Wednesday, May 30, 2012

عودة إلى نقطة البداية


عودة إلى نقطة البداية
علي زبيدات – سخنين

عبر الكثيرون من المهتمين بالتغيرات السياسية التي تعصف بالعالم العربي عن صدمتهم من نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية. كيف يعقل بعد كل هذه التحركات الشعبية المليونية في ميدان التحرير وفي شتى نواحي البلد أن تتمخض الثورة عن خيار تعيس بين مرشح فلول النظام من جهة ومرشح حركة إصلاحية محافظة اقل ما يقال عنها إنها شاركت بالثورة بشكل انتقائي وانتهازي ولم تكن يوما في مقدمة التحرك نحو التغيير من جهة أخرى؟ أين الملايين؟ أين شباب الثورة؟. يقول "المفكر العربي" عزمي بشارة: "الثورة لم تختطف، و23% لمؤيدي النظام السابق ليس بكثير. الثورة بمصر قامت من أجل الديمقراطية وليس من أجل أن ينتصر هذا المرشح أو ذاك، ولذلك حققت أول انجازاتها. فمصر بخير". أنا لست شريكا في هذا التفاؤل الفج الذي يعبر عن فكر إصلاحي وموقف توفيقي. مصر ليست بخير. الثورة المصرية ليست بخير وبالتالي حتى الديمقراطية التي يتكلم عنها المفكر هي أيضا ليست بخير. وكان بشارة قد عبر عن موقف مشابه في حضرة الثنائي التونسي المرزوقي – الغنوشي اللذين قطفا ثمار الثورة التونسية في محاضرة حول العلمانية وكأن ما آلت إليه الثورة التونسية والثورة المصرية هو أكثر ما يمكن أن نحلم به. مع إني أتفق مع بعض تحليلات الدكتور بشارة بأن الذي حقق أفضل النتائج في الانتخابات هما مرشحا أقوى قوتين منظمتين: أجهزة الدولة القديمة من جهة وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى. ولكن هذا ليس السبب الوحيد في رأيي.
قلت في السابق وما زلت أقول إن استمرارية الثورة وتعميقها هو الضمان الوحيد لانتصارها وتحقيق أهدافها. الثورة في تونس وفي مصر لم تحافظ على استمراريتها وأحجمت عن تعميق مطالبها  لذلك كانت انجازاتها متواضعة. طبعا يوجد هناك ظروف موضوعية وأخرى ذاتية لهذه النهاية.
تراجعت الثورة المصرية منذ اللحظة الأولى لقبول المجلس العسكري وعدم تسديد ضربة قاضية لفلول النظام البائد. هذا التراجع استمر حتى التوقف التام. وما نشهده الآن هو بداية الهجوم المضاد لقوى الثورة المضادة. هذه النهاية المخيبة للآمال لا تقلل من أهمية التحولات التي حصلت، ولا تقلل من أهمية التحرك الجماهيري الذي لم يعرفه العالم العربي منذ قرون. ما حدث حسب رأيي لا يعدو كونه سوى جولة أولى في مسيرة طويلة وشاقة. لا يوجد ثورة في العالم حققت كافة أهدافها من الجولة الأولى: الثورة الفرنسية