Wednesday, October 30, 2013

الأيدي الملطخة بالدماء الزرقاء



الايدي الملطخة بالدماء الزرقاء
علي زبيدات – سخنين
أليس من سخرية الاقدار أن يتم اطلاق سراح٢٦ أسيرا فلسطينيا، "ملطخة أيديهم بالدماء" حسب القاموس الاسرائيلي، بينما تحيي الجماهير الفلسطينية ذكرى مجزرة كفر قاسم؟ لم تكن هذه المجزرة كما يعرف الجميع الاولى في تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية التى تحولت الى دولة محترمة يطلب ودها القاصي والداني، بل سبقتها مجازر عديدة، ولم تكن الاخيرة فقد أعقبتها مجازر عديدة وكل الدلائل تشير إلى انها لن تتوقف مستقبلا أيضا. علي كل حال، لست هنا بصدد ذكر كافة هذه المجازر إو قياس كمية الدماء المسفوكة من الشعب الفلسطيني ولكن الخلاصة التي لا بد أن يتوصل اليها كل مراقب يتحلى بالقليل من الموضوعية: إذا كانت أيدي هؤلاء الاسرى المحررين ملطخة بالدماء فإن أجسام آسريهم من قمة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم تقطر بالدماء. ولكن يبدو أن دماء الاسرائيليين على غرار دماء ملوك ونبلاء القرون الوسطى هي دماء زرقاء، كيف لا وهم يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار؟ بينما دماء الفلسطينيين ليست حتى حمراء كباقي دماء البشر بل هي أشبه ما تكون بالمياة المسكوبة سدى على جوانب الطرقات. هذا بالطبع من غير التطرق الى أسباب سفك الدماء من كلا الطرفين إذ لا يعقل المقارنة بين من يدافع عن نفسه وبيته وأرضه وبين من يغزو ويشرد الآخرين ويحتل وطنه.
بما أن هذه المسألة حساسة جدا بالنسبة للجميع، أقترح مد خط فاصل بين إطلاق سراح الاسرى على الصعيد الشخصي وبين تجارة الاسرى أو عملية التبادل التجاري بالاسرى بين السلطة الفلسطينية ودولة إسرائيل. على الصعيد الشخصي، إطلاق سراح كافة الاسرى من غير قيد أو شرط هو حق تكفله كافة القوانين الدولية التي تعترف بشرعية النضال من أجل الحرية والاستقلال والعودة، وتحمل الجانب المعتدي وليس المعتدى عليه المسؤولية الاولى والاخيرة عن سفك الدماء. تبدأ المشكلة عندما يتحول هذا الحق إلى تجارة بين فرقاء يتحركون وفق المبدأ الرأسمالي حول الربح والخسارة.
الدفعة الثانية من الاسرى المحررين بعد تجديد المفاوضات لا تشير إلى أي تقدم في المفاوضات نفسها، على العكس من ذلك تماما فكلا الطرفين يؤكدان بأن المفاوضات لم تتقدم قيد أنملة. وربما هذا الوضع بالذات هو السبب الرئيسي وراء اطلاق سراح هذه الدفعة في هذا الوقت بالذات. بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي تعرف تمام المعرفة أكثر من غيرها عبثية هذه المفاوضات وطريقها المسدود من قبل أن تخوضها، هذا بالرغم من كل التنازلات التي قدمتها، فلم يعد لديهاشيء تلوح به أمام جمهورها سوى اطلاق سراح ٢٦ أسيرا مما يتيح الفرصة أمام رئيسها ليقول إنه سوف يستمر بالمفاوضات حتى اطلاق سراح كافة الاسرى. بالنسبة للطرف الاسرائيلي، وبعيدا عن ضجة التي يثيرها اليمين الصهيوني المتطرف حول الايدي الملطخة بالدماء، فهو يضرب عصفورين بحجر واحد: من جهة يظهر لما يسمى بالمجتمع الدولي وخصوصا أمريكا وأوروبا بأنه ملتزم ب"العملية السلمية" ويقدم ثمنا باهضا لهذا الالتزام، ومن أخرى يستمر في سياستة الرامية الى تهويد ما تبقى من القدس العربية والاراضي الفلسطينية المحتلة. فقبل أن يستنشق الاسرى النفس الاول من نسيم الحرية كانت الحكومة الاسرائيلية تبادر إلى بناء ١٥٠٠ شقة جديدة في القدس بالاضافة الى مشاريع أخرى هدفها محو المعالم الفلسطينية من المدينة، وهذا ما فعلته خلال اطلاق سراح الدفعة الاولى قبل عدة أشهر وهذا ما ستفعله خلال في الدفعة الثالثة والرابعة أيضا. هل هذه هي الصفقة التي لا يريد الطرفان الاعتراف بها رسميا: ٦٠ شقة استيطانية مقابل كل أسير محرر؟
حسب اتفاقيات أوسلو من قبل عشرين سنة كان من المفروض أن يتم إطلاق سراح جميع الاسرى بالاضافة الى قيام دولة فلسطينية مستقلة والاعلان عن نهاية الصراع العربي الاسرائيلي. ولكن شيء من هذا لم يحصل. اختطاف جندي اسرائيلي واحد أمن اطلاق سراح أسرى أكثر مما أمنته مفاوضات على مدار عشرين سنة. أقترح هنا ألا نحمل رئيس السلطة أكثر مما يستطيع أن يحمل، وفي كل مرة يطلق سراح بعض الاسرى نصرخ: وماذا مع أسرى الداخل؟ وماذا مع أسرى القدس؟ فالرجل يصرح بكل مناسبة ومن غير مناسبة انه ضد اعمال المقاومة التى يقوم بها هؤلاء الاسرى فكيف ترجون منه أن يعمل على تحريرهم بدون صفقات تعود عليه ببعض الفوائد السياسية على الاقل؟ من يؤمن بأن المفاوضات سوف تتمخض في نهاية المطاف عن حل عادل للقضية الفلسطينية فمن حقه أن يؤمن بأنها سوف تكفل اطلاق سراح كافة الاسرى. ومن يؤمن بأن حل القضية لا يمكن انجازه الا من خلال الاستمرار بالنضال التحرري الثوري فإن قضية الاسرى تبقى عنصرا أساسيا من هذا النضال.

Wednesday, October 23, 2013

انتهى الصراع على فقاقيع الهواء


انتهى الصراع على فقاقيع الهواء
علي زبيدات – سخنين

لم اشارك في احتفالات المرشح الفائز بكرسي رئيس البلدية التي اقضت مضاجع البلد منذ معرفة النتائج وحتى شروق الشمس وذلك لأني لم أكن شريكا في هذا الفوز. ولن اشارك في الاحتفالات القادمة التي مما لا شك فيه سوف تشمل على كل ما لذ وطاب. ولكني اذا ما صادفت الرئيس المنتخب صدفة فلن ابخل عليه بكلمة مبروك بعد تذكيره بواجبه. بالمقابل لن اشارك المرشح الخاسر في اتراحه، ليس من باب الشماتة لا سمح الله بل لأني هنا أيضا لم أكن شريكا في خسارته. وقد ابادر بتعزيته اذا ما قابلته صدفة. تقاعست عن النضال، على عكس ٩٠٪ من ابناء بلدي الذين خاضوا "معركة" الانتخابات البلدية ببطولة فائقة، ودفنت نفسي في زاوية مظلمة مقاطعا الانتخابات، وهذه بحد ذاتها تعد خيانة عظمى في قاموس الثورة. ولكني لست نادما على هذا الموقف. واكثر من ذلك فقد قررت أن احبس نفسي في المنزل يوميين اضافيين على الاقل وألا اخرج للشارع حتى تعود البلد التي اعرفها الى طبيعتها بعد أن تتنظف جدرانها من صور المرشحين التى نافس صور نجوم هوليوود من حيث الفخامة والالوان الزاهية وسيارتها من الاعلام وشوارعها من الاوراق، وحتى تزول التجمعات "الشبابية" من الساحات العامة ومن امام بيوت المرشحين.
يقص علينا جبران خليل جبران في احدى قصصه القصيرة قصة الثعلب الذي خرج من مأواه عند شروق الشمس فتطلع الى ظله منذهلا فقال: "سأتغذا اليوم جملا" ثم مضى في سبيله باحثا عن جمل يلتهمه الصباح كله، وعند الظهيرة تفرس في ظله ثانية وقال: "بلى، ان فأرة واحدة تكفيني". بعد أن تبخرت الدعاية الانتخابية، وانتهت المهرجانات، وتوقف التلويح بالكوفية، وغابت الشمس التي كتبوا عليها اسم البلد وفترت الهمة القوية من كثرة الشد، عاد المرشحون الفائزون منهم والخاسرون الى حجمهم الطبيعي. النسيج الاجتماعي والقيم الاخلاقية التي تم انتقائها حجرا حجرا وبنيت مدماكا مدماكا خلال خمس سنوات تم هدمها خلال شهر واحد. على غرار المثل الذي يقول: يحتاح الجسر الكبير إلى سنوات لبنائه وإلى دقائق معدودة لتفجيره. كل ذلك باسم الديمقراطية التي تعني في قاموسنا الديماغوغية والرشوات وشراء الذمم وغياب الوعي. لا بأس فأمامنا خمس سنوات لاعادة بنائها او ترميمها لكي نهدمها من جديد في الانتخابات القادمة بعد خمس سنوات.
السياسة التي خططت لها الدولة وفصلتهاعلى مقاسنا قمنا بتطبيقها على انفسنا بحذافيرها. كمن يقع بالفخ بارادته ويغلق على نفسة كافة الابواب مقابل بعض الفتات التي تقدمه لنا مؤسسات هذه الدولة التي ندمغها صباحا مساء بالعنصرية والتمييز. ولا مانع بأن نعلل انفسنا بالكذب والاوهام ونقول: جئنا لنقدم الخدمات (والكرامة) لابناء بلدنا. هل يوجد هناك رئيس بلدية أو مجلس محلي واحد انتخب على اساس تحدي هذه المؤسسات وسياستها العنصرية؟ لا أظن. ولكن بالمقابل هناك العديد من الرؤساء الذين انتخبوا حصرا لتنفيذ سياسة الدولة في مدننا وقرانا من وراء قناع الوطنية وتقديم الخدمة للمواطنين.
لقد قيل الكثير وكتب الكثير عن غريزة حب السلطة عند الانسان، حب الهيمنة والسيطرة، حب الظهور، حب الذات والتشبث بالرأي، حب الجلوس والالتصاق بالكرسي. ولكن الغريب أن هذه الغريزة تنمو وتترعرع عندنا في ظل خضوع تام للمؤسسة الاسرائيلية التي تدوس على كرامتنا يوميا. فإذا اردتم ان تمارسوا حب الجاه والسلطان فعليكم أن تتحرروا ولو قليلا أولا. لا يوجد ابشع من خادم وضيع يمارس السيادة والهيمنة على غيره.
انتهت الانتخابات المحلية بما انتهت عليه. كل الاخبار بالتفصيل الممل موجودة في الجرائد والمواقع الاخبارية وباقي وسائل الاعلام المرئي والمسموع. وجيد انها انتهت مع اني كنت افضل ألا تبدأ. لا حاجة للتحليل والتقييم: لماذا فاز هذا وخسر ذاك ولماذا ما زلنا نسير كالقطيع وراء راع يحترف حبه لذاته ولماذا نتهافت على الصناديق ضعف جيراننا أصحاب السلطة الحقيقية في هذه البلاد. كل شيء واضح واذا لم يكن واضحا للجميع فأمامنا خمس سنوات لتتضح لنا الصورة بكافة ملامحها وسماتها. عندما تتفجر فقاقيع الهواء بين اصابعنا ونشعر بأقدامنا مرة اخرى ترتطم بأرض الواقع سوف نتوصل جميعنا للنتيجة نفسها وهي أن هذه الدولة لا تمت لنا ولا نمت لها بصلة.
من يريد أن يحتفل ب"انتصاره" فليحتفل ومن يريد أن يترك وشأنه لمواجهة خسارته فليفعل. أما أنا فسوف الجأ لبعض الوقت الى الحزن والتفكير.

