Wednesday, August 27, 2014

انتصار جديد هزيمة مستمرة



انتصار جديد هزيمة مستمرة
على زبيدات – سخنين
بحثت كثيرا عن تعريف موضوعي، متفق عليه إلى حد ما لكلمة انتصار. لم أجد تعريفا كهذا، وربما لا يوجد اصلا تعريف كهذا. ولكني بالمقابل وجدت تعريفات كثيرة جلها ذاتية. وعندما اقول ذاتية لا اقصد انها فردية بل قد تكون صادرة عن مجموعة دينية، حركة سياسية، حكومة، دولة أو اية جهة اخرى. ووجدت أيضا أن تصنيف كلمة انتصار يتم حسب معايير مختلفة: فهناك الانتصار الحقيقي مقابل الانتصار المزيف، وهناك الانتصار الساحق أو العظيم وهناك الانتصار المتواضع أو النسبي وهناك الانتصار على النفس وهو عند البعض الانتصار الحقيقي والعظيم وهناك الانتصار على العدو وهناك الانتصار السياسي والعسكري وغيره من الانتصارات. النتيجة هي أن كل تعريف يعبر في نهاية المطاف عن مشاعر وتطلعات مصدره، تشترك كافة التعريفات ببعض السمات فجميعها تحتوي على بعض الحقيقة التي تصبح كل الحقيقة بالنسبة لصاحب الانتصار، وجميع التعريفات تبرز جوانب معينة تجعلها رئيسية مع انها قد تكون ثانوية والعكس صحيح فهناك جوانب رئيسية يتم تهميشها.
كان لا بد من هذه المقدمة المملة من أجل التقييم الاولي لاتفاق وقف النار الاخير، ومن اجل الاجابة على السؤال: هل ما حدث هو انتصار للمقاومة في غزة وهزيمة لاسرائيل؟ الجواب يتعلق بمن تسأل: المقاومة الفلسطينية بكافة تنظيماتها وعلى رأسهم حركة حماس تؤكد انه انتصار عظيم مبني على الحقائق التالية: صمود اسطوري لاكثر من خمسين يوما، منع العدو الصهيوني من تحقيق أي هدف من اهدافه المعلنة: نزع سلاح المقاومة، القضاء على الصواريخ والانفاق، اعادة الهدوء والامن لمستوطنات الجنوب. من يعتبر هذه الامور هي الاهم فمن حقه أن يعلن الانتصار ويحتفل به. هذه النظرة تلاقت مع نظرة الطرف الاسرائيلي الذي يقف على يمين نتنياهو والذي يقول: ان فشل اسرائيل في تحقيق اهدافها هو هزيمة لها وانتصار لحماس. ولكن من يعتبر أن منع اسرائيل من تحفيف اهدافها هو امر مهم ولكن يوجد هناك امور لا تقل اهمية وربما تفوقها مثل الثمن الذي تم دفعه من شهداء وجرحى ومهجرين وتدمير للبنى التحتية، وغياب الافق التحرري على المدى البعيد سوف يرى الانتصار بعيون اخرى وبحجم آخر.
في هذه الايام، الفلسطيني الذي يشكك في عظمة هذا الانتصار سوف يعرض نفسه الى حملة شرسة تبدأ باتهامه بالمزاودة على المقاومة أو بالعمل على تقويض الروح المعنوية للشعب وتنتقل الى تهمة ادمان الانهزامية وقد تنتهي بتهمة خدمة العدو والتعامل معه وقد تشمل كل هذه التهم مجتمعة. قلائل هم الذين يتطوعون لمواجهة مثل هذه الحملة، وأنا سوف اكون منهم.
لا استطيع أن ادعي الانتصار واحتفل به وقد قدمت أكثر من ٢٠٠٠ شهيدا أكثر من ربعهم من الاطفال مقابل قتل بعض الجنود واخافة العدو في الطرف الاخر. بالنسبة لي لا يشكل الخوف ثمنا كافيا لحياة أي شهيد. ولا اعتبر تهجير المستوطنين من مستوطناتهم الى منتزهات وفنادق انتصارا اذا دفعت ثمن ذلك تهجير ٤٠٠ ألف فلسطيني بعضهم يهجر للمرة الرابعة او الخامسة. اي انتصار هذا عندما اطلق ٥٠٠٠ صاروخ لاصيب هدفا هنا وهدفا هناك باضرار طفيفة بينما يطلق العدو صاروخا واحدا يزيل برجا كاملا من على وجه الارض؟ يمكن الكلام عن انتصار عندما يصبح هناك نوع من التكافؤ والتناسب، عندما يعلم العدو ان القتل والدمار والتهجير ليس احادي الجانب. عندما يعلم ويذوت انه يملك في تل ابيب لوحدها اكثر من ١٥٠ برجا اكبر من برج الظافر وبرج الباشا في غزة وان هذه الابراج مهددة بالزوال.
قلت في الماضي مرارا وأكررها هنا مرة اخرى: اسرائيل لم تحقق اى انتصار منذ اكثر من اربعين سنة، منذ حرب لبنان الاولى. لان طبيعة الحرب قد تغيرت جذريا، فهي لا تحارب ضد جيوش نظامية بل ضد جماهير مدنية بعضها مسلح باسلحة خفيفة. ولكن اسرائيل ما زالت اسيرة لغرورها وعنجهيتها بعد انتصارها عام ١٩٦٧. الحذار من الوقوع في مثل هذه العقدة الاسرائيلية. تهويل الانتصار والمبالغةفي بالاحتفال به لن يرفع معنويات الجماهير بقدر ما قد يصيبها بالغرور.
لنتكلم عن الصمود الاسطوري، عن التضحيات باهضة الثمن، عن البطولات في مواجهة القنابل والصواريخ بالاجساد العارية، عن الايمان المطلق بعدالة القضية، عن عشق الحياة والحرية. الانتصار قادم لا محالة ولا حاجة لاستباقه.
واخيرا، الفت انتباه المحتفلين بالانتصار الى اربعة نقاط تعيدهم الى ارض الواقع وتتيح لهم رؤية الهزيمة المستمرة القابعة وراء أوهام الانتصار:
١) السكوت او حتى القبول بالموقف العربي المخزي وخصوصا المصري الذي تراوح بين الوساطة غير النزيهة وبين التعاون مع الكيان الصهيوني. لا تنسوا، السيسي هو عراب هذا الاتفاق.
٢) منح الثقة مرة اخرى لسلطة اوسلو. محمود عباس هو الذي اعلن عن الهدنة وكأنها انجاز تاريخي له شخصيا. وبعد شهر سوف تترأس سلطته المفاوضات حول المطالب الرئيسية. لا شم أن لعاب كبير المفاوضين وطاقمه آخذة بالسيلان.
٣) لم ترتق الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية الى مستوى الاحداث ولم تمارس مسؤولياتها في تقاسم حمل العبء مع جماهير غزة. عشرون سنة من سلطة اوسلو افسدت قطاعات واسعة من شعبنا في الضفة.
٤)الفلسطينيون في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨ أثبتوا انهم عمليا جزء يتجزأ من الشعب الفلسطيني على عكس الشعارات التي نرددها. المؤسسة الاسرائيلية وعكاكيزها المحلية (ومنها من يحتفل بالانتصار اليوم) هي المسؤولة عن هذا التجزيء.
لن يكون هناك نصر حقيقي على الكيان الصهيوني بدون الانتصار على هذه الافات التي ما زالت مستشرية.

Wednesday, August 20, 2014

حول تحالف التناقضات وتناقض التحالفات



حول تحالف التناقضات وتناقض التحالفات
علي زبيدات – سخنين
بعد الانتهاء من المرحلة الاولى للحرب الاخيرة على غزة ودخول المرحلة الثانية وهي محاولة التوصل الى هدنة طويلة الامد على ضوء نتائج المرحلة الاولى شعرت بانني في حالة من الضياع التام حتى انني لم أعد قادرا على التمييز بين رأسي وقدمي وكأنني أعيش وسط ادغال شائكة في ليل دامس: من يفاوض من؟ كيف يعقل أن يترأس من اتهمناه بالتواطؤ هذه المرحلة؟ وكيف يعقل أن يكون الوسيط من من المفروض ان يكون السند الرئيسي؟ وكيف يدعم مطالبنا من نتهمة بالعمالة لامريكا واسرائيل، بينما ينأى من يتزعم الممانعة والمقاومة بنفسه عن التورط في هذه القضية؟ كيف تحالف الاعداء وتناقض الاصدقاء بهذه الطريقة السريالية؟ قلت، لكي اتلمس طريقي في هذا النفق المعتم لا بد من العودة لمراجعة كل ما قرأته، مما كتبه كبار المفكرين الثوريين من ماركس وانجلس وحتى لينين وماو تسي تونغ، عن التناقضات وعن قانون وحدة وصراع الاضداد والذي يعتبر القانون الاساسي في الديالكتيك المادي، القانون الذي يحدد مسار تطور المجتمعات. راجعت ما كتب عن عمومية التناقض الموجودة في عملية تطور كاقة الاشياء من بدايتها وحتى نهايتها، عن خصوصية التناقض وعن الوحدة النسبية والصراع المطلق بينهما، عن ضرورة التخلص من النطرة الذاتية والسطحية والنظرية الاحادية الجانب والاستعاضة عنها بالنطرة الموضوعية العلمية وضرورة التمييز بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي وبين الجانب الرئيسي والجانب الثانوى داخل كل تناقض، وكيف ان التناقضات المختلفة تحل بطرق محتلفة وكيف أن للصراع اشكال كثيرة ويجب عدم الخلط فيما بينها. فالصراع الايديولوجي يستعمل لحل نوع معين من التناقضات بينما الصرااع السياسي (العسكري) يستعمل لحل التناقضات التناحرية ذات الطابع الطبقي أو الوطني. بالاضافة الى العديد من المسائل الاخرى. ولكن كل هذه المراجعات، المهمة في حد ذاتها، لم تساعدني كثيرا في ازاحة الغموض والبلبلة التي تكتنف التناقضات التي خيمت على المنطقة في اعقاب الحرب على غزة. وذلك لان كل نظرية كتبت في اماكن مختلفة وفي اوقات مختلفة وتحت ظروف مختلفة ستكون عرضة للتخحر الفكري وبالتالي ستكون عاجزة عن استيعاب وتحليل تناقضات نشأت وترعرعت في اماكن اخرى وازمنة اخرى وتحت ظروف اخرى. ولكن هذا لا يمنع ان تكون هذه النظريات مرشدا للعمل ولو نسبيا عند معالجة تناقضات مستحدثة كالتي تعصف في منطقتنا.
لتبسيط الامور وجدت انه يمكن تصنيف التناقضات في الشرق الاوسط وفلسطين في مركزها في ثلاثة تحالفات تتقاطع فيما بينها، تتحالف تارة وتتصارع طورا وتنتقل بعض اطرافها من مكان لاخر، تحافظ على استمرارية وثبات بعض جوانبها وبينما تتغير جوانب اخرى بين ليلة وضحاها:
١) على الصعيد الدولي: الحلف الذي تتزعمه امريكا ويضم إسرائيل، الاتحاد الاوروبي والدول الرأسمالية المتطورة مثل كندا، اليابان، استراليا. الحلف الروسي -الصيني .
٢) على الصعيد الاقليمي: ويمكن التمييز بين ثلاثة تحالفات: أ) ايران – سوريا- حزب الله والذي يطلق على نفسه معسكر الممانعة او المقاومة، البعض يلحق به النظام العراقي أو الجهاد الاسلامي. ب) الحلف السعودي-الاماراتي-المصري -الاسرائيلي.ويمكن الحاق السلطة الفلسطينية بهذا الحلف ج) الحلف التركي – القطري – الاخوان المسلمين (وحماس).
٣) على الصعيد المحلي: هناك تحالفات واشباه تحالفات في كل قطر وقطر. مثلا على الساحة الفلسطينية: فتح – حماس وباقي التنظيمات الفلسطينية. في سوريا: تحالفات وتجمعات المعارضة السورية المتعددة، وكذلك الامر في لبنان والعراق والاردن ومصر وغيرها.
وهناك داعش التي تشكل في الاونة الاخيرة "تحالفا" قائما بذاته فريدا من نوعه يطلق الرصاص على كل من يقف امامه على طريقة افلام رعاة البقر.
هذا التصنيف الاولي لا يوضح الامور بل يزيدها تعقيدا حتى يكاد أن ينسف التصنيف ذاته من اساسه. فلو اخذنا داعش على سبيل المثال، التي نجحت في فترة قصيرة نسبيا في احتلال نصف العراق وثلث سوريا وتهدد بالتمدد حتى تصل الى الاردن وسوريا، فمنهم من يصر على انها وليدة الحلف الامريكي مهمتها تنفيذ السياسة الامريكية في تفكيك المنطقة لتهليد الهيمنة الامريكية، ومنهم من يصر على انها من صنع النظام السوري الذي كان بحاجة اليها لكي يقنع العالم بانه يحارب ارهابيين منذ بداية الانتفاضة السورية. وقد يكون الطرفان صادقين، أي ان امريكا والنظام السوري يشكلان سويا الاب المشترك لتنظيم داعش خصوصا وإن الام (القاعدة) لم تتورع من مضاجعة الطرفين لفترات طويلة. والسعودية التي منحت داعش هويتها السلفية بالاضافة للدعم المادي، فهي تدعم داعش في سوريا والعراق وتحاربها في بلادها. اما ايران وهي عمليا زعيمة معسكر الممانعة فلا ترى مانعا في الاتفاق مع امريكا والتعاون معها في العراق وفي تخفيف العقوبات عليها واجراء مفاوضات استراتيجية لحل الازمة النووية. اما قطر فيبدو انه لا مشكلة لديها في أن تكون الصديقة الحميمة لحماس وفي الوقت نفسه لاسرائيل التي تشن حرب ابادة ضدها. سلطة اوسلو تريد ان تكون في حلف واحد مع حماس، من اجل ذلك شكلت حكومة الوحدة لكي تبسط سيطرتها على غزة، وفي الوقت نفسه في الحلف الاسرائيلي لكي تستمر بالمفاوضات لعلها تتوصل الى اتفاق يعزز سلطتها، وفي الحلف القطري-التركي لكي تنال بعض الاموال والحلف المصري- السعودي لكي تؤمن لها دورا في المفاوضات المتعددة، وعلى الصعيد الدولي لا يمكنها الاسغناء عن الحليف الامريكي. اما حزب الله فقد اعاد تعريف المقاومة بعد أن اعترف بان التناقض الرئيسي في هذه المرحلة هو مع داعش وليس مع دولة الكيان. وبما ان داعش لا تريد محاربة اسرائيل حاليا بل النظام السوري فإن المقاومة تملي عليه الدفاع عن النظام السوري.
لا ادري اذا ما كانت الصورة اوضح الان، كل ما اردت قوله بعد هذا السرد عن تحالف التناقضات وتنافض التحالفات يمكن تلخيصه في كلمتين: إسرائيل هي التناقض الرئيسي ولا تحالف معها.

Wednesday, August 13, 2014

وراء العدو في كل مكان



وراء العدو في كل مكان
على زبيدات – سخنين

هل ما زال أحد يذكر هذا الشعار الذي رفعه وديع حداد قبل أكثر من أربعة عقود؟ربما ما زال بعضنا يحتفظ به في ذاكرته الخلفية ولكنه فد يستغرب نبشه في هذه الايام خصوصا وإن هذا الشعار لافى معارضة شديدة حتى في تلك الايام فكم بالاحرى الآن وقد طوت معظم التنظيمات الفلسطينية تلك الصفحة وتبنت استراتيجية "السلام" كطريق وحيد أو رئيسي لتحقيق اهداقها. لم يكن بالنسبة لوديع حداد ورفاقه شعار "وراء العدو في كل مكان" مجرد شعار للتلويح به بل كان أولا وقبل كل شيء ممارسة عملية. فقد لاحق العدو الاسرائيلي في بلدان العالم ومطاراتها، ولم يلاحقه وحده بل لاحق ايضا شركاءه واعوانه من غربيين وشرقيين. وفي ممارسته هذه لم يكن وحده بل عمل على بناء شبكة اممية امتدت من اليابان شرقا وحتى فنزويلا غربا مرورا بأوروبا. كانت تجربة تاريخية لها ما لها وعليها ما عليها.
ولكي لا افهم خطأ، فأنا هنا لا ادعو الى احياء هذا الشعار بالشكل الذي كان عليه قبل اربعة عقود. فقد جرت مياه كثيرة في نهري الفرات والنيل منذ ذلك الحين، تغير العالم إلى درجة لم يعد يعرف. ولكني ادعو الى احياء هذا الشعار وممارسته بطريقة أخرى: ملاحقة اسرائيل دوليا، على الصعيد القانوني، السياسي والاعلامي.
لقد كتبت مرارا في السابق حول ضرورة محاكمة ومحاسبة اسرائيل في جميع المؤسسات الدولية: في الامم المتحدة وفي محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وفي كل محكمة تتيح قوانين بلادها تقديم مجرمي حرب ومجرمين ضد الانسانية للمحاكمة. وعلى الجميع ان يساهم في هذه الحملة: حكومات، مؤسسات حقوق انسان، مجموعات تضع نصب اعينها العدالة ونصرة المظلوم، افراد تعرضوا بشكل مباشر لمثل هذه الجرائم. حتى اليوم، قامت السلطة الفلسطينية والتي من المفروض ان تبادر وتقود مثل هذه الحملة بجريمتين في هذا المجال، الاولى: التخلي عن تقرير غولدستون وعدم طرحه على الامم المتحدة. الثانية: الامتناع عن توقيع اتفاقية روما والانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية مما يتيح مقاضاة اسرائيل على جرائمها. لقد صرح آحد العاملين في الامم المتحدة مؤخرا انه لو تم متابعة تقرير غولدستون (بالرغم من مساوئه) حتى النهاية لما تجرأت اسرائيل بعد خمس سنوات بارتكاب الجرائم ذاتها وزادت عليها حتى تفوقت على نفسها.
اغلب الظن، أن المحاكم الدولية والمحاكم الاخرى في بلدان العالم لن تدين اسرائيل وإن ادانتها فلن تدينها بدرجة تتلاءم مع فظاعة جرائمها وفي كل الحالات من المشكوك به أن تؤدي إلى اية عقوبات فعلية. فقد رأينا كيف تراجعت بعض الدول الاوروبية عن النظر في محاكمها في دعاوي ضد مجرمي حرب اسرائيليين حتى وصلت الامور في بعض هذه الدول الى تغيير قوانينها لوقف المحاكمات كما حدث في بلجيكا وبريطانيا واسبانيا ودول أخرى. ولكن هذا لا يعني النكوص وعدم المحاولة من جديد. ملاحقة اسرائيل في كل مكان لا يقتصر على الملاحقة القضائية فحسب بل وربما الاهم من ذلك هي الملاحقة الاعلامية. لفد شهدت معظم الدول الاوروبية مظاهرات جماهيرية متضامنة مع غزة ومع الشعب الفلسطيني مخترقة الاحتكار الاعلامي الرسمي الذي يروج للاكاذيب الاسرائيلية. حتى وزير الخارجية السعودي لم تعد تقنعه كذبة حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها هذه الكذبة التي ما زال يرددها براك اوباما والمرشحة القادمة لرئاسة الولايات المتحدة هيلاري كلينتون بالاضافة إلى كاميرون، هولاند وميركل.
كان شعار " وراء العدو في كل مكان" كما مارسه وديع حداد ورفاقه كان يحتم السرية التامة اما ممارسة الشكل االحالي للشعار فانه يحتم العلنية التامة. فقط بهذه الطريقة يمكن للرواية الفلسطينية ان تصل الى كل مكان في العالم والى كل وسائل الاعلام. في النهاية الاكاذيب تتبخر والحقيقة هي التي تفرض نفسها. جانب آخر من تجربة وديع حداد ما زلنا نستطيع ان نتعلم منه دروسا قيمة وهو بناء شبكة دولية مشاركة ومساندة. فالاعلام العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص ما زال يعاني من ضيق الافق والتقوقع ويخدم مصالح اصحاب الاموال. بينما توجد هناك امكانيات غير محدودة لتحدي الاعلام الامبريالي المهيمن عن طريق انشاء جبهة اعلامية ثقافية موحدة على صعيد اممي تشارك بها كافة قوى التحرر في العالم.
ملاحقة العدو في كل مكان لا يعني عدم مواجته في عقر داره، العكس هو الصحيح، وهذه المهمة ملقاة في الاساس على عاتق جماهير الشعب الفلسطيني في شتى اماكن تواجده، وخصوصا في المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ بسبب تجاربها المباشرة النابعة من حياتها اليومية. للأسف الشديد وسائل اعلامنا تعيش في حالة من التعاسة والبؤس المزري، ولكن هذا موضوع آخر قائم بذاته.

Wednesday, August 06, 2014

الى اللقاء في الحرب القادمة



الى اللقاء في الحرب القادمة
على زبيدات – سخنين
تم الاعلان عن هدنة "انسانية" لمدة ٧٢ ساعة. وقد يتم تمديدها بهدنة "انسانية" اخرى ل٤٨ ساعةاضافية، ومن ثم قد يتم التوصل لهدنة "انسانية" طويلة الامد قد تستمر عشرة سنوات. لا ادري من أين جاء هذا المصطلح الغريب ومن المبادر اليه، هل هي اسرائيل ام الامم المتحدة ام احدى الدول العربية او ربما احدى التنظيمات الفلسطينية؟ تصفحت العديد من المواقع على الشبكة العنكبوتية التي تناولت الحربين السابقتين على غزة باحثا عن هذا امصطلح فلم اجد ذكرا له. كل ما وجدته هو الكلام عن هدنة مؤقتة أو دائمة، هدنة بهذه الشروط او تلك، قبول او رفض، التزام أو خرق، اما هدنة "انسانية"؟ فهذا امر جديد، قد يصبح كثير الاستعمال مستقبلا نظرا لكثرة الحروبات ولكثرة المنظرين، ويبدو ان استعماله قد بدأ بالفعل فقد قرأت في مكان ما عن هدنة "انسانية" في عرسال بين الجيش اللبناني والمسلحين السوريين. على كل حال ما فهمته من هذا المصطلح هو التوصل الى هدنة مؤقتة لاخراج الجثث من تحت الانقاض، لنقل الجرحى الى المستشفيات، لتفقد ابناء العائلة هل هم بين الاموات او الجرحى او المشردين، للوقوف على مدى الدمار. اي بإختصار لاضفاء طابع انساني على اعمال لا انسانية.
لست هنا بصدد الكلام عن انتصارات وهزائم، عن انجزات وخسائر، حتى انني لست بصدد الكلام عن مقاومة وصمود وتضحيات وبطولات فسوف تفيض وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والالكترونية بالكلام عن كل هذه النواحي. ما اريد الاشارة اليه هنا هو ان هذه الهدنة التي وضعت حدا لهذه الجولة من الحرب، بغض النظر عن تسميتها، هي بداية التحضير للحرب القادمة.
لقد شن سادس اقوى جيش في العالم واكثر جيوش العالم اخلاقيا خلال شهر وحسب تصريحاته هو حوالي 60000 هجمة منها 7178 صاروخا، 15585 قذيفة بحرية،36442 قذيقة مدفعية، مئات الاطنان من المواد المتفجرة، مستعملا طائرات حربية، طائرات بدون طيار، طائرات هلوكوبتر، صواريخ حديثة تستعمل للمرة الاولى وقنابل ذكية تستعمل هي الاخرى للمرة الاولى لتجربتها. وكل ذلك ضد من؟ ضد سكان مدنيين لا يملكون اية وسيلة دفاعية: لا ملاجئ، لا صافرات انذار، لا اسلحة دفاعية من اي نوع كان. كل ذلك بحجة " الدفاع عن النفس من تنظيمات ارهابية تختبئ بين المدنيين وتستعملهم كدرع واق". هذه الاكاذيب احرجت حتى اشد اصدقاء اسرائيل حماسة واخلاصا، بعد ان شاهدوا النتائج: 1875 شهيدا أكثر من80% منهم مدنيين، منهم 435 طفلا255 إمرأة 79 مسنا، حوالي عشرة الاف جريح، أكثر من خمسة آلاف بيتا مدمرا تدميرا تاما وحوالي 30 ألف بيت مدمر جزئيا، هذا بالاضافة الى هدم مساجد، مستشفيات، مدارس ومؤسسات مدنية اخرى.
قد تستطيع اموال الخليج والدول المانحة أن تعيد بناء ما تدمر من مباني، ولكن الحرب القادمة كفيلة باعادة تدميرها تماما كما تم في هذه الحرب ما اعيد بناؤه في اعقاب الحرب السابقة. حروب اسرائيل القادمة لن تتغير وقد تبنتها وطورتها من استراتيجية الجيش الالماني في الحرب العالمية الثانية ومن الحروب الامريكية في كوريا وقيتنام وافغانستان والعراق وهي الاعتماد الكلي على قوة النيران وعلى كمية الصواريخ والقنابل الملقاة (الارض المحروقة). ولكن على عكس الاستراتيجية الالمانية والامريكية التي كانت تعتمد على عنصرين مفقودين في الاستراتيجية الاسرائيلية، الاول، الحرب السريعة. والثاني، نقل المعركة بعيدا عن اراضيها. انتهت تلك الايام التي كانت اسرائيل تحسم بها المعركة في ستة ايام من غير رجعة، وانتهت الايام التي كانت تنقل بها المعركة بعيدا عن ارضها وعن سكانها.
الحروب الاسرائيلية الاخيرة ضد المدنيين (حربان في لبنان، حربان في الضفة وثلاثة حروب في غزة) تطول اكثر واكثر وتقترب اكثر واكثر. سيناريو الحرب القادمة سوف يشمل مشاركة فعالة للفلسطينيين في الضفة الغربية وربما ايضا في الاراضي الفلسطينية عام ١٩٤٨ ناهيك عن المقاومة الشعبية عبر حدود فلسطين. لن تتورع اسرائيل بقصف جنين ونابلس والخليل بالطائرات الحربية والصواريخ المتطورة والقنابل الذكية فقد عملتها في الماضي ولا يوجد لديها اي مانع من استعمالها في المستقبل، فحجج الدفاع عن النفس جاهزة. ولكنها قد تقصف الناصرة وسخنين وام الفحم بالسلاح نفسه ايضا. اما في غزة فقد تستخدم اسلحة دمار شامل، قنبلة ذرية تكتيكية على سبيل المثال، وكان هناك من قال في احدى مظاهرات اليميين: لماذا لدينا ديمونة ومتى سوف نستعمله؟ في الحرب القادمة لن يكون عند الفلسطينيين اسلحة دمار شامل. ولن يكون لديهم طائرات حربية وصواريخ وقنابل ذكية. وهم اصلا ليسوا بحاجة الى مثل هذه الاسلحة. ستبقى الملاجئ والانفاق السلاح الدفاعي الاساسي ويجب البدء في تعميمه في مدن الضفة الغربية ومدن الداخل. أما اسلحة اسرائيل للدمار الشامل فيمكن تحييدها أو تعطيلها ويمكن ان تتحول ضدها. يبقى الانسان وليس السلاح هو العنصر الحاسم في الحرب.