العظمى في عام 1979 وبعد مرور عشر سنوات على اندلاعها تراجعت وتحولت إلى إمبراطورية محافظة ومن ثم إلى عودة الملكية فكان لا بد من جولة أخرى تمثلت في ثورة 1830 وعادت الملكية مرة أخرى وجاءت ثورة 1848 لتكنسها وما لبثت حتى عادت الملكية من جديد إلى أن جاءت كومونة باريس عام 1871 لتكنسها مرة أخرى. الثورات الروسية والصينية والفيتنامية هي الأخرى مرت بمراحل مشابهة. ما تحتاجه مصر الآن على خلاف ما ينظر له عزمي بشارة من أن "المعارك الديمقراطية القادمة كثيرة تبدأ بالدفاع عن حقوق المواطن الاجتماعية والسياسية وتنتهي في التنظيم السياسي للانتخابات القادمة" بل تحتاج إلى تنظيم سياسي ثوري من أجل خوض الجولة القادمة، من أجل الثورة القادمة.
من يستغرب نتائج الانتخابات المصرية من أبناء الشعب الفلسطيني ألفت نظره لكي يتمعن بما حصل في فلسطين. حيث تسود الفكرة (الخاطئة!!) أن الشعب الفلسطيني الواعي سياسيا بعد المواجهة الطويلة والصراع المستمر مع الكيان الصهيوني تمخضت انتخابات رئاسة السلطة عن قيادة كل علاقة لها بالنضال الثوري هو من باب الصدفة. فقبل أن نستغرب نجاح أحمد شفيق وهو من رموز النظام البائد في مصر علينا أن نستغرب قبول الشعب الفلسطيني بمحمود عباس رئيسا لسلطة أوسلو كل هذه الفترة التي تقارب 8 سنوات نصفها تقريبا غير دستورية حتى حسب قوانين سلطة أوسلو نفسها (بعد أن انتهت ولايته عام 2009).
أظن هنا لا بد من العودة إلى النظرية اللينينة التي تقول أن الشعوب ليست ثورية بطبيعتها ولكنها تمتلك قوة ثورية كامنة. ويمكن تفجير هذه القوة الثورية من خلال إدخال الوعي الثوري إليها من خارج صفوفها وبالتحديد من قبل الطليعة الثورة الواعية. لذلك لا مفر من تربية الجماهير على النظريات الثورية وتنظيمها وتعبئتها حتى خوض النضال في ظل قيادة ثورية مخلصة. طبعا يوجد هناك دائما خطر انحراف القيادة الثورية ولكن لا يوجد هناك بديل آخر لها. ما زالت مقولة لينين في هذا الصدد سارية المفعول: " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية". أين النظريات الثورية في العالم العربي؟ وأضيف هنا مسبقا أن النظرية الثورية ستكون عاجزة تماما إذا لم ترافقها ممارسة ثورية. هل يحق لنا أن نحلم بقيادة من طراز جديد تستوعب العلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة الثوريتين؟
في مصر كما في تونس وكما في فلسطين وفي كافة البلدان العربية تضافر النظرية الثورية والممارسة الثورية هي الضمان الوحيد للسير بالثورة العربية حتى النهاية.  

Wednesday, May 23, 2012

من أخطر من من؟

من أخطر من من؟
علي زبيدات – سخنين

في استطلاع للرأي أجرته مؤخرا أل بي بي سي شمل 22 دولة احتلت إسرائيل المرتبة الثالثة كأسوأ دولة في العالم وصاحبة التأثير السلبي على العالم. وقبل عدة سنوات جرى استطلاع آخر للرأي في أوروبا تبين من خلاله أن دولة إسرائيل تشكل أكبر خطر على أمن العالم. وفي هذه الأيام بينما يشهد العالم جوا من الانفراج في الملف النووي الإيراني في أعقاب التوصل إلى اتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة النووية وإمكانية التوصل إلى اتفاق بين إيران والدول النووية العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، جن جنون حكام إسرائيل الذين لا يقبلون عن الحرب بديلا. وكأن الحرب بالنسبة لهم لعبة أطفال تتم بأسلحة بلاستكية ولا تتمخض عن قتل ودمار.
دولة إسرائيل وباعتراف العالم هي أكبر محرض ومثير للحروب في العالم. فقد كانت القوة الدافعة وراء الحروب في العراق ولبنان وغزة والدول العربية الأخرى بل أن يديها الطويلتين قد وصلتا أيضا إلى إفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية إما مباشرة وإما بشكل غير مباشر عن طريق تصدير الأسلحة الفتاكة والخبراء والمرتزقة. لم يشهد العالم خلال تاريخه الطويل أبدا دولة صغيرة كهذه تثير كل هذه الحروب. ولم يشهد التاريخ البشري دولة عسكرية بل دولة أصبحت ترسانة من أسلحة الدمار الشامل مثل دولة إسرائيل. حتى أن إسبارطة القديمة أصبحت نموذجا لطيفا بالمقارنة بها.
أنا شخصيا ضد السلاح النووي مهما كان مصدره ومهما كان حامله. لا يوجد هناك قنبلة نووية إسلامية أو عربية أو غربية. السلاح النووي أعمى ومجرم لا دينا له ولا قومية يدمر كل ما حوله بشكل عشوائي. صنعه، امتلاكه واستعماله هو جريمة في حق البشرية. لا يوجد شيء في الدنيا يمكن أن يبرره. يعتقد البعض أن السلم العالمي يكون مضمونا أكثر إذا ما انكسر احتكار الدول العظمى للسلاح النووي وامتلكته دولا أخرى لأن ذلك من شأنه أن يشكل ميزانا من الرعب يردع كل دولة من استعمال أسلحتها. هذه نظرية فاسدة وخطيرة. أولا، أي حياة هذه يمكن أن تتمتع بها شعوب الأرض تعيش دوما في ظل رهيب من الرعب؟ وثانيا، بدل إنفاق المليارات على تطوير وتصنيع الأسلحة النووية يمكن إنفاقها على مكافحة المجاعات والأمراض في العالم.
عدالة القضية هي التي تحدد عدالة السلاح الذي يستعمل للدفاع عنها. ولكن لا يوجد هناك أية قضية في العالم تستطيع أن تحدد عدالة السلاح النووي. ليس سرا أن كرتنا الأرضية تقف على كف عفريت. وأن الترسانة النووية الموجودة الآن كافية لأن تدمرها عدة مرات. البرنامج النووي الإيراني مهما بلغت خطورته ومهما صدقنا الدعاية الغربية والإسرائيلية بشأنه فإنه أقل خطورة بما لا يقاس من الترسانة النووية التي تمتلكها إسرائيل. والعالم المنافق الذي يعرف هذه الحقيقة جيدا يصمت صمت أهل القبور. الأسلحة النووية لم ولن تجلب الأمن لأية دولة ولكنها جلبت الرعب والقلق والرعب للجميع وإذا استمر العالم في تطويرها وصنعها فإنها سوف تجلب نهايته أيضا. يجب البدء بنزع وتدمير هذه الأسلحة فورا ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الأخرى التي تمتلكها بما فيها دولة إسرائيل.
يقود دولة إسرائيل  الآن مجموعة من المهووسين وعلى رأسهم رئيس الحكومة الذي لا يهدأ له بال إلا إذا أثار المزيد من الحروب والمزيد من الأزمات في العالم، ووزير خارجية يهدد بتفجير السد العالي لإغراق 80 مليون مصري،  ويصرح بأن مصر تشكل خطر على إسرائيل أكثر من نووي إيران ويدعو إلى إعادة احتلال سيناء. فهل من الغرابة أن يعتبر الرأي العام العالمي هذه الدولة الأخطر على أمنه؟
دولة إسرائيل مهددة بالزوال، وهذا أمر طبيعي مثلها مثل دول عديدة قامت وزالت في العالم. ولكني أستطيع أن أطمئن حكام هذه الدولة إنها لن تزول عن طريق النووي الإيراني أو نووي عربي أو غيره. لأن الأسلحة النووية تدمر البلاد ولا تحررها، ونحن نريد فلسطين محررة وليست مدمرة. وهذا هو الفرق الأساسي بين الحرب والثورة. زوال الدولة لا يعني زوال الشعب. قد يكون العكس صحيحا: قد يكون زوال الدولة شرطا أساسيا لبقاء الشعب. الأمن الوجودي لدولة إسرائيل شيء والأمن الوجودي لسكان هذه الدولة هو شيء آخر.
كلما تفاقمت الدعوة للحرب كلما تصاعدت الأصوات المعارضة لها حتى من الأوساط الحاكمة نفسها. فها هو وزير الحرب الإسرائيلي يشكك في خطورة إيران وفي حتمية الحل العسكري، وقد لحق به شخصيات أمنية أخرى مثل رئيس الموساد السابق وغيره. ولكن طبعا مثل هذه الأصوات ليست بديلا عن تحرك شعبي محلي وإقليمي وعالمي ضد الحرب بشكل عام وضد الأسلحة النووية والحرب النووية بشكل خاص.

Wednesday, May 16, 2012

انتخابات الهستدروت - عين على عيني وعين على كابل


انتخابات الهستدروت – عين على عيني وعين على كابل

علي زبيدات – سخنين

تدعو "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" العمال العرب (وغير العرب، بصفتها حزب يهودي عربي) والأحزاب العربية التي لا تشارك كأحزاب في انتخابات الهستدروت إلى دعمها في هذه الانتخابات من أجل تغيير قيادة الهستدروت الحالية برئاسة عوفر عيني وذلك بسبب "تواطؤها مع الحكومة ليمينية وتآمرها على مصالح العمال وخدمة أصحاب رؤوس المال". ولتحقيق هذا الهدف دخلت الجبهة في تحالف واسع برئاسة إيتان كابل تحت المسمى الجذاب "البيت الاجتماعي" كبديل للقيادة الحالية.
على فكرة، كل ما تقوله الجبهة في دعايتها الانتخابية عن عوقر عيني هو صحيح مئة في المائة ولكنها نسيت أن تقول للعمال على اعتبار أن ذاكرتهم ضعيفة وقصيرة أنها قبل خمس سنوات كان عوفر عيني ذاته هو المرشح الذي دعمته وانتخبته. فهل كانت الجبهة يا ترى هي أيضا متآمرة على مصالح العمال وتخدم أصحاب رؤوس المال؟ للتذكير فقط: الجبهة صوتت لعيني في الانتخابات السابقة بالرغم من انه رفضها مسبقا ورفض إدخالها إلى ائتلافه. واليوم تدعو العمال إلى انتخاب ايتان كابل وهو الآخر أحد زعماء حزب العمل مثله مثل عوفر وقد صرح بافتخار أن قائمته تضم أشخاصا من حزب الليكود وكاديما وحزب العمل إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي. فهل يوجد هناك أي ضمان بألا يقوم  إيتان كابل هذا بالتواطؤ مع الحكومة ولا يتآمر على مصالح العمال ولا يخدم الرأسمال؟
حسب الاتفاق الذي أبرمته الجبهة مع كابل في إطار " البيت الاجتماعي" سوف تحصل على 5.5% من مقاعد مؤتمر الهستدروت وهذا ما تعتبره انجازا كبيرا (ربما، بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة عندما خاضت الانتخابات بقائمة مستقلة وحصلت على 4.6%) وعلى 8.8% من مجلس نعمات.
واضح أن نسبة هزيلة كهذه سوف يكون وزنها كجناح ذبابة في مجمل سياسة الهستدروت. هذا إذا اقتنعنا مسبقا أن إيتان كابل، الذي يختبئ خلفه عمير بيرتس المشهور، سوف يكون أفضل من عوفر عيني.
للمعلومات فقط: يبلغ أصحاب حق الاقتراع لانتخابات الهستدروت نصف مليون ناخب. في الانتخابات الأخيرة بلغت نسبة المشاركين 27% فقط. تقوم الجبهة في هذه الأيام، أسبوعا قبل الانتخابات بحملة دعائية بين العمال العرب لإقناعهم برفع نسبة التصويت وذلك من خلال تجميل صورة الهستدروت بشكل عام والتركيز على أهميته في الدفاع عن حقوق العمال وخصوصا من خلال قائمة الجبهة التي تخوض هذه الانتخابات تحت 3 شعارات أساسية وهي: 1) تقوية النقابات والطبقة العاملة. 2) دحر النهج المتواطئ في الهستدروت. 3) تقوية الخط اليهودي - العربي الطبقي. العامل العربي، من خلال تجربته الطويلة والمريرة مع الهستدروت، يعرف أن هذه النقابة، إذا صح تسميتها نقابة أصلا، هي التي أضعفت وأفقرت وميزت ضد العامل العربي لسنوات طويلة. وأن نهج الجبهة لا يقل تواطؤا عن باقي القوائم، بالأمس كان التواطؤ سافرا مع رامون ومن ثم بيريتس وعوفر عيني واليوم مع كابل وغدا مع شخص آخر. أما الخط اليهودي العربي الذي يكثر الحديث عنه في مجالات عديدة فهو لا يمت للطبقة العاملة بصلة. إذ كيف يعقل وضع الضحية والجلاد في سلة واحدة؟
 نحن هنا لسنا بصدد سرد تاريخ الهستدروت ودوره في صنع نكبة شعبنا مع أهميته القصوى. فكتب التاريخ تزخر بهذا الدور في تحقيق المشروع الصهيوني. لم يكن الهدف الأساسي للهستدروت منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا أبدا الدفاع عن الطبقة العاملة بل وعلى لسان مؤسسيها: السيطرة على فلسطين وخدمة الكولونياليين الجدد وتوطينهم  على الأرض الفلسطينية بعد تهجير أهلها. بعد أكثر من 40 سنة بعد تأسيسها كانت الهستدروت مغلقة تماما أمام العمال الفلسطينيين وكانت تعمل تحت اسم: "نقابة العمال العبريين في أرض إسرائيل" وعندما غيرت اسمها لتصبح "النقابة العامة للعمال" لم يتغير جوهرها وبقيت معادية لطموحات ومصالح العامل الفلسطيني، وعندما أصبحت تسمى "النقابة العامة الجديدة" لم تجلب أي شيء جديد لهذا العامل. لا يوجد أي نقابة أخرى في العالم مهما بلغت رجعيتها وتواطؤها مع الرأسمال هي في الوقت نفسه أكبر مشغل في البلد.
إذا كنا ننادي بمقاطعة انتخابات الكنيست لعدم إضفاء الشرعية على هذه المؤسسة العنصرية فكم بالأحرى أن ننادي بمقاطعة انتخابات الهستدروت. على العمال الفلسطينيين أن يصوتوا للهستدروت  بأرجلهم وأن يرحلوا بعيدا عنها اليوم قبل الغد وأن يقوموا بتنظيم أنفسهم في نقابات عربية مستقلة. 

Wednesday, May 09, 2012

الأسرى بين الأحزاب والجمعيات

الأسرى بين الأحزاب والجمعيات
علي زبيدات – سخنين

تعاني الأحزاب السياسية والجمعيات، مثلها مثل الأشخاص، من الأمراض. منها ما طارئ وخفيف ومنها ما يكون مزمنا وخطيرا وبعضها ما يكون فتاكا. أود أن أذكر هنا مرضين أعتبرهما الأكثر انتشارا والتي تعاني منها معظم إن لم يكن جميع أحزابنا وجمعياتنا، بتفاوت ما طبعا، وبالتالي تعاني منها جماهيرنا بكافة فئاتها.
المرض الأول: الجمود العقائدي وضيق الأفق السياسي. وجد الحزب ذات مرة ووجدت معه مجموعة من المعتقدات السياسية التي جلبها عادة القائد المؤسس وهذا هو. لا تغيير، لا تطوير، لا إبداع. وتصبح استمرارية الحزب وقياداته المهيمنة هي كل شيء. من عوارض هذا المرض مجموعة السلوكيات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: التخبط، عدم وضوح الرؤيا، التقاعس، والصراعات والمؤامرات الداخلية.
المرض الثاني: هو العجرفة والتكبر. فهو الحزب الوحيد الذي يمتلك الحقيقة والخط الصحيح وهو الوحيد الذي يحق له التكلم باسم الشعب والوطن. ومن عوارض هذا المرض الفئوية والتعصب الأعمى وإقصاء الآخرين.
هذه الأحزاب والجمعيات، مثلها مثل الكثير من البشر، لا تعترف بأنها تعاني من المرض أصلا. ولعل هذا الإنكار هو أخطر شيء بالقصة كلها.
تتفق جميع الأحزاب العربية وجميع الجمعيات المختصة بالدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأسرى والمعتقلين على أن قضية الأسرى هي قضية وطنية من الدرجة الأولى وهي اليوم تكاد أن تكون القضية الملتهبة الوحيدة على ساحة الصراع العربي الإسرائيلي. وجميعها من غير استثناء تنادي بضرورة الوقوف إلى جانب الأسرى في معركتهم غير المتكافئة من أجل الحصول على أبسط حقوقهم الطبيعية ودعم صمودهم إلى أبعد الحدود. ولكن على أرض الواقع الأمور تختلف كليا. عجز هذه الأحزاب والجمعيات عن نصرة الأسرى المضربين عن الطعام أصبح فضيحة.
الأمراض التي تكلمت عنها أعلاه هي، حسب رأيي، السبب الرئيسي لهذا العجز. بعد ثلاثة أسابيع من الإضراب المفتوح عن الطعام لأكثر من 2000 أسير وبعد مرور شهرين وأكثر على إضراب ثمانية من الأسرى الآخرين، وأظن أن بلال وثائر قد دخلا موسوعة غينيس للأرقام القياسية من أوسع أبوابها بعد أن تخطيا اليوم السبعين، بعد هذا كله لم تستطيع أحزابنا السياسية وجمعياتنا الحقوقية أن تجلس مع بعض وتخرج بقرار واحد من أجل عمل جريء ينقذ هؤلاء الأسرى من حملة الإبادة البطيئة التي يتعرضون لها. كل ما شاهدناه هو أن كل حزب أوعز لبعض كوادره وبعض أصدقائه أن يقفوا احتجاجا على هذا الدوار أو على ذاك المفرق قبل أو بعد أن يقف كوادر وأصدقاء الحزب الآخر. لنأخذ سخنين على سبيل المثال لا الحصر: في يوم الإضراب الأول وهو يوم الأسير الفلسطيني، 17 نيسان لم يتحرك أحد. وقد وقفت وحدي في دوار الشهداء احتجاجا على هذا الوضع المأساوي، بعد عدة أيام قام بعض شبيبة أبناء البلد من عدة قرى بالوقوف في نفس المكان رافعين شعاراتهم، وبعدهم بيوم أو يومين وقفت مجموعة من شبيبة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وفي اليوم التالي وقفت مجموعة من الشبيبة الشيوعية. مشهد تراجيكوميدي من الدرجة الأولى. الأوضاع في باقي المدن والقرى لا تختلف من حيث الجوهر عن هنا، والوضع القطري لا يختلف عن الوضع المحلي. أشك في أن مثل هذه النشاطات قد تفيد الأسرى وقضيتهم. ولكني متأكد بأنها تضر المجتمع مما تسببه من شرذمة وتعكير الأجواء بين الأطراف المختلفة. لقد قرر أحد الأطراف (بعد 22 يوم من الإضراب) إقامة خيمة اعتصام في ساحة عامة، وعندما سألت: لماذا لم تشاوروا أحزابا أخرى قد تكون معنية أو تطرحوا الموضوع على للجنة الشعبية لكي تكون المشاركة عامة وواسعة؟ وقد كان الجواب: أن الخيمة مفتوحة للجميع ومن يريد المشاركة فأهلا وسهلا. وكأن القضية مسألة تسجيل سبق. فهل من الغرابة بعد هذا أن تقاطع معظم الأحزاب الأخرى هذه الخيمة؟
لا أظن أنني أظلم أحدا إذا قلت أن كل ما قامت به هذه الأحزاب حتى اليوم لم يكن من أجل الأسرى بقدر ما كان من أجل نفسها، من أجل كوادرها وأصدقائها ومقربيها. ومما أضفى بعض الحماس عليها هو الجو العام الذي ساد في الأسبوعين الأخيرين بأن الانتخابات البرلمانية قريبة وقضية الأسرى تشكل مادة دسمة للدعاية الانتخابية. وربما في هذا الصدد يستحق نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية الشكر لأنه أفرغ الهواء من عجلات هذه الأحزاب بتراجعه عن الانتخابات المبكرة.
وأخيرا، لي همسة في آذان الشباب الذين حاولوا القيام بدور مميز لنصرة الأسرى:  يبدو أن لكل شبيبة " ختيارها". وما زلتم تستمعون كثيرا "لختايركم" الذين أورثوكم الكثير من الشوائب وعلى رأسها التعصب وعدم الانفتاح على الآخرين. الشباب في الأصل هو روح قبل أن يكون جيلا.


