Saturday, December 15, 2007

رفض الخدمة المدنية: شعار أم مشروع نضالي؟



منذ فترة طفا على السطح موضوع قديم جديد هوالخدمة الوطنية. وقد قيل تقريبا كل ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع من كلا الطرفين. أو على الاصح أعيد تكرار وإجترار ما قيل في هذا الموضوع على الاقل منذ عقد من الزمن. واقصد بالطرفين هنا، الطرف الاول: دولة إسرائيل ممثلة بالحكومة والكنيست وكافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية من جهة، والطرف الثاني: الوسط العربي أيضا ممثلا بكافة مؤسساته من لجنة المتابعة العليا والاحزاب السياسية والجمعيات المدنية وحتى جماهير الشباب المعنيين مباشرة بهذه الخدمة.
وأنا هنا لست بصدد تكرار ما قيل هنا وما رد عليه هناك. ولماذا يسعى الطرف الاول الى فرض الخدمة المدنية بينما يعارض الطرف الآخر تلك الخدمة ويرفضها.
بإختصار شديد، تقول السلطة: أيها العرب تطالبون بالمساواة في الحقوق عليكم أولا أن تكونوا متساوين بالواجبات أيضا، فبينما يخدم الشاب اليهودي بالجيش فعلى الاقل يجب على الشاب العربي أن يقوم بالخدمة المدنية، وعندها فقط تنعمون بالمساواة المنشودة. فيرد الجانب الآخر: أن الحقوق غير مرتبطة بالواجبات بل هي نابعة مباشرة من المواطنة، والخدمة المدنية لا تختلف جوهريا عن الخدمة العسكرية.
تريد السلطة من خلال فرض الخدمية المدنية أن تضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة هي لا تثق بالشباب العرب لكي تدمجهم بالخدمة العسكرية مباشرة، وهي أصلا لا تثق بتلك الفئات التي فرضت عليها الخدمة الاجبارية ولا بهؤلاء الذين تجندوا تطوعا وتزج بهم في وحدات منعزلة وتقصيهم عن مواقع القرار حتى ولو تبوؤا رتبا عالية، ولكنها من جهة أخرى تريد امتصاص نقمة الشباب العرب الناجمة عن التميز والقمع والتهميش والبطالة وتحاول أن تستعملهم في الخدمات المدنية لكي يتفرغ الشباب ، خصوصا في حالات الطوارئ، للمهمات القتالية. وبذلك توفر أعداد أكبر من القوى البشرية للجيش وفي الوقت نفسه تخفف من التكاليف.
من جهة أخرى تقوم القيادات العربية بدور مزدوج، فهي تتمسك بالمواطنة الاسرائيلية من جهة وترى بها ضمانا للحصول على الحقوق المتساوية بغض النظر عن الخدمة العسكرية "الواجبات" ولكنها في الوقت نفسه لا تستطيع أن تتغاضى عن الموقف الشعبي الرافض للخدمة بكافة اشكالها ومسمياتها. فنراها تتخبط بين هذين الموقفين وتتكلم بلغتين. وفي الحقيقة لا ادري كيف تستطيع هذه الزعامات أن تمسك الحبل من الطرفين: تتشبث بالمواطنة الاسرائلية المنقوصة من جهة وتدعي أن الخدمة المدنية ترمي الى تشويه وضرب هويتنا القومية وأنتزاع هويتنا الفلسطينية وإنتمائنا للشعب الفلسطيني.
لقد لمست هذا التناقض الصارخ عندما شاهدت الفلم الوثائقي القصير الذي أعدته "جمعية الشباب العرب – بلدنا" "والائتلاف الشبابي ضد الخدمة المدنية" بعنوان "قيادات عربية ضد الخدمة المدنية" والذي شمل قيادات سياسية واجتماعية ودينية. هذا الفلم هو أسوأ وسيلة للتعبير عن رفض مخطط الخدمة المدنية بالرغم من النوايا الحسنة للجهات التي أصدرت الفلم ولبعض المشاركين الذين ما كان ينبغي أن يزجوا في مثل هذا العمل العقيم. وسيكون له حسب رأيي نتائج سلبية على مجمل النضال الشعبي ضد هذا المخطط وذلك للأسباب التالية:
1- لا يوجد مصداقية لكلام الزعامة السياسية وخصوصا أعضاء الكنيست من بينهم. فمن يريد أن يدعو الاخرين الى رفض الخدمة المدنية عليه أن يبدأ بنفسه أولا. اليست خدمتهم في اروقة الكنيست هي خدمة مدنية في اسوأ اشكالها؟ فإذا كانت خدمة شاب ضائع لإسباب مادية او إجتماعية هي خطر على هويتنا الوطنية ومؤشرا على اسرلتنا، فمال بال عضو الكنيست الذي يهرول لخدمة هذه المؤسسة عن وعي وعن سابق إصرار ويلتصق بالكرسي العزيز على نفسه؟ فعندما يقول عضو الكنيست جمال زحالقة في الفلم: "انا مش خادم في الخدمة الوطنية الاسرائيلية" فهو اما انه يكذب علينا وعلى نفسه أيضا وإما انه لا يدرك ما معنى الخدمة الوطنية. لنسأل انفسنا بصراحة وليحاول كل واحد منا أن يجب على السؤال بجرأة: اليست الخدمة في الكنيست هي خدمة وطنية إسرائيلية؟ وعندما يتباكى الشيخ ابراهيم صرصور على فئة الشباب وهم المادة الحية في شعبنا فأي نموذج يضعه بين أيديهم؟ لا تخدموا بالخدمة الوطنية ولكن هلموا بجماهيركم للتصويت لي حتى أصل الى كرسي الكنيست؟؟ وعندما تصرح عايدة توما: انه "مخطط لضرب هويتنا الوطنية" اليس الاعتراف بدولة اسرائيل العنصرية والكولونيالية كتجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره هو مخطط أعتى واشرس سدد ضربة قاضية لهويتنا الوطنية ولا يزال يا رفيقة؟
2- الفلم لا يفتقد للمصداقية وغير مقنع (استثني أقوال المطران عطاللة حنا الصادقة) فحسب، بل ينم عن نزعة استعلائية وعظية وكأن هذه القيادات تعرف كل شيء، تنطق بالجواهر والحكم وينبغي الاصغاء لها. كان أحرى بالذين عملوا الفلم أن يتكلموا مع الشباب المعنين مباشرة بالقضية والذين رفضهم للخدمة الوطنية نابع من اعماق وجدانهم.
3- يفتقد الفلم الى اية مسحة فنية جمالية. حتى الفلم الوثائقي يجب أن يبقي فسحة كافية للخيال، للإبداع. ما نراه هنا لقطات مكبلة بقيود الشعارات الرنانة تدخل الى الأذن اليمين لكي تخرج مباشرة من الأذن الشمال.

رفض الخدمة المدنية لكي يكون صادقا ومؤثرا يجب أن يكون نابعا من رفض الاعتراف بشرعية المؤسسات التي تحاول فرضه. ويجب الاستعاضة عن هذه القيادات بقيادات شابة واعية تتحلى بروح التمرد والعنفوان.
إن كل قيادة شابة لا تطرح نفسها بديلا للقيادات الراهنة المهترئة سوف تؤول الى الفشل.

Monday, December 10, 2007

الدولة اليهودية من وعد بلفور الى آنا بوليس



قبيل إفتتاح مؤتمر انابوليس طالب رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت الفلسطينيين والعرب الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية. ومن تابع ردود الفعل الفلسطينية والعربية المتشنجة على هذا المطلب ظن للوهلة الاولى وكأن دولة اسرائيل كانت حتى هذه اللحظة دولة شقيقة، عربية أو اسلامية. وتسابق المسؤولون الفلسطينيون والعرب لرفض مطالب أولمرت الغريبة العجيبة في هذا التوقيت بالذات. حتى أن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية عقدت جلسة خاصة رفضت فيها الاعتراف بيهودية الدولة وأعتبرته تشجعيا لسياسة الترانسفير للجماهير الفلسطينية مواطني الدولة، وكأن قبل ذلك لم يكن هناك ترانسفير لا فكرا ولا ممارسة. بينما أعتبرت وسائل الاعلام الفلسطينية في الطرف الآخر تصريحات أولمرت هذه جاءت لتلغي حق العودة للاجئين حتى قبل بدء المفاوضات للحل النهائي. وكأنها لا تعلم أن جميع الاحزاب والتنظيمات الاسرائلية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار موحدة في رفض حق العودة.
من أجل تذكير هؤلاء المنافقين والمهرولين الذين يريدون ذر الرماد في العيون والتستر على تساقطهم المريع وتفريطهم بكافة الثوابت الوطنية وهم يضعون الان قناعا مزيفا من الوطنية المهترئة، بتسابقهم الاعلان عن دهشتهم من مطالب أولمرت ورفضهم ليهودية الدولة، أورد هنا المحطات الرئيسية في العصر الحديث والتي ورد فيها مصطلح "الدولة اليهودية" باشكاله المختلفة:
1- جاء في وعد بلفور 29 نوفمبر 1917 ما يلي: "... ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية"
2- صك الانتداب البريطاني على فلسطين والذي صادقت عليه عصبة الامم المتحدة في 24 تموز 1922 ينص بصريح العبارة أن أحد أهدافه هو تحقيق ما ورد في وعد بلفور من إقامة "وطن قومي للشعب اليهودي"
3- قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 والذي وافق عليه معظم المنضوين في لجنة المتابعة ويذرفون الان دموع التماسيح، ينص على إقامة دولة يهودية وأخرى عربية في فلسطين التاريخية. ونذكر هؤلاء الذين ما زالوا يصرخون في كل مناسبة ومن غير مناسبة ويرفعون شعار " دولتين لشعبين" هل ترددون هذا الشعار كالببغاوات؟ الا تقولون في ادبياتكم الموثقة أن دولة اسرائيل هي تعبير " لحق الشعب اليهودي" في تقرير مصيره؟
4- وثيقة الاستقلال الاسرائيلية التي أعلنت في 14 مايو 1948 تدعو الى ".. إقامة دولة يهودية في ارض اسرائيل" هذه الوثيقة التي اعترفتم بها وبفضلها دخلتم الى الكنيست وكافة المؤسسات الاسرائلية.
5- واخيرا وليس آخرا، خطاب بوش في مؤتمر أنا بوليس أمام رئيس السلطة الفلسطينية وأمام مندوبين عن 16 دولة عربية وامام كاميرات ومايكرفونات العالم كرر: "التزام الولايات المتحدة الامريكية الحفاظ على أمن اسرائيل كدولة يهودية ووطن للشعب اليهودي"

إذن ما المفاجئ في تصريحات أولمرت الاخيرة؟ ولماذا انتفخت الزعامة الفلسطينية والعربية بهذا الشكل؟ وسرعان ما نفست، وانكتمت جميع الاصوات بعد أن حقق هذا الانتفاخ غايته من استهلاك محلي للتستر على هذا التساقط المخيف كتساقط اوراق الخريف في مؤتمر الخريف.
الم يكن الاعتراف الذي نصت عليه اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقيات أوسلو، إعترافا بيهودية الدولة؟
ألم تدعي اسرائيل دوما انها دولة "يهودية ديموقراطية" وكنا دائما نشير الى التناقض الداخلي في هذا التعريف؟
إننا لا نحكم على الدول من خلال تعريفها لنفسها أو من خلال نظرتها الى نفسها بل من خلال افكارها وممارساتها. ومنذ نشوء الحركة الصهيونية كحركة قومية رجعية ومحاولتها جعل اليهودية قومية وممارساتها العملية على مدى قرن وربع أثبتت انها اقامت دولة عنصرية استعمارية، ولا يغير شيئا الاسم الذي تطلقته على نفسها. هل يتغير جوهر الدولة اذا غيرت اسمها؟ هل يعود اللاجؤون؟ هل تعود الاراضي المصادرة؟ هل تعمر 518 قرية دمرت عام 1948؟ وبالمناسبة فقط أسقط يهود العالم أنفسهم هذه التسمية عندما رفض معظمهم القدوم الى هذا "الوطن القومي" وجل ما صنعته الحركة الصهيونية هو بناء جيتو كبير زجت به شريحة من اليهود وغيرهم.
إن ما تمارسه الدولة في حق الشعب الفلسطيني يوميا يؤكد في كل لحظة الحقيقة التي يحاول المتعنتون على اشكالهم نكرانها: هذه الارض هي ارضنا، هذا الوطن هو وطننا ولكن هذه الدولة هي ليست دولتنا.
الموقف المطلوب هو ليس رفض يهودية الدولة بل رفض الدولة
علي زبيدات - سخنين

Friday, November 30, 2007

قرار التقسيم باطل باطل باطل



تقول الاسطورة أن الملك سليمان (والذي رفع الى مرتبة الانبياء في الثقافة الاسلامية ) عندما سأله الرب عما يريده لم يطلب حياة مديدة ولم يطلب الثروات والسلطة والانتصار على أعدائه كما يطلب باقي الملوك، بل طلب من ربه أن يعطيه قلبا حكيما يميز بين الخير والشر لكي يحكم بين الشعب "المختار" الثقيل. وقد فرح الرب بهذا الطلب ومنحه ما أراد بالاضافة الى ما لم يطلب.
وقد ظهرت حكمته في اليوم التالي عندما أتته إمرأتان تدعي كل منها انها أم لطفل حي متنازع عليه. فأمر سليمان بغحضار سيف وقطع الطفل الحي الى نصفين لكي تأخذ كل أم نصفه. فطلبت الام الحقيقية من الملك أن يعطي الطفل الحي للمرأة الاخرى ويبقيه حيا، بينما قبلت المرأة الاخرى مبدأ التقسيم حتى ولو قتل الطفل ( يمكن قراءة تفاصيل هذه الاسطورة في سفر الملوك)
ويعتبون على الشعب الفلسطيني أنه رفض تقسيم وطنه وتقطيع أوصاله ومنح أكثر من نصفه الى عصابة عنصرية متطرفة، بينما ينهالون بالمديح على تلك العصابة التي وافقت على قرار التقسيم.
في الذكرى الستين لهذا القرار المشؤوم يجب أن نعود ونؤكد رفضنا القاطع والصارم له وإعتباره باطلا وغير شرعي.
1) قرار التقسيم لا يمثل الشرعية الدولية كما يدعون وكما وقع في هذا الفخ العديد من الفلسطينيين والعرب والاجانب. العكس هو الصحيح، هذا القرار هو نقض لكل شرعية سماوية، إخلاقية، حقوقية وسياسية. لقد تم أتخاذ هذا القرار عن طريق الضغط والابتزاز والخداع الذي مارسته العصابات الصهيونية وبريطانيا والولايات المتحدة. هل يحق لأحد أن يمزق ويقسم وطنا لشعب مسالم لم يقترف أي جريمة حتى بدون أخذ رايه؟ أي شرعية هذه؟
2) قرار التقسيم كان أيضا جريمة ليس في حق الشعب الفلسطيني فحسب بل في حق الانسانية جمعاء. هذا القرار مهد الطريق لتهجير شعب بأكمله وسلب ونهب ارضه وهدم بيوته. فلو كانت هناك شرعية دولية حقيقية وحد أدنى من العدالة لوجب إنزال أشد العقوبات على متخذي مثل هذا القرار الاجرامي المجحف.
3) زرع هذا القرار بذور الصراع الذي لا ينتهي وجلب الحروب المستمرة للمنطقة ولشعوبها، فهو قرار أحمق وإجرمي من الناحية السياسية أيضا.
4) لم يأت هذا القرار لحل مشكلة إنسانية وهي إيجاد مأوى آمن للناجين اليهود من المحرقة النازية، لو كان الامر كذلك فلماذا أغلقت الدول الاوروبية وأمريكا حدودها أمام هؤلاء الناجين وزجوا بهم في هذه البقعة المأهولة؟

تزامنت الذكرى ال60 لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 والمعروف بقرار تقسيم فلسطين بإنعقاد مؤتمر انابوليس. حيث تجتمع زمرة من الفلسطينيين يدعمهم من على شاكلتهم من حكام البلدان العربية مع المغتصبين الاسرائيليين مدعومين من الامبريالية الامريكية وذلك لبيع ما تبقى من فلسطين في المزاد العلني وبأبخس الاثمان.
الدول العربية التي صوت من كان منها مستقلا إستقلالا شكليا عام 1947 ضد قرار التقسيم قامت عمليا بتعبيد الطريق الذي أدى ليس الى تقسيم فلسطين عمليا فحسب بل الى ضياعها بالكامل وتشريد شعبها. لم يتغير على دورها شيء يذكر فقد كانت هذه الدول صنيعة الاستعمار في وقته وهي ما زالت كذلك الآن. ونحن نقول ونكرر القول لهذه الانظمة العميلة: كفاكم ما قمتم به من خيانة في فقدان فلسطين، كفوا شركم عنا، الشعب الفلسطيني لن يسامحكم وشعوبكم سوف تحاسبكم وتعاقبكم عاجلا أم آجلا. أما الزمرة المهرولة من الفلسطينيين والتي تلث وراء مفاوضات وهمية ووعود سرابية فهي أعلم الناس بمدى إفلاسها، وانها تقامر بمكانتها وحياتها.
يقول البعض على الشعب الفلسطيني أن يكون واقعيا وألا يتمسك بالشعارات الفارغة (الثوابت الوطنية أصبحت شعارات فارغة) وأن يعترفوا بإختلال ميازين القوى على الساحة المحلية والعالمية، وأن يقبلوا بالنزر القليل المتاح أفضل من أن يخسروا الكل. هذا المنطق الانهزامي أثبت عقمه وفشله. تستطيع الشعوب أن تقلب الواقع رأسا على عقب ما دامت مؤمنة بعدالة قضيتها، قوة الشعب الفلسطيني بعدالة قضيته فإذا فقد ايمانه هذا فقد كل شيء حتى الحلم في مستقبل أفضل.
على الشعب الفلسطيني أن يهتف في هذه المناسبة وبصوت عال يسمعه الداني والقاصي، العدو والصديق، صوت يخترق الارض ويصل أعالي السماء، صوت يصمت المهرولين والمتساقطين، صوت واحد يقول: إن قرار التقسيم باطل باطل باطل

موضة حل الدولة الواحدة



لقد أصبح واضحا لدى العديد من السياسيين والاكاديميين الذين يتعاطون بالسياسة أن الحل الذي طبلوا له وزمروا لسنوات طويلة، والمعروف بحل الدولتين، قد بات مستحيلا. اذ أن التعنت دولة إسرائيل ورفضها الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بالاضافة الى الاستيطان الصهيوني على مدى 40 عاما والذي غير معالم الضفة الغربية والقدس، جعل الكلام عن حل الدولتين يبدو عدميا حتى بالنسبة لمروجيه. بات واضحا أن هذا الحل حتى في افضل تجلياته سوف يبقي اسرائيل كدولة وحيدة والى جانبها محميات مقطعة الاوصال، معزولة ومخترقة، ويستطيع الجانب الفلسطيني اذا شاء أن يسميها دولة، او حتى أمبراطورية.
لفترة من الزمن برز شعار الدولة الديموقراطية العلمانية في فلسطين التاريخية كشعار نضالي بديل لحل الدولتين، الا أن المبادرين برفع هذا الشعار والقائمين عليه ما زالو يراوحوا مكانهم وعجزوا بل فشلوا في تطوير هذا الشعار وجعله مشروعا سياسيا قابلا للتطبيق. وما حصل هو العكس تماما، فقد أصبح هذا الشعار وبتسميات مختلفة ملجأ للعديد من الهاربين من الشعار الاول (حل الدولتين) بعد أن تيقنوا من استحالة تطبيقه، وركبوا على موجة الدولة الواحدة لكي يتمسكوا بمواقعهم المهتزة ليس إلا.
اسوق هذه المقدمة بمناسبة عقد مؤتمر مؤخرا في لندن تتحت عنوان: "تحدي الحدود: دولة واحدة في اسرائيل/فلسطين" حيث مثل به نخبة من النجوم الاكاديميين الفلسطينيين والاسرائيليين والاجانب أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: البروفيسور نديم روحانا، مدير مركز مدى صاحب وثيقة حيفا التطبيعية والذي ينادي بالدولة ثنائية القومية في إطار دولة اسرائيل، والدكتور أسعد غانم من جامعة حيفا ومركز ابن خلدون والذي يغير مواقفه السياسية بنفس السهولة التي يغير بها بدلاته الانيقة، وهو ايضا ينادي اليوم بالدولة ثنائية القومية، والدكتور نور مصالحة والمؤرخ إلان بابيه الذين قدما ابحاثا محمودة حول سياسة التهجير والتطهير العرقي للحركة الصهيونية خصوصا خلال حرب عام 1948، هذا بالاضافة الى عدد كبير من الناشطين والاكادميين الآخرين.
الدولة الواحدة التي يتكلم عنها جميع هؤلاء هي في الحقيقة دولة إسرائيل محسنة، طبعة جديدة منقحة، فالجميع يتغاضى عن كون إسرائيل كيانا استعماريا إستيطانيا يقوم على ايديولوجية عنصرية أو يمر على هذه الحقيقة الدامغة مرور الكرام. تستطيع إسرائيل بقدرة قادر أن تتحول الى دولة لكل مواطنيها، الى دولة ثنائية القومية والى دولة ديموقراطية علمانية، كل ما في الامر يجب إقناع حكامها بضرورة ومصداقية هذا الحل، والتغيير سوف يأتي من نفسه.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ولا أدعي بمقدرتي أن أوفر الجواب الشافي بهذه الجالة عليه هو: هل تستطيع دولة إسرائيل أن تخرج من جلدها وأن تغيير طبيعيتها الكولولونيالية العنصرية؟ هل تستطيع أن تكون دولة المستوطن، الناهب للأرض وفي الوقت نفسه دولة اللاجئ والمهجر والذي يرزح تحت الاحتلال؟ هل يمكن وهل يعقل المساواة بين الظالم والمظلوم؟ بين المستعمر (بالكسرة) والمستعمر (بالفتحة)؟
ماذا تعني الدولة ثنائية القومية التي ينادون بها؟ عن أي قوميتين يتكلمون؟ هل هي القومية العربية واليهودية؟ ام العربية ولاسرائيلية؟ ولماذا لا يتكلمون عن دولة متعددة القوميات؟، وهذا اقرب الى الواقع الذي فرضه الاستيطان الصهيوني الذي جلب مستوطينين من عشرات القوميات. وبالرغم من كافة الجهود الصهيونية على مدى 60 عاما لصهر هذه القوميات في بوتقة واحدة الا ان الفشل في هذا المجال ظاهر امام كل من يريد أن يرى، واذا ما زال احدهم يشك في ذلك فاليسأل المهاجرين الروس والاثيوبيين والمغاربة واليمنيين وهلم جرا.
حسب المفهوم الليبرالي للمروجين الجدد للدولة الواحدة، تستطيع إسرائيل بكل بساطة أن تدعي بأنها دولة ديموقراطية علمانية، فما الجديد الذي يجلبه هؤلاء؟ والحق يقال أن الدعاية الصهيونية قد حققت نجاحا كبيرا في إقناع العالم بأنها الدولة الديموقراطية العلمانية الوحيدة بالمنطقة وأن كونها دولة يهودية في الوقت نفسه لا يتناقض مع كونها دولة ديموقراطية وعلمانية.
إن مثل هؤلاء الاكادميين والناشطين الذين يعقدون مثل هذه المؤتمرات يسدون خدمة مجانية عظمى للدولة العنصرية التي يتهمونها هم انفسهم بإتباع سياسة التطهير العرقي. نحن كشعب فلسطيني مشرد ومهجر وواقع تحت الاحتلال يجب ألا نقع في هذه المصيدة. الدعوة للإعتراف بنا كأقلية (قومية) (أصلانية) وما شابه هذه الفلذكات الكلامية، هي مصيدة هدفها سلخنا عن عمقنا الفلسطيني والعربي من جهة ومنح الشرعية للأغلبية الصهيونية من جهة أخرى. الكلام حول تحويل إسرائيل الى دولة جميع مواطنيها هو أيضا مصيدة إذ كيف يعقل أن تصبح دولة المستوطنين العنصرية التي اقترفت جرائم لا تحصى ولا تعد أن تكون في الوقت ذاته دولة الشعب المحتل واللاجئ؟
الدولة الديموقراطية العلمانية اذا لم تكن تعني تحرير الارض والانسان فأنها تكون كذبة عظمى يجب فضحها ونبذها.

Sunday, November 18, 2007

استقلال أم إستهبال؟؟



من حق الشعوب أن تحلم بالحرية والاسقلال. ومن حقها، لا بل من واجبها أن تناضل من أجل تحقيق هذا الحلم. ومن واجب قيادة هذه الشعوب أن تقود هذا النضال حتى يتحول الحلم الى حقيقة. ولكن عندما يصبح الحلم كابوسا، عندما يصبح وهما وسرابا، عندما يصبح كذبة كبرى عندئذ على الشعوب أن تستيقظ من هذا الكابوس وتنبذ ذاك الوهم وتفضح تلك الكذبة وتحاسب قياداتها التي أوصلتها الى هذا الوضع المزري.
هذه هي حالتنا مع " إعلان استقلال دولة فلسطين" الذي مر عليه قرابة العشرين عاما. لا دولة، لا استقلال ولا يحزنون. بل هو وبكل بساطة: إستهبال. يطالبوننا بإن نحتفل بهذه الكذبة كل سنة وأن نفرح ونغني ونرقص. قد يقول البعض إن اعلان الاستقلال كان خطوة رمزية على إعتبار ما سيكون وليس على اعتبار ما كان أو ما هو كائن، خصوصا وأنه اتخذ من قبل أعلى مؤسسة في منظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" وهو المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة نوفمبر 1988 في الجزائر. من يروج مثل هذه التبريرات يراهن على ضعف ذاكرة الجماهيرمن جهة وقوة الجهاز الدعائي الديماغوغي للقيادة الفاسدة والعاجزة من جهة أخرى.
كيف ظهر هذا الاستقلال المزعوم الى النور عام 1988 وما هي الظروف السياسية الفلسطينية والعربية والدولية التي كانت سائدة في ذلك الوقت؟، والاهم من ذلك كله، ماذا كان الهدف الحقيقي من الاعلان عنه؟.
التسويات التصفوية التي تفرط بالحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني في وطنه وعلى أرضه قديمة قدم القضية نفسها. ولم تبدأ في أوسلو ولن تنتهي في أنابوليس. وإنخراط فئات متنفذة في قيادة الشعب الفلسطيني وتعاطيها مع هذه التسويات هو الآخر ليس جديدا. فقد سبق الاعلان عن "وثيقة الاستقلال" فترة طويلة من التحضير لقبول تسوية من هذا النوع. العلامة الفارقة في هذه المسيرة التصفوية الطويلة كان تبني ما يسمى البرنامج المرحلي ألذي اتخذه المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة عام 1974 وطرح ما يسمى "السلطة الوطنية" والذي في خطوطه العريضة ينبذ حلم تحرير فلسطين ويكتفي بإقامة سلطة على أي بقعة ينسحب عنها جيش الاحتلال الاسرائيلي. وعمليا جاء هذا البرنامج تحضيرا للأنخراط بالمفاوضات التي بدأت بين إسرائيل والدول العربية في جنيف. غير أن الطرف الفلسطيني عاد بخفي حنين ولن تفيده التنازالات التي قدمها فتيلا، ولم يحظ حتى بتلق دعوة لحضور هذه المفاوضات التي تمخضت بعد عدة سنوات عن إتفاقيات كامب ديفيد بين النظام الساداتي وإسرائيل.
لم تكن التنازلات التي قدمها الجانب الفلسطيني كافية لكي ترضي إسرائيل وحلفائها الامريكيين والاسرائليين وطالبوا بالمزيد من هذه التنازلات. التي سرعان ما جاءت على شكل حملة " سلام" فلسطينية في نهاية السبعينات والثمانينات. هل ما زال أحد يذكر تحركات عصام السرطاوي وسعيد حمامي وعزالدين قلق وغيرهم من ممثلي المنظمة الذين قادوا هذه الحملة في أوروبا؟ في المقابل كان الرد الاسرائيلي، بعد التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد وتحييد مصر عن الصراع، إجتياح لبنان عام 1978 وإحتلال بيروت وطرد المنظمات الفلسطينية منها عام 1982. من كان يظن أن الممارسات الاسرائيلية سوف تعيد قيادات هذه التنظيمات الى طريق النضال خاب أمله، ما حدث كان عكس ذلك تماما. فقد تسارعت وتيرة التنازلات عن الثوابت الوطنية.
في هذه الاثناء وصل السيل عند الشعب الفلسطيني الزبى وفجر إنتفاضته الشعبية والتي كانت تسير بخطى واثقة ومتسارعة على طريق التمرد المدني والسياسي، الامر الذي أربك ليس إسرائيل وحلفاءها فحسب، بل القيادة الفلسطينية المتنفذة أيضا، التي خافت أن تخرج الامور عن هيمنتها. وكان من الضروري التحرك بسرعة للجم الانتفاضة وترويضها. ويا لسخرية الاقدار فقد دعيت الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر نوفمبر 1988 بدورة الانتفاضة التي مر على انطلاقتها حوالي سنة، وأرادت القيادة أن تقطف ثمار الانتفاضة مبكرا، فجاء الاعلان عن استقلال الدولة الفلسطينية، لكي ترضي جماهير الانتفاضة من جهة ولكنها كانت لذر الرماد في العيون من جهة أخرى، لأن وراء الاكمة كان ما وراءها، والدوافع الحقيقية لهذا الاعلان كان التستر عن المفاوضات التي قطعت مرحلة لا بأس بها بين قيادة المنظمة والادارة الامريكية. فبعد أقل من شهر دعي ياسر عرفات لإلقاء خطاب امام مؤتمر نظمته الامم المتحدة في جنيف وهناك لأول مرة وبشكل رسمي وعلني أعلن ابو عمار بأن الشعب الفلسطيني يقبل بقرار 242 و 338 ويدين كافة أشكال الارهاب. وكان ذلك ما تريده الادارة الامريكية برئاسة رونالد ريغان لكي تبدأ بحاور مباشر مع منظمة التحرير. وهكذا قضينا على الانتفاضة الشعبية الاولى من خلال إحتضانها، وكانت إتفاقيات أوسلو القبلة المميتة.
كاتب وثيقة "الاستقلال" وضع أمامه وثيقة "إستقلال" أخرى هي وثيقة الاستقلال الاسرائلية. وأخذ ينقل عنها وكأنه طالب يغش بالامتحان. الاسلوب نفسه، الافكار نفسها، وحتى بعض الجمل نفسها. تقمص هذا الكاتب الذي من المفروض أن يمثل الشعب الضحية شخصية المستوطن الصهيوني. ركزت الوثيقة على الروابط العاطفية التي تربط الشعب الفلسطيني بوطنه، ركزت على دولة وهمية وتجاهلت المقاومة التي كانت في أوجها. مرت بحق العودة مرور الكرام، كرست الاعتراف بدولة إسرائيل وأعتبرت قرار التقسيم مرجعية بالرغم من إجحافه.
سامحوني، أنا شخصيا لن أحتفل بمثل هذا الاستقلال المزيف. الاستقلال النابع من صلب النضال، الاستقلال الذي يتوج مسيرة التحرير المظفرة هو الوحيد الذي يستحق الاحتفال به.

التطبيع والاسرلة وجهان لعملة واحدة



استوقفني مؤخرا خبر تناقلته بعض وسائل الاعلام أثار إستغرابي وعجزت عن فهمه بالرغم من بساطته. يقول عنوان الخبر: "محمود عباس يطالب الدول العربية والاسلامية تجنب التطبيع مع اسرائيل". للوهلة الاولى ظننت أن هناك ثمة خطأ لغوي أو مطبعي، ربما سقطت سهوا كلمة صغيرة مما تنضح به لغتنا العربية ولكن بمقدورها أن تقلب معنى الجملة. وقلت: ربما كان عنوان الخبر: "محمود عباس يطالب الدول العربية والاسلامية عدم تجنب التطبيع مع إسرائيل" فسقطت كلمة "عدم" سهوا مما قلب المعنى رأسا على عقب.
ولكي أتأكد من ذلك قرأت الخبر من عدة مصادر وكلها ذكرت "تجنب التطبيع" من غير كلمة "عدم". فقلت إذن لا بد ان يكون الخبر برمته ليس أكثرمن نكتة سمجة من ابداع أحد الاعلاميين الخبثاء الساخرين. ولكن وكالة انباء الشرق الاوسط التي نشرت هذا الخبر وباقي المواقع التي تلقفته أبعد ما تكون عن السخرية والنكات. يعني أن الخبر بشكله المنشور صحيح. وهذا يعني بدوره أن السيد محمود عباس يستخف بعقول العرب والمسلمين أجمعين وفي شتى أنحاء العالم. وبالعربية العامية أن الرجل يستهبلنا.
كيف يطالب العرب والمسلمين بتجنب التطبيع وهو يختلي كل خميس برئيس حكومة اسرائيل أولمرت لساعات لا يعرف أحد ما يدور بينهما سوى الله رب العالمين؟ بينما تواصل الحكومة الاسرائيلية جرائمها في غزة ونابلس وجنين والخليل حيث يسقط يوميا شهداء وجرحى ومعتقلين يقوم السيد عباس بإحتضان اولمرت وكأن ما يجري حوله يجري على كوكب آخر. حتى اننا لم نعد نسمع الادانات الروتينية التي كان يطلقها المسؤولون في السلطة الفلسطينية. واكثر من ذلك، فالتنسيق والتعاون بين السلطة والاحتلال ينشط على قدم وساق ويشمل كافة المجالات وجميع الاصعدة. فهناك التنسيق الامني الذي يطارد المقاومة ويجردها من سلاحها، وهناك تنسيق فرض الحصار على غزة وتصعيده بالعقوبات الجماعية، وهناك التنسيق السياسي لتحضير مؤتمر الخريف. تتم هذه الامور في وضح النهار وتتناولها كافة وسائل الاعلام المحلية والعالمية، وجميعنا يسمعها ويقرأها. اليست هذه تطبيعا ؟.
ولكي لا أظلم محمود عباس، فلم أكتف بقراءة عنوان الخبر ووجدت في جسد الخبر أنه يضيف: "…إلا اذا انسحبت (اسرائيل) من الاراضي العربية المحتلة عام 1967 ووافقت على حل عادل لمشكلة اللاجئين".
وهذا عذر أقبح من ذنب. اذ أن رئيس الحكومة الاسرائيلية وكافة وزرائه يعلنون على الملأ صباحا ومساء، للقاصي والداني، لمن يهمه الامر ولمن لا يهمه أنه لا انسحاب من كافة الاراضي المحتلة، وانه لا حق للاجئين بالعودة.
فلماذا يا سيادة رئيس السلطة لا تبدأ بنفسك وتتجنب أنت وحكومتك وأجهزتك الامنية التطبيع مع اسرائيل حتى توافق على مطالبك المتواضعة هذه؟ ألم تسمع المثل العربي الذي يقول: لا تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إن فعلت عظيم؟
يقول الكثيرون من الدول العربية والاسلامية: اذا كنتم انتم الفلسطينيون، اصحاب القضية، أشد الناس حرصا على التطبيع وتمارسونه ليل نهارا، سرا وعلانية، فبأي حق تطالبوننا بتجنب التطبيع؟ لماذا ما هو مسموح لكم ممنوع علينا؟ أيها المراؤون، كيف تشيرون الى القذى في أعيننا وتتجاهلون الخشبة في أعينكم؟
كيف يطالب محمود عباس الدول العربية بتجنب التطبيع مع اسرائيل وفي يترجى السعودية والدول العربية "المعتدلة" الا تقاطع مؤتمر الخريف. ويدعو مصر والاردن وباقي الدول العربية والاسلامية الى تبني مشروع السلام الامريكي – الاسرائيلي.

يجب ملاحقة المطبعين الفلسطينيين وفضحهم أمام الجماهير. وإعادة القضية الى مسارها الصحيح
الاسم الآخر للتطبيع فيما يتعلق بفلسطينيي الداخل هو الاسرلة. جميع الاحزاب العربية الاسرائيلية والجمعيات والمؤسسات ليس فقط انها تسير في ركب الاسرلة ولكنها تعمل أيضا بلا كلل أو ملل، من حيث تدري أو لا تدري على أسرلة الجماهير الفلسطينية وتشويه هويتها الوطنية.
وكما في المناطق الفلسطينية الاخرى، فإن زعامة هذه الاحزاب والجمعيات تستهبلنا وتستخف بعقولنا، تختبئ وراء قناع مزيف من الوطنية أو القومية او الاسلامية ولكنها في الحقيقة تروج للأسرلة. فهذه لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية ولجنة رؤساء المجالس المحلية تصدر وثيقة أطلقت عليها اسم التصور المستقبلي، وذلك على حد زعمها لترتيب العلاقة بين الدولة والمواطنين الفلسطينيين، ومن ثم قامت عدالة بنشر وثيقة مشابهة تحت مسمى "الدستور الديموقراطي" وتبعها مركز مدى بوثيقة حيفا، وكلها وثائق أسرلة بإمتياز ولم ولن يستطيع أي قناع "وطني" أن يخفي هذه الحقيقة الدامغة. في هذا السياق، أعجبني خطاب محمد بركة في حضرة محمود عباس عندما زاره وفد من لجنة المتابعة العليا للتوسط وحل النزاع الدموي الناشب بين فتح وحماس. قال بركة موجها كلامه الى محمود عباس: " اننا لسنا معك، وانما نحن مع المشروع الوطني الفلسطيني ومن أجل تحقيقه، وطالما انك متمسك بهذا المشروع فنحن نؤيدك".
المشروع "الوطني الفلسطيني" الذي يتمسك به كل من بركة وعباس ذو طبيعة واحدة وهو الاعتراف باسرائيل كتجسيد لحق "الشعب البهودي في تقرير مصيره" والقبول بدويلة مسخ للشعب الفلسطيني. وكما قال المثل: الطيور على اشكالها تقع.
إن مقاومة التطبيع والاسرلة شرط مسبق وضروي من أجل التمسك بالحقوق الطبيعية للشعب الفلسطين في تحرير أرضه والعودة اليها. وأن التطبيع والاسرلة هو المقدمة الاولى للتفريط بهذه الحقوق.

