اليسار
العربي المغترب
على
زبيدات – سخنين
لدي
على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)
صديقة من تونس تعرف
نفسها بانها ناشطة يسارية.
وبما ان تونس مقدمة
على انتخابات تشريعية الشهر القادم
وانتحابات رئاسية في الشهر الذي يليه،
وبما انني من المهتمين بما يجري في العالم
العربي وخصوصا فيما يتعلق بأخبار اليسار،
سألت عن اوضاع اليسار في تونس وعن دوره
في الانتخابات القادمة.
لم اقتنع باجاباتها
الصارمة بأن قوى اليسار الرئيسية التي
تجمعت في قائمة واحدة باسم الجبهة الشعبية
سوف تحقق فوزا يمكنها من تفيير الحكومة
الحالية التي تسيطر عليها حركة النهضة.
وعدم اقتناعي نابع
بالاساس من المعلومات الواردة من وسائل
الاعلام الرئيسية التي تؤكد ان حركة
النهضة والاحزاب الليبرالية واليمينية
المختلفة هي التي سوف تفوز بهذه الانتخابات.
فقررت ان انفض عن
كاهلي غبار الكسل والقي نظرة مباشرة على
الانتخابات التونسية، فمن يدري؟ ربما
بالفعل الوضع كذلك وربما تغيرت من قناعاتي
ليس فقط تجاه اليسار التونسي بل تجاه
اليسار العربي على طول وعرض الوطن العربي.
اعترف مسبقا ان
قناعاتي مبنية على مبدأ يقول:
كل تنظيم يساري
يحاول تغيير الواقع في البلدان العربية
عن طريق الانتخابات التشريعية (او
الرئاسية) يجب
وضع علامة استفهام امام يساريته.
تضم
الجبهة الشعبية التونسية اكثر من عشرة
احزاب وتنظيمات يسارية هذا بالاضافة إلى
العديد من التنظيمات القومية والشخصيات
المستقلة. ووجدت
تنظيمات اخرى عديدة لم تنضم للجبهة الشعبية
وقضلت اقامة تحالفات اخرى او تبقى منفردة.
فهناك التكتل
الديمقراطي من اجل والحريات وهناك المسار
الديمقراطي الاجتماعي.
لم أستطع احصاء
التنظيمات اليسارية من بين الثمانين
قائمة التي تنوي المشاركة في الانتخابات.
المركب الرئيسي
في الجبهة الشعبية هو حزب العمال العريق،
الذي كان يسمى رسميا قبل فترة وجيزة بالحزب
العمال الشيوعي، ولكنه اتبع الموضة
واستغنى أو ضحى بكلمة الشيوعي لعله يكسب
بعض اصوات الليبراليين.
(في الانتخابات
السابقة حصل الحزب على ١.٧٥٪
من الاصوات). حسب
رأيي وضع هذا اليسار (بكل
اشكاله وتسمياته) هو
نتيجة مباشرة لتاريخه السابق.
فاذا قبلنا النظرية
الرائجة في علم النفس بان سنوات الطفولة
المبكرة هي التي تحدد من حيث الاساس
الشخصية عند الكبر، فان هذه النظرية سارية
المفعول بالنسبة لليسار في تونس وفي باقي
الدول. تم
تأسيس الحزب الشيوعي التونسي في بداية
سنوات العشرين من القرن الماضي كامتداد
للحزب الشيوعي الفرنسي.
ورفع اسوة بهذا
الحزب شعار الاتحاد الفرنسي الذي يعني
عمليا رقض الاستقلال الوطني.
وبالرغم من ان
الاحزاب التونسية التي طالبت بالاستقلال
رفضت النضال الثوري ضد الاستعمار وسعت
للحصول على صفقة تمنحها استقلالا شكليا
وتحافظ على التبعية ونجحت في ذلك، الا ان
الحزب الشيوعي التونسي اصر على الاتحاد
الفرنسي حتى اللحظة الاخيرة.
بعد الاستقلال
(الشكلي)
قام الحزب بنقد
ذاتي لمواقفه السابقة ولكن الوقت كان
متأخرا ولم يجديه ذلك نفعا وكانت النتيجة
عكسية حيث بدأت الانشقاقات التي لم تنته
حتى اليوم. بحثت
عن بيانات صادرة عن الجبهة الشعبية
التونسية تشرح برنامجها الانتخابي
للجماهير التونسية فوجدت أن معظم البيانات
مكتوبة باللغة الفرنسية، هذا بعد حوالي
ستين سنة من الاستقلال.
باختصار شديد:
اليسار التونسي
فشل بالتخلص من نخبويته واغترابه فما
الغرابة في ان تكتسح الحركات الاسلامية
وحتى فلول النظام السابق الساحة؟
هذه
الصفة النخبوية-الاغترابية
تكاد ان تكون مشتركة بشكل او بآخر، بهذه
الدرجة او تلك، مع الاخذ بعين الاعتبار
الظروف الخاصة التاريخية والسياسية لجميع
التنظيمات اليسارية وخصوصا ذات الجذور
الشيوعية. في
الجزائر تماما كما في تونس، كان الحزب
الشيوعي الجزائري امتدادا للحزب الشيوعي
الفرنسي، عارض التحرير الوطني الجزائري
حتى بعدما اختار الشعب الجزائري، على
خلاف الشعب التونسي، خوض الكفاح المسلح
لطرد المستعمرين الفرنسيين.
تمرد بعض الشيوعيين
الجزائريين على قياداتهم الحزبية والانضمام
للثوار لم يغير هذه الصورة كثيرا، وما
زال اليسار الجزائري يرزح تحت ارثه الثقيل
ويعاني من الاغتراب والنخبوية.
وضع
اليسار في المشرق العربي لا يقل مأساوية
بل هو في كثير من الحالات يفوقه مأساوية
بدرجات. استطاع
الحزب الشيوعي العراقي الذي تأسس عام
١٩٣٤ أن يبني له قاعدة شعبية واسعة وقوية
في كافة ارجاء العراق وخصوصا تحت قيادة
يوسف سلمان يوسف (فهد).
الا ان السياسة
التي فرضتها الكومنتيرن (الاممية
الشيوعية) باخضاع
الاحزاب الشيوعية لهيمنتها واجبارها
الدخول في تحالفات مع قوى رجعية قد دمرت
الحزب وكان الرفيق فهد اول ضحايا هذه
السياسة فقد اعدمته حكومة نوري السعيد
العميلة عام ١٩٤٩. لم
يتعلم الحزب الدرس ففي ثورة عام ١٩٥٨ التي
اطاحت بالملكية، دعم الحزب بدون تحفظ عبد
الكريم قاسم الذي قام فور استلامه للحكم
بقتل الشيوعيين الذين دعموه، وتكرر الخطأ
عام ١٩٦٣ بدعم حزب البعث الذي صفى حالما
استلم الحكم اكثر من ٥٠٠٠ شيوعي، وبعد أن
فقد حزب البعث الحكم وعاد من جديد عام
١٩٦٨ دخل الحزب الشيوعي العراقي ما يسمى
بالجبهة الوطنية ولكن عمليات التصفية لم
تتوقف حتى تم حذر الحزب نهائيا عام ١٩٩٣.
بعد ذلك رحب قسم
من قيادة الحزب الشيوعي العراقي بالغزو
الامريكي وانخرط بالعملية السياسية في
ظل الاحتلال. وهكذا
طويت اسطورة الحزب الشيوعي العراقي.
اسطورة
اخرى سقطت اذكرها بعجالة لضيق المجال:
الحزب الاشتراكي
اليمني الذي قاد النضال لتحرير اليمن
الجنوبي من الاستعمار.
بعد الاستقلال تمت
الاطاحة بالرئيس الاول قحطان الشعبي
فقلنا سقط الجناح اليميني وتعمقت الثورة،
وقتل الرئيس التالي سالم ربيع علي قفلنا
سقط الجناح الانتهازي وجاء عبدالفتاح
اسماعيل رجل الاتحاد السوفييتي ممثلا
للارثوذكسية اليسارية، الذي سرعان ما
اسقط وحل محله على ناصر الذي طرد بدوره
ومن ثم جاء حيدر ابو بكر الغطاس الذي قدم
البلد الاشتراكي العربي الوحيد هدية
لقبائل الشمال.
النكتة
التي تداولناها لفترة طويلة هنا:
اذا امطرت في موسكو
رفع الحزب الشيوعي الاسرائيلي المظلات
في تل ابيب قيلت في الحقيقة عن الحزب
الشيوعي السوري وزعيمه خالد بقداش وهي
تنطبق على كافة الاحزاب العربية الرسمية
ولم تتخلص منها بالرغم من كل تحولاتها
وانشقاقاتها وبالرغم من توقف المطر
السوفييتي في موسكو.
الاغتراب والنخبوية
لم تقفزا عن اليسار الفلسطيني ممثلا
بالجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب
الشعب وغيرها من الاطر التي تصف نفسها
باليسارية وعن شخصيات يسارية مستقلة،
ولكن هذا موضوع آخر قائم بذاته.
No comments:
Post a Comment