Wednesday, September 24, 2014

الدول العربية تدخل المعركة



الدول العربية تدخل المعركة
علي زبيدات – سخنين
عندما قال السادات قبل سنوات عديدة بإن حرب اكتوبر ١٩٧٣ هي الحرب الاخيرة فقد قصد انها الحرب الاخيرة للدول العربية ضد اسرائيل ولكنه بالطبع لم يقصد انها الحرب الاخيرة على الاطلاق. ها هي خمس دول عربية على الاقل تشن حربا لا هوادة بها ضد الارهاب في سوريا والعراق وهي ليست وحدها بل هي جزء من تحالف عالمي تقوده امريكا وإسرائيل يضم اكثر من ٥٠ دولة. الحرب الاخيرة التي شنها الاردن كانت عام ١٩٦٧ حيث سلم الملك حسين الضفة الغربية لاسرائيل بدون قتال يذكر، ومن قبله شن جده الملك عبدالله حربا لتحرير فلسطين بتسليمها لاسرائيل بدون قتال يذكر ايضا. اليوم تشارك الطائرات الاردنية بكل فخر واعتزاز في الحرب الدولية على الارهاب الاسلامي وتشن الغارات على شمال سوريا لكي تؤمن الحدود الجنوبية بينها وبين سوريا وتمنع الارهابيين من اجتياز الحدود. وها هي السعودية التي كدست الاسلحة على مدار عشرات السنين وانفقت في سبيل ذلك الالاف المؤلفة من المليارات ولم تستعمل حتى الان سوى النزر القليل للحفاظ على نظامها ودعم حلفائها في الجنوب والشمال، ترسل طائراتها من طراز تورنيدو وتايفون وتلقي بقذائقها على الارهابيين في سوريا والعراق. حتى الامارت والبحرين شاركتا في الغارات الجوية بشكل عملي وفعال. اما قطر التي تخوض منافسة شرسة مع السعودية فقذ اكتفت بتقديم المساعدات اللوجستية للمعركة وخصوصا استخدام القواعد العسكرية الامريكية على ارضها لشن الغارات الجوية.
لقد صرح اوباما، وهل هناك من يشكك في نواياه السلمية؟، أن هذه الحرب ليست حرب امريكا وحدها بل هي حرب جميع الدول الديمقراطية في العالم وجميع من يدافع عن حقوق الانسان، ومن هذا المنطلق سارعت السعودية والاردن والامارات والبحرين وقطر إلى دخول هذه المعركة. فقد صرح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ان الارهاب في سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان قد شوه صورة الاسلام والمسلمين، بينما يمثل هو وملكه المتخلف وباقي الملوك والامراء العرب الوجه الجميل، المشرق والحضاري للاسلام والمسلمين. صرح مسؤول امريكي رفيع المستوى بان الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية سوف تستغرق سنوات. وما المشكلة في ذلك؟ فهذه الدول ليست مستعجلة، لديها كل الوقت المطلوب بالاضافة إلى انها ستستريح من الدعوات التي تطالبها بمواجهة اسرائيل خصوصا بعد أن اصبحت الحليفة الاستراتيجية في العديد من الجبهات.
مرة اخرى تختلط الاوراق، تحالفات قديمة تتلاشى وتحالفات جديدة تطفو على السطح. تغير المواقع والتنقلات فيما بينها تتسارع حتى اصبح من العسير بل من المستحيل متابعتها وادراكها. التناقضات البارزة والمخفية تخدع زبصارنا وتتلاعب في عقولنا. فبينما يؤكد اوباما بان الارهاب الاسلامي يهدد الامن الوطني الامريكي ، تصرح وزارة الامن القومي الامريكية بانه لا توجد مؤشرات على خطر هجمات محتملة للقاعدة او تنظيم الدولة الاسلامية في الولايات المتحدة. من جهة اخرى، ايران وهي احدى اركان التخالف المضاد تصرح بانها تؤيد شن الغارات الغربية في العراق ولكنها تعارضها في سوريا، واذا رغب الغرب بأن تغير موقفها فهذا ممكن إذا ما تم الاتفاق حول البرنامج النووي الايراني. روسيا التي تدار من قبل المافيا وتواجه ازمة كبرى في اوكرانيا تكتفي بالتصريحات المنددة بالحرب من جهة والسكوت والقبول بها من جهة اخرى. النظام السوري يرحب بهذه الحرب التي يأمل ان تخرجه من ازمته ويكلف وزارة الخارجية وبالتحديد السفير في الامم المتحدة للتعبير عن هذا الترحاب بينما يقوم رأس النظام بتأمين خط رجعة لنفسه بالسكوت او بالتصريحات الخجلة حول ضرورة التنسيق مع الدولة السورية واحترام سيادتها. حزب الله وهو الحليف المركزي للنظام السوري وكما صرح امينه العام فهو يعارض مبدئيا التدخل الامريكي لانه يخدم المصلحة الامريكية فقط ولكنه لا يقوم بأية خطوة عملية ضد هذا التدخل. بالعكس، من خلال السكوت على الموقف الايراني الروسي المتذبذب وقبول النظام وتحالفه مع الجيش اللبناني المسلح امريكيا فانه اقرب إلى التورط في هذا التحالف. اما اسرائيل فانها تكتفي في المرحلة الراهنة بأن تكون مرجعية التحالف الاخلاقية بتصديرها المفاهيم التي طورتها من خلال حروبها ضد غزة: الغارات الجوية تستهدف الارهابيين الذين يختبئون بين المدنيين ويستعملونهم كدروع بشرية.
لنصدق امريكا للحظة، بأن هذه الحرب ليست حرب امريكا وحدها بل هي حرب الدول العربية ايضا وان هذه الحرب بالفعل ستستغرق سنوات طويلة. فماذا يعني كل هذا؟ هذا يعني أمرا واحدا: اتركوا اسرائيل وشأنها بسلام، دعوها تبني المستوطنات على راحتها وتستمر في حصار غزة كما يحلو لها ولا تتكلموا عن حق العودة او حتى عن دولة مستقلة مهما كانت ناقصة السيادة. اكتفوا بالمفاوضات التي لا تنتهي.

