Wednesday, May 09, 2012

الأسرى بين الأحزاب والجمعيات

الأسرى بين الأحزاب والجمعيات
علي زبيدات – سخنين

تعاني الأحزاب السياسية والجمعيات، مثلها مثل الأشخاص، من الأمراض. منها ما طارئ وخفيف ومنها ما يكون مزمنا وخطيرا وبعضها ما يكون فتاكا. أود أن أذكر هنا مرضين أعتبرهما الأكثر انتشارا والتي تعاني منها معظم إن لم يكن جميع أحزابنا وجمعياتنا، بتفاوت ما طبعا، وبالتالي تعاني منها جماهيرنا بكافة فئاتها.
المرض الأول: الجمود العقائدي وضيق الأفق السياسي. وجد الحزب ذات مرة ووجدت معه مجموعة من المعتقدات السياسية التي جلبها عادة القائد المؤسس وهذا هو. لا تغيير، لا تطوير، لا إبداع. وتصبح استمرارية الحزب وقياداته المهيمنة هي كل شيء. من عوارض هذا المرض مجموعة السلوكيات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: التخبط، عدم وضوح الرؤيا، التقاعس، والصراعات والمؤامرات الداخلية.
المرض الثاني: هو العجرفة والتكبر. فهو الحزب الوحيد الذي يمتلك الحقيقة والخط الصحيح وهو الوحيد الذي يحق له التكلم باسم الشعب والوطن. ومن عوارض هذا المرض الفئوية والتعصب الأعمى وإقصاء الآخرين.
هذه الأحزاب والجمعيات، مثلها مثل الكثير من البشر، لا تعترف بأنها تعاني من المرض أصلا. ولعل هذا الإنكار هو أخطر شيء بالقصة كلها.
تتفق جميع الأحزاب العربية وجميع الجمعيات المختصة بالدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأسرى والمعتقلين على أن قضية الأسرى هي قضية وطنية من الدرجة الأولى وهي اليوم تكاد أن تكون القضية الملتهبة الوحيدة على ساحة الصراع العربي الإسرائيلي. وجميعها من غير استثناء تنادي بضرورة الوقوف إلى جانب الأسرى في معركتهم غير المتكافئة من أجل الحصول على أبسط حقوقهم الطبيعية ودعم صمودهم إلى أبعد الحدود. ولكن على أرض الواقع الأمور تختلف كليا. عجز هذه الأحزاب والجمعيات عن نصرة الأسرى المضربين عن الطعام أصبح فضيحة.
الأمراض التي تكلمت عنها أعلاه هي، حسب رأيي، السبب الرئيسي لهذا العجز. بعد ثلاثة أسابيع من الإضراب المفتوح عن الطعام لأكثر من 2000 أسير وبعد مرور شهرين وأكثر على إضراب ثمانية من الأسرى الآخرين، وأظن أن بلال وثائر قد دخلا موسوعة غينيس للأرقام القياسية من أوسع أبوابها بعد أن تخطيا اليوم السبعين، بعد هذا كله لم تستطيع أحزابنا السياسية وجمعياتنا الحقوقية أن تجلس مع بعض وتخرج بقرار واحد من أجل عمل جريء ينقذ هؤلاء الأسرى من حملة الإبادة البطيئة التي يتعرضون لها. كل ما شاهدناه هو أن كل حزب أوعز لبعض كوادره وبعض أصدقائه أن يقفوا احتجاجا على هذا الدوار أو على ذاك المفرق قبل أو بعد أن يقف كوادر وأصدقاء الحزب الآخر. لنأخذ سخنين على سبيل المثال لا الحصر: في يوم الإضراب الأول وهو يوم الأسير الفلسطيني، 17 نيسان لم يتحرك أحد. وقد وقفت وحدي في دوار الشهداء احتجاجا على هذا الوضع المأساوي، بعد عدة أيام قام بعض شبيبة أبناء البلد من عدة قرى بالوقوف في نفس المكان رافعين شعاراتهم، وبعدهم بيوم أو يومين وقفت مجموعة من شبيبة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وفي اليوم التالي وقفت مجموعة من الشبيبة الشيوعية. مشهد تراجيكوميدي من الدرجة الأولى. الأوضاع في باقي المدن والقرى لا تختلف من حيث الجوهر عن هنا، والوضع القطري لا يختلف عن الوضع المحلي. أشك في أن مثل هذه النشاطات قد تفيد الأسرى وقضيتهم. ولكني متأكد بأنها تضر المجتمع مما تسببه من شرذمة وتعكير الأجواء بين الأطراف المختلفة. لقد قرر أحد الأطراف (بعد 22 يوم من الإضراب) إقامة خيمة اعتصام في ساحة عامة، وعندما سألت: لماذا لم تشاوروا أحزابا أخرى قد تكون معنية أو تطرحوا الموضوع على للجنة الشعبية لكي تكون المشاركة عامة وواسعة؟ وقد كان الجواب: أن الخيمة مفتوحة للجميع ومن يريد المشاركة فأهلا وسهلا. وكأن القضية مسألة تسجيل سبق. فهل من الغرابة بعد هذا أن تقاطع معظم الأحزاب الأخرى هذه الخيمة؟
لا أظن أنني أظلم أحدا إذا قلت أن كل ما قامت به هذه الأحزاب حتى اليوم لم يكن من أجل الأسرى بقدر ما كان من أجل نفسها، من أجل كوادرها وأصدقائها ومقربيها. ومما أضفى بعض الحماس عليها هو الجو العام الذي ساد في الأسبوعين الأخيرين بأن الانتخابات البرلمانية قريبة وقضية الأسرى تشكل مادة دسمة للدعاية الانتخابية. وربما في هذا الصدد يستحق نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية الشكر لأنه أفرغ الهواء من عجلات هذه الأحزاب بتراجعه عن الانتخابات المبكرة.
وأخيرا، لي همسة في آذان الشباب الذين حاولوا القيام بدور مميز لنصرة الأسرى:  يبدو أن لكل شبيبة " ختيارها". وما زلتم تستمعون كثيرا "لختايركم" الذين أورثوكم الكثير من الشوائب وعلى رأسها التعصب وعدم الانفتاح على الآخرين. الشباب في الأصل هو روح قبل أن يكون جيلا.


1 comment:

Übersiedlung said...

موضوع مميز .. شكراً كتييير