Wednesday, October 09, 2013

حرب الشعب جيش الشعب


حرب الشعب جيش الشعب
علي زبيدات – سخنين
"الدرس الاكبر الذي تعلمناه من تجاربنا في معركة ديان بيان فو هو أن أمة ضعيفة، صغيرة وجيش شعبي، قررت أن تنهض، توحد صفوفها وتحارب من أجل الاستقلال والسلام، سوف تمتلك القوة الكاملة من أجل دحر القوى المعتدية حتى ولو كانت قوة إمبريالية مثل الامبريالية الفرنسية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية". الجنرال فو نغوين جياب.
توفي هذا الجنرال الاسطورة، بطل استقلال فيتنام وبلدان الهند الصينية عن عمر يناهز ١٠٢ عاما. لقد مرمغ الجنرال جياب، الذي كان الساعد الايمن للزعيم هوشي منه، أنف أكبر قوتين امبرياليتين عرفهما التاريخ المعاصر في اوحال مستنقعات فيتنام ضاربا درسا قي كيفية انتزاع الحرية والاستقلال قدمه إلى كافة الشعوب المضطهدة في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. لقد كان الجنرال جياب واحدا من أعظم ثلاثة ثوار في دول العالم الثالث إلى جانب ماو تسي تونغ وتشي جيفارا، الذين رسموا وشقوا الطريق على صعيد النظرية والممارسة أمام الشعوب المضطهدة لكي تقف شامخة الهامة وتطرد الامبرياليين من اوطانها.
بعد الحرب العالمية الثانية، لم تكن هناك حركة ثورية واحدة في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية بل في اوروبا وامريكا الشمالية ايضا لم تتأثر ولم تتعلم من هذا الثالوث الثائر. فلسطين لم تكن استثناء، ما زلت اذكر كيف كنا نحن الاسرى السياسيين في منتصف سنوات السبعين في سجن الرملة المركزي، وبغض النظر عن انتماءاتنا التنظيمية، نجلس في حلقة واسعة نقرأ ونناقش ونتعلم مما تيسر لنا من مواد شحيحة كتبها هؤلاء العظماء وتسربت داخل السجن. ما زلت اذكر كم كنت محظوظا عندما قمت بترجمة بعض الفصول من كتاب للجنرال جياب بعنوان:"حرب الشعب جيش الشعب" وبعض كتابات ماو تسي تونغ من الانجليزية الى العربية. كنا في ذلك الوقت نحلم بأن نحقق دعوة تشي جيفارا الذي قال:"لا حياة خارج الثورة ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة وأكثر". كنا نتكلم عن حرب التحرير الشعبية طويلة الامد، عن حرب العصابات والحرب المتحركة والحرب الخاطفة وحرب الابادة. كنا نتكلم عن الدفاع الايجابي والدفاع السلبي وعن التراجع الاستراتيجي والهجوم المضاد الاستراتيجي. كنا نتكلم عن دور الحزب الثوري في قيادة الجماهير، تعبئتها، تثقيفها وتسليحها. هذه المصطلحات سرعان ما تلاشت من الساحة الفلسطينية حتى انقرضت تماما وحلت مكانها مصطلحات "السلطة الوطنية"، "الدولة المستقلة"، المفاوضات، المؤتمرات وقرارات الامم المتحدة والمجتمع الدولي وغيرها من المصطلحات التي وأدت الثورة الفلسطينية وهي في مهدها. وقد بدأت هذه المصطلحات تكتسح الساحة الفلسطينية منذ أن تبنت القيادة الفلسطينية ما سمي في حينه (عام ١٩٧٤)بالبرنامج المرحلي. وكلما تفاقمت واستفحلت كانت توصف بالانتصارات هكذا كانت دعوة ياسر عرفات الى الامم المتحدة في جنيف لكي يعترف بقرار ٢٤٢ ويدين "الارهاب" انتصارا. وخطاب غصن الزيتون والبندقية في نيويورك انتصارا، وجلوس المنظمة مع امريكا مباشرة انتصارا واعلان الاستقلال الوهمي في الجزائر انتصارا، واجهاض الانتفاضة لصالح اتفاقيات أوسلوا انتصارا. وهكذا توالت الانتصارات حتى كدنا في ظل القيادة "الحكيمة" لمحمود عباس أن عراة أمام التاريخ والقضية ونفقد حتى ورقة التين التي تغطي عوراتنا.
نعود إلى الثائر الحقيقي الجنرال جياب: وهو على فكرة لم يصبح جنرالا لأنه تخرج من احدى الكليات العسكرية كما هو حال معظم جنرالات العرب الذين تخرجوا من الكليات العسكرية الغربية ولم يتعلموا سوى لغة الخنوع، بل اصبح جنرالا لأنه آمن بأن عنجهية وغطرسة المعتدين لا يتم سحقها الا بواسطة عنفوان وتضحيات الجماهير الكادحة وطبق ذلك على أرض الواقع. تسع سنوات من حرب الشعب بقيادة جيش الشعب تتوجت في عام ١٩٥٤ في معركة ديان بيان فو بالانتصار العظيم الذي لم يبق امام المستعمر الفرنسي الا أن يعض على ذيله ويغادر فيتنام ذليلا مهزوما. الا ان الحرب لم تنته عند هذا الحد فقد ابتليت فيتنام بعدو اشد عنجهية وغطرسة وشراسة وهي الامبريالية الامريكية الصاعدة، التي لم تكتف بأخذ مكان الامبريالية الفرنسية بل عملت على تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب وهذا الامر لا يقبله ثائر حقيقي كالجنرال جياب. لقد ظنت امريكا أن سياسة البطش والارض المحروقة وابادة قرى بكاملها سوف تؤمن لها النصر. ولكن بعد عشر سنوات من النضال الاسطوري كان مصير امريكا اسوأ بما لا يقاس من مصير الفرنسيين. فقد افاق عمال فيتنام وعمال العالم اجمع في الاول من ايار عام ١٩٧٥ ولم يجدوا جنديا أجنبيا واحدا على ارض فيتنام بعد ان جرت فلولهم ذيول الهزيمة والذل وهم يهرولون للحاق بآخر طائرة . وهكذا بعد ما يقارب نصف قرن ما زالت امريكا تعاني من عقدة فيتنام ولا يبدو انها ستتحرر منها لسنوات طويلة قادمة.
في هذه الايام الحالكة من تاريخ شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية ما احوجنا الى نبراس ثوري كالجنرال جياب.



