمرأة العربية رحلة ممتعة الى جزر القمر.