حول
تحالف التناقضات وتناقض التحالفات
علي
زبيدات – سخنين
بعد
الانتهاء من المرحلة الاولى للحرب الاخيرة
على غزة ودخول المرحلة الثانية وهي محاولة
التوصل الى هدنة طويلة الامد على ضوء
نتائج المرحلة الاولى شعرت بانني في حالة
من الضياع التام حتى انني لم أعد قادرا
على التمييز بين رأسي وقدمي وكأنني أعيش
وسط ادغال شائكة في ليل دامس:
من يفاوض من؟ كيف
يعقل أن يترأس من اتهمناه بالتواطؤ هذه
المرحلة؟ وكيف يعقل أن يكون الوسيط من من
المفروض ان يكون السند الرئيسي؟ وكيف
يدعم مطالبنا من نتهمة بالعمالة لامريكا
واسرائيل، بينما ينأى من يتزعم الممانعة
والمقاومة بنفسه عن التورط في هذه القضية؟
كيف تحالف الاعداء وتناقض الاصدقاء بهذه
الطريقة السريالية؟ قلت، لكي اتلمس طريقي
في هذا النفق المعتم لا بد من العودة
لمراجعة كل ما قرأته، مما كتبه كبار
المفكرين الثوريين من ماركس وانجلس وحتى
لينين وماو تسي تونغ، عن التناقضات وعن
قانون وحدة وصراع الاضداد والذي يعتبر
القانون الاساسي في الديالكتيك المادي،
القانون الذي يحدد مسار تطور المجتمعات.
راجعت ما كتب عن
عمومية التناقض الموجودة في عملية تطور
كاقة الاشياء من بدايتها وحتى نهايتها،
عن خصوصية التناقض وعن الوحدة النسبية
والصراع المطلق بينهما، عن ضرورة التخلص
من النطرة الذاتية والسطحية والنظرية
الاحادية الجانب والاستعاضة عنها بالنطرة
الموضوعية العلمية وضرورة التمييز بين
التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي وبين
الجانب الرئيسي والجانب الثانوى داخل كل
تناقض، وكيف ان التناقضات المختلفة تحل
بطرق محتلفة وكيف أن للصراع اشكال كثيرة
ويجب عدم الخلط فيما بينها.
فالصراع الايديولوجي
يستعمل لحل نوع معين من التناقضات بينما
الصرااع السياسي (العسكري)
يستعمل لحل التناقضات
التناحرية ذات الطابع الطبقي أو الوطني.
بالاضافة الى
العديد من المسائل الاخرى.
ولكن كل هذه
المراجعات، المهمة في حد ذاتها، لم تساعدني
كثيرا في ازاحة الغموض والبلبلة التي
تكتنف التناقضات التي خيمت على المنطقة
في اعقاب الحرب على غزة.
وذلك لان كل نظرية
كتبت في اماكن مختلفة وفي اوقات مختلفة
وتحت ظروف مختلفة ستكون عرضة للتخحر
الفكري وبالتالي ستكون عاجزة عن استيعاب
وتحليل تناقضات نشأت وترعرعت في اماكن
اخرى وازمنة اخرى وتحت ظروف اخرى.
ولكن هذا لا يمنع
ان تكون هذه النظريات مرشدا للعمل ولو
نسبيا عند معالجة تناقضات مستحدثة كالتي
تعصف في منطقتنا.
لتبسيط
الامور وجدت انه يمكن تصنيف التناقضات
في الشرق الاوسط وفلسطين في مركزها في
ثلاثة تحالفات تتقاطع فيما بينها، تتحالف
تارة وتتصارع طورا وتنتقل بعض اطرافها
من مكان لاخر، تحافظ على استمرارية وثبات
بعض جوانبها وبينما تتغير جوانب اخرى بين
ليلة وضحاها:
١)
على الصعيد الدولي:
الحلف الذي تتزعمه
امريكا ويضم إسرائيل، الاتحاد الاوروبي
والدول الرأسمالية المتطورة مثل كندا،
اليابان، استراليا. الحلف
الروسي -الصيني
.
٢)
على الصعيد الاقليمي:
ويمكن التمييز بين
ثلاثة تحالفات: أ)
ايران – سوريا-
حزب الله والذي
يطلق على نفسه معسكر الممانعة او المقاومة،
البعض يلحق به النظام العراقي أو الجهاد
الاسلامي. ب)
الحلف
السعودي-الاماراتي-المصري
-الاسرائيلي.ويمكن
الحاق السلطة الفلسطينية بهذا الحلف ج)
الحلف التركي –
القطري – الاخوان المسلمين (وحماس).
٣)
على الصعيد المحلي:
هناك تحالفات
واشباه تحالفات في كل قطر وقطر.
مثلا على الساحة
الفلسطينية: فتح
– حماس وباقي التنظيمات الفلسطينية.
في سوريا:
تحالفات وتجمعات
المعارضة السورية المتعددة، وكذلك الامر
في لبنان والعراق والاردن ومصر وغيرها.
وهناك
داعش التي تشكل في الاونة الاخيرة "تحالفا"
قائما بذاته فريدا
من نوعه يطلق الرصاص على كل من يقف امامه
على طريقة افلام رعاة البقر.
هذا
التصنيف الاولي لا يوضح الامور بل يزيدها
تعقيدا حتى يكاد أن ينسف التصنيف ذاته من
اساسه. فلو
اخذنا داعش على سبيل المثال، التي نجحت
في فترة قصيرة نسبيا في احتلال نصف العراق
وثلث سوريا وتهدد بالتمدد حتى تصل الى
الاردن وسوريا، فمنهم من يصر على انها
وليدة الحلف الامريكي مهمتها تنفيذ
السياسة الامريكية في تفكيك المنطقة
لتهليد الهيمنة الامريكية، ومنهم من يصر
على انها من صنع النظام السوري الذي كان
بحاجة اليها لكي يقنع العالم بانه يحارب
ارهابيين منذ بداية الانتفاضة السورية.
وقد يكون الطرفان
صادقين، أي ان امريكا والنظام السوري
يشكلان سويا الاب المشترك لتنظيم داعش
خصوصا وإن الام (القاعدة)
لم تتورع من مضاجعة
الطرفين لفترات طويلة.
والسعودية التي
منحت داعش هويتها السلفية بالاضافة للدعم
المادي، فهي تدعم داعش في سوريا والعراق
وتحاربها في بلادها. اما
ايران وهي عمليا زعيمة معسكر الممانعة
فلا ترى مانعا في الاتفاق مع امريكا
والتعاون معها في العراق وفي تخفيف
العقوبات عليها واجراء مفاوضات استراتيجية
لحل الازمة النووية. اما
قطر فيبدو انه لا مشكلة لديها في أن تكون
الصديقة الحميمة لحماس وفي الوقت نفسه
لاسرائيل التي تشن حرب ابادة ضدها.
سلطة اوسلو تريد
ان تكون في حلف واحد مع حماس، من اجل ذلك
شكلت حكومة الوحدة لكي تبسط سيطرتها على
غزة، وفي الوقت نفسه في الحلف الاسرائيلي
لكي تستمر بالمفاوضات لعلها تتوصل الى
اتفاق يعزز سلطتها، وفي الحلف القطري-التركي
لكي تنال بعض الاموال والحلف المصري-
السعودي لكي تؤمن
لها دورا في المفاوضات المتعددة، وعلى
الصعيد الدولي لا يمكنها الاسغناء عن
الحليف الامريكي. اما
حزب الله فقد اعاد تعريف المقاومة بعد أن
اعترف بان التناقض الرئيسي في هذه المرحلة
هو مع داعش وليس مع دولة الكيان.
وبما ان داعش لا
تريد محاربة اسرائيل حاليا بل النظام
السوري فإن المقاومة تملي عليه الدفاع
عن النظام السوري.
لا
ادري اذا ما كانت الصورة اوضح الان، كل
ما اردت قوله بعد هذا السرد عن تحالف
التناقضات وتنافض التحالفات يمكن تلخيصه
في كلمتين: إسرائيل
هي التناقض الرئيسي ولا تحالف معها.
No comments:
Post a Comment