Wednesday, October 02, 2013

التطبيع الثقافي في السينما الاسرائيلية - الفلسطينية



التطبيع الثقافي في السينما الاسرائيلية -الفلسطينية
علي زبيدات – سخنين
لست ناقدا سينمائيا ولا علاقة لي بأي مجال يتعلق بالسينما من اخراج أو تمثيل أو كتابة سيناريو او أي شيء آخر اللهم سوي اني من عشاق مشاهدة الافلام. من هذا المنطلق، وبعد أن شاهدت الحملة الاسرائيلية المحمومة لاختراق الوعي الفلسطيني بواسطة ما يسمى بالسينما المشتركة الاسرائيلية الفلسطينية، قررت أن اكتب هذه السطور على أمل أن يقوم بعض المحترفين في النقد السينمائي بدراسة هذه الظاهرة وفضح مخاطرها وجوهرها التطبيعي.
عندما كنت يافعا بالسن كنت مغرما بمشاهدة افلام رعاة البقر الامريكية وكم صفقت للبطل جون وين وهو يطلق النار على الهنود الحمر ويرديهم قتلى بالعشرات . فهو ورجاله من حملة المسدسات يمثلون الخير بينما يمثل الهنود بسكاكينهم ورماحهم الشر المطلق وبالتالي لا بد من ابادتهم عن بكرة أبيهم. وكنت اشاهد افلام العنف الامريكية واتماثل مع البطل الامريكي (رامبو وغيره) وهو يقتل الفيتناميين بالجملة وكأنهم حشرات ضارة.
فيما بعد اكتشفت كم كنت سخيفا وانا اشاهد مثل هذه الافلام واتماثل مع ابطالها. تغيرت نظرتي وبدأت انتقي الافلام بما يتلاءم مع تطور وعيي السياسي. ولكن بالمقابل السينما الامريكية هي الاخرى تطورت فلم تعد تصنع افلاما تصور قتل الهنود بالجملة بل على العكس أنتجت افلاما تتعاطف مع الهنود وتصور قسوة المستوطنين الامريكيين تجاههم. وبدأت تصنع افلاما ضد الحرب وتصف الجرائم الامريكية في فيتنام وغيرها من البلدان. ولكنها استمرت في دس السم في الدسم وهذه المرة بصورة ذكية قد تنطلي على اشد المشاهدين وعيا وكان هدفها النهائي التركيز على تفوق الحضارة الغربية والقيم الغربية. هذا ما تحاول السينما الاسرائيلية صنعه اليوم من خلال موجة التطبيع السينمائي وآخر هذه المحاولات وليس اولها هو فيلم "بيت لحم" للمخرج الاسرائيلي يوفال ادلر وكاتب السيناريو العربي علي واكد والذي حاز على جائزة اقضل فلم اسرائيلي (أوفير) وبذلك تم اختياره ليمثل اسرائيل في مهرجان الاوسكار المعروف. يؤكد المخرج الاسرائيلي وكاتب السيناريو العربي أن الفيلم ليس سياسيا أصلا ولا يفضل طرفا على طرف آخر فلا يوجد هناك اسود وابيض في الفيلم بل يصف المنطقة الرمادية التي تظهر الطابع الانساني للاحتلال.أالا تدعي دولة اسرائيل منذ سنوات طويلة بانها تمارس احتلالا متنورا وحضاريا في الاراضي الفلسطينية؟ والا تدعي بأن جيشها هو الاكثر اخلاقية من جيوش العالم وان سلاحه من أطهر الاسلحة؟ طبعا الاحتلال مهما كان متنورا والجيش مهما كان اخلاقيا والسلاح مهما كان طاهرا فهي غير معصومة عن الخطأ. وهذه الاخطاء يمكن نقدها وهذا ما يفعله هذا الفيلم وباقي افلام التطبيع. وهذا بدورة يعتبر برهان قاطع على ديمقراطية الدولة. من اجل ذلك تكون الدولة على اتم استعداد لتمويل جزئي او كامل للفيلم عن طريق " الصندوق لتشجيع افلام نوعية أصلية" أو أية مؤسسة اسرائيلية اخرى.
السينما بصفتها وسيلة اعلامية فنية راقية تتمتع بقوة سحرية تجعلها قادرة على تشوية الحقائق والتلاعب بالعواطف وتجعلك بدون أن تشعر تتماثل مع الشرير الذي يقوم بدور البطولة بعد أن تحوله الى رمز للخير وتحاول أن تجد له الاعذار والتبريرات وتجد نفسك تتفهمه وتغفر له اخطاءه. هذا الشعور انتابني ايضا وأنا أشاهد فيلم " خمس كاميرات مكسورة" للمخرج الاسرائيلي جي دافيدي بالتعاون مع عماد برناط. وبالرغم من أن الطرفين قد اتفقا على وصف الفيلم بأنه فيلم فلسطيني بشكل كامل يصف نضال قرية بلعين ضد جدار الفصل العنصري على مدار سبع سنوات الا أن السفير الاسرائيلي في امريكا في سياق تمنياته للفيلم بالفوز أصر على أن الفيلم اسرائيلي حاز علي تمويل اسرائيلي رسمي وبصفته هذه خاض المنافسة للحصول على جائزة الاوسكار كأحسن فلم احنبي.
محاولات اسرائيل التطبيعية في السينما والتي تشهد في السنوات الاخيرة مدا خطيرا بدأت في ثمانينات القرن الماضي ولم تنقطع حتى اليوم واذكر على سبيل المثال لا الحصر الافلام التالية: خربة خزعة، خمسين، وراء القضبان، جسر ضيق جدا، عجمي وغيرها.
دولة اسرائيل بحاجة لهذا التطبيع السينمائي لفك عزلتها السياسية المتنامية على الصعيد الدولي، لتجميل وجهها الذي بشعته جرائم الحرب التي اقترفتها، للترويج لديمقراطيتها المزيفة ولتبرئتها من العنصرية والفاشية وكونها مصدرا لتأجيج الفتن والحروب ومصدرا لتهديد السلام العالمي.
يجب الحذر من هذا التطبيع الثقافي للسينم بحجة المشاركة، وفضحه في كافة وسائل الاعلام ومناهضته على جميع الاصعدة، ودعوة المهنيين في هذا المجال لكي يقوموا بدورهم كما ينبغي.