Wednesday, October 10, 2007

تشي جيفارا: أينما يوجدالظلم فذاك وطني



اربعون عاما مضت على مقتل القائد الفذ والثائر العالمي تشي جيفارا في أدغال بوليفيا على أيدي جيش النظام البوليفي العميل مدعوما برجال المخابرات الامريكية ال سي آي ايه. نعم، لقد مات تشي جيفارا ولم تنتصر الثورة في بوليفيا، إلا أن فكر تشي جيفرا الثوري المقاوم للإمبريالية في كل زمان ومكان ونصير شعوب العالم المضطهدة ما زال حيا ينمو ويترعرع في كل مكان فيه ظلم وإضطهاد.
يحاول أعداء تشي جيفارا ومنهم من يغطي وجهه بقناع صديق أن يجعل من تشي جيفارا وفكره ونضاله الثوري اسطورة، اسطورة خيالية قد ولى زمنها لا تمت للواقع بصلة مثل اسطورة روبين هود، فنرى العديد من الشباب والصبايا يلبسون بلوزات عليها صورته او يعلقون في أعناقهم قلائد تحمل صورته او يزينون جدران غرفهم ببوسترات كبيرة. قسم كبير من هؤلاء الشباب والصبايا لا يعرفون سوى النزر القليل عن حياة هذا الثائر العالمي وقسم منهم ينتمي الى أحزاب انتهازية كانت تتهم تشي جيفارا بالتهور واللاواقعية.
تشي جيفارا ليس أسطورة بهذا المعنى بأي حال من الاحوال، بل هو ثائر من لحم ودم حمل السلاح دفاعا عن المظلومين في كل مكان. قال: " اني أحس على وجهي بالم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا فاينما وجد الظلم فذاك وطني". حارب تشي جيفارا الارجنتيني المولد في كوبا ضد النظام الفاسد العميل وفي أفريقيا وفي بوليفيا ودعم بدون تحفظ نضالات الشعوب التي كانت تناضل من أجل حريتها وإستقلالها خصوصا في فيتنام والجزائر الملتهبتين في تلك الايام.
لقد شن تشي جيفارا حربه الثورية على 3 جبهات:
أولا: ضد الامبريالية العالمية التي تزعمتها بعد الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة الامريكية.
ثانيا، ضد الانظمة الفاسدة والعميلة التي تقمع وتستغل جماهير الشعب وتخدم مصالح الامبريالية.
ثالثا ضد القوى الانتهازية التي تتكلم بإسم العمال والكادحين والمسحوقين ولكنها في نهاية المطاف تخدم الامبريالية العالمية وتلحق الضرر الفادح بنضالات الشعوب التحررية.
بعد افول نجم الاستعمار القديم متمثلا الاساس ببريطانيا وفرنسا من حيث الاساس، وصعود نجم الامبريالية الامريكية أدرك تشي جيفارا بانه لا بد من توحيد جميع القوى الثورية لمواجهة هذا العدو الغاشم. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة الامريكية تشن حروبها القذرة في كل أرجاء العالم، في كوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا والعديد من الدول الافريقية ودول امريكا اللاتينية. إزاء هذا الوضع توصل تشي جيفارا الى عقيدة راسخة ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا، بل هي اليوم أكثر واقعية من ذلك الوقت. خلاصتها: أن إنتصار الثورة هو الضمان الوحيد للقضاء على الحروب الامبريالية." لا حياة خارج الثورة، ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة وأكثر".
هل تغير شيء على طبيعة الامبريالية الامريكية منذ ذلك الحين وحتى الآن؟ هل يوجد طريق آخر للقضاء على الحروب الامبريالية العالمية؟ وعلى غرار ما قاله تشي جيفارا اقول: لا حياة خارج الثورة وليوجد عراق وافغانستان ولبنان وفلسطين وفنزويلا ثانية وثالثة وأكثر.
المفاوضات والمؤتمرات والاستجداءات لن تردع الامبريالية الامريكية وحلفائها من شن الحروب بل على العكس من ذلك فإن هذه الاساليب تزيدها سعورا وعدوانية، الثورة فقط هي الكفيلة بذلك.
يمثل تشي جيفارا النقاء الثوري، ليس من خلال التقوقع في الابراج العاجية ولا من وراء الكتب والمكاتب بل من خلال الممارسة العملية والاخلاص منقطع النظير للمبادىء الثورية والتفاني والتضحية الى ابعد الحدود.
لقد سار تشي جيفارا على طريق الثوار العظام الذين سبقوه مثل ماركس ولينين وماو تسي تونغ وهوشي منه. كان يؤمن أن تعلم الثورة يأتي من خلال صنع الثورة: " أن من يعتقد أن نجم الثورة قد أفل فإما أن يكون خائنا أو متساقطا أو جبانا، فالثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن".
ما أحوجنا نحن هنا في فلسطين وفي العالم العربي أن ننحت هذه الكلمات في عقولنا وفي ذاكرتنا حيث كثر الخائنون والمتساقطون والجبناء الذين حبهم للوطن لا يساوي أكثر من حفنة من الدولارات الملطخة بدماء الشهداء. هذه الكلمات الملتهبة ما زالت تحرق وجوه الملوك والرؤساء العرب، الحقيقيين منهم والمزيفين الذين يعتقدون أن 90% من أوراق الحل بيد الامبرياليين الامريكيين وحلفائهم ويتعاموا عن رؤية الحقيقة التي تقول أن هؤلاء مسؤولون عن أكثر من 90% من المشكلة. الثورة في طريقها نحو الانتصار على الامبريالية سوف تكنس مثل هذه الزعامات الى مزبلة التاريخ.
ما كانت هيمنة الامبريالية تدوم هذه الفترة الطويلة لولا نشوء وتطور القوى الانتهازية داخل الحركات الثورية وفي صفوف الشعوب المسحوقة. وقد انتبه تشي جيفارا الى هذا العدو الداخلي الكامن والمقنع بثياب صديق. وحاول بكل ما يملكه من قوة مقاومته وفضحه وإجهاض نتائجه الوخيمة. وقف في وجه التحريفيين السوفييت، الذين قضوا لاحقا على الاتحاد السوفياتي نفسه، الذين نادوا بسياسة التعاون السلمي مع المعسكر الامبريالي. ووقف في وجه الاحزاب الانتهازية التي تسمي نفسها بالاحزاب الشيوعية، والتي نادت هي الاخرى بنبذ الطريق الثوري وسلوك النضال السلمي البرلماني مما جعل الامبريالية تزيد من شراستها.
النضال على الجبهة الداخلية لم يتوقف ابدا، وهو لا يقل من حيث الاهمية عن النضال ضد الامبريالية والرجعية. وقد قال لينين من قبل: "أن الحزب البلشفي قد نما وترعرع واصلب عوده من خلال النضال ضد الانتهازية داخل الجركة العمالية". وقد قدم تشي جيفارا في هذا المجال نموذجا فريدا من نوعة ما أحرى المقاومين في فلسطين ولبنان وفي كل مكان آخر في العالم أن يتوقفوا عنده ويستوعبوه ويتعضوا به. فبعد إنتصار الثورة في كوبا تقلد تشي جيفارا مناصب رسمية قيادية وتم تعينه وزيرا للإقتصاد وثم رئيسا للبنك المركزي ومسؤول العلاقات الخارجية للثورة المنتصرة، وعمليا كان المسؤول عن بناء الدولة الاشتراكية الفتية. إلا انه قدم استقالته للرئيس فيدل كاسترو بعد أن أخبره أن مهمته في كوبا قد انتهت، والآن يجب على الثورة أن تنتصر في أماكن اخرى.
لنقارن هذا الموقف المثالي بموقف القياديين في حركة حماس الذين يخوضون صراعا داميا للإنفراد بسلطة وهمية في ظل الاحتلال ويبدون استعدادهم للمساومة من أجل أن يكونوا وزراء. لقد أثبت الواقع أن السلطة المنبثقة عن اتفاقيات تصفوية تتناقض مع نهج المقاومة ولا يمكن الجمع بينهما. على قادة حماس أن يختاروا المقاومة او السلطة.
لم يناد تشي جيفارا كما يقول البعض بتصدير الثورة الى بلدان أخرى وهو القائل: " انا لست محررا، المحررين لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من يحرر نفسها". إذن لماذا ترك كوبا والتحق بالنضال الثوري في الكونغو وفي بوليفيا ونادى بفتح جبهات جديدة في وجه الامبريالية؟ لأنه كان يؤمن أن الامبريالية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ذات طابع عالمي ولايمكن مواجهتها إلا بثورة ذات طابع عالمي لا تتوقف عند أية حدود جغرافية. وقال: " لا يهمني متى وأين سأموت، لكن يهمني أن يبقى الثوار منتصبين، يملأون الارض ضجيجا، كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين"
نعم أيها القائد الثائر، يموت الثوار ولكن لن يركعوا ابدا

Thursday, October 04, 2007

مؤتمر الخريف - تصفيات آخر الموسم


لقد كتب الكثير عن هذا المؤتمر الغريب العجيب، مؤتمر السلام المزمع عقده في الخريف. ها نحن نقف على أعتاب الخريف وحتى الآن لا يعرف أحد على وجه التحديد تاريخه ولا مكانه المحدد ولا المدعوين اليه أو المواضيع التي سوف تطرح وتناقش به.
أنه حقا إسم على مسمى، أنه مؤتمر خريف بإمتياز. فالفرسان الثلاثة المبادرون لهذا المؤتمر والمتحمسون له يعيشون خريف حياتهم السياسية. لم يبق أمام الرئيس الامريكي بوش الابن سوى سنة في منصبه وسوف يترك البيت الابيض جارا وراءه اسوأ فترة رئاسة عرفتها بلاده في العصر الحديث، حيث ورط بلاده في حروب لا تنتهي بحجة شن حرب عالمية على الارهاب. هل يستطيع أن يحقق السلام في خريفه بعد أن زرع الموت والدمار في ربيعه وصيفه؟
الفارس الثاني هو أولمرت الذي يعيش هو الآخر خريفه السياسي الاخير بعد أن حرقه صيف المقاومة اللبنانية السنة الماضية، وفشل بالرغم من جميع الجرائم التي اقترفها في غزة والضفة الغربية أن يحافظ على ربيع سلطته.
أما الفارس الثالث، محمود عباس فهو من أشد المتحمسين لمؤتمر الخريف ربما لأنه يشعر أن خريفه السياسي أزف على الانتهاء بعد أن فقد غزة بينما في الضفة الغربية وكما يقول المثل الشعبي: لا يمون على بصلة.
إذن، لا غرابة والحال هكذا أن يطلق على هذا المؤتمر: مؤتمر الخريف.
لكن هذا ليس كل شيء. يوجد هناك وجوه شبه كثيرة أخرى مشتركة بين هذا المؤتمر وبين فصل الخريف. أتذكر ما علمتنا اياه معلمة الروضة قبل سنوات عديدة عن ميزات الخريف، وما زال أطفالنا يتلقون نفس المعلومات إذ لم يطرأ اي شيء جديد على الخريف.
1- يتميز فصل الخريف بتساقط أوراق الشجر تدريجيا حتى يترك الشجرة عارية تماما تتمايل كلما هبت الرياح، وهكذا تتساقط الاوراق التي تستر القيادة الفلسطينية والزعماء العرب المهرولين الى هذا المؤتمر. وقبل أن يفتتح المؤتمر أوراقه نرى أن عوراتهم أصبحت مكشوفة أمام شمس الخريف الناعسة.
2- في فصل الخريف يسقط المطر الاول وبما أن الجو يكون ملوثا بالغبار فإن هذا المطر يوسخ شبابيك البيوت والسيارات الزجاجية بدل تنظيفها، كذلك تلوث أمطار هذا المؤتمر كل بقعة نظيفة في تاريخنا ونضالنا إذ تخلط الاوراق وتدمغ المناضل والمقاوم بالارهاب وتضفي على المجرم والقاتل صفة محب للسلام.
3- في الخريف يكون الطقس متقلبا، ومن الواضح أن المبادرين لهذا المؤتمر والمشاركين فيه يشكلون مدرسة في التقلب فعندما يتكلمون عن السلام يخططون للحرب وعندما يتكلمون عن الديموقراطية يكتمون الافواه والانفاس وعندما يتكلمون عن الوطنية يبيعون الوطن بالجملة والمفرق.
4- في الخريف تهاجر الطيور تاركة أعشاشها الباردة باحثة لها عن مأوى دافئ، وهكذا تهاجر زعامتنا العربية والفلسطينية باحثة عن حضن دافئ في تل ابيب وواشنطن.
5- ولكن في الخريف أيضا تهب رياح شديدة وفي بعض الاحيان تهب زوابع وعواصف تقتلع كل من يعترض طريقها وتلقي بهم في مزبلة التاريخ، يبدو أن المؤتمرون لم يأخذوا هذه الميزة بالحسبان، فحذار أيها الخريفيون المجتمعون في مؤتمر الخريف من هذه الرياح العاتية. حتى لو زودتكم الادارة الامريكية المضيفة بكل الفياغرا في الولايات المتحدة فإن إنتصابكم لن يصمد أمام هذه الرياح.
يريد بوش الابن من هذا المؤتمر أن ينقذه من ورطته في العراق ويبحث له عن مخرج يحفظ ماء وجهه قبل أن يخرج جيوشه من هناك يجر ذيول الهزيمة، وهو كالعادة يريد الزعماء العرب أن يساعدوه في هذه المهمة لذلك يلوح لهم بالحل السلمي للقضية الفلسطينية، وهو يحلم أن يغادر البيت الابيض ملوحا ببعض الانجاز.
أما أولمرت فيريد أن يرمم شعبيته ومصداقيته بعد الهزيمة التي مني بها في لبنان وأن يغطي بعض الشيء على فضائح الفساد التي تتربص به في البيت. قد يتفهم المراقب السياسي دوافعهما لعقد هذا المؤتمر، إلا أن اللغز المحير يبقى موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ودوافعه. فهو يصرح انه لن يقبل أقل من إعلان مبادئ لحل نهائي للصراع وإقامة دولة قابلة للحياة من خلال مفاوضات تبدأ حالا بعد إنتهاء المؤتمر، ولن يقبل إتفاق إطار كما تتناوله وسائل الاعلام. مع أن اولمرت يقول له بصراحة: لا تحلم لا بإعلان مبادئ ولا بإتفاق إطار فلن يتمخض هذا المؤتمر عن أكثر من بيان مشترك غير ملزم ويكتنفه الغموض من كل جانب ويهمل فورا كالعادة بعد نهاية المؤتمر.
وللحق يقال أن الموقف الاسرائيلي هو الموقف الوحيد الواضح والمنسجم حتى النهاية ويتلخص باللاءات الاربعة: لا لحق العودة، لا لإزالة المستوطنات، لا للإنسحاب الكامل من الاراضي المحتلة عام 1967، ولا لإعادة القدس العربية.
على ضوء هذه التصريحات التي نسمعها ونشاهدها صباح مساء في وسائل الاعلام الاسرائيلية وفي اروقة الكنيست والحكومة، فعلى ماذا تعتمد القيادة الفلسطينية ومن ورائها ما يسمى بالدول العربية المعتدلة ملوحين بمبادرتهم السقيمة في هرولتهم المخزية الى مؤتمر الخريف؟ هل يعلنون عن تصفيات آخر الموسم ويبيعوننا بأبخس الاثمان؟
لم يبق امامنا سوى أن نجعل من هذا الخريف فصل الزوابع والعواصف


Sunday, September 30, 2007

نعم، غزة كيان معادي



ربما للمرة الاولى في تاريخها تعلن إسرائيل تصريحا حقيقيا عندما قامت الحكومة الاسرائيلية بالاجماع بناء على طلب وزير الحربية ايهود براك بالاعلان عن قطاع غزة "كيان معادٍ". وبذلك أكون أول من يسبح ضد التيار ويبارك للحكومة الاسرائيلية على صراحتها وجرأتها هذه، على عكس قيادتنا المحلية التي سارعت بإدانة هذا التصريح وأعتبرته بمثابة إعلان حرب على غزة (وكأن غزة قبل هذا التصريح كانت تنعم بالسلام والامن) وأعتبرته تخريبا للمؤتمر الدولي المزمع عقده في الخريف في أمريكا، وكأن هذا المؤتمر سوف يجلب السلام المنشود.
لقد اعاد هذا التصريح ترتيب الامور في وضعها الطبيعي بعد أن إختلطت الاوراق واصبحنا لا نعرف العدو من الصديق ولا الضحية من المجرم. جاء هذا التصريح ليضع النقاط على الحروف: غزة كيان معادٍ تماما كما أن إسرائيل كيان معادٍ. هذه هي الصورة كاملة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي طبيعة العداء بين هذين "الكيانين"؟
بالنسبة لغزة الجواب واضح، فالعداء ليس جديدا ويعود الى عام 1948 وما قبله لأن الكيان الاسرائلي هو المسؤول عن تهجير 80% من سكان غزة من بيوتهم، هو الذي نهب ارضهم ودمر قراهم، ولم يكتف بذلك بل عاد وأحتل أماكن لجوئهم وأذاقهم الامرين من قمع وحصار وقتل الخ.
بالنسبة لإسرائيل غزة كيان معادٍ لانها ترفض أن تستلم، لانها تقاوم الاحتلال بكل ما تملكه من قوة متواضع وبالرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمتها وما زالت تقدمها، لأنها تتمسك بحقها بالعودة والحرية.
ولكننا نعيش في عصر اللامعقول حيث تتحول الاشياء الى أضدادها بقوة سيطرة الجيش والمال والاعلام. حتى أصبح دفاع أهل غزة عن حقوقهم الانسانية الاساسية في الحياة والمسكن والامن عدوانا بينما اصبح العدوان الاسرائيلي دفاعا عن النفس.
لقد وصف الشعب الفلسطيني إسرائيل منذ اللحظة الاولى بالكيان العدواني وكان هذا الوصف يعكس الواقع كما يحسه الفلسطيني على جسده. كما يعيشه يوميا، كما يتنفسه كل صباح وقد حاولت اسرائيل إختراق هذا التعريف على كافة الاصعدة، وللحق يقال انها حققت إنجازات كبيرة في هذا المجال. جاء الاختراق الاول الكبير في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد وتحييد أكبر دولة عربية، وهي مصر، عن الصراع. ومن ثم تلتها اتفاقيات وادي عربة التي فتحت أبواب الاردن على مصراعيه لتغلغل الهيمنة الاسرائيلية وأخيرا إتفاقيات اوسلو التي ما زلنا نعاني من عواقبها الوخيمة. جاءت غزة لتعيد الامور الى نصابها الحقيقي ولتؤكد حقيقة تاريخية: ان العداء بين المستمعر المحتل وبين الشعب الرازح تحت نير الاحتلال هوعداء مطلق.
في الحقيقة لم يأت التصريح الاسرائيلي بشيء جديد. فمن يقرأه يظن للوهلة الاولى وكأن غزة قبل هذا الاعلان كانت "كيانا صديقا" تنعم بالعلاقات الحميمة وحسن الجوار. ما الجديد الذي قد يجلبه هذا القرار الى غزة؟ تشديد الحصار؟ ولكن غزة محاصرة منذ سنوات وكلما ازداد الحصار كلما إصلب الصمود. فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية؟ وقطع الكهرباء؟ وكأنه لم تكن هناك عقوبات حتى الان. أم تصعيد الاجتياحات والاغتيالات والقصف؟ وكل ذلك تمارسه اسرائيل بكل طاقتها منذ سنوات فماذا كانت النتيجة؟.
ولكن، حسب رأيي، يوجد هناك نوايا أخرى خبيثة وأخطر بما لا يقاس من وراء هذا التصريح الاسرائيلي وفي هذه الفترة بالذات، هذه النوايا يجب فضحها ومواجهة مخاطرها. لقد جاء التصريح الاسرائيلي ليقول للشعب الفلسطيني لمقاوم من حيث الاساس: غزة هو كيان معادٍ ينبغي القضاء عليه اما الضفة الغربية فهي كيان صديق وسوف تنعم بالازدهار والرفاهية. من يقاوم الاحتلال الاسرائيلي فهو ارهابي وعدو ولكن من يتقبل الاحتلال ويتعاون معه فهو صديق.
دعونا نلقي نظرة خاطفة لكي نرى كيف تتعامل إشرائيل مع "الكيان الصديق": الاستيطان يتمدد كالاخطبوط في كافة ارجاء الضفة الغربية ولم يتوقف حتى للحظة واحدة، تهويد القدس يجري على قدم وساق وفي كل يوم يهدم بيت وتصادر أراضي وتبنى مستوطنات، جدار الفصل العنصري ينهش في اراضي الضفة من شمالها الى جنوبها، هذا بالاضافة الى الحواجز التي تقطع اوصال الضفة والاجتياحات المتكررة في نابلس ورام الله وباقي المدن والقرى والاغتيالات والاعتقالات. هكذا تكون الصداقة لا عمرها ما تكون.
المصيبة الكبرى أن السلطة الفلسطينية تنسجم أكثر فأكثر مع هذه السياسة الخبيثة. على غرار حكومة أولمرت – براك، حكومة عباس-فياض هي الاخرى تعتبر غزة " كيانا معاديا" ولا يغرنا التصريحات التي يطلقها بعض المسؤولين في السلطة تدين التصريح الاسرائيلي. لقد أصبح واضحا لجميع المراقبين أن هناك ثمة تنسيق إسرائيلي – امريكي – فلسطيني سلطوي لتضييق الخناق على غزة حتى تركيعها. وهناك أيضا تواطؤ عربي أوروبي لدعم هذه السياسة.
ولكن لا يوجد لدى الغزاويين ما يخسروه سوى أغلالهم وأمامهم الوطن ليكسبوه

Wednesday, September 19, 2007

صبرا وشاتيلا، لن ننسى ولن نغفر



لو آمنا جميعا بأن الشهداء ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقزون، وتفقدنا شهداء صبرا وشاتيلا في قبورهم لوجدناهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال يكادون يتميزون من الغيظ والغضب، ليس بسبب من سفك دمهم قبل ربع قرن ولكن بسبب بني جلدتهم الذين تركوهم بلا حماية في عام 1982 واليوم يتسابقون لنيل رضى القتلة المجرمين بدل أن ياخذوا بثأرهم.
ولو آمنا جميعا بأن الذين قتلوا في نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001 هم أيضا شهداء، على إعتبار انهم ضحايا مدنيون، وتفقدناهم في قبورهم لوجدنا هذه القبور قد تحولت الى ملاهي وهم يرقصون فرحين تكاد الارض أن تنشق من حولهم. حيث تم الثار الرهيب لمقتلهم بشكل لم يتصوروه ولم يتوقعوه. إذ تم تدمير أفغانستان وإشعال نار الحرب الاهلية التي لم تنته بعد، وتدمير العراق واحتلاله وتفكيكه وإذكاء نار الحرب الطائفية التي ما تزال ملتهبة، هذا بالاضافة الى الهيمنة على معظم أرجاء العالم عن طريق إقامة الاحلاف العميلة. وقد ساهم العرب بشكل فعال في خدمة السيد الامريكي وأبلوا بلاء حسنا في مساعدته للأخذ بثأره.
إن شعبا ينسى شهداءه هو شعب مصاب بفقدان الذاكرة، اي انه يعيش بدون ماض أو حاضر أو مستقبل. إن شعبا ينسى شهداءه لا يستحق أن يعيش حياة حرة كريمة ، بل سيعيش على هامش التاريخ حياة ذل ومهانة تدوسه الاقدام من كل صوب. والامة العربية من المحيط الى الخليج قد نسيت شهداءها ليس في صبرا وشاتيلا فحسب بل شهداء المجازر التي سبقت صبرا وشاتيلا والمجازر التي لحقتها ايضا.
أيام معدودات فصلت بين الذكرى الخامسة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا والذكرى السادسة لتفجير برج التوأمين في نيويورك. إلا أن سنوات ضوئية تفصل بين تداعيات ونتائج الحدثين. في صبرا وشاتيلا يسكن لاجئون معدمون يستجدون لقمة معيشتهم من المنظمات الخيرية، لاجئون طردوا من بيوتهم ووطتهم والقي بهم في العراء، وكأن ذلك لم يكن كافيا فلاحقتهم قطعان الفاشية المحليون بقصد القضاء عليهم نهائيا. في الطرف الآخر من العالم، في منهاتن في نيويورك يقبع في البرجين المهدومين ناس من صنف آخر، أغنياء الى درجة الفحش، يتلاعبون بالاموال كما يحلو لهم، يعيشون على سلب لقمة العيش من افواه الملايين في الدول النامية. بالرغم من أن عدد الضحايا في الحادثتين متقارب (حوالي 2000) إلا أن شتان فيما بينهما، بؤساء المخيم ليسوا سوى مجرد أرقام، إحصائيات موتهم لا يقدم ولا يؤخر، دمهم مباح كالماء. أما أغنياء البرجين فدمهم أحمر قاني وسفكه جريمة لا تغتفر، ومن تسول له نفسه ذلك فسوف يطارد الى آخر الدنيا ويقتل هو وأهله وأصدقاؤه وجيرانه عن بكرة ابيهم.
الذين ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا ما زالوا يتغطرسون في مشيتهم على رؤوس الاعيان، منهم ما زال يتبوأ مكانة راقية ومنصبا مرموقا في بلده ومنهم من يغط في سبات عميق بسبب مرضه وقد أصبح ورثته محجا يدور حوله الزعماء العرب والفلسطينيون. يا للعار.
لا يوجد تقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية. لا يعقل أن يصر ما يسمى بالمجتمع الدولي والذي يدور في فلكه معظم العرب على تشكيل محكمة دولية لملاحقة ومحاكمة رفيق الحريري وهو شخص فرد ويتم التغاضي عن جريمة صبرا وشاتيلا، قاتل أو قتلة الحريري ما زالوا مجهولون ولا يوجد أي دليل يشير الى طرف بعينه، بينما هوية قتلة أكثر من 2000 فلسطيني ولبناني في صبرا وشاتيلا معروفة للجميع والاثباتات والادلة والشهود موجدة بوفرة تكفي لإدانتهم ألف مرة. هذا المجتمع الدولي المنافق الذي طبل وزمر عند تقديم الرئيس الصربي ميلوسفيتش للمحكمة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، يملأ فمه رملا ورمادا إزاء الجرائم التي ترتكبها أمريكا وإسرائيل.
انه لمن المخزي والمخجل أن تمر الذكرى أل25 لمجزرة صبرا وشاتيلا بدون أن تحرك بنا ساكنا. لا حزب سياسي ولا جمعية مدنية ولا لجنة متابعة قد كلف نفسه عناء تنظيم مظاهرة أو مسيرة أو ندوة أو إصدار بيان وهو أضعف الايمان خصوصا وأن سفك الدم الفلسطيني ما زال مستمرا كل يوم والمجرمون هم أنفسهم وإن تغيرت الاسماء وتبدلت الشخصيات. على العكس من ذلك، نرى التعاون مع المجرمين يجري على قدم وساق ووصل في بعض الاحيان الى حد التحالف والمشاركة الفعلية.
اننا نقدم إعتذارنا لكم يا ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا وضحايا كافة المجازر، لقد خيبنا أملكم وخذلناكم، حتى بتنا نحسدكم لأنكم لا ترون ولا تسمعون ماذا يجري حولكم، نتمنى لو كنا نرقد الى جانبكم، فالعار لم يعد يحتمل. سامحونا على عجزنا وعلى تفاهتنا. أنتم الأحياء وإن متم ونحن أموات وإن عشنا.

Thursday, September 06, 2007

زيف الديموقراطية الفلسطينية


كذبنا على أنفسنا كذبة وصدقناها. وكلما كبرت الكذبة كلما إزداد تصديقنا لها حتى ضربت شروشها في وعينا الجماعي وفي لا وعينا أيضا. اصبحنا ضحية لهذه الكذبة بل عبيدا لها. تقول هذه الكذبة اننا نمتلك ديموقراطية فريدة من نوعها غير موجودة في اي بلد عربي تحسدنا عليها جميع الشعوب العربية المحرومة من الديموقراطية والتي تبتلي بأنظمة استبدادية عاتية. حتى أن هذه الديموقراطية تتفوق على كافة الديموقراطيات في العالم المتمدن. وقد أطلقنا عليها ببساطة: الديموقراطية الفلسطينية.
فنحن نحل خلافاتنا بالحوار ولا نحتكم الى السلاح أبدا ومهما إختلفنا يبقى شعار الوحدة الوطنية مرفوع عاليا. اما مؤسساتنا فهي نموذج حي لهذه الديموقراطية. حيث تؤخذ جميع قراراتنا بالاجماع بعدما يشارك الجميع بالنقاش الحر. لذلك يقف الجميع وراء هذه القرارات ويعمل على تنفيذها بكل صدق وأمانة. ولعل آخر مثل يضربونه على هذه الديموقراطية العجيبة هو الانتخابات الاخيرة للمجلس التشريعي التابع للسلطة الفلسطينية في بداية عام 2006 والتي اسفرت عن فوز كاسح حققته حركة حماس.
أما ماذا جرى بعد ذلك فتختلف الروايات. فالبعض يقول: أن التيار الانقلابي في حماس هو الذي قوض اركان الديموقراطية الفلسطينية. بينما يقول البعض الآخر: بل التيار الانقلابي في حركة فتح هو الذي زعزع أسس هذه الديموقراطية منذ أن رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات. لعل الجانب الايجابي الوحيد الذي اسفر عنه صراع هذين التياريين الانقلابيين هو انهما مزقا القناع الذي كان يغطي عورة ما يسمى بالديموقراطية الفلسطينية.
من يراجع تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية، بقليل من الجرأة والموضوعية، يرى انها كانت تفتقر الى اي عنصر ديموقراطي منذ تأسيسها عام 1964 بقرار من جامعة الدول العربية، مرورا بسيطرة التنظيمات الفلسطينية المسلحة عليها عام 1968 وحتى اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى يومنا هذا. وإذا ما حققت هذه المنظمة شيئا من الانجازات خلال تاريخها الطويل فقد كان ذلك بالرغم من مساوئها وليس بفضل ديموقراطيتها الوهمية وذلك بسبب عدالة القضية الفلسطينية.
في مرحلة نشأتها الاولى كانت المنظمة ملحقة بالسياسة العربية المهزومة ولم يكن لها أي تواجد مستقل. بعد الهزيمة العربية عام 1967 إستولت عليها حركة فتح بينما إكتفت المنظمات الاخرى بالفتات وكانت تطالب طول الوقت بدمقرطة مؤسساتها ولكن لا حياة لمن تنادي. وعندما قررت زعامتها المتنفذة الانخراط بما يسمى بالحل السلمي ونبذ السلاح تدريجيا، قامت بالاعتراف بالقرارات التي رفضتها الجماهير الفلسطينية وقدمت آلاف الشهداء في محاربتها مثل قرار 242 و338، بل وأكثر من ذلك فقد أدانت المقاومة الفلسطينية ودمغته بالارهاب. ومن ثم تآمرت على وأد الانتفاضة الاولى بعد أن الهت الجماهير الفلسطينية بإعلان الاستقلال الوهمي، ومن ثم دخلت وأدخلت القضية الفلسطينية والجماهير الفلسطينية معها الى دهاليز مفاوضات اوسلو السرية التي تمخضت عن إتفاقيات هزيلة وعقيمة، بعدما أجهضت الانتفاضة الاولى نهائيا.
في كل هذه الامور كان الانفراد بإتخاذ القرار سيد الموقف. وكان كل معارض يدمغ بمعادة المشروع الوطني. بل اصبح بيع الوطن بالجملة والمفرق هو العمل الوطني. حتى أفرغت منظمة التحرير الفلسطينية ليس من مضمونها فحسب بل جردت من معناها اللغوي أيضا. اذكر أن أحد المفكرين الاسرائيليين المختصين قد إقترح تغيير اسمها من אש"ף إلى אשח"ף اي من منظمة تحرير فلسطين إلى منظمة تحرير جزء من فلسطين. غير أن هذا الكاتب الاسرائيلي يبدو انه كان كريما ومتفائلا أكثر من اللازم. فكما تعلمنا في كتب التاريخ عن الامبراطورية الرومانية المقدسة التي لم تكن في حقيقة الامر لا امبراطورية ولا رومانية ولا مقدسة، كذلك فأن منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد منظمة: بل أصبحت مجموعة من التنظيمات أغلبها تنظيمات وهمية تحمل اسماء اطول منها، أما كلمة تحرير فقد شطبت من برنامجها تماما كما شطب سلام فياض مؤخرا كلمة مقاومة من برنامج حكومته، وهي لم تعد فلسطينية نظرا لهيمنة دول دولارات النفط على قرارتها وأخيرا دخول الهيمنة الامريكية من أوسع ابوابها.
اليوم يعيد محمود عباس تجربة ابراهيم الخليل الذي طلب من ربه ان يريه كيف يحيي الموتى، وهو يريد أن يرينا كيف يحيي منظمة التحرير الفلسطينية وهي رميم. فدعا المجلس المركزي للإجتماع لإدانة الانقلاب في غزة ولإنفراد بالشرعية. هذا المجلس لم يجتمع منذ 11 عاما وحتى إجتماعه في ذلك الحين كان من أجل تغيير الميثاق الوطني الفلسطيني بما يرضي امريكا وأسرائيل. نصف أعضا ءه قد قضوا نحبهم ولم يتم تعيين بدائل لهم وبعضهم الآخر يترأس تنظيمات لا وجود لها. مؤخرا اصدر محمود عباس مرسوما لتعديل قانون الانتخابات يلزم كل مرشح بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد ويلتزم بقراراتها. ولكن يبدو أن السيد الرئيس قد نسي ان يخبرنا اية منظمة تحرير يعني.
تريد أمريكا واسرائيل ديموقراطية فلسطينية مدجنة تقبل بالهيمنة الامريكية في المنطقة وتقبل بالحل الاسرائيلي للقضية الفلسطينية مع بعض التحسينات التي تعود بالنفع للطبقة الارستقراطية المتعاونة. من أجل ذلك تقوم الحكومة الفلسطينية بالتنسيق مع قوات الاحتلال وبدعم مالي وعسكري امريكي بملاحقة المقاومين ونزع سلاحهم، بالقوة إذا اقتضت الضرورة، وذلك تمهيدا لحضور المؤتمر الدولي القادم.

العربي الجيد والعربي السيء

تقيّم إسرائيل بكل مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية وفي المكان الاول وسائل إعلامها جميع الاحداث في العالم من منطلق: هل هذا الحدث "جيد لليهود" أم "سيء لليهود". فإذا انتخب رئيس دولة ما، ولا يهم إن كانت هذه الدولة هي الولايات المتحدة الامريكية أو فرنسا أو المانيا أو إذا كانت جزيرة نائية في المحيط الهادي يكاد لا يعرف احد موقعها بالضبط.
حتى عندما تقع كوارث طبيعية في العالم مثل هزة أرضية في تركيا أو عاصفة مدمرة في تايلاند أو فيضانات في الهند فإن العنوان الرئيسي الذي يتصدر نشرات الاخبار في التلفزيون الاسرائيلي وعناوين الجرائد بالبنط العريض هو: سلامة جميع الاسرائيليين في المنطقة المنكوبة. وإذا حدث وكان أحد الاسرائلين ضحية لهذه الكارثة، يجن جنون وسائل الاعلام والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ويأخذ الخبر ابعادا عبثية غير منطقية وتتقزم إزائها نتائج هذه الكوارث حتى لو حصدت ارواح الآلاف من المحليين.
أما العرب في هذه البلاد وخارجها فأنهم يصنفون الى قسمين: العربي الجيد والعربي السيء. بالنسبة لليمين الصهيوني المتطرف العربي الجيد هو العربي الميت. أي أن جميع العرب اشرار، حتى الله قد ندم على خلقهم على حد قول أحد الحاخامين المرموقين. غير أني لا أريد هنا أن اتناول هذه الشريحة وذلك لقطع الطريق على من يدعي بأنها شريحة هامشية وضئيلة ولا تشكل خطورة. مع انها حسب رأيي ليست هامشية وتنمو بوتائر سريعة وخطرها اصبح ملموسا ويزداد يوميا، ولكني سأتناول مواقف المؤسسات الرسمية التي تعبر عن التيار الرئيسي في الدولة وتعكس تفكيره وامنياته الظاهرة منها والمخفية.
محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية هو " عربي جيد" أولا لأنه يلبس بدلة فاخرة وربطة عنق أنيقة ويحلق ذقنه يوميا وربما مرتين باليوم. بالاضافة الى ذلك فهو جنتلمان يطبع قبلتين على خدود ضيوفه بغض النظر إن كانت سيدة مثل كوندي رايس أو تسيبي ليفني أو سيد مثل ايهود أولمرت أو طوني بلير. وهو لا يتكلم ابدا عن مدينة صفد وحقه في العودة اليها. وفي الوقت نفسه يحارب الارهاب الفلسطيني ويصف عمليات المقاومة بالحقيرة، وهو مستعد للقاء الزعماء الاسرائليين في كل مناسبة ومن غير مناسبة وفي كل زمان ومكان ومن غير شروط بينما يرفض الجلوس مع حماس بالرغم من إن أغلبية الشعب الفلسطيني يؤيدها، ويلقي عليها شروطا تعجيزية مقابل أي لقاء أو حوار. بالاضافة الى ذلك فهو حليف جديد ليس على الصعيد المحلي فحسب بل على الصعيد الاقليمي والعالمي ايضا. فهو يتزعم معسكر المعتدلين العرب والقادة المطبعين وها هو ينسجم مع السياسة الامريكية أكثر من زعماء اسرائيل انفسهم. وفي لقاءاته المتكررة مع اولمرت ينسق لمحاربة حماسن، عفوا محاربة الارهاب الفلسطيني، وتشديد الحصار على غزة ويتعاون مع الاسرائيليين والامريكيين علنا لتدريب وتسليح قوات الامن التابعة لسلطته لكي تحارب الارهاب بشكل فعال وتمنع تكرار ما حدث في غزة في الضفة الغربية.
سلام فياض، رئيس الحكومة الفلسطينية، هو ايضا عربي جيد للأسباب نفسها، بل هو أكثر جودة من عباس، فقد اسقط مصطلح المقاومة نهائيا وشطبه من قاموس حكومته، وها هو يلاحق المقاومين ويجردهم من سلاحهم ويشن حربا على المؤسسات الخيرية، يغلقها ويعتقل العاملين بها بحجة انها تدعم الارهاب. وهو بالاضافة الى ذلك ولأهم يطلب من إسرايل الكثير فلا يهمه حق عودة ولا إخلاء مستوطنات ولا قدس ولا يحزنون.
محمد دحلان هو أيضا وللأسباب نفسها، كان عربيا جيدا، ولكنه إحترق في غزة، خسارة.
أما ياسر عرفات فأنه عربي سيء، وسيء جدا. اولا لأنه يعتمر الكوفية التي اصبحت رمزا للفلسطينيين أينما كانوا وثانيا بسبب لحيته القصيرة المنفرة التي تخيف الاطفال اليهود. بالاضافة الى انه إرهابي ويدعم الارهاب، العربي السيء مصيره واحد وهو الموت وهذا ما حدث. ولم يشفع له التنازلات التاريخية التي قدمها لإيجاد تسوية وهمية مع الكيان الصهيوني.
قادة وأعضاء حماس وباقي تنظيمات المقاومة هم أيضا عرب سيئون. لذلك يجب تضييق الحصار عليه، تجويعهم، إغتيال قادتهم وسفك دمائهم بدم بارد.
العربي السيء يجب أن يموت، العربي الجيد يستطيع أن يعيش ولكن في ظل الاحتلال والعبودية والذل. التنقل بين المعسكرين مسموح. فالعربي السيء قد يصبح جيدا إذا ما رافع شارة الاستسلام والطاعة والعربي الجيد قد يصبح سيئا إذا ما تمرد وعاد الى غيه مقاوما للإحتلال الاسرائيلي المتنور.
إذن، الفرق بين العربي الجيد والعربي السيء هو نسبي ومشروط ومؤقت.
واضح أن هذا التصنيف عنصري ناتج عن أيدولوجية غير انسانية مشوهة، فإلى متى يجب أن نتقبله؟

Friday, August 17, 2007

لا براك ولا نتنياهو ولا كنيست أصلا

لا براك ولا نتنياهو ولا كنيست أصلا
بعد إنتخاب بنيامين نتنياهو رئيسا لحزب الليكود إكتملت صورة الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية المقبلة. بل يعتبر هذا الانتخاب الطلقة الاولى في هذه المعركة الانتخابية والتي يستلوها العمل من الاطراف الرئيسية المشاركة على تقديم موعد الانتخابات. يبدو واضحا الان أن ايهود أولمرت رئيس الوزراء الراهن سوف يتنحى جانبا عن الحلبة السياسية أو انه في افضل الحالات سوف يلعب دورا ثانويا فحسب.
كل المؤشرات تشير الى ان المعركة الانتخابية القادمة سوف تكون بين المعسكر الذي يلتف حول حزب الليكود بزعامة نتنياهو وبين المعسكر الذي يلتف حول حزب العمل بزعامة ايهود براك. الامر الذي يذكرنا بالمعركة الانتخابية التي جمعت بينهما عام 1999 عندما كان إنتخاب رئيس الحكومة يجري بشكل مباشر. بالرغم من تغيير طريقة الانتخابات والعودة الى سابق عهدها إلا أن شخصية المتنافسين ما تزال هي الطاغية على هذه الانتخابات.
السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه المواقف هو: ما الفرق بين نتنياهو وحزبه ومعسكره وبين براك وحزبه ومعسكره؟ وايهما أفضل؟
الناخب الاسرائيلي المتوسط يرى بالانتخابات القادمة صراعا بين تياريين على الصعيد السياسي والاجتماعي. وكما يصيغها بعض المحللين انها معركة على طابع الدولة وجوهرها. انها معركة بين معسكر اليسار والوسط الصهيونيين (المتعقل) وبين معسكر اليمين المتطرف والمتهور. بين المعسكر الليبرالي والاشتراكي المعتدل وبين معسكر الراسمالية المنفلت. هذا التحليل السطحي والسخيف ينطلي ليس فقط على اوساط واسعة من المواطنين اليهود بل أيضا على كافة الاحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست ويالتالي على اوساط واسعة من فلسطينيي الداخل. لسان حال الاحزاب العربية عندما يخاطب الجماهير الفلسطينية يقول: يجب أن تمنحونا ثقتكم وأصواتكم لأن ذلك من شأنه أن يعزز قوى السلام والديموقراطية في المجتمع الاسرائيلي.
هل هذه الصورة تعكس حقيقة هذين المعسكرين بشكل صادق وأمين؟
إسمعوا ما يقوله رئيس حزب العمل السابق أمير بيرتس عن خليفته في زعامة الحزب براك، وهو طبعا غير متهم بالتحيز لصالح الجماهير الفلسطينية: "إن براك لا يختلف عن بنيامين نتنياهو فهو مثله معاد للشؤون الاجتماعية". في الحقيقة لسنا بحاجة للإستشهاد بهذا الاقتباس للبرهنة على أن براك ونتنياهو توأمين في سياستهما الاقتصادية. كلاهما يدعي الحرص على محاربة الفقر ودعم الفئات الضعيفة في المجتمع ولكن أول ما يعملونه هو تقليص الميزانيات العامة. كلاهما من أنصار إقتصاد السوق المتوحش والمنفلت من عقاله ومع سياسة الخصخصة في جميع المجالات والنتيجة الحتمية لهذه السياسة هو إزدياد الاغنياء غنى والفقراء فقرا.
أما من الناحية السياسية(الامنية)، فإنهما يتنافسان من منهما الأفضل بفرض الاحتلال وتوسيع الاستيطان وقمع نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه الانسانية ومن الأفضل في فرض الحصار والحواجز والاغتيالات. ومن منهما الأفضل في سياسة فرق تسد وتسليح فئة فلسطينية وتحريضها لكي تقتل فئة أخرى. ومن منهما الأفضل في الانخراط بالمعسكر الامبريالي الامريكي وبسط نفوذه وهيمنته على العالم العربي من خلال تدمير بناه التحتية ونهب ثرواته الطبيعية وتمزيقه سياسيا وأجتماعيا.
يزعم براك بإنه قد تغيير وانه قد تعلم من أخطائه. حسنا جدا لقد راينا ماذا تعلم، فلم يعد يكتفي بقتل 13 متظاهرا عزل بل خلال الفترة القصيرة له كوزير دفاع يقوم بقتل مثل هذا العدد يوميا تقريبا في غزة والضفة الغربية. ايهود براك، رئيس الوزراء الاسرائيلي عام 1999 ألذي أغدق كرمه في كامب ديفيد على ياسر عرفات الجاحد للجميل وعرض عليه 95% من الاراضي الفلسطينية المحتلة على حد زعمه يصرح اليوم: على الفلسطينيين أن ينسوا أي انسحاب اسرائيلي في الخمس سنوات المقبلة.
من جهة أخرى يفتخر نتنياهو بأنه ما زال مخلصا لبرنامج الليكود القومي وإن كل حل سياسي سوف يبقى على المستوطنات كاملة ولن تكون هناك عودة لأي لاجئ اما القدس فهي العاصمة الابدية لدولة اسرائيل.
نعم، يجب على كل واحد منا أن يضع امام عينيه عدسة مكبرة لكي يرى الفوارق، إذا وجدت، بين براك ونتنياهو، بين الليكود وحزب العمل.
يبقى حزب العمل تاريخيا هو الاخطر على القضية الفلسطينية وذلك ليس بسبب دوره في صنع النكبة الفلسطينية وتشريد الشعب ونهب الارض فحسب بل ايضا بسبب مقدرته على خداع الجماهير الفلسطينية. من الاحصائيات الاخيرة يتضح أن عدد المنتسبين العرب لحزب العمل قد بلغ 65 الف منتسب بينما لم يصل هذا العدد في حزب الليكود لأكثر من 3500 منتسب.
الموقف الوطني الوحيد للجماهير الفلسطينية هو مقاطعة انتخابات الكنيست بشكل مبدئي شامل ومطلق. علينا أن نبدأ منذ اليوم بتشكيل لجان مقاطعة في كل قرية ومدينة. يجب أن يكون صوتنا واضحا وشامخا: لا لا لا لإنتخابات الكنيست.

Tuesday, August 14, 2007

نحن شعب لا ننسى اسرانا

نحن شعب لا ننسى أسرانا....
(في المهرجانات والخطابات فقط)

في مساء الأحد اتصل بي صديق من أهالي الأسرى وسألني إذا كنت أريد أن أسافر مع أهالي الأسرى إلى مهرجان تضامن مع الأسرى في رام الله. وبدون تردد أو مزيد من الاستفسار أجبت بالطبع. في اليوم التالي وعندما كانت الحافلة في طريقها إلى المهرجان تبين أن معظم أهالي الأسرى مثلي لا يعرفون شيئا عن هذا المهرجان فقد تم الاتصال بهم في مساء اليوم السابق ودعوتهم لمهرجان الأسرى في رام الله. فقد كان كافيا أن المهرجان من أجل الأسرى حتى يهبوا ويلبوا النداء. في الطريق علمنا أن وزارة الأسرى في السلطة هي الجهة المنظمة لهذا المهرجان وأن المناسبة المباشرة هو تكريم عميد الأسرى الفلسطينيين سعيد العتبة أبن مدينة نابلس الذي طوي 30 عاما في سجون الاحتلال وهو يدخل العام ال31 ضاربا الرقم القياسي لأطول فترة سجن قضاها أسير في العالم، وكذلك تكريم الأسرى القدامى الذين أمضوا في السجون الإسرائيلية أكثر من 20 سنة والذين بلغ عددهم 65 أسيرا، ومن خلالهم المطالبة بالإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين. وعلمنا أيضا أن رئيس السلطة محمود عباس قد يحضر إلى المهرجان ويلقي كلمته في هذه المناسبة بعد أن ينهي لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت في أريحا( ولكنه بالطبع لم يأت في النهاية).
في الحقيقة، وبعد أن عرفت هذه المعلومات فتر حماسي وندمت على مجيئي المتسرع، فقد شعرت إن هذا المهرجان سوف يكون كغيره من المهرجانات الرسمية، منصة للخطابات وإطلاق الشعارات الرنانة وخدمة السياسة التي تنتهجها الجهة المنظمة ومن ثم يتفرق الجميع ولا يتمخض عنه أي نتيجة ملموسة. ومما زاد الطين بلة إني كنت قد قرأت قبل عدة أيام في إحدى المواقع على شبكة الانترنت تصريحا لوزير الأسرى أن قوات الأمن التابعة للسلطة سوف تلاحق من يرفض تسليم سلاحه من المقاومين في الضفة الغربية بالقوة. وإن هذا الوزير متهم بقضايا فساد ومواقف سياسية تؤيد التخلي عن حق العودة حسب ما ورد في وثيقة جنيف الخ. وبعد ذلك علمنا أن رئيس حكومة الطوارئ سلام فياض بنفسه سيكون هناك ويلقي كلمة بهذه المناسبة وهو الذي أسقط خيار المقاومة نهائيا من برنامج حكومته.
وصلنا إلى قصر الثقافة في رام الله حيث يقام المهرجان وكان واضحا أن الحضور من لون واحد، اللون الفتحاوي المؤيد لحكومة الطوارئ المدعومة عربيا وإسرائيليا وأمريكيا. لم أر أحدا من الأسرى القدامى المحررين أو من أسرى التنظيمات الفلسطينية الأخرى في المعارضة.
بدا المهرجان، وعلى المنصة صورة كبيرة لعميد الأسرى إلى جانبه صور من قضوا 20 سنة وأكثر في السجون يتوسطها وبالخط الغليظ شعار: نحن شعب لا ننسى أسرانا، وقف العريف يكيل المدائح لعميد الأسرى الفلسطينيين وللأسرى القدامى ولكافة الأسرى وأكد أن قضية الأسرى تحظى بالأولوية في سياسة حكومة الطوارئ التي تعمل جاهدة في اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي لطرح هذه القضية من أجل إطلاق سراح كافة الأسرى.
وتوالت الخطابات، وأعتلى المنصة الأسير المحرر مؤخرا في صفقة حسن النوايا التي قدمها اولمرت للرئيس عباس والتي شملت 255 معظمهم من فتح ومعظمهم قد انهوا أكثر من 70% من محكوميتهم، وبالطبع الذين " أياديهم ليست ملطخة بالدم"، بعد أن وقعوا على التزام بعدم العودة إلى الإرهاب بعد إطلاق صراخهم، الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكانت المفاجأة عندما قدمه العريف بأنه مندوب رئيس السلطة أبو مازن الذي تعذر وصوله وانه هو الذي سيلقي كلمته. وتساءلت مثلي مثل الكثيرين: هل كان ذلك جزء من ثمن إطلاق سراحه؟ هكذا إذن، دعم سياسة عباس وإدانة ما جرى في غزة وتحميل المسؤولية لطرف واحد كانت أحد أسباب شمل عبدا لرحيم ملوح في هذه الصفقة. ومن ثم اعتلى المنصة وزير الأسرى أشرف عجرمي الذي أسهب عن أهمية إطلاق سرح جميع الأسرى من أجل نجاح المفاوضات وتحقيق السلام. تلاه رئيس الحكومة سلام فياض وهو الآخر تكلم كثيرا ولكنه لم يقل شيئا. وقد تحاشا جميع المتكلمين إدانة الحكومة الإسرائيلية بشكل واضح وتحميلها مسؤولية الجرائم التي ترتكبها بدءا بزج 11 ألف فلسطيني وراء القضبان مرورا بسياسة الاغتيالات والمداهمات المستمرة وانتهاء بسياسة المماطلة والمراوغة والخداع، هل كان ذلك بهدف عدم تعكير جو اللقاء الحميم في أريحا؟ بينما كانت السهام موجهة إلى الفر قاء الفلسطينيين الذين انقلبوا على الشرعية في غزة. حتى الفقرة الفنية كانت تخدم هذا الاتجاه خصوصا باستغلال أخت احد الأسرى لإلقاء قصيدة ضد ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة...
التذمر بين ذوي الأسرى، حتى الموالين للسلطة بدا بالازدياد خصوصا عندما ألقت أخت عميد الأسرى كلمتها وتساءلت لماذا ما زال يقبع شقيقها بالسجن كل هذه المدة الطويلة بينما تم إطلاق سراح العديدين، الا تلعب الانتماءات الحزبية والواسطة دورا في عمليات تحرير الأسرى منذ اتفاقيات اوسلوا وحتى ألان؟
الا أن خيبة الأمل الحقيقية قد بدت على وجوه أهالي الأسرى من الداخل. بالرغم من دعوتهم لحضور هذا المهرجان فقد تم تجاهلهم تماما، حتى أن العريف نسي أن يرحب بهم، واكتفى بالترحيب بعضوا الكنيست محمد بركة وعباس زكور. بينما قام المتكلمون بتجاهل أسرى الداخل نهائيا وكأن هذه القضية محسومة مسبقا، فهم قضية إسرائيلية داخلية محضة لا يحق لأي طرف آخر التطرق إليها.
هنا كانت الصرخة الحقيقية الوحيدة النابعة من الأعماق في هذا المهرجان عندما أصرت أم الأسير مخلص برغال على الكلام. هذه السيدة العجوز التي وصلت إلى المنصة بشق الأنفس: يجب أن نلغي هذه التفرقة التي فرضتها علينا دولة إسرائيل بين عرب 48 وعرب 67. أنا أيضا اركض من سجن إلى آخر منذ 30 سنة، وما قدمه ابني وإخوانه من فلسطينيي الداخل لا يختلف عما قدمه باقي الأسرى وكان من أجل فلسطين، كل فلسطين، فلماذا التفرقة في معاملتهم؟ ولماذا يجري تجاهلهم في كل عملية مفاوضات أو تبديل.
هذه الحكومة التي تتغنى بالأسرى وبدورهم الهام في تحقيق البرنامج الوطني وتتعهد ببذل الجهود لإطلاق سراحهم، وتنظم مهرجانات التكريم، هي نفسها التي تدعو المقاومين إلى تسليم أسلحتهم بينما ما زال الاحتلال جاثم على صدورهم، وتعتقل وتلاحق من لا ينصاع لأوامرها. وهي تغذي الوهم البائس الذي يزعم بأن إطلاق سراح الأسرى منوط بالنوايا الحسنة للمسئولين الاسرائيليين الذي يقابله المزيد من تقديم التنازلات ونبذ المقاومة التي تدمغ بالإرهاب.
لقد اثبت تاريخ النضال الفلسطيني الطويل والمرير أن إسرائيل ترضخ فقط عندما تتصاعد المقاومة ومن خلال المواقف الصلبة أثناء عمليات التبادل.
نعم، يجب أن نكون شعبا لا ينسى أسراه ولكن ليس من خلال الخطابات والمهرجانات بل أولا وقبل كل شيء من خلال متابعة المسيرة على الطريق الذي شقوه بنضالهم وعبدوه بتضحياتهم ودمائهم.