Wednesday, September 17, 2014

يوم الشهيد الفلسطيني



يوم الشهيد الفلسطيني

علي زبيدات – سخنين

بعد أقل من اسبوعين سوف تحل الذكرى الرابعة عشرة للاحداث التي اختلفنا حتى على تسميتها، فمنهم من اطلق عليها اسم "هبة القدس والاقصى" وهو الاسم الذي شاع اكثر من غيره، بينما اختصر آخرون الاسم إلى "يوم القدس والاقصى" واكتفى آخرون ب "احداث اكتوبر ٢٠٠٠". لم يأت تعدد الاسماء ، حسب رأيي، من باب الصدفة بل كان القصد منه فصله عن المصطلح الفلسطيني العام الذي فرض نفسه في ذلك الوقت "انتفاضة القدس والاقصى"، وذلك بحجة الوضع الخاص لفلسطيني المناطق المحتلة عام ١٩٤٨. هذا الفصل جر عمليا فصلا آخرا اشد خطورة وهو الفصل بين الشهداء الثلاثة عشرة الذين سقطوا في هذه المناطق وبين باقي الشهداء الذين سقطوا في الضفة الغربية وقطاع غزة. من هذا المنطلق توجهت "مؤسساتنا القيادية" بطلب اقامة لجنة تحقيق اسرائيلية رسمية للجواب عن سؤال رئيسي واحد: " كيف يمكن لدولة أن تطلق النار على مواطنيها"؟.
جرت العادة أن تجلس لجنة المتابعة بكافة مركباتها لكي تقرر كيفية احياء هذه المناسبة وكانت تقرر تنظيم مسيرة مركزية في احدى القرى التي سقط بها احد الشهداء وعلى المستوى المحلي زيارة اهالي الشهداء ووضع الاكاليل على الاضرحة. مع مرور السنوات أخذت هذه المناسبة بالتآكل والاضمحلال واصبح احياؤها نوعا من اسقاط واجب ثقيل من المفضل ان يتم باسرع واسهل شكل ممكن. وهذا ما سوف نشهده في القريب العاجل: ايام قليلة قبل المناسبة سوف تتخذ "قيادتنا" قرارها التقليدي ولكن هذه المرة بدون نفس.
لذلك اقترح الغاء هذه المناسبة بكافة أشكالها المسرحية التي آلت اليها. وهذا ضروري، على ما أظن، من اجل الحفاظ على كرامة الشهداء وعلى مكانتهم في القضية الوطنية. مما لا شك فيه أن الألم الشخصي للعائلات والاصدقاء لن يتوقف ولن يكون له بديلا، وهو اصلا ليس ولم يكن مرتبطا بشكل احياء هذه المناسبة على الصعيد الرسمي.
واقترح ايضا البدء بالتفكير باختيار يوم يسمى: يوم الشهيد الفلسطيني. على غرار يوم الاسير الفلسطيني. نتفق جميعا بغض النظر عن اتجاهاتنا الفكرية وانتماءاتنا الحزبية أن الشهيد هو في المقام الاول والاسير في المقام الثاني من حيث مككانته في القضية الوطنية. فالاول ضحى بحياته بينما الثاني ضحى بحريته. فلماذا اخترنا يوما أطلقنا عليه يوم الاسير الفلسطيني ولم نفكر في يوم نطلق عليه يوم الشهيد الفلسطيني؟ صحيح انه عند اختيار ١٧ أبريل/نيسان ليكون يوم الاسير الفلسطيني كان لدينا بقايا مجلس وطني فلسطيني يتخذ قرارات مثل هذا القرار واليوم أصبح هذا الجسم عبارة عن جثة هامدة، وصحيح ان يوم الاسير نفسه وخصوصا في المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ أصابه التآكل والوهن كلما ازدادت اللجان المختصة بالاسرى. ولكن القرار كان سليما، فقد دخل هذا اليوم الى الوعي الجماعي لشعبنا واصبح من المستحيل محوه، لأن هذا اليوم يوحد الاسرى بغض النظر عن انتماءاتهم التنظيمية وعن مناطق سكناهم. انه عامل موحد ويشكل احد الاعمدة الاساسية للقضية الفلسطينية.
سيكون ليوم الشهيد الفلسطيني الدور الموحد ذاته إذ سيضم جميع الذين استشهدوا من اجل فلسطيني بغض النظر عن زمان ومكان استشهادهم. سيوحد هذا اليوم الذين استشهدوا عام النكبة وقبل عام النكبة، سيوحد شهداء صبرا وشاتيلا مع شهداء حي الشجاعية وشهداء اكتوبر ٢٠٠٠ الثلاثة عشر. سيوحد جميع الشهداء الذين قدموا حياتهم من أجل فلسطين. تاريخ شعبنا يقدم العديد من الايام التي تصلح لاختيار احدها ليكون يوم الشهيد. لقد آن الاوان لكي نصحح خطأ تاريخيا. كم تبدو هذه الفكرة بديهة؟ حتى اكاد لا اصدق انه لا يوجد هناك حتى الان يوم يوحد قافلة الشهداء. حتى دولة اسرائيل اختارت يوما لتخليد ذكرى الذين فتلوا في حروبها.
سيكون مثل هذا اليوم يوم حداد وحزن ولكنه في الوقت نفسه سيكون ينبوعا لا ينضب من الالهام والمعنويات والفخر. لم يعد لدينا منظمة تحرير فلسطينية او مجلس وطني فلسطيني لاتخاذ مثل هذا القرار ولكن الجماهير الشعبية بتنظيماتها وافرادها قادرة على ذلك.


Wednesday, September 10, 2014

احلى ارهاب في العالم

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000012018 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000012002
احلى ارهاب في العالم
علي زبيدات – سخنين
قبل ١٣ عاما، وفي اعقاب الاحداث التي شهدتها نيويورك من تدمير لبرجي مركز التجارة العالمي، اعلنت الادارة الامريكية برئاسة جورج دبليو بوش وباجماع الكونغرس الامريكي على حزبيه الديمقراطي والجمهوري الحرب على الارهاب العالمي. وقد وصفتها وسائل الاعلام الرئيسية في الولايات المتحدة بانها الحرب العالمية الرابعة على اعتبار أن الحرب الباردة هي الحرب العالمية الثالثة تضاف إلى الحربين العالميتين الاولى والثانية المتعارف عليهما. اذا وافقنا على هذا التعريف فإن ما يميز الحرب العالمية الرابعة، أي الحرب على الارهاب العالمي، انها على عكس الحروب العالمية السابقة التي دار رحاها بين معسكرين أو حلفين يضم كل منهما عددا من الدول، تدور بين مجموعة دول وتنظيمات تم تعريفها بانها تنظيمات ارهابية. وبما انه لا يوجد هناك تعريف واحد معتمد للتنظيم الارهابي وكل دولة تحتفظ لنفسها بمعايير خاصة بها عندما تعرف أي تنظيم معارض بإنه ارهابي، دخلت هذه الحرب الى بيوت الناس وشوارعهم واحيائهم.
قبل ١٣ عاما، كان تنظيم القاعدة الذي حمل مسؤولية تفجيرات نيويورك هو التنظيم الارهابي الرئيسي، على الاقل في أعين الولايات المتحدة الامريكية هذا بغض النظر عن الدور الامريكي في بناء، تدريب وتسليح هذا التنظيم واستخدامه في آخر معارك الحرب الباردة في الافغانستان. بادرت الادارة الامريكية بتشكيل حلف دولي كانت بدايته في مجلس الامن التابع للامم المتحدة وانتقل الى حلف شمال الاطلسي الذي شن حربا لاحتلال افغانستان بحجة معاقبة القاعدة وحليفتها حركة طالبان الحاكمة في ذلك البلد. وقد ظن هذا التحالف بان الحرب ضد القاعدة والطالبان لن تستغرق سوى قترة قصيرة ولكنها بعد ١٣ سنة ما زالت على اشدها، بل حتى في بدايتها. قفد تحولت المعركة إلى حرب اهلية ضد الحكومة العميلة من جهة والى حرب تحرير شعبية ضد الاحتلال الاجنبي من جهة اخرى، وتخطت تبعاتها الحدود الجغرافية لافغانستان لتصل الى الدول المجاورة وخصوصا إلى باكستان. ولم يكتف هذا التحالف باحتلال افغانستان ولم يستوعب دروس تورطه فيها فقام بغزو العراق واحتلاله بناء على اكاذيب وافتراءات حول اسلحة الدمار الشامل، ولكنه لم يستطيع التستر على الاسباب الحقيقية وهي احكام القبضة على مصادر النفط من جهة والحفاظ على امن اسرائيل من جهة اخرى. هنا ايضا حاول هذا التحالف تطبيق سيناريو افغانستان على العراق، فبعد الاحتلال أقام حكومة من العملاء الفاسدين لتأمين مصالحه بعد مغادرة البلد، وبهذا فتح الطريق لحرب اهلية من جهة ولحرب تحرير وطني ضد الاحتلال الامريكي من جهة اخرى. الحرب التي كان مخطط لها ان تحسم في أقصر وقت نراها بعد احد عشر عاما ما زالت في اوجها لا بل في بداياتها، وهنا ايضا تخطت الحرب الحدود الجغرافية للعراق وتمتد باشكال مختلفة الى باقي دول المنطقة.
في الذكرى الثالثة عشر لاحداث نيويورك، يعود باراك اوباما الذي وعد المواطن الامريكي بانهاء ما يسمى بالحرب على الارهاب وخصوصا في افغانستان والعراق والتركيز على معالجة القضايا الداخلية، الى مجلس الامن الذي ما زال اداة في يد امريكا لاستصدار قرار يخوله ضرب "الارهاب" ومعاقبة كل من يموله ويزوده بالسلاح. بناء على هذا القرار كان من الاحرى ومن المنطقي أن يبدأ اوباما بضرب ومعاقبة نفسه لانه اكثر من مول الارهاب وزوده بالسلاح. من ثم توجه الى الحلف الاطلسي الذي ابدى عشرة من اعضائه الانضمام بشكل فعال لحلف جديد لمحاربة الارهاب بما فيه ارسال الجنود، واصبح هذا الحلف يضم ٤٠ دولة. وسينضم اليه المزيد من الدول وخصوصا من الدول العربية بعد لقاء الفمة المزمع عقده في هذه الاثناء في جدة والذي يضم الى جانب جون كيري قادة السعودية ودول الخليج ومصر وتركيا. ومن المؤكد ان ينضم اليه المزيد من الدول بشكل سري. المهمة الطافية على السطح لهذا الحلف هو ضرب تنظيم داعش الارهابي الذي يهدد الاستقرار في المنطقة والسلام العالمي، ولكن مهمته الحقيقية لا تختلف عن مهام التحالفات السابقة: احكام القبضة الغربية على ثروات المنطقة النفطية وتوفير الامن للدولة العبرية.
قد يلافي حلف اوباما الجديد نجاحا ملحوظا في المنطقة خصوصا وان لكل نظام "داعشه" الخاص. فالسيسي يحارب ارهاب الاخوان المسلمين في مصر، اسرائيل تحارب ارهاب حماس والجهاد في غزة، العراق يحارب ارهاب الدولة الاسلامية والنظام السوري يحارب داعش والنصرة وغيرها من التنطيمات الارهابية. يبقى هناك بعض العقبات البسيطة التي يأمل املتحالفون التغلب عليها بسهولة وبسرعة مثل تحديد الادوار وتغيير اماكن بعض الفرقاء. فالنظام السوري الذي اتهم امريكا بتزعم حرب كونية ضده يستجدي الان من أجل قبوله عضوا في هذا الحلف. السعودية ودول الخليج التي دعمت بشكل او بآخر التنظيمات الارهابية تبحث عن وسيلة للتنصل منها مقابل تأمين نظام حكمها. ايجاد صيغة لقبول ايران داخل الحلف وفي الوقت نقسه ابقائها في الخارج. نوري المالكي قبل سقوطه بأيام (مع استمرار نظامه) يدعو الى شن حرب عالمية على الارهاب يقودها النظام العراقي.
الحرب سوف تستمر وتصبح اكثر شراسة إذا لم يطرأ تغيير جذري على تعريف الارهاب بحيث يبدأ بتعريف الدولة الارهابية قبل تعريف التنظيم الارهابي. امريكا في سياستها الخارجية أشد ارهابا من القاعدة ومن كافة التنظيمات التي صنفتها ارهابية. ارهاب حكم العسكر بقيادة السيسي في مصر يقوف بدرجات ارهاب الاخوان المسلمين. اسرائيل هي الارهاب بحذافيره مجسدا في دولة، وهكذا في باقي الدول.
الشعوب التي تناضل من اجل حريتها واستقلالها هي وحدها القادرة على تحويل الارهاب إلى ثورة.

Wednesday, September 03, 2014

اليسار العربي المغترب

 
اليسار العربي المغترب
على زبيدات – سخنين
لدي على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) صديقة من تونس تعرف نفسها بانها ناشطة يسارية. وبما ان تونس مقدمة على انتخابات تشريعية الشهر القادم وانتحابات رئاسية في الشهر الذي يليه، وبما انني من المهتمين بما يجري في العالم العربي وخصوصا فيما يتعلق بأخبار اليسار، سألت عن اوضاع اليسار في تونس وعن دوره في الانتخابات القادمة. لم اقتنع باجاباتها الصارمة بأن قوى اليسار الرئيسية التي تجمعت في قائمة واحدة باسم الجبهة الشعبية سوف تحقق فوزا يمكنها من تفيير الحكومة الحالية التي تسيطر عليها حركة النهضة. وعدم اقتناعي نابع بالاساس من المعلومات الواردة من وسائل الاعلام الرئيسية التي تؤكد ان حركة النهضة والاحزاب الليبرالية واليمينية المختلفة هي التي سوف تفوز بهذه الانتخابات. فقررت ان انفض عن كاهلي غبار الكسل والقي نظرة مباشرة على الانتخابات التونسية، فمن يدري؟ ربما بالفعل الوضع كذلك وربما تغيرت من قناعاتي ليس فقط تجاه اليسار التونسي بل تجاه اليسار العربي على طول وعرض الوطن العربي. اعترف مسبقا ان قناعاتي مبنية على مبدأ يقول: كل تنظيم يساري يحاول تغيير الواقع في البلدان العربية عن طريق الانتخابات التشريعية (او الرئاسية) يجب وضع علامة استفهام امام يساريته.
تضم الجبهة الشعبية التونسية اكثر من عشرة احزاب وتنظيمات يسارية هذا بالاضافة إلى العديد من التنظيمات القومية والشخصيات المستقلة. ووجدت تنظيمات اخرى عديدة لم تنضم للجبهة الشعبية وقضلت اقامة تحالفات اخرى او تبقى منفردة. فهناك التكتل الديمقراطي من اجل والحريات وهناك المسار الديمقراطي الاجتماعي. لم أستطع احصاء التنظيمات اليسارية من بين الثمانين قائمة التي تنوي المشاركة في الانتخابات. المركب الرئيسي في الجبهة الشعبية هو حزب العمال العريق، الذي كان يسمى رسميا قبل فترة وجيزة بالحزب العمال الشيوعي، ولكنه اتبع الموضة واستغنى أو ضحى بكلمة الشيوعي لعله يكسب بعض اصوات الليبراليين. (في الانتخابات السابقة حصل الحزب على ١.٧٥٪ من الاصوات). حسب رأيي وضع هذا اليسار (بكل اشكاله وتسمياته) هو نتيجة مباشرة لتاريخه السابق. فاذا قبلنا النظرية الرائجة في علم النفس بان سنوات الطفولة المبكرة هي التي تحدد من حيث الاساس الشخصية عند الكبر، فان هذه النظرية سارية المفعول بالنسبة لليسار في تونس وفي باقي الدول. تم تأسيس الحزب الشيوعي التونسي في بداية سنوات العشرين من القرن الماضي كامتداد للحزب الشيوعي الفرنسي. ورفع اسوة بهذا الحزب شعار الاتحاد الفرنسي الذي يعني عمليا رقض الاستقلال الوطني. وبالرغم من ان الاحزاب التونسية التي طالبت بالاستقلال رفضت النضال الثوري ضد الاستعمار وسعت للحصول على صفقة تمنحها استقلالا شكليا وتحافظ على التبعية ونجحت في ذلك، الا ان الحزب الشيوعي التونسي اصر على الاتحاد الفرنسي حتى اللحظة الاخيرة. بعد الاستقلال (الشكلي) قام الحزب بنقد ذاتي لمواقفه السابقة ولكن الوقت كان متأخرا ولم يجديه ذلك نفعا وكانت النتيجة عكسية حيث بدأت الانشقاقات التي لم تنته حتى اليوم. بحثت عن بيانات صادرة عن الجبهة الشعبية التونسية تشرح برنامجها الانتخابي للجماهير التونسية فوجدت أن معظم البيانات مكتوبة باللغة الفرنسية، هذا بعد حوالي ستين سنة من الاستقلال. باختصار شديد: اليسار التونسي فشل بالتخلص من نخبويته واغترابه فما الغرابة في ان تكتسح الحركات الاسلامية وحتى فلول النظام السابق الساحة؟
هذه الصفة النخبوية-الاغترابية تكاد ان تكون مشتركة بشكل او بآخر، بهذه الدرجة او تلك، مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة التاريخية والسياسية لجميع التنظيمات اليسارية وخصوصا ذات الجذور الشيوعية. في الجزائر تماما كما في تونس، كان الحزب الشيوعي الجزائري امتدادا للحزب الشيوعي الفرنسي، عارض التحرير الوطني الجزائري حتى بعدما اختار الشعب الجزائري، على خلاف الشعب التونسي، خوض الكفاح المسلح لطرد المستعمرين الفرنسيين. تمرد بعض الشيوعيين الجزائريين على قياداتهم الحزبية والانضمام للثوار لم يغير هذه الصورة كثيرا، وما زال اليسار الجزائري يرزح تحت ارثه الثقيل ويعاني من الاغتراب والنخبوية.
وضع اليسار في المشرق العربي لا يقل مأساوية بل هو في كثير من الحالات يفوقه مأساوية بدرجات. استطاع الحزب الشيوعي العراقي الذي تأسس عام ١٩٣٤ أن يبني له قاعدة شعبية واسعة وقوية في كافة ارجاء العراق وخصوصا تحت قيادة يوسف سلمان يوسف (فهد). الا ان السياسة التي فرضتها الكومنتيرن (الاممية الشيوعية) باخضاع الاحزاب الشيوعية لهيمنتها واجبارها الدخول في تحالفات مع قوى رجعية قد دمرت الحزب وكان الرفيق فهد اول ضحايا هذه السياسة فقد اعدمته حكومة نوري السعيد العميلة عام ١٩٤٩. لم يتعلم الحزب الدرس ففي ثورة عام ١٩٥٨ التي اطاحت بالملكية، دعم الحزب بدون تحفظ عبد الكريم قاسم الذي قام فور استلامه للحكم بقتل الشيوعيين الذين دعموه، وتكرر الخطأ عام ١٩٦٣ بدعم حزب البعث الذي صفى حالما استلم الحكم اكثر من ٥٠٠٠ شيوعي، وبعد أن فقد حزب البعث الحكم وعاد من جديد عام ١٩٦٨ دخل الحزب الشيوعي العراقي ما يسمى بالجبهة الوطنية ولكن عمليات التصفية لم تتوقف حتى تم حذر الحزب نهائيا عام ١٩٩٣. بعد ذلك رحب قسم من قيادة الحزب الشيوعي العراقي بالغزو الامريكي وانخرط بالعملية السياسية في ظل الاحتلال. وهكذا طويت اسطورة الحزب الشيوعي العراقي.
اسطورة اخرى سقطت اذكرها بعجالة لضيق المجال: الحزب الاشتراكي اليمني الذي قاد النضال لتحرير اليمن الجنوبي من الاستعمار. بعد الاستقلال تمت الاطاحة بالرئيس الاول قحطان الشعبي فقلنا سقط الجناح اليميني وتعمقت الثورة، وقتل الرئيس التالي سالم ربيع علي قفلنا سقط الجناح الانتهازي وجاء عبدالفتاح اسماعيل رجل الاتحاد السوفييتي ممثلا للارثوذكسية اليسارية، الذي سرعان ما اسقط وحل محله على ناصر الذي طرد بدوره ومن ثم جاء حيدر ابو بكر الغطاس الذي قدم البلد الاشتراكي العربي الوحيد هدية لقبائل الشمال.
النكتة التي تداولناها لفترة طويلة هنا: اذا امطرت في موسكو رفع الحزب الشيوعي الاسرائيلي المظلات في تل ابيب قيلت في الحقيقة عن الحزب الشيوعي السوري وزعيمه خالد بقداش وهي تنطبق على كافة الاحزاب العربية الرسمية ولم تتخلص منها بالرغم من كل تحولاتها وانشقاقاتها وبالرغم من توقف المطر السوفييتي في موسكو. الاغتراب والنخبوية لم تقفزا عن اليسار الفلسطيني ممثلا بالجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وغيرها من الاطر التي تصف نفسها باليسارية وعن شخصيات يسارية مستقلة، ولكن هذا موضوع آخر قائم بذاته.