Wednesday, May 02, 2012

النداء الأخير لإنقاذ أسرى الحرية
علي زبيدات – سخنين

لم يعد هناك مجال للتأتاة أو للتلعثم. لم يعد هناك مجال للمجاملة أو للنفاق. لقد أصبح الصمت عارا والسكوت جريمة. الصورة واضحة بدون أية رتوش: تعامل كافة المستويات القيادية الفلسطينية مع قضية الأسرى السياسيين المضربين عن الطعام أصبحت فضيحة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. وبناء على ذلك لم يعد أمامها سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن تتحمل المسؤولية كاملة وتقوم بواجبها كما ينبغي وإما أن ترحل مرة واحدة وإلى الأبد.
الساعة الرملية على وشك النفاد. في كل لحظة أسير مضرب عن الطعام معرض للإستشهاد. الأسير ثائر حلاحلة بعد 64 يوما من الإضراب في غيبوبة، الأسير بلال ذياب هو الآخر يواجه خطر الموت، صحة الأسير أحمد سعدات في تدهور خطير، وهكذا عشرات الأسرى. مئات الأسرى الآخرين يدخلون الأسبوع الثالث من الإضراب. السلطات الإسرائيلية مصرة على موقفها المتعنت ومما يشجعها على تعنتها هذا هو الموقف المخزي لكافة المستويات القيادية الفلسطينية والعربية.
ماذا تنتظرون حتى تتحركوا؟ استشهاد واحد؟ اثنين؟ عشرة؟ يصرح رئيس السلطة الفلسطينية بأن السلطة سوف تعمل على تحويل قضية الأسرى إلى الأمم المتحدة وسوف تعمل على تدويل القضية برمتها؟ ماذا تنتظر؟ لماذا لم تحول القضية إلى الأمم المتحدة (العقيمة أصلا) حتى الآن؟ خصوصا وأن قضية الأسرى ملتهبة منذ فترة طويلة. على الأقل لكي نقول إنك فعلت ما تستطيعه. ولكن لكي نصدقك ولو قليلا يا سيادة الرئيس توقف حالا عن كافة أشكال التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، توقف عن بعث الرسائل لرئيس الحكومة الإسرائيلية والتي تلقى في سلة المهملات من غير أن تفتح، توقف عن التصريحات المشينة بأن نتنياهو شريكك للسلام الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
إسماعيل هنية، رئيس حكومة غزة يدعو إلى انتفاضة في الدول العربية والإسلامية لنصرة الأسرى. من الأحرى بك أن تدعو إلى انتفاضة في فلسطين أولا، بل من الأحرى أن تضرب التهدئة بعرض الحائط أولا.  عن أية تهدئة تتكلم يا رجل؟ أقوى الحبوب المهدئة في العالم لم تعد تنفع لتهدئة الشارع الفلسطيني.
وعندنا في فلسطين المحتلة عام 1948: لجنة المتابعة العليا بلعت لسانها، لا بيان، لا تصريح ، لا اجتماع. وكيف تجتمع أصلا ورئيسها في زيارة إلى مولدوفا لتفقد طلاب طب الأسنان، ورئيس اللجنة لقطرية للسلطات المحلية العربية في أمريكا لجمع الأموال؟ وحدث بلا حرج عن أعضاء الكنيست العرب الذين يملؤون قاعة وأروقة الكنيست بالصراخ حول كل موضوع مهما بلغت تفاهته ولكنهم يصمتون صمت أهل القبور فيما يتعلق بقضية الأسرى.
تعيش الجماهير الفلسطينية في كافة أماكن تواجدها حالة من التأهب والغليان. وهي، مثلها مثل الحركة الأسيرة نفسها، على أتم الاستعداد للصمود وتصعيد النضال. إذن لا يوجد هناك أي تبرير أمام المؤسسات القيادية لكي تدعي كعادتها بأن الجماهير غير جاهزة لخوض النضال.
مع كل احترامي وتقديري لعشرات الشباب والناشطين الذين ينزلون إلى الشوارع والمفارق والساحات في مدن وقرى عربية عديدة والذين يشاركون في خيم الاعتصام والمظاهرات أمام بعض السجون. غير أنه في هذه القضية بالذات لا بد من قرار سياسي  على مستوى قطري لحشد وتنظيم وتعبئة كافة طبقات المجتمع. للأسف الشديد، قرار كهذا ما زال حكرا على المستويات القيادية التي تكلمت عنها. على الشباب والناشطين المنتمين لأحزاب سياسية وغير المنتمين أن يعملوا على زيادة الضغط على المؤسسات القيادية بدءا من قياداتهم الحزبية الخاصة ووضعهم أمام مسؤولياتهم الوطنية: إما القيام بالواجب كما تمليه القضية وإما الرحيل.
الأسرى بعد الشهداء هم الشعلة التي تبقي قضيتنا الوطنية حية. لولاهم لماتت القضية منذ زمن بعيد في أروقة مدريد وأسلو وواشنطن وتحت أقدام جنودا الاحتلال. لذلك من حقهم علينا أن نعمل كل ما نستطيعه حتى تبقى هذه الشعلة ملتهبة.