متى يعلنون وفاة الثورة الفلسطينية

متى يعلنون وفاة الثورة الفلسطينية
أعذرني يا شاعرنا الكبير نزار قباني على وقاحتي وأنا اقلق راحتك في قبرك الضيق. أعذرني وأنا أسطو على كلماتك واستولي على غضبك.
عندما كنت تحاول منذ الطفولة رسم بلاد تسمى - مجازا – بلاد العرب كنا نحن أيضا نحاول أن نرسم ثورة تسمى – مجازا – الثورة الفلسطينية. وكما انك رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم ولكنك ما رأيت العرب، نحن أيضا رأينا شعارات ثورية وانتصارات وهمية وخطابات ملتهبة ولكننا لم نر ثورة.
مات العرب منذ زمن بعيد وشبعوا موتا وأعلنت كافة وسائل الإعلام العربية والأجنبية نبأ وفاتهم، ولكن يبقى السؤال: متى يعلنون وفاة الثورة الفلسطينية؟ هذه الثورة التي ماتت قبل أن تلد، أو التي ولدت بعد 42 سنة من الحمل الكاذب. فتح أطلقت الرصاصة الأولى معلنة انطلاقة الثورة الفلسطينية في 1/1/1965 وفتح تطلق ألان رصاصة الرحمة عليها.
في عام 1965 كانت فتح تقول:" الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين والعودة" أما اليوم فلسان حالها يقول: يجب شطب كافة اشكال المقاومة المسلحة لأنها ليست سوى وسائل إرهابية حقيرة. في عام 1965 كانت فتح تقول:"نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية والاستعمار والامبريالية العالمية" أما اليوم فقد أصبحت حليفا للصهيونية والاستعمار والامبريالية العالمية. في عام 1965 كانت تقول:" إن حركة التحرر الوطني الفلسطيني هي طليعة حركات التحرر العربية" أما اليوم فقد أصبحت فتح طليعة الحركات والأنظمة الرجعية العربية.
في عام 1948 حلت علينا النكبة، ضاع الوطن وتشرد الشعب. ولكن في الوقت نفسه ولد الحلم، حلم التحرير والعودة. أستحوذ هذا الحلم علينا جميعا حتى أصبح واقعا. كنا نرفض أن نفيق كي لا نعرف إننا نعيش في حلم. كنا في السجن نلتف حول هذا الحلم بغض النظر عن انتماءاتنا التنظيمية، نتكلم عن الحرب الشعبية طويلة الأمد، ندرس تجارب الثورة الروسية والصينية والفيتنامية والكوبية. كنا نناقش أفكار ماو تسي تونغ وهو شي منه والجنرال جياب وتشي جيفارا.
كنا نخدع أنفسنا ونقول: بما أن جميع هذه الثورات قد انتهت بعد أن حققت أهدافها، لم تبق هناك سوى الثورة الفلسطينية، لذلك فهي ليست طليعة حركة التحرر العربية فحسب بل هي طليعة حركات التحرر على المستوى العالمي أيضا. كنا نعتز داخل السجن بأننا بالفعل نشكل نواة للثورة العالمية فقد كان بيننا الألماني والانجليزي والعراقي والهندي والتركي والفرنسي واليوناني والتشيلي والياباني، الخ.
جاءت اتفاقيات أوسلو فقلبت هذه الصورة رأسا على عقب وعكست المفاهيم، فالقادة الثوريين أصبحوا رجال سياسة ومفاوضين وقاموا بتقديم التنازلات تلو التنازلات وأخذوا يهرولون من مؤتمر إلى آخر ويلهثون، تارة سرا وطورا علانية، وراء سراب وعود الصهيونية والامبريالية العالمية التي من المفروض أن نناضل ضدها. وفي النهاية حصلوا على سلطة سموها – مجازا – بالسلطة الوطنية بعد أن ضربوا الوطن بعرض الحائط. وهكذا أصبح هؤلاء القادة "زعماء" هذه السلطة يعرفون قيمتهم الحقيقية عندما يقوم جندي إسرائيلي بسيط بتفتيشهم وإذلالهم على أحد الحواجز. وأصبح الفدائي شرطيا ينفذ أوامر هذا أو ذاك الزعيم. استشرى الفساد على كافة المستويات وتكونت طبقة جديدة من أغنياء مرحلة اوسلو. وأصيبت الجماهير الشعبية بالذهول. أوضاع الفلسطينيين في مخيمات اللجوء تزداد سؤا وبؤسا، حتى أصبح اللاجئ الفلسطيني (ملطة) لمن يسوى ولمن لا يسوى في لبنان والكويت والعراق وغيرها. وتدهورت حالة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاثت بين فلسطينيي الداخل حركات عملت على اسر لتهم بغطاء وطني.
ماتت اتفاقيات أوسلو عند الطرفين، ولكن عقلية أوسلو الانهزامية أعلنت انتصارها عند الطرف الفلسطيني فحسب. مع ذلك، ما زال أبطال أوسلو الصناديد ينهون خطاباتهم بعبارة: وإنها لثورة حتى النصر.
عن أية ثورة يتكلمون؟ ما هي أهداف وغايات هذه الثورة؟ ما هو برنامجها؟ ما هي مبادئها؟ لا أحد يعلم.
نعم يا شاعرنا الكبير، لقد آن الأوان أن يقف أحدنا ويصرخ بكل جرأة وإذا أردتم، بكل وقاحة: متى يعلنون وفاة الثورة الفلسطينية؟؟

Saturday, July 07, 2007

حق العودة بين النوايا الحسنة والطريق الى جهنم

حق العودة بين النوايا الحسنة والطريق إلى جهنم

في 29 حزيران افتتح المهرجان الثالث تحت عنوان "حق العودة والسلام العادل" في قاعة الأندلس. وفي اليوم التالي انتقل المؤتمر إلى عكا القديمة حيث تواصلت جلساته (الأكاديمية) في يوم درسي طويل. وقد أكد جميع المشاركين على عدالة حق العودة وعلى قدسيته والتشبث به وعلى مقاومة كافة المحاولات للتفريط به. باختصار كانا يومان حافلين بالشعارات المعهودة حول حق العودة التي يكررها الجميع حتى أولئك الذين لا يؤمنون بحق العودة الا لفظيا وللاستهلاك المحلي والذين تغص بهم الساحتين الفلسطينية والعربية.
ولكن بعد أن تبدد دخان الشعارات وبعد أن ركد الغبار المتناثر من وقع الإقدام على رمال العودة الوهمية وبعد أن خفت صوت الزجال الشعبي وموسيقى الفرقة الموسيقية، بدت لنا الصورة الحقيقية، صورة قاتمة محزنة سيطرت على المؤتمر من لحظة افتتاحه إلى لحظة إغلاقه. صورة بثت رسالة واضحة لكل من يقرأ بين السطور، وهي: أن حق العودة مستحيل بدون لثم يد دولة إسرائيل الممدودة للسلام، بدون التفاهم مع "الآخر" وسبر مخاوفه. لقد سيطرت على هذا المؤتمر من أوله إلى آخره روح "التصور المستقبلي للجماهير العربية" و "وثيقة حيفا" التي تهدف كما روج مصدروها إلى فتح حوار شامل مع الدولة ومع الأغلبية اليهودية تؤدي إلى مصالحة تاريخية بين الشعبين. لا أبالغ إذا جزمت إن المؤتمر قد تحول إلى نقيضه، إلى "مؤتمر اللاعودة الثالث". لقد وجه المؤتمر خطابه (كما سأشرح لاحقا) ومن خلال الجلسات الثلاثة إلى الفئات الليبرالية (اليسارية) اليهودية التي شارك بعضها في تنظيم المؤتمر ومن خلالهم إلى المؤسسات الرسمية ولم يوجه هذا الخطاب إلى أصحاب الشأن، إلى اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين. ما قيل في المؤتمر لا يعبر عن أماني ونضال اللاجئين بالعودة بقدر ما تحب هذه الفئات سماعه من أجل تبديد مخاوفها.
لقد فشلت منظمة التحرير الفلسطينية في جعل حق العودة مطلبا سياسيا ملحا وإخراجه من دائرة الشعارات المقدسة إلى معامع المعركة من أجل تحقيقه على ارض الواقع، حتى انه وفي خضم المفاوضات التسووية كانت أطراف مركزية منها تتآمر على حق العودة وتعمل على إجهاضه. كذلك فشلت باقي التنظيمات الفلسطينية والأحزاب السياسية بهذه المهمة، وألان جاء دور ما يسمى بالجمعيات الأهلية أل NGO’s.
قام على تنظيم المؤتمر 4 جمعيات: 1) جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين. 2) جمعية ذاكرات. 3) معهد أميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية. 4) اتجاه : اتحاد جمعيات عربية أهلية. بعض هذه الجمعيات تتبنى علنا الحل القائم على الدولتين بالرغم من معرفتها بإجحاف هذا الحل للجانب الفلسطيني وهضم حقوقه بما فيها حق العودة. وبالرغم من إن هذه الجمعيات تحمل دولة إسرائيل مسؤولية النكبة ونتائجها الا أنها لا ترى ثمة تناقض بين وجود دولة إسرائيل في ذاته وبين النكبة ونتائجها. فهي تعترف بشكل أو بآخر أن دولة إسرائيل هي:"تجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره" ولذلك من الممكن تحقيق حق العودة في إطار الدولة الصهيونية.
الجلسة الأولى كانت بعنوان: "حق العودة في الخطابين الفلسطيني والإسرائيلي" ترأسها الدكتور مسعود إغبارية بمشاركة رائف زريق، أمل جمال وأودي أديب وجميعهم محاضرون في الجامعات الاسرائيلية. في هذه الجلسة لم نسمع خطابا فلسطينيا أصيلا، بل سمعنا في أحسن الأحوال خطابا عربيا إسرائيليا متخبطا في هويته الوطنية وخطابا إسرائيليا (يساريا). لقد أسهب الدكتور رائف زريق بالكلام عن اتجاهين يميزان الخطاب الفلسطيني: الواقعية التي تعتمد على موازين القوى المختلة لصالح الطرف الإسرائيلي والتي تبرر مساومة الطرف الفلسطيني وقبوله بالحد الأدنى أو اقل من ذلك. والاتجاه الذي يعتمد بالأساس على عدالة القضية ولكنه عاجز عن المواجهة. للخروج من هذا المأزق دعا زريق إلى حل مشكلة اللاجئين كمشكلة إنسانية بحتة لإنهاء معاناتهم الإنسانية اليومية حتى ولو كان ذلك بشكل مرحلي ونسبي. ودعا إلى التركيز على قضايا المهجرين في الداخل بصفتها الحلقة الأسهل للتحقيق.
أما أمل جمال فقد أسهب بالكلام عن قانون العودة اليهودي مقابل حق العودة الفلسطيني، حتى ظن السامع أن موضوع الجلسة يدور حول قانون العودة الصهيوني، فقد ادعى أن الحركة الصهيونية قد نجحت في ترويج حق اليهود بالعودة إلى فلسطين وجعله حقا يسبق قيام الدولة الصهيونية نفسها ومستقل عنها واستطاعت أن تقنع العالم بعدالة حقها هذا، بينما ما زال حق العودة الفلسطيني يراوح في مكانه وما زال الفلسطينيين أسرى مفهومهم الرومانسي لهذا الحق. والنتيجة المنطقية التي يقود إليها تحليل الدكتور المذكور، إن حق العودة الفلسطيني لا أمل له بالتحقيق إذا تصادم مع قانون العودة الإسرائيلي. لقد تجاهل المتكلم أن حق العودة الفلسطيني لا علاقة لها بالحلول السياسية المطروحة، وهو حق مطلق ينبع من صلب القيم الإنسانية التي تنص عليها كافة القوانين الدولية وينبع من حق الإنسان بالحياة والعيش بأمان وسعادة في بيته. إما قانون العودة الصهيوني، فهو قانون يعبر عن حق مزيف سنته دولة كولونيالية هي أصلا لا تمتلك الحق بالوجود.
أودي أديب بدأ كلامه بالتنصل من ماضيه الثوري، حيث كان في شبابه عضوا في منظمة يهودية يسارية معادية للصهيونية، قاده نشاطه إلى السجن لعدة سنوات، وأدعى أن الخطاب الفلسطيني لا يصل إلى الجمهور الإسرائيلي وأن الكلام الفانوني (نسبة إلى فرانس فانون) حول إلغاء الواقع الكولونيالي يقود إلى طريق من غير مخرج. ودعا إلى توحيد الخطابين على أساس عدم إلغاء طرف الطرف الآخر. هذه النظرة نابعة من أن إسرائيل تجاوزت المرحلة الصهيونية، أي المرحلة الكولونيالية وعلى الخطاب الفلسطيني بالمقابل أن يتغير بحيث يواكب وينسجم مع هذا التغيير الذي طرأ على تطور الشعب الإسرائيلي. غير أن الواقع يقول العكس من ذلك تماما وهو أن دولة إسرائيل كانت وما زالت وستبقى دولة صهيونية كولونيالية حتى يتم إلغائها.
الجلسة الثانية بعنوان: "التحديات التي تواجه حق العودة محليا وعالميا" ترأسها سهيل ميعاري وشارك فيها البروفسور نديم روحانا، الناشطة في ذاكرات (زوخروت) نورما موسى والمحامي حسين أبو حسين.
لقد كانت هذه الجلسة منصة ممتازة للبروفسور نديم روحانا لكي يروج للوثيقة التي صدرت مؤخرا عن معهد مدى الكر مل الذي يترأسه والمعروفة بوثيقة حيفا. لقد أسهب البروفيسور روحانا بالكلام عن المصالحة بين الشعبين وقال يوجد هناك خياران أما الشعب الفلسطيني: الأول، تسوية مع دولة إسرائيل تعتمد على ميزان القوى، وبالطبع في هذه الحالة فإن التسوية ستكون في صالح إسرائيل لأن ميزان القوى لصالحها. والثاني، خيار المصالحة مع الشعب اليهودي الإسرائيلي. وهذا يعني قبول اليهود في إقامة دولة قومية يهودية، ويعني أيضا أن الطرفين مسئولان عن عدم تجسيد حق العودة، لا بل أن مسؤولية الطرف الفلسطيني تزيد عن مسؤولية الطرف الإسرائيلي، لأن الطرف الفلسطيني لا يتعامل مع مخاوف الشعب الاسرائيلي، لأن هذه المخاوف حقيقية خصوصا في حالة تنفيذ حق العودة، لذلك يجب على الفلسطينيين إقناع الإسرائيليين بأن حق العودة لن يكون على حسابهم بل على العكس لمصلحتهم حتى تتم المصالحة في إطار دولة ثنائية القومية.
المحامي حسين أبو حسين دعا إلى فصل حق العودة عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني مدعيا أن حق تقرير المصير هو مطلب سياسي قد يتجسد بأشكال مختلفة حسب ما تتمخض عنه المفاوضات بين الطرفين ويكون على حساب حق العودة. لذلك يجب عدم ربط حق العودة بحق تقرير المصير. هذا الأمر قد يكون صحيحا إذا جزمنا مسبقا أن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يعني إقامة دويلة هزيلة على جزء ضئيل من فلسطين التاريخية. ولكن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني لا يعني شيئا بدون انجاز حق العودة وكل محاولة للفصل بينهما لن تكون سوى نتيجة للإيمان باستحالة تحقيق حق العودة كاملا. لقد قال المحامي حسين أبو حسين إن الحركة الصهيونية قد سطت وسرقت وطنا كاملا، وبصفته محاميا يجب عليه أن يعرف أنه يجب ملاحقة السارق وتقديمه إلى المحاكمة ومعاقبته على الجريمة التي اقترفها، ولكنه انضم إلى الجوقة التي تنادي بتفهم مخاوف هذا السارق لكي ينجو بفعلته بل ومكافأته أيضا.
ربما كانت نورما موسى من منظمة زوخروت اليهودية المؤيدة لحق العودة أكثر المتكلمين صدقا مع نفسها ومع غيرها ولا استغرب إنها كانت تشعر بالرضا عن مجريات المؤتمر، فالجميع تعامل مع مخاوفها وأسمعها ما تحب أن تسمعه. قد أتفهم المشاركين اليهود في المؤتمر وأتفهم دوافعهم لتأييد حق العودة، البعض قد يرزح تحت وطأة تأنيب الضمير الذي يقلق راحتهم وينغص عليهم معيشتهم، وبعضهم توصل إلى نتيجة مفادها انه لا يمكن حل النزاع العربي الصهيوني بدون حل قضية اللاجئين. وجاء هذا المؤتمر ليقدم لهم راحة الضمير من غير أن يقدموا شيئا بالمقابل. فما زالوا يعيشون في بيوت بنيت على أنقاض البيوت التي دمرتها دولتهم وما زالوا يسكنون في المستوطنات التي بنيت على أراضي القرى المهجرة، وإذا كان لأحدهم أقارب في أمريكا أو في أي مكان آخر في العالم، فإنهم يستطيعون لم شملهم خلال دقائق حسب قانون العودة، وما زالوا يتمتعون بكافة الامتيازات التي تمنحها لهم الدولة المؤسسة الصهيونية.
إن حق العودة الفلسطيني يعني من ضمن ما يعنيه حق اللاعودة للمستوطنين الصهاينة القادمين. إن حق العودة الفلسطيني يعني إلغاء قانون العودة الصهيوني، وإلا فلن يعدو كونه سوى دجل ونفاق. عندما تزول الطبيعة الكولونيالية لكل مواطن يهودي في هذه البلاد فقط يمكن الكلام عن عيش مشترك، وهذه الطبيعة لا يمكن أن تزول إلا مع زوال الدولة الكولونيالية ذاتها.
الجلسة الثالثة اقتصرت على الإعلان عن إقامة "ائتلاف حق العودة وبيان الاستعداد لإحياء ذكرى ستين عاما على النكبة". في هذه الجلسة تكلم كل من أمير مخول ومحمد كيال وسلمان ناطور وايتان برونشتاين عن الجمعيات المنظمة وشملت تلخيص وتوصيات. ما يهمنا هنا هو الإعلان عن"إقامة ائتلاف حق العودة" تكون نواته الجمعيات الأربع المذكورة ويكون مفتوحا أمام جمعيات أخرى، أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة بغض النظر عن اتجاهاتها الفكرية وانتماءاتها السياسي. وكما يقولون بأن المكتوب يقرأ من عنوانه فإن مثل هذا الائتلاف لن يكون عاجزا عن تعزيز حق العودة فحسب بل سوف يلحق به الاضرار ايضا.
أذكر أن مؤتمر العودة الأول الذي عقد قبل ثلاثة سنوات في حيفا قد شارك به المئات من المهجرين الأصليين من بينهم من كان يعتمر الكوفية والعقال وشارك فيه مندوبون من الشتات الفلسطيني ومن الضفة الغربية، هذا العدد قل من الناحية الكمية والكيفية في المؤتمر الثاني الذي عقد في الناصرة، أما المؤتمر الأخير فقد غاب عنه المهجرون واقتصر على الجمعيات والناشطين وبعض المهجرين النخبويين.
ولكي لا يفهم كلامي هذا (وهو لا يتناول سوى جانب ضئيل مما جرى في المؤتمر) بعيدا عن هدفه ولكي لا يؤول كل واحد كلامي على هواه فأنا أتحدى المنظمين أن ينشروا كلمات المشاركين كاملة على الملأ لكي يأخذ النقاش والنقد حقهما.

Monday, June 25, 2007

غزة أولا ولكن ليس أخيرا

غزة أولا ولكن ليس أخيرا

لم ولن اذرف الدموع على تنظيف غزة من موبقات عصابات ما يسمى الأمن الوقائي التي شكلها دحلان بتمويل وتسليح وتدريب إسرائيلي-أمريكي لكي تسهر على أمن قوات الاحتلال الإسرائيلية زارعة في الأراضي الفلسطينية الموت والدمار والخوف.
لم ولن اذرف الدموع على انهيار اتفاق غزة وحكومة "الوحدة الوطنية" ومبادرة السلام العربية لأنها كانت كلها أكاذيب وكل كذبة كانت أكبر من التي سبقتها وكنا نصدقها ونتمسك بها كما يتمسك الغريق بريشة.
ولكن، وفي الوقت نفسه لم ولن أصفق لحماس ولانتصارها الباهر، هذا الانتصار الذي هو أشر من الهزيمة. لم ولن أوزع الحلوى وأشارك نسائهن الزغاريت وأطلق النار بالهواء واصرخ: الله أكبر، الله وأكبر وكأنهم حرروا تل أبيب.
فليذهب القاتل والمقتول إلى النار، وليرحل المنتصر والمهزوم إلى مزبلة التاريخ.
لم يكن الصراع في غزة مبدئيا ولا سياسيا كما يتوهم البعض. لم يكن صراعا بين نهجين: نهج المقاومة ونهج التسويات التصفوية كما يحلو للبعض تصويره. الصراع بكل بساطة على عظمة نتنة من مخلفات موائد أوسلو، على سلطة وهمية مزقت الشعب الفلسطيني كما أوغلت في تمزيق الأرض الممزقة أصلا.
لقد اختارت حركة فتح منذ زمن طويل طريق التسوية هذه الطريق التي نقلتها خلال 40 عام من محطة الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحرير فلسطين إلى محطة الانبطاح التام والاستسلام الكامل للخطط الصهيوني – الامبريالي. لن أعيد سرد التاريخ، فالحقائق تعبر عن ذاتها.
أما حماس التي جاءت لتشكل بديلا بعد إفلاس المشروع الوطني الذي تزعمته فتح، فعمرها اقل من نصف عمر حركة فتح، ولكنها بدل أن تشكل بديلا تقدميا لها، نراها تسير في الطريق ذاته. حركة المقاومة الإسلامية، هي ليست حركة مقاومة فحسب، بل هي حركة مساومة أيضا. فهي ترفض اتفاقيات أوسلو التفريطية ولكن هذا لم يمنعها أن تمتطي هذه الاتفاقيات حتى وصلت إلى اكتساح المجلس التشريعي والى رئاسة حكومة السلطة التي ترفضها. إنها ترفض الاتفاقيات الموقعة ولكنها تحترمها وسوف تلتزم بها. إنها ترفض الاعتراف بالدولة الصهيونية ولكنها تتبنى مبادرة السلام العربية التي تعترف بهذه الدولة وتدعو للتطبيع معها. هل هذا معقول؟ أن تأكل الكعكة وتبقيها سالمة في الوقت نفسه؟ هل هذا تكتيك أم إستراتيجية أم ماذا؟ على حركة حماس أن تقرر: هل تريد أن تكون حركة مقاومة أم تنظيم سلطة؟
قد يكون الحسم العسكري في غزة ضروريا، وقد ينتقل إلى الضفة الغربية والى الداخل الفلسطيني والى مخيمات اللجوء، وقد يشتعل الفتيل في المنطقة بأسرها خصوصا وأن المنطقة تجلس على كف عفريت بسبب الممارسات الصهيونية- الأمريكية. وفي الحقيقة هي مشتعلة منذ فترة في العراق ولبنان وفلسطين، ولكن مصر والسعودية والاردن وسوريا وغيرها ليست بمأمن من الاحتراق بناره. في مثل هذه الظروف الحروب الأهلية أمر لا مناص منه، هكذا علمتنا تجارب الشعوب الثائرة من ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917 إلى الحرب الثورية في الصين وكوريا وفيتنام وكوبا والجزائر وغيرها. الحرب الأهلية قد تكون الحرب الوحيدة العادلة إذا توفر شرطان: الأول، أن تشنها الجماهير الشعبية المضطهدة ضد الطغمة الحاكمة والثاني، أن تقودها قيادة ثورية تقدمية تكون حريصة على مصالح الجماهير. مأساتنا كشعب فلسطيني وكشعوب عربية هو غياب هذين العنصرين الأساسيين، لذلك كل اقتتال داخلي لا يعدو سوى الصراع بين النخب الاقتصادية والسياسية على الاستئثار بالسلطة واحتكارها.
كلنا نعرف الدور القذر الذي لعبته إسرائيل وأمريكا والدول العربية وجهات فلسطينية في خلق الظروف التي تفجرت مؤخرا في غزة. إسرائيل قامت بفرض الحصار على قطاع غزة حيث أغلقت البحر والبر والجو جاعلة منه أكبر سجن عرفه تاريخ البشرية يأوي حوالي مليون ونصف سجين. وقامت أمريكا والاتحاد الأوروبي بإكمال الحصار الإسرائيلي بفرض الحصار الاقتصادي. الانفجار في غزة كان مسألة وقت، والكل كان يعلم ذلك، والكل كان ينتظر الانفجار. وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها تناولت هذا الموضوع بإسهاب لفترة طويلة. وعندما حصل الانفجار أعلنت كافة الأطراف عن مفاجأتها وسارعت بالإدانة والشجب ولاستنكار.
للأسف الشديد حماس وفتح لم تكونا سوى الأداة التي نفذت المخطط. ولكن هذا المخطط تم إعداده منذ سنوات في تل ابيب وواشنطن والرياض والقاهرة. ومن الذي يدفع ثمن هذا كله؟ المواطن البسيط الذي لا حول ولا قوة له.
شن الحرب العالمية على الشعوب المسحوقة مستمر تحت مسميات شتى أهمها الحرب على الإرهاب. ومن يتوقع أن الحسم العسكري في غزة سيكون نهاية المطاف فهو مخطئ. بعد إعلان عباس عن تشكيل حكومة الطوارئ التي هدفها إنقاذ المشروع الإسرائيلي الأمريكي، أسرع اولمرت وبوش بالتصريح عن دعم هذه الحكومة ورفع الحصار الاقتصادي والسياسي عنها، وتقوية فلول قوتها العسكرية لكي تصمد بشكل أفضل في الضفة الغربية. وسارعت الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسعودية بدعم هذه الحكومة والمساهمة في إنقاذ المخطط الصهيوني الامبريالي.
أننا نقف أمام تحالف صهيوني – امبريالي – رجعي عربي يحاول يائسا إخضاع المنطقة لهيمنته بشكل مطلق، وهذا ليس شعارا أكل الدهر عليه وشرب بل هو واقع ملموس يدركه الجميع. لمواجهة هذا التحالف لا بد من بناء تحالف أممي يضم كافة الشعوب والطبقات المضطهدة في العالم من أجل لجم انفلات العولمة الأمريكية التي تهدد السلام العالمي.

Friday, June 15, 2007

59 years of continuous Nakba

I was born 5 years after the Nakba. But I was nursed the Nakba with the milk of my mother. I mean that literally, my mother was the first and the most reliable source of what really happened during the year which shocked every Palestinian and influence their life until today. I only regret that I didn’t write down all the stories which she told me, and I have to rely on my weakened memory. My mother was married when she was 14 years old in the beginning of 1947 in the end of the year she had her first baby, Mohammad ( one of 15 children) so when the Nakba erupted she had a baby in her arms of few months old. She was actually a child with a child. My father with my grand father were working in Haifa, in end April 1948 the Zionist force with the help of the English army occupied Haifa, about one month before the declaration on the establishment of Israel. The Zionist forces continued to the north. The way home was closed and dangerous. The Zionistic forces occupied Berwe on the high way Akka-Safad and they marched towards Sakhnin. My mother was alone with her child waiting for the return of my father to decide what to do. 2 families neighbors of as told her that they are leaving to the north and ask her to join them and my father will come later. She took the child and some light things and joined the neighbors. Meanwhile the Zionists arrived to Miar, a village nearby, only 5 km faraway from Sakhnin and destroyed it, more families from Sakhnin flew away. They arrived to Wadi Salame, about 5 km to the north. The child in the arms of my mother was sick, he had fever he was hungry and cried the whole time. The other families said that they have to leave very fast towards the border before the Zionists arrive. My mother said no, I’ll stay here, I’ll wait for my husband and then I’ll see. The others left and they never came back, my mother stayed. Meanwhile, after the battle of Miar the Mokhtar of Sakhnin with other notable elderly from the village decided to surrender. And so the Zionists didn’t enter the village and continued to the north. In the same time my father and my grandfather could find a donkey and return via all kind of bypass ways, late in the night through the mountains to Sakhnin. When he arrived home he found it empty, the houses around were empty too, somebody told him that his wife with the child left to the north. He left immediately and arrived wadi Salame, my mother was still there. And they returned home to Sakhnin. So because of my mother we didn’t become refugees. Only few families from Sakhnin arrived to the border and became refugees. Many people from Miar found shelter in Sakhnin where they live until now. On the land of their village new settlements were built: Ya’ad and Atzmon.
I grew up on the stories of my mother from that year. She knew many things. She never went to school. She couldn’t write or read, but I had the idea that she knows everything, more that professors and the doctors of these days who wrote many books about the Nakba. She told me many stories about the Arab Salvation army which was sent to rescue Palestine and prevent the Zionists to establish their state. How this army was bad equipped, suffering of hunger: they were eating the cactus (saber) with its thorns, their heads were full of louses. They were lost like the Palestinians themselves, while the Zionists propaganda still claims that 7 Arab armies launched a war to eliminate them. She told me many stories about the British Mandate, were her uncle served in the English police and about their role helping the Zionists, and how they lied to the Arabs who believed them.
Apparently seems that we survived and overcame the Nakba. After all we stayed in our home; we didn’t lose any land simply because we didn’t have any. My father was very poor and worked in the land of the Mokhtar for his food only. Later on he became a construction worker, together with other fellow workers they built the new state which the Zionists claim falsely that they built it. The rulers of the new state took the lands of the Arabs, and the Arab cheap workers and built beautiful towns and villages for the new immigrants, and they said: we changed the desert to paradise and the whole world believed them and clapped the hands for them. Maybe they’re right, after all who built the great pyramids? Pharaoh he thousands of the workers who perished??
In 1967 I was 14 years old, the same age of my mother during the Nakba. I was student of high school in Haifa, because in that time there was no high school in Sakhnin. We were sitting in the class room making one of the end examinations before the summer holiday. The principal of the school entered the class and shouted: leave everything on the table, don’t continue solving any question, take your bags and go home immediately.
The six day war broke out. The younger sister of the Nakba, the Naksa was borne. In 1948 Israel occupied 80% of Palestine, now it occupied all of it beside parts of Syria and Egypt. Ironically, Palestine was united again, under occupation, that’s true, but who says that occupation will continue for ever? At least we can visit Jenin, Nablus, Jerusalem, and Beit Lehem. We can talk with the people; we can talk about the Nakba of 1948. It’s true, most the refugees of the Galilee went to Lebanon a Syria and not to the West Bank, but it’s a step forward. Way say: maybe you hate something which is good for you.
After this war the Palestinian armed struggle to liberate Palestine, all Palestine, began. Most people felt that this struggle is the best way and the only way to get rid of the Nakba and the Naksa. The Fedayeen occupied our day and night dreams. No more the weeping, poor Palestinian, but now there’s the fighter who will liberate Palestine and bring the refugees back home.
Unfortunately, this dream didn’t continue for a long time. After the war of 1973, Egypt the biggest Arab country decided to quit the struggle, and President Sadat decided to sign a peace agreement with Israel. Without Egypt the Arabs looked like orphans. The Palestinian organizations stopped slowly talking about liberation, and began to talk more and more about kind of solution through negotiations. It seems that the nightmares of the Nakba will never disappear. after more than 30 years of negotiations, (since 1974 until today) all what we have this lousy authority where every city and every village lives between military checkpoints, or behind a high wall, where the best land was confiscated and new settlement were built, people are killed or arrested indiscriminately every morning, where brothers kill each other to get some crumbs.
The Nakba is not only a Nakba (disaster) it’s also occupation of the land and minds, its defeat military and spiritually, its loss and despair but also its hate and anger, its holy fire which one day will burn the whole region.
The Nakba will never disappear so long the victim is treated as criminal and the criminal treated as victim. The Nakba will never disappear so long this awful injustice exists, so long there’s one refugee can’t return to his home.

هل أصبحت البلديات العربية سمسارا لدى دائرة أراضي اسرائيل؟


قبل عام النكبة 1948 كان الفلسطينيون يملكون أكثر من 97% من أراضي فلسطين. إما اليوم وبعد 60 عاما أصبحت الصورة معكوسة تماما: يملك الفلسطينيون أقل من 3% من أراضي فلسطين لا غير. أين ذهبت الأرض وكيف؟
لقد أصبح من نافلة القول أن نكرر القول أن العنصر الرئيسي في المشروع الصهيوني، ككل مشروع كولونيا لي، منذ نشأته هو عنصر الاستيلاء على الأرض الفلسطينية. ولم يكن باب الصدفة تأسيس الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت) في المؤتمر الصهيوني الأول عام ،1897 الذي لعب وما زال دورا حاسما في اغتصاب الأرض الفلسطينية بشراء الأرض عن طريق الترغيب والتهديد والتزوير والابتزاز، ومن ثم، وبعد قيام الدولة ازدادت وتيرة مصادرة الأرض، وتنوعت أساليبها وسنت العديد من القوانين حصرا لهذه الغاية. وكانت النتيجة كما نراها بأم أعيننا ونلمسها بكل حواسنا وجوارحنا: أرض؟؟ يوك
ماذا فعلنا لمواجهة هذا الغول الذي جردنا، ليس من مصدر معيشتنا كأرض زراعية فحسب، بل ومن موضع أقدامنا أيضا، أي انه يسحب من تحت أقدامنا قطعة الأرض التي تؤوينا؟ ينطبق علينا المثل العربي القديم الذي يقول:" أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل". لم نترك شعارا يندد بسياسة المصادرة إلا صرخناه حتى بحت حناجرنا، ولم يترك زعامتنا خطابا في مناسبة أو غير مناسبة الا ونددوا وبصرامة وشدة منقطعة النظير بسياسة المصادرة الغاشمة، واتهمنا الدولة والحكومة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية بالغبن والتمييز والعنصرية. نعم على مدى 60 عاما أوسعنا الدولة شتما، ولكنها أودت بالأرض.
المحاولة الوحيدة لكسر هذا الطوق الخانق كان يوم الأرض الأول عام 1976. ولكن سرعان ما تداركنا خطأنا واغتلنا بأيدينا يوم الأرض وكل ما مثله من روح المقاومة والرفض والتمرد على السياسة الغاشمة، وعدنا مرة أخرى إلى سياسة الشتم، وأصبحت منصات ذكرى يوم الأرض السنوية مرتعا خصبا لترويج هذه الشتائم التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
النزر القليل من الأرض الذي ما زال تحت أقدامنا لكي نقيم عليه بيوتنا ما زال مستهدفا وبنفس الشراسة المعهودة من السنوات السابقة. وتقود دائرة أراضي إسرائيل ولجان التنظيم والبناء المحلية واللوائية وبمساهمة فعالة من قبل البلديات والمجالس المحلية هذه الحملة الشرسة للاستيلاء على آخر شبر يملكه الإنسان الفلسطيني في هذه البلاد. وإلا كيف نفسر انه أصبح أسهل على الفلسطيني أن يصل القمر من أن يحصل على رخصة بناء؟ كيف نفسر إن جميع متخذي القرارات في لجان التنظيم المحلية هم موظفون معينون لا يمتون بصلة للبلد التي من المفروض أن يخدموا سكانها؟ لماذا يعيش المواطن الذي يأس من استصدار رخصة بناء من جراء العراقيل التي تضعها أمامه هذه اللجان ملاحقا مهانا يتخبط من غير هدى في أروقة المحاكم والمعتقلات، ودفع الغرامات الباهظة؟
كمثال على هذا الواقع التعيس سوف أتناول الوضع في مدينة سخنين مع علمي إن واقع باقي قرانا ومدننا العربية الأخرى لا يختلف من حيث خطوطه العريضة ومن حيث الجوهر عن واقع سخنين.
يضرب المجلس الإقليمي مسغاف طوقا خانقا على سخنين. يسيطر على أراضيها ويمنع زيادة منطقة نفوذها. وهذا الأمر ليس بالشيء الغريب، إذ أن المهمة الأولى لإقامة مثل هذه المجالس كانت وما زالت تجريد الفلسطينيين من أراضيهم وحصرهم في جيتوات مغلقة. ولكن الغريب هو دورنا نحن في إنجاح هذا المخطط السلطوي.
تقوم البلدية من فترة إلى أخرى بالتوجه إلى المسئولين الحكوميين بطلب توسيع منطقة نفوذها، وكل وزير داخلية جديد أو وزير آخر أو أي موظف كبير يزور المدينة وجعبته مليئة بالوعود الزائفة، يستقبل بالترحيب والأحضان والعزائم السخية. ويغادر كما جاء ويبقى الوضع على حاله بل يزداد سوءا. والانكى من ذلك، إن البلدية التي تعرف كل المعرفة مقدار مسؤولية المجلس الإقليمي مسغاف في تخليد هذا الوضع فإنها لا تأل جهدا للتعاون المشترك معه مرة بحجة التعايش المشترك وحسن الجوار وأخرى بحجة المصالح المشتركة وتشجيع سياسة التطبيع الثقافي. وعلى سبيل المثال لا الحصر: نذكر مستوطنة أشبال القائمة على أراضي سخنين وتمنع كل إمكانية مستقبلية لتطور المدينة، هذه المستوطنة التي وعد نائب وزير الدفاع السابق بضمها إلى مدينة سخنين في حالة موافقة البلدية على إقامة المعسكر على مشارف البلد. المعسكر قام كما هو معروف بموافقة البلدية، أما أشبال فبدلا من إخلائها ضمها تقوم الحكومة بتوسيعها على حساب المدينة بحجة تحويلها إلى قرية ثقافية تخدم المنطقة ككل يهودا وعربا. وقامت البلدية مؤخرا بفتح مدارس سخنين أمام مستوطنة أشبال لكي تغزو طلابنا بثقافتها العنصرية المقنعة بشعارات التعايش السلمي. هذا بالإضافة للترويج للمدرسة ثنائية اللغة وتشجيع الطلاب المتفوقين بترك مدراس المدينة والالتحاق بهذه المدرسة بحجة أن التعليم هناك أرقى. ويبدو أن تفعيل البرامج "التربوية" هذه في مدارس سخنين كانت السبب الرئيسي وراء منح جائزة وزارة المعارف للبلدية، وليس الكلام الذي لا رصيد له حول نشاط البلدية " التي تستثمر بشكل مميز في جهاز التربية والتعليم وتبذل جهودا كبيرة في دعم جهاز التربية". حيث أن أهالي سخنين على دراية كاملة بالوضع المزري في المدارس.
اليوم تقوم البلدية من حيث تدري أو لا تدري، عن حسن نية أو سوء نية، بدور السمسار عند دائرة أراضي إسرائيل ولجان التنظيم من أجل تشليح المواطن البسيط قسم من أرضية، بحجة التنازل عن جزء من ارض قد يصل إلى 30% وذلك للمصلحة العامة. فكل شخص يقوم بتحويل هدف أرضه لكي تصبح صالحة للبناء عليه بالإضافة إلى دفع الرسوم وضريبة التحسين أن يتخلى عن هذا القسم من أرضه لشق الطرق وتخصيص الأماكن العامة المفتوحة أو إقامة المنشآت العامة عليها. بالرغم من تواجد المساحات الشاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها دائرة الأراضي والتي من المفروض أن تستعمل هي للمصلحة العامة. فالبلدية موضوعيا تتعاون مع دائرة أراضي إسرائيل ولجنة التنظيم لكي تشلح هذا المواطن 30% من أرضه بينما تبقى ما يسمى أراضي الدولة سالمة، وفي كثير من الأحيان يستخدم قسم منها كإحتياطي للتبديل (أراضي واسعة خارج منطقة النفوذ مقابل قسيمة للبناء). فبدل أن تقوم البلدية بوضع أيديها على جميع الأراضي التابعة لدائرة الأراضي داخل منطقة نفوذها، وتخطط لاستعمالها لشق الطرق والمصالح العامة، تفرض على المواطن أن يتخلى عن جزء من أرضه وإلا يحرم من الحصول على رخصة للبناء. والمصيبة أن المواطن العادي الساذج يطير فرحا عندما تقنعه البلدية بأنه من الأفضل له أن يتنازل عن بعض الأرض لكي يحصل على رخصة عمار وإلا فأنه يستطيع أن ينسى حصوله على رخصة إلى الأبد.
على المواطنين أن يرفضوا هذه السياسة التي هدفها واحد لا يقبل التأويل وهو مصادرة ما تبقى من أرض بوسائل أخرى، وأن يتحركوا للجم هذا التعاون المخزي بين دائرة أراضي إسرائيل ولجان التنظيم والبناء والبلديات.

Wednesday, May 23, 2007

هذه وثيقة חיפה وليست وثيقة حيفا

هذه وثيقة חיפה وليست وثيقة حيفا

بينما كانت جماهير شعبنا في كافة أماكن شتاته تحيي الذكرى ال59 للنكبة التي لم تتوقف أبدا، وبينما كانت الطائرات والدبابات الإسرائيلية تقصف مدينة غزة وتحصد المزيد من الضحايا وتدمر المزيد من البيوت، وبينما كان جزء من المنكوبين يطلق النار على جزء آخر من المنكوبين بمباركة ومشاركة صانعة النكبة نفسها، في هذه الإثناء بالذات كانت مجموعة من المثقفين، الاكاديميين والناشطين "الفلسطينيين" تحت رعاية "مدى الكر مل" تعد لنا مفاجأة تحت اسم "وثيقة حيفا"، وذلك لكي تذكرنا أن نكبتنا الحقيقية هي منا وفينا.
حيفا، عروس البحر، زنبقة الكرمل، الجرح النازف الذي لا ولن يندمل، حيفا التي تعرضت لتطهير عرقي كامل عام النكبة الذي لم يطل الإنسان الفلسطيني المشرد في كافة إنحاء المعمورة فحسب، بل وطال كل بيت وكل شارع وكل حجر، تقول في هذه الوثيقة التعيسة لصانع نكبتها: " إننا نعترف بحق الشعب اليهودي الإسرائيلي بتقرير مصيره ......"
تلتقي هذه الوثيقة مع أخواتها الثلاث اللاتي سبقوها (مساواة، التصور المستقبلي ودستور عدالة الديمقراطي) لكي تشكل جوقة رديئة تعزف لحنا ناشزا هدفه إرسال رسالة واضحة لدولة إسرائيل: نحن نعترف بحضرة جنابك وبكل ما صنعتيه بنا ولكن أشفقي علينا وضمينا إلى أحضانك الدافئة واعتبرينا مواطنين متساوين عندك.
لكي تكتمل الصورة، وفي الوقت ذاته، قامت الدول العربية بإخراج وثيقة أخرى أكلها العث والفئران من أدراجها وقدمتها بالإجماع إلى دولة إسرائيل وأطلقت عليها اسم "مبادرة السلام العربية" عارضة عليها كل ما تريده من اعتراف وتطبيع علاقات وحتى انضمام إلى جامعة الدول العربية وإقامة حلف عسكري لمواجهة العدو المشترك الممثل بالمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، راجية من إسرائيل أن تتنازل ولو قليلا لحل (تصفية) القضية الفلسطينية. إلا إن لسان حال إسرائيل إزاء هذه المبادرة وهذه والوثائق والتصورات كان يقول: طز
لا يوجد جديد في هذه الوثيقة لم يذكر بشكل أو بآخر في الوثائق السابقة. وهذا ليس غريبا، إذ إن قائمة بعض أسماء الاكاديميين والناشطين تزين كافة الوثائق والتصورات. ولم لا؟، ما دام يوجد هناك من دفع، وما دام يوجد هناك صناديق أوروبية وأمريكية نزيهة تمول بسخاء هذه النشاطات، فلم لا يتنقل هؤلاء الأكاديميين والناشطين من جمعية إلى أخرى ويذيلوا توقيع أسمائهم المسبوقة بكلمة بروفيسور أو دكتور من وثيقة إلى أخرى سعيا وراء لقمة العيش؟؟
إن الكلام عن الهوية الوطنية وعن الحقوق الوطنية مهما كثر ومهما تعالت حدته والكلام عن مسؤولية المؤسسة الإسرائيلية عن النكبة ومطالبتها الاعتراف بهذه المسؤولية لا تستطيع أن تخفي الهدف الأساسي من هذه الوثيقة ومن الوثائق التي سبقتها إلى وهو: العمل على أسرلة الجماهير الفلسطينية في الداخل من غير كلل أو تعب.
جاء في كلمة إدارة المشروع إن احد أهداف هذه الوثيقة هو " إتاحة المجال لخلق نقاش عام مفتوح وحر بيننا كمجتمع، ومع الدولة والمواطنين اليهود، حول رؤيانا لمكاننا ومكانتنا في وطننا" ومدى الكرمل فخورة بإنجازاتها في هذا المجال مثل غيرها من جمعيات التطبيع والاسرلة، حيث نظمت الأيام الدراسية في الجامعات والمعاهد الإسرائيلية ودعوة الزملاء من الطرف الأخر، وذلك لأن مدى الكرمل يؤمن بأن هذا الحوار:" يمكننا من العمل معا على بناء مستقبل أفضل بين شعبينا، وأن يضع أسسا لإنشاء مجتمع يرتكز على العدل والمساواة لجميع مواطني دولة إسرائيل والمقيمين فيها"
بعد تكرار الاسطوانة المشروخة واجترار الشعارات الرنانة الخاوية حول:" تمسكنا بانتمائنا إلى وطننا وشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية، لغة وتاريخا وحضارة وعلى حقنا في البقاء في وطننا والحفاظ عليه" ودفعها كضريبة كلامية للاستهلاك المحلي من أجل إضفاء صبغة وطنية مزيفة عليها، يتم نسيان الشعب الفلسطيني والأمة العربية ويبدأ الحديث بإسهاب عن المواطنة المسلوبة واستجداء المؤسسة الإسرائيلية لكي تمنحهم إياها حتى تتم المصالحة التاريخية بين الشعب اليهودي الإسرائيلي والشعب العربي الفلسطيني. هذه المصالحة التاريخية تتطلب اعتراف دولة إسرائيل بمسؤوليتها عن النكبة والاعتراف بحق شعبنا الفلسطيني بتقرير مصيره وبحق العودة. وبالمقابل يتطلب من الفلسطينيين والعرب: " الاعتراف بحق الشعب اليهودي الإسرائيلي بتقرير مصيره والعيش مع الشعب الفلسطيني وسائر شعوب المنطقة بسلام وكرامة وأمان" هكذا إذن يلقون بالضحية والمجرم في سلة واحدة.
تدعو هذه الوثيقة إلى تغيير تعريف دولة إسرائيل من دولة يهودية" إلى دولة ديمقراطية تتأسس على المساواة القومية والمدنية بين المجموعتين القوميتين" أي تنادي بدولة ثنائية القومية ولكن مع الاعتراف مسبقا بان الفلسطينيين هم أقلية وطن أما الشعب اليهودي الإسرائيلي فهو الأغلبية.
لو كان كاتبو هذه الوثيقة صادقين مع أنفسهم ومع شعبهم لاعترفوا بان الكلام عن أقلية قومية أو أقلية وطن لا تعني سوى الاعتراف بشرعية تخليد تشريد وتمزيق الشعب الفلسطيني ولن يجديهم نفعا الاختباء وراء شعار: إننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمة العربية. العكس هو الصحيح: إن هذا يؤكد إننا جزء يتجزأ من الشعب الفلسطيني. وهذا ما أشار إليه الكاتب الإسرائيلي ميرون بنبنشتي في مقالة نشرتها جريدة هآرتس: لقد تبنت قيادة الجماهير العربية في إسرائيل خطاب المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بالاهتمام بشؤونهم الخاصة وفصلها عن القضية الفلسطينية العامة وهذا ما تنضح به وثائق التصور المختلفة.
وأخيرا، نعود إلى وثيقة حيفا، وأناشد أهالي حيفا الباقون منهم في وادي النسناس والحليصة والمشردون في مخيمات اليرموك وبرج البراجنة وعين الحلوة وغيرها أن يتوجهوا إلى كاتبي هذه الوثيقة المخزية ويطلبوا منهم شطب كلمة حيفا منها. هذه الوثيقة تليق بالمتأسرلين على كافة أنواعهم وأنصحهم إن يتوجهوا إلى رئيس بلدية حيفا لكي يتبناهم ويتبنى وثيقتهم تأكيدا على صحة ادعاءاته بأن حيفا مدينة مختلطة وهي نموذج فريد من نوعه للتعايش السلمي المشترك بين جميع سكانها. لكنها لا تليق بحيفا المدينة الفلسطينية العربية التي كانت وما زالت ضحية لعملية تطهير عرقي. حيفا الفلسطينية المنكوبة لن تعترف بشرعية صانعي نكبتها التي يشهد عليها كل حجر في المدينة القديمة.

نكبة فلسطين والشرعية الدولية

أحيت جماهير شعبنا الفلسطيني في جمع أماكن تواجده الذكرى أل 59 للنكبة بكافة الإشكال التقليدية المتبعة والمتعارف عليها. ونحن هنا بدأناها بمسيرة العودة العاشرة إلى قرية اللجون المهجرة، تحت شعار: يوم استقلالهم يوم نكبتنا. حيث شارك بها الآلاف من المهجرين ومن باقي قطاعات شعبنا الفلسطيني. والذين اثبتوا أن النكبة لم تصبح مجرد ذكرى بل هي حية دائما وأبدا ولا يوجد حاجة لإحيائها. مما يحتم مراجعة المصطلح المتداول:" إحياء ذكرى" النكبة. الأمر الوحيد الذي عكر صفو الموقف هي تلك الخطابات المجترة التي تنضح بالشعارات الرنانة ولكنها تفتقر إلى ابسط المضامين العملية.
نظمنا الزيارات للعديد من القرى المهجرة، وقفنا على الإطلال، تذكرنا الأحباء والمنازل، زرنا المقابر وآثار الجوامع والكنائس، وقلبنا الأحجار الملقاة بين أشجار التين والصبر وتنشقنا رائحة أرض الوطن الضائع، وبعضنا ذرف الدموع.
نظمنا المهرجانات والمحاضرات والندوات. وقام مثقفونا وأكاديميينا بتنظيم الأيام الدراسية الطويلة في المكاتب الفخمة وأبراج الجامعات الإسرائيلية والفنادق. والقوا المحاضرات العلمية والأبحاث عن النكبة، وعملوا كل ما في وسعهم لترويج التصور المستقبلي والدستور الديمقراطي، وذلك، ويا لسخرية الأقدار، لاستجداء المسئولين عن النكبة لكي يشفقوا علينا ويقبلوننا كمواطنين متساوين في الدولة التي قامت على الأنقاض التي نزورها. وختمنا ها بمسيرة جبارة في رام الله وبإطلاق النار على بعضنا البعض وقتل بعضنا البعض في غزة.
وأخيرا، سكبنا كميات هائلة من الحبر على الورق ونحن نكتب المقالات والدراسات والأبحاث والكتب عن النكبة وأسبابها ونتائجها.
بعد هذا كله، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: وماذا بعد؟ هل نعالج النكبة بإحياء ذكرى النكبة كل عام؟ هل إحياء الذكرى كفيل بأن يزيل آثار النكبة عن صدورنا، يعيد اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم ويضمن لشعبنا الحرية والاستقلال؟
الجواب هو لا وألف لا. ستبقى النكبة جاثمة على صدورنا إلى يوم القيامة إذا ما اكتفينا بإحياء ذكرها على الشكل الروتيني الذي نفعله كل عام.
لقد فقدنا البوصلة، لم نعد نعرف ما هي غايتنا وتزعزعت ثقتنا بعدالة قضيتنا. فمنا من تنازل عن حق العودة أو كفر بإمكانية تحقيقه. ومنا من يقتل آخاه لهثا وراء سلطة وهمية، ومنا من حقق ثراء فاحشا من مصائبنا. حتى وصلنا إلى زمن أصبح به اللاجئ، المشرد الذي يدافع عن ابسط حقوقه الإنسانية إرهابيا مطاردا بينما أصبح المجرم ضحية يتمتع بما يسمى بالشرعية الدولية وأصبحت جرائمه دفاعا عن النفس.
القضية الأساسية التي من شانها أن تعيد البوصلة الفلسطينية إلى اتجاهها الصحيح هي حسب رأيي العمل على نزع ما يسمى "الشرعية الدولية" عن الدولة الصهيونية والكف عن الاقتصار على الكلام حول عدم شرعية الاستيطان، الجدار، الحواجز أو حتى الاحتلال. السؤال الذي يجب أن يطرح وليس بشكل نظري مجرد بل عملي وملموس هو: عدم شرعية الوجود. ومن أجل البرهنة على ذلك ليس بالضرورة أن نكون خبراء بالقانون الدولي. يكفي أن نتوقف عند أربع محطات في تاريخ الحركة الصهيونية التي تحولت عام النكبة إلى دولة إسرائيل لكي نثبت للقاصي والداني عدم شرعية هذه الدولة. هذه المحطات الأربع هي:
1) المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897: في مدينة بازل السويسرية أجتمع 280 مندوبا من 16 عشرة دولة وقرروا إقامة حركة استعمارية هدفها إقامة دولة يهودية بالتعاون مع الدول الاستعمارية الأخرى. وهكذا تأسست الحركة الصهيونية لنشر مبادئها الكولنيالية بين يهود عالم، تنظيمهم وتشجيعهم للهجرة إلى فلسطين. ومن أجل تحقيق هذا الهدف أقاموا الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كيمت) لجمع التبرعات من أجل شراء الأراضي الفلسطينية وتمويل هجرة المستوطنين إليها. أليس مؤتمر كهذا قمة اللاشرعية الدولية؟ وإلا يستطيع كل من تسول له نفسه أن يجتمع ويقرر السطو على أي مكان في العالم.
2) وعد بلفور عام 1917: وزير خارجية بريطانيا بلفور وباسم حكومة جلالة الملك والذي لا يملك ذرة رمل في فلسطين يعد الصهيوني روتشيلد الذي لا حق له بذرة رمل من تراب فلسطين بأن الحكومة البريطانية تؤيد أقامة "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين" وسوف تبذل غاية جهدها لتحقيق هذه الغاية. أليس هذا مثالا صارخا على خرق كل شرعية دولية؟ والمصيبة أن يتم ذلك بدون سؤال أصحاب الأرض أصلا.
3) الانتداب البريطاني: في عام 1918 ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى احتلت القوات البريطانية فلسطين. وبحجة مساعدة شعبها حتى يكون قادرا على الاستقلال فرضت ما يسمى بالانتداب، مع انه في الحقيقة والواقع كان احتلالا. ولكن الهدف الحقيقي من وراء هذا الانتداب وبموافقة عصبة الأمم كان تنفيذ وعد بلفور. ومن أجل ذلك تم تعيين الصهيوني هربرت صموئيل كمندوب سامي أول، ومن هنا بدأت الخطوات العملية الأولى لسلب فلسطين. نعم إنها أكبر عملية سلب في التاريخ وفي وسط النهار.
4) قرار التقسيم 1947: على هذا القرار المجحف تؤسس دولة إسرائيل شرعيتها الدولية من حيث الأساس. مع أن لا شرعية هذا القرار تصرخ إلى السماء. حيث مارست بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية سياسة تهديد وابتزاز لكي تضمن الأغلبية في الأمم المتحدة، ونحن نعرف اليوم كيف تتخذ الأمم المتحدة في ظل السيطرة الأمريكية قراراتها. هذا بالإضافة إلى لاشرعية لأي هيئة كانت أن تنهب ارض شعب وتمنحه لأي مهما كان.
علينا أن نستغل هذه المحطات الأربع لكي ننزع أي صفة شرعية تتمتع بها الدولة التي قامت نتيجة لها. إن قيام هذه الدولة على أسس عنصرية نظريا وعمليا كان خطأ تاريخيا. نعم التاريخ يخطئ مثله مثل الإفراد والحركات والدول، ولكن من جهة أخرى يمكن تصحيح أخطاء التاريخ، والشعوب المناضلة التي تصنع التاريخ هي القوى القادرة على تصحيح أخطائه أيضا.