Wednesday, August 13, 2014

وراء العدو في كل مكان



وراء العدو في كل مكان
على زبيدات – سخنين

هل ما زال أحد يذكر هذا الشعار الذي رفعه وديع حداد قبل أكثر من أربعة عقود؟ربما ما زال بعضنا يحتفظ به في ذاكرته الخلفية ولكنه فد يستغرب نبشه في هذه الايام خصوصا وإن هذا الشعار لافى معارضة شديدة حتى في تلك الايام فكم بالاحرى الآن وقد طوت معظم التنظيمات الفلسطينية تلك الصفحة وتبنت استراتيجية "السلام" كطريق وحيد أو رئيسي لتحقيق اهداقها. لم يكن بالنسبة لوديع حداد ورفاقه شعار "وراء العدو في كل مكان" مجرد شعار للتلويح به بل كان أولا وقبل كل شيء ممارسة عملية. فقد لاحق العدو الاسرائيلي في بلدان العالم ومطاراتها، ولم يلاحقه وحده بل لاحق ايضا شركاءه واعوانه من غربيين وشرقيين. وفي ممارسته هذه لم يكن وحده بل عمل على بناء شبكة اممية امتدت من اليابان شرقا وحتى فنزويلا غربا مرورا بأوروبا. كانت تجربة تاريخية لها ما لها وعليها ما عليها.
ولكي لا افهم خطأ، فأنا هنا لا ادعو الى احياء هذا الشعار بالشكل الذي كان عليه قبل اربعة عقود. فقد جرت مياه كثيرة في نهري الفرات والنيل منذ ذلك الحين، تغير العالم إلى درجة لم يعد يعرف. ولكني ادعو الى احياء هذا الشعار وممارسته بطريقة أخرى: ملاحقة اسرائيل دوليا، على الصعيد القانوني، السياسي والاعلامي.
لقد كتبت مرارا في السابق حول ضرورة محاكمة ومحاسبة اسرائيل في جميع المؤسسات الدولية: في الامم المتحدة وفي محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وفي كل محكمة تتيح قوانين بلادها تقديم مجرمي حرب ومجرمين ضد الانسانية للمحاكمة. وعلى الجميع ان يساهم في هذه الحملة: حكومات، مؤسسات حقوق انسان، مجموعات تضع نصب اعينها العدالة ونصرة المظلوم، افراد تعرضوا بشكل مباشر لمثل هذه الجرائم. حتى اليوم، قامت السلطة الفلسطينية والتي من المفروض ان تبادر وتقود مثل هذه الحملة بجريمتين في هذا المجال، الاولى: التخلي عن تقرير غولدستون وعدم طرحه على الامم المتحدة. الثانية: الامتناع عن توقيع اتفاقية روما والانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية مما يتيح مقاضاة اسرائيل على جرائمها. لقد صرح آحد العاملين في الامم المتحدة مؤخرا انه لو تم متابعة تقرير غولدستون (بالرغم من مساوئه) حتى النهاية لما تجرأت اسرائيل بعد خمس سنوات بارتكاب الجرائم ذاتها وزادت عليها حتى تفوقت على نفسها.
اغلب الظن، أن المحاكم الدولية والمحاكم الاخرى في بلدان العالم لن تدين اسرائيل وإن ادانتها فلن تدينها بدرجة تتلاءم مع فظاعة جرائمها وفي كل الحالات من المشكوك به أن تؤدي إلى اية عقوبات فعلية. فقد رأينا كيف تراجعت بعض الدول الاوروبية عن النظر في محاكمها في دعاوي ضد مجرمي حرب اسرائيليين حتى وصلت الامور في بعض هذه الدول الى تغيير قوانينها لوقف المحاكمات كما حدث في بلجيكا وبريطانيا واسبانيا ودول أخرى. ولكن هذا لا يعني النكوص وعدم المحاولة من جديد. ملاحقة اسرائيل في كل مكان لا يقتصر على الملاحقة القضائية فحسب بل وربما الاهم من ذلك هي الملاحقة الاعلامية. لفد شهدت معظم الدول الاوروبية مظاهرات جماهيرية متضامنة مع غزة ومع الشعب الفلسطيني مخترقة الاحتكار الاعلامي الرسمي الذي يروج للاكاذيب الاسرائيلية. حتى وزير الخارجية السعودي لم تعد تقنعه كذبة حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها هذه الكذبة التي ما زال يرددها براك اوباما والمرشحة القادمة لرئاسة الولايات المتحدة هيلاري كلينتون بالاضافة إلى كاميرون، هولاند وميركل.
كان شعار " وراء العدو في كل مكان" كما مارسه وديع حداد ورفاقه كان يحتم السرية التامة اما ممارسة الشكل االحالي للشعار فانه يحتم العلنية التامة. فقط بهذه الطريقة يمكن للرواية الفلسطينية ان تصل الى كل مكان في العالم والى كل وسائل الاعلام. في النهاية الاكاذيب تتبخر والحقيقة هي التي تفرض نفسها. جانب آخر من تجربة وديع حداد ما زلنا نستطيع ان نتعلم منه دروسا قيمة وهو بناء شبكة دولية مشاركة ومساندة. فالاعلام العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص ما زال يعاني من ضيق الافق والتقوقع ويخدم مصالح اصحاب الاموال. بينما توجد هناك امكانيات غير محدودة لتحدي الاعلام الامبريالي المهيمن عن طريق انشاء جبهة اعلامية ثقافية موحدة على صعيد اممي تشارك بها كافة قوى التحرر في العالم.
ملاحقة العدو في كل مكان لا يعني عدم مواجته في عقر داره، العكس هو الصحيح، وهذه المهمة ملقاة في الاساس على عاتق جماهير الشعب الفلسطيني في شتى اماكن تواجده، وخصوصا في المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ بسبب تجاربها المباشرة النابعة من حياتها اليومية. للأسف الشديد وسائل اعلامنا تعيش في حالة من التعاسة والبؤس المزري، ولكن هذا موضوع آخر قائم بذاته.

No comments: