Friday, June 15, 2007

هل أصبحت البلديات العربية سمسارا لدى دائرة أراضي اسرائيل؟


قبل عام النكبة 1948 كان الفلسطينيون يملكون أكثر من 97% من أراضي فلسطين. إما اليوم وبعد 60 عاما أصبحت الصورة معكوسة تماما: يملك الفلسطينيون أقل من 3% من أراضي فلسطين لا غير. أين ذهبت الأرض وكيف؟
لقد أصبح من نافلة القول أن نكرر القول أن العنصر الرئيسي في المشروع الصهيوني، ككل مشروع كولونيا لي، منذ نشأته هو عنصر الاستيلاء على الأرض الفلسطينية. ولم يكن باب الصدفة تأسيس الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت) في المؤتمر الصهيوني الأول عام ،1897 الذي لعب وما زال دورا حاسما في اغتصاب الأرض الفلسطينية بشراء الأرض عن طريق الترغيب والتهديد والتزوير والابتزاز، ومن ثم، وبعد قيام الدولة ازدادت وتيرة مصادرة الأرض، وتنوعت أساليبها وسنت العديد من القوانين حصرا لهذه الغاية. وكانت النتيجة كما نراها بأم أعيننا ونلمسها بكل حواسنا وجوارحنا: أرض؟؟ يوك
ماذا فعلنا لمواجهة هذا الغول الذي جردنا، ليس من مصدر معيشتنا كأرض زراعية فحسب، بل ومن موضع أقدامنا أيضا، أي انه يسحب من تحت أقدامنا قطعة الأرض التي تؤوينا؟ ينطبق علينا المثل العربي القديم الذي يقول:" أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل". لم نترك شعارا يندد بسياسة المصادرة إلا صرخناه حتى بحت حناجرنا، ولم يترك زعامتنا خطابا في مناسبة أو غير مناسبة الا ونددوا وبصرامة وشدة منقطعة النظير بسياسة المصادرة الغاشمة، واتهمنا الدولة والحكومة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية بالغبن والتمييز والعنصرية. نعم على مدى 60 عاما أوسعنا الدولة شتما، ولكنها أودت بالأرض.
المحاولة الوحيدة لكسر هذا الطوق الخانق كان يوم الأرض الأول عام 1976. ولكن سرعان ما تداركنا خطأنا واغتلنا بأيدينا يوم الأرض وكل ما مثله من روح المقاومة والرفض والتمرد على السياسة الغاشمة، وعدنا مرة أخرى إلى سياسة الشتم، وأصبحت منصات ذكرى يوم الأرض السنوية مرتعا خصبا لترويج هذه الشتائم التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
النزر القليل من الأرض الذي ما زال تحت أقدامنا لكي نقيم عليه بيوتنا ما زال مستهدفا وبنفس الشراسة المعهودة من السنوات السابقة. وتقود دائرة أراضي إسرائيل ولجان التنظيم والبناء المحلية واللوائية وبمساهمة فعالة من قبل البلديات والمجالس المحلية هذه الحملة الشرسة للاستيلاء على آخر شبر يملكه الإنسان الفلسطيني في هذه البلاد. وإلا كيف نفسر انه أصبح أسهل على الفلسطيني أن يصل القمر من أن يحصل على رخصة بناء؟ كيف نفسر إن جميع متخذي القرارات في لجان التنظيم المحلية هم موظفون معينون لا يمتون بصلة للبلد التي من المفروض أن يخدموا سكانها؟ لماذا يعيش المواطن الذي يأس من استصدار رخصة بناء من جراء العراقيل التي تضعها أمامه هذه اللجان ملاحقا مهانا يتخبط من غير هدى في أروقة المحاكم والمعتقلات، ودفع الغرامات الباهظة؟
كمثال على هذا الواقع التعيس سوف أتناول الوضع في مدينة سخنين مع علمي إن واقع باقي قرانا ومدننا العربية الأخرى لا يختلف من حيث خطوطه العريضة ومن حيث الجوهر عن واقع سخنين.
يضرب المجلس الإقليمي مسغاف طوقا خانقا على سخنين. يسيطر على أراضيها ويمنع زيادة منطقة نفوذها. وهذا الأمر ليس بالشيء الغريب، إذ أن المهمة الأولى لإقامة مثل هذه المجالس كانت وما زالت تجريد الفلسطينيين من أراضيهم وحصرهم في جيتوات مغلقة. ولكن الغريب هو دورنا نحن في إنجاح هذا المخطط السلطوي.
تقوم البلدية من فترة إلى أخرى بالتوجه إلى المسئولين الحكوميين بطلب توسيع منطقة نفوذها، وكل وزير داخلية جديد أو وزير آخر أو أي موظف كبير يزور المدينة وجعبته مليئة بالوعود الزائفة، يستقبل بالترحيب والأحضان والعزائم السخية. ويغادر كما جاء ويبقى الوضع على حاله بل يزداد سوءا. والانكى من ذلك، إن البلدية التي تعرف كل المعرفة مقدار مسؤولية المجلس الإقليمي مسغاف في تخليد هذا الوضع فإنها لا تأل جهدا للتعاون المشترك معه مرة بحجة التعايش المشترك وحسن الجوار وأخرى بحجة المصالح المشتركة وتشجيع سياسة التطبيع الثقافي. وعلى سبيل المثال لا الحصر: نذكر مستوطنة أشبال القائمة على أراضي سخنين وتمنع كل إمكانية مستقبلية لتطور المدينة، هذه المستوطنة التي وعد نائب وزير الدفاع السابق بضمها إلى مدينة سخنين في حالة موافقة البلدية على إقامة المعسكر على مشارف البلد. المعسكر قام كما هو معروف بموافقة البلدية، أما أشبال فبدلا من إخلائها ضمها تقوم الحكومة بتوسيعها على حساب المدينة بحجة تحويلها إلى قرية ثقافية تخدم المنطقة ككل يهودا وعربا. وقامت البلدية مؤخرا بفتح مدارس سخنين أمام مستوطنة أشبال لكي تغزو طلابنا بثقافتها العنصرية المقنعة بشعارات التعايش السلمي. هذا بالإضافة للترويج للمدرسة ثنائية اللغة وتشجيع الطلاب المتفوقين بترك مدراس المدينة والالتحاق بهذه المدرسة بحجة أن التعليم هناك أرقى. ويبدو أن تفعيل البرامج "التربوية" هذه في مدارس سخنين كانت السبب الرئيسي وراء منح جائزة وزارة المعارف للبلدية، وليس الكلام الذي لا رصيد له حول نشاط البلدية " التي تستثمر بشكل مميز في جهاز التربية والتعليم وتبذل جهودا كبيرة في دعم جهاز التربية". حيث أن أهالي سخنين على دراية كاملة بالوضع المزري في المدارس.
اليوم تقوم البلدية من حيث تدري أو لا تدري، عن حسن نية أو سوء نية، بدور السمسار عند دائرة أراضي إسرائيل ولجان التنظيم من أجل تشليح المواطن البسيط قسم من أرضية، بحجة التنازل عن جزء من ارض قد يصل إلى 30% وذلك للمصلحة العامة. فكل شخص يقوم بتحويل هدف أرضه لكي تصبح صالحة للبناء عليه بالإضافة إلى دفع الرسوم وضريبة التحسين أن يتخلى عن هذا القسم من أرضه لشق الطرق وتخصيص الأماكن العامة المفتوحة أو إقامة المنشآت العامة عليها. بالرغم من تواجد المساحات الشاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها دائرة الأراضي والتي من المفروض أن تستعمل هي للمصلحة العامة. فالبلدية موضوعيا تتعاون مع دائرة أراضي إسرائيل ولجنة التنظيم لكي تشلح هذا المواطن 30% من أرضه بينما تبقى ما يسمى أراضي الدولة سالمة، وفي كثير من الأحيان يستخدم قسم منها كإحتياطي للتبديل (أراضي واسعة خارج منطقة النفوذ مقابل قسيمة للبناء). فبدل أن تقوم البلدية بوضع أيديها على جميع الأراضي التابعة لدائرة الأراضي داخل منطقة نفوذها، وتخطط لاستعمالها لشق الطرق والمصالح العامة، تفرض على المواطن أن يتخلى عن جزء من أرضه وإلا يحرم من الحصول على رخصة للبناء. والمصيبة أن المواطن العادي الساذج يطير فرحا عندما تقنعه البلدية بأنه من الأفضل له أن يتنازل عن بعض الأرض لكي يحصل على رخصة عمار وإلا فأنه يستطيع أن ينسى حصوله على رخصة إلى الأبد.
على المواطنين أن يرفضوا هذه السياسة التي هدفها واحد لا يقبل التأويل وهو مصادرة ما تبقى من أرض بوسائل أخرى، وأن يتحركوا للجم هذا التعاون المخزي بين دائرة أراضي إسرائيل ولجان التنظيم والبناء والبلديات.

No comments: