Wednesday, March 12, 2014

يوم الارض بين احياء الذكرى وقتل الذاكرة



يوم الارض بين احياء الذكرى وقتل الذاكرة
علي زبيدات – سخنين

من المفروض أن يكون الهدف الاساسي لاحياء الذكرى هو الحفاظ على الذاكرة الجمعية لشعب لكي تبقى حية قادرة على احتضان نضاله وهويته. إذن كيف يمكن وكيف يعقل أن يصبح احياء الذكرى اداة في قتل هذه الذاكرة؟ هل هو مجرد فذلكة كلامية تلاعب في الالفاظ؟. في السنوات الاخيرة، أصبحنا محترفين في احياء الذكريات: كل سنة نحيي ذكرى النكبة بمسيرات العودة حتى اصبحت النكبة امرا روتينيا والعودة تبتعد أكثر فأكثر. وفي كل سنة نحيي ذكرى الشهداء وقافلة الشهداء تتزايد كل يوم بينما نقف مشلولين لا يتحرك فينا الا السنتنا المنفلتة من عقالها. وفي كل سنة نحيي ذكرى يوم الارض بينما تختفي الارض حتى اصبح بالكاد أن نجد موضعا لاقدامنا عليها. هذا ما اقصده عندما اقول ان احياء الذكرى اصبح اداة لقتل الذاكرة.
أصلا، لدي مشكلة في استعمال مصطلح "احياء الذكرى" لأنه يفترض مسبقا أمرين: أولا، وقوع حدث جلل كان له تأثير بالغ على حياة الشعب. وثانيا نسيان أو تناسي هذا الحدث بشكل كلي أو جزئي. وجاء "احياء الذكرى" ظاهريا لانقاذ هذا الحدث من النسيان. لم تكن النكبة حدثا منفصلا وقع لمرة واحدة وانتهى بل هي مستمرة إلى يومنا هذا بدون انقطاع فلا مجال هناك لنسيانها حتى نتذكرها من جديد. ولم تصادر الارض لمرة واحدة وانتهى الامر ولكنها تصادر يوميا وتبقى حاضرة دوما حتى ولو صودرت قبل خمسين عاما إذ هل يعقل أن ينسى شخص ارضه المصادرة التي يراها يوميا في يد آخرين؟ وهل يعقل أن ينسى كونه لاجئا او مهجرا او محتلا؟ وهل يستطيع أحد أن ينسى شهداءه بينما كل يوم يسقط شهيد جديد؟
في ٣٠ آذار نحن لسنا بحاجة الى يوم ل"احياء ذكرى يوم الارض" ولكننا بأمس الحاجة إلى يوم أرض جديد. لقد اصبح احياء ذكرى يوم الارض تحايلا على يوم الارض نفسه لسلبه طابعه النضالي. لم يعد يوم الارض شاهدا على تمسكنا بالارض وعلى مقاومتنا لسياسة الدولة العنصرية بقدر ما اصبح شاهدا على اخفاقنا بالتمسك بالارض ورضوخنا للسياسة العنصرية. لقد بقتل يوم الارض ونحن ندعي احياءه من خلال نفخ الشعارات الرنانة من على منصات المهرجانات الاستعراضية. سوف تجتمع لجنة المتابعة بكافة مركباتهاواللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية اسبوع أو اسبوعين قبل هذه المناسبة وسوف تقرر احياء يوم الارض في مهرجان مركزي في احدى قرى مثلث يوم الارض، هذا المثلث المفكك الذي وضع مؤخرا جميع بيضاته في سلة الحكومة عندما استقبل رؤساء هذه السلطات وزير المالية ومن قبله وزير الداخلية استقبال المنقذين. منذ يوم الارض الاول، يقوم كل وزير داخلية جديد بالحج الى احدى هذه القرى ويوزع الوعود يمينا وشمالا لتوسيع مناطق النفوذ وحل جميع مشاكل الارض والمسكن، وفي كل مرة يطمئن رئيس السلطة المحلية ابناء بلدته بأن الوعود هذه المرة جدية وان الفرج قريب. المهم المحافظة على الهدوء والنظام واحترام القوانين التى سنت خصيصا لسلب الارض. هل من باب الصدفة ان تتزامن زيارات الوزراء مع اقتراب يوم الارض؟. طبعا كمواطنين في "دولة ديمقراطية" نستطيع أن ننظم المهرجان الذي نريده ونلقي الخطابات النارية كما تجود به قرائح الخطباء. وعلى المهرجان المركزي أن يكون في احدى قرى مثلث يوم الارض لكي يضمن له النجاح. فقد أصبح المقياس الوحيد لنجاح أو فشل يوم الارض هو عدد المشاركين في المهرجان المركزي. لم تعد قضية الارض ذات اهمية بل انجاح مهرجان يوم الارض هو المهم.
من أجل انقاذ يوم الارض من احتضان الدببة له يجب العمل على صعيدين: الاول، مصادرة احتكار يوم الارض من قبل لجنة المتابعة واعضائها من موظفي وزارة الداخلية الذين يسمون انفسهم مجازا رؤساء بلديات وتمكين الحركات الشبابية في كل مكان لتقوم بدورها التاريخي. والثاني، تحرير يوم الارض من قيوده الجغرافية (ما يسمى مثلث يوم الارض) ولينطلق الى كافة ارجاء فلسطين حيث تكون قضية الارض ملتهبة ويواجه اصحابها عملية تطهير عرقي كما هو الوضع في النقب أو قرية رمية او عكا أو القدس.
على يوم الارض ان يتجاوز احياء الذكرى ويسكن في الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني كيوم نضالى مستمر حتى العودة والتحرير.

No comments: