Thursday, July 30, 2015

تأملات حول الخيانة



تأملات حول الخيانة
على زبيدات – سخنين

كتب الصحفي الانجليزي المعروف روبرت فيسك ناقدا للاتفاق الامريكي - التركي الاخير بخصوص اقامة منظقة منزوعة في شمال سوريا والذي اطلق يدي تركيا لمهاجمة الاكراد مقابل استخدام التحالف الامريكي للقواعد التركية في ضرب تنظيم داعش، قائلا: "لقد خلق الاكراد لكي تتم خيانتهم حيث قامت جميع القوى الاقليمية بخيانة الاكراد". ويفصل الكاتب الخيانات التي تعرض لها الاكراد منذ نهاية الحرب العالمية الاولى حيث وعدوا باقامة دولة خاصة فيهم بموافقة الامبراطورية العثمانية المهزومة، ولكن بعد وصول القوميين الاتراك بزعامة اتاتورك للسلطة تم التنصل من هذا الاتفاق واعاد احتلال مناطقهم المحررة بتواطؤ وسكوت الحلفاء. وعادت امريكا وحليفها في ذلك الوقت شاه ايران إلى خيانة الاكراد مرة اخرى بعد أن توصل هنري كيسنجر الى اتفاق بين الشاه وصدام حسين كان الاكراد ضحيته. وخلال حرب الخليج الاولى حرضت امريكا اكراد العراق بالتمرد ولكنها سرعان ما تخلت عنهم فيما بعد. وها هي امريكا مرة اخرى تضحي بالاكراد مقايل حفاظها على علاقاتها الاستراتيجية مع تركيا.
ما كتبه فيسك صحيح من حيث الاساس. بالمقابل، يوجد هناك شعب آخر تعرض للخيانة من جميع القوى الاقليمية وهو الشعب الفلسطيني. في هذا الموضوع وعلى مدار سنوات طويلة قضاها في بيروت وبعد العديد من الكتب والمقالات اكتفى روبرت فيسك، المختص بشؤون الشرق الاوسط، بتوجيه نقد معتدل لامريكا والدول الاوروبية لخياناتهم المتكررة للشعب الفلسطنين ودعمهم غير المشروط لدولة اسرائيل. في الحقيقة كنت وما زلت من انصار حق الشعب الكردي في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة حتى عندما كان احد طرفي الصراع عربي (العراق، سوريا) وليس فقط عندما كان طرف الصراع الآخر تركيا او ايران. فالقضية الكردية عادلة تماما مثل القضية الفلسطينية والشعب الكردي عانى من الاضطهاد واحتلال اراضيه كما عانى الشعب الفلسطيني. وكان من الطبيعي ان يتحد النضال الكردي والفلسطيني على ارضية مقاومة الاستعمار والاضطهاد القومي. ما زلت اذكر عندما كانت المقاومة الفلسطينية مناهضة للامبريالية والصهيونية كان العديد من المناضلين الاكراد يتدربون في المخيمات الفلسطينية ومنهم دخل السجون الاسرائيلية وكان مناضلو حزب العمال الكردستاني من اشد المؤيدين للقضية الفلسطينية.
غير أن الخيانة التي تكلم عنها روبرت فيسك ليست هي الخيانة التي اريد ان اتكلم عنها هنا. الخيانة الحقيقية التي تعرض لها الاكراد منذ البادية وحتى اليوم هي خيانة الاكراد لانفسهم، خيانتهم لقضيتهم ولنضالهم التحرري. امريكا ودول الحلفاء لم بخونوا الاكراد لانهم لم يكونوا في يوم من الايام مخلصين لهم. لقد كانوا وما زالوا مخلصين لمصالحهم. الخيانة الحقيقية عندما تسخر قضيتك الوطنية لخدمة مصالح الامبريالية والرجعية. لم يخن شاه ايران الاكراد لانه لم يكن في يوم من الايام صديقا حقيقيا لهم. تخلى عنهم عندما قبض الثمن الذي عرض عليه. ولكنهم خانوا انفسهم وقضيتهم عندما جعلوا من الشاه حليفا وصديقا. لم يتعلم الاكراد الدرس، فها هم يتهافتون على دولة اسرائيل وجعلوا من اراضيهم مرتعا لاوباش الموساد الاسرائيلي يعيثون بها فسادا ومنها إلى المناطق المجاورة. هذه هي الخيانة الحقيقية التي يتجاهلها فيسك وكل من يذرف دموع التماسيح على المأساة الكردية.
الامر نفسه حدث وما زال يحدث في فلسطين. لم تقم بريطانيا بخيانة الشعب الفلسطيني ليس عندما اصدرت وعد بلفور ولا عندما وقعت اتفاقية سايكس -بيكو أو عندما احتلت البلاد تحت قناع الانتداب ولا عندما جهزت الحركة الصهيونية لكي تصبح قادرة على تحقيق وعد بلفور واقامة دولتها. ربما في مرحلة معينة خانت حليفها الشريف حسين واولاده بعدما اخلفت وعدها لهم. بريطانيا لم تكن قي يوم من الايام مخلصة للشعب الفلسطيني حتى نتهمها بالخيانة. هنا ايضا الخيانة الحقيقية هي خيانة الفلسطينين لانفسهم ولقضيتهم عندما ظنوا ان بريطانيا هي الصديق المخلص. هذا ما كان الوضع عليه حتى مجيء الشيخ عزالدين القسام وقال ان بريطانيا هي العدو تماما كالحركة الصهيونية واحدث انقلابا جذريا في العقلية الفلسطينية السائدة حينذاك والتي حاولت اقناع بريطانيا بانها ستكون افضل من الحركة الصهيونية في خدمتها. واليوم الخيانة الحقيقية هو ان تستقبل طوني بلير بصفته وسيطا للسلام. لا يعقل ان تقف وتصرخ: العالم كله يخوننا، امريكا تخوننا، الاتحاد الاوروبي يخوننا، المجنمع الدولي يخوننا، وانت في الحقيقة من تخون قضيتك وتضعها على طبق من ذهب وتقديمها لكل هؤلاء المعتدين.
طبعا، عندما اتكلم عن الخيانة الكردية للقضية الكردية وعن الخيانة الفلسطينية للقضية الفلسطينية لا اقصد بذلك أن الاخلاص والتفاني قد زالا من الوجود. العكس هو الصحيح، واكبر دليل على ذلك أن القضية ما زالت حية في قلوب وضمائر معظم الشعب الفلسطيني والشعب الكردي، وان الخيانات مهما تمادت وعلا شأنها ستبقى كالاسماك النافقة التي تطفو على سطح البحر.

Wednesday, July 22, 2015

مسلسل باب المتابعة - الموسم الجديد



مسلسل باب المتابعة- الموسم الجديد
علي زبيدات – سخنين

لست من عشاق المسلسلات. ولا اذكر انني شاهدت حلقات مسلسل كاملة ولا حتى مسلسل باب الحارة في موسمه الاول عندما فرض نوعا من حذر التجول الطوعي على معظم قرانا ومدننا. عندي قناعة وقد اكون مخطئا، بأن المسلسلات التي تمتد إلى ثلاثين حلقة على الاقل (ناهيك عن المسلسلات التي تصل إلى مئات الحلقات) تستطيع من الحلقة الاولى ان تعرف ماذا يجري في باقي الحلقات مهما كانت براعة المخرج وكاتب السيناريو. في ساحتنا المحلية، التي تفتقر إلى مخرجين وكتاب سيناريو بارعين وتكتظ بممثلين يتهافتون على لعب الادوار الرديئة، يوجد هناك مسلسل اطلقت عليه اسم: مسلسل باب المتابعة. يعالج هذا المسلسل موضوع اعادة بناء لجنة المتابعة وانتخاب رئيسا لها. لست مشاركا في هذا المسلسل لا من قريب ولا من بعيد، ولا ادري ما يدور وراء الكواليس من نقاشات داخلية بين مركبات هذه اللجنة، كل معلوماتي عن هذا الموضوع مستمدة مما ينشر في الصحف والمواقع الاخبارية وهذه بدورها المصداقية آخر صفاتها. ولكن هذا المسلسل، على عكس مسلسل باب الحارة، يؤثر بشكل مباشر ويومي على مكانتنا وحياتنا ومستقبلنا في هذه البلاد لذلك لا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهله.
لست هنا بصدد الخوض في موضوع ضرورة وجود مؤسسة قيادية تمثل الجماهير لفلسطينية في شتى الميادين وما هي مهامها ودورها وعلاقاتها بالدولة ومؤسساتها من جهة وبجماهيرها من جهة اخرى وبالقضية الفلسطينية من جهة ثالثة، كل هذه المواضيع بالغة الاهمية بحد ذاتها ليست موضوع هذه المقالة.
اظن ان الموسم الجديد من اعادة بناء وانتخاب رئيس للجنة المتابعة بدأ قبل حوالي سنتين، قبيل الانتخابات البلدية الاخيرة، إلا أن وطيس الحملات الانتخابية قد اقنع مركبات اللجنة بارجاء هذا الموضوع إلى ما بعد هذه الانتخابات "المصيرية" من وجهة نظر انصارها. وهكذا بعد اجتماع او اجتماعين للمجلس المركزي تم الاتفاق على التأجيل. الحلقة التالية بدأت بعد الانتخابات البلدية مباشرة وتعثرها في الناصرة. وما حدث في الناصرة معروف للجميع حيث قررت اللجنة في نهاية المطاف مرة اخرى تأجيل البت في الموضوع حتى تحل مشكلة الناصرة. بعد اعادة الانتخابات البلدية في الناصرة وما تمخضت عنه من نتائج مأساوية لبعض الاطراف، بدا وكأنه لم يعد هناك عائق لانتخاب رئيس للجنة المتابعة لعل وعسى ان تخرج من مأزقها وتباشر القيام بمهامها، ولكن مماطلة المركبات الاساسية لم تنته مما حدا بالرئيس التوافقي الاعلان عن استقالته النهائية (وكأنه كان نافذ الكلمة قبل ذلك). امام هذا الوضع اجبر ما تبقى من لجنة المتابعة ان يعلن عن حلقة جديدة لحل مسألة انتخاب الرئيس وتفعيل اللجان المنبثقة عنها وغيرها من الامور. وقد بدت الامور للوهلة الاولى بأن هذه المرة كافة الاطراف معنية بايجاد مخرج، وتم الاتفاق على معظم النقاط، هذا ما نشر في وسائل الاعلام على الاقل. وهنا ومن غير موعد جاءت انتخابات الكنيست الاسرائيلي، وبالنسبة للاحزاب العربية معركة الكنيست لها الافضلية خصوصا بعد التطورات على الساحة الحزبية وتشكيل القائمة المشتركة. مرة اخرى تنتهي هذه الحلقة بالتأجيل المعهود.
في الفترة الاخيرة، اجتمع المجلس المركزي للجنة المتابعة معلنا افتتاح الموسم الجديد من مسلسل باب المتابعة واعدا بمفاجآت غير مسبوقة منها تحديد تاريخ لانتخاب رئيس اللجنة وهو ٢٩/٨/٢٠١٥ ، بالاضافة الى فتح باب الترشيح على مصراعيه، وبما أن الدستور والنظام الداخلى لم يتطرقا لمرشحين من خارج المجلس المركزي، فعلى مثل هذا المرشح أن يحصل على تزكية من مركبين على الاقل من المجلس، وعلى جميع الطلبات ان ترسل الى رئيس لجنة الانتخابات النائب مسعود غنايم أو إلى العنصر الثابت في لجنة المتابعة، مدير مكتب اللجنة القطرية عبد عنبتاوي. وكم سعدت عند سماعي بوجود دستور ونظام داخلي للجنة المتابعة فأوقفت الكتابة للحظة لابحث عن هذا الدستور وعن هذا النظام الداخلي ولكن يبدو ان السيد غوغل لم تصله المعلومات بعد، حيث وجدت الاف الداستير والانظمة الداخلية ولكني لم اجد دستور لجنة المتابعةونظامها الداخلي. ومما زاد عجبي: كيف يمكن لدستور أو لنظام داخلي ان يتجاهلا قضية اساسية بكل جوانبها وتفاصيلها كمسألة انتخاب الرئيس. بالاضافة الى هذه النقطة المثيرة في المسلسل يوجد هناك نقاط عديدة لا تقل اثارة، مثلا: على المرشحين ان يقدموا ترشيحهم خلال ٢٠ يوم ويبقى اسبوع واحد حتى انتخاب الرئيس المحظوظ. ومن المرشحين الذين تداولت اسمائهم وسائل الاعلام، لا ادري اذا كان على حركة ابناء البلد ان تفرح ام تحزن فثلاثة من المرشحين انتموا اليها في مرحلة معينة من حياتهم السياسية ولكنهم تركوها وهم: عوض عبدالفتاح عن التجمع وعبدالحكيم مفيد عن الحركة الاسلامية الشمالية ومحمد ابو ريا كمستقل. وهذا ليس كل شيء: حيث يوجد هناك مصطلحات جديدة قد تدرس مستقبلا في ارقى الجامعات في كليات السياسة وعلم الاجتماع. مثلا: انتخاب رئيس بالتوافق، اظن أن مثل هذه النظرية لم تخطر حتى على بال مكيافيلي. او انتخاب الرئيس بصورة ديمقراطية من قبل المجلس المركزي الذي يتكون من ٥٤ عضوا وبثلثي اعضائه. او التناوب الديمقراطي للاحزاب السياسية الاربعة على الرئاسة. هل شاهدتم مسلسلا اكثر رداءة من هذا المسلسل؟ نصيحتي؟ اغلقوا التلفزيونات.

Wednesday, July 15, 2015

عندما اصبح العرب "كيس ملاكمة"



عندما اصبح العرب "كيس ملاكمة"

علي زبيدات – سخنين

في الديمقراطية لاسرائيلية هناك معادلة واضحة جدا: اذا اردت كسب اصوات اليهود فما عليك الا تصعيد العداء للفلسطينيين والعرب. هذه المعادلة لم يخترعها بنيامين نتنياهو بل وجدت قبله وستبقى بعده. ولكن مساهمة نتنياهو في الانتخابات الاخيرة انه خطا بها خطوة كبيرة للامام بتصريحه الشهير حول تهافت الفلسطينيين على صناديق الانتخابات. لا يوجد هناك حتى سياسي اسرائيلي واحد لم يدل بدلوه في هذا الموضوع في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة كل واحد على طريقته وباسلوبه الخاص. اصبحت دعوات ليبرمان للترانسفير وتبادل الاراضي واشتراط المواطنة بالولاء للدولة اليهودية امرا طبيعيا ومقبولا على التيار الصهيوني المركزي بل تعتبر الان دعوة طبيعية ومعتدلة. المعسكر الصهيوني "المعتدل" وال"يساري" والذي يطلق عليه البعض "معسكر السلام" يهاجم نتنياهو من اليمين ويتهمه بان سياسته التي فشلت بالوصول الى اتفاقية مع الفلسطينيين سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى دولة ثنائية القومية وهذا يعني نهاية الحلم الصهيوني بوجود دولة يهودية ذات أغلبية سكانية يهودية مطلقة. هذا المعسكر" اليساري" يلعب اليوم دور المنظر الرئيسي للدفاع عن نظام الابرتهايد الاسرائيلي.
طبعا لا يكتفي السياسيون الاسرائيليون من اجل كسب الاصوات اليهودية بتسديد لكماتهم للفلسطينيين بل للعرب اجمع. فهؤلاء الساسة متفقون على ضرورة تمزيق العالم العربي وتحريض طرف على الطرف الاخر واثارة الحروبات والفتن وتقديم شتى انواع الدعم للاطراف المتنازعة لكي تستمر في صراعاتها بعيدا عن السساحة الاسرائيلية.
هكذا اصبح الفلسطينيون بشكل خاص والعرب بشكل عام مجرد" كيس ملاكمة" لتدريب الاسرائيليين. ومن صفات هذا الكيس انه يستوعب ويمتص الضربات ليس إلا. فهو لا يستطيع الرد او الرفض او حتى الاحتجاج. وهو يستحق المديح فقط في حالة قدرته ونجاعته في امتصاص الضربات مهما كانت قوية ومؤلمة. فالسلطة الفلسطينية تبقى مقبولة طالما تنسق امنيا مع الاحتلال، وتعود للمفاوضات من اول وجديد حالما فشل الجولة السابقة عليهاا، وطالما رفضها للاستيطان يبقى لفظيا ومقاومتها للاحتلال تبقى على صعيد الشعار لا غير.
ليست اسرائيل، الدولة "الديمقراطية" هي الوحيدة التي تستعمل الفلسطينيين والعرب ككيس ملاكمة، هناك ديمقراطية اخرى اكثر رقيا وعراقة تعلمت منها وهي الولايات المتحدة الامريكية. مرشحو الرئاسة الامريكية، ديمقراطيين كانوا ام جمهوريين، معروفين ام مغمورين، جديين ام هزليين، اذا ارادوا كسب الاصوات اليهودية الامريكية فما عليهم الا ان يكثقوا من تسديد اللكمات لكيس الملاكمة الفلسطيني- العربي. هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية الاكثر حظا تتفوق في ذلك، فمنذ ان اعلنت ترشيحها رسميا وهي تتحفنا بمثل هذه اللكمات. فوعدت بشن حرب لا هوادة فيها على كل من تسول له نفسه بمقاطعة اسرائيل او الدعوة الى مقاطعتها أ، اتهامها بالتمييز العنصري حتى ولو كلن من حلفائها. وتعد بان تكون ادارتها افضل من الادارة الحالية بكل ما من شأنه خدمة دولة اسرائيل. وكان تصريحها الاخير بأنها سوف تدعم الحرب القادمة على غزة حتى ولو سقط ٢٠٠٠٠٠ شهيد.
بنيامين نتنياهو وهيلاري كلينتون وجهان لعملة واحدة، يسعيان ليس فقط لكسب الاصوات بل ايضا لكسب الاموال من خلال اتقان مهنة الدعارة السياسية وهي على فكرة اقدم مهنة في التاريخ وقد سبقت الدعارة الجنسية بقرون طويلة. ليس سرا وليس من باب الصدقة ان معظم تصريحات كلينتون المذكورة قد صدرت في حضرة المانحين من اصحاب الملايين. في اسرائيل كما في الولايات المتحدة، من يبذر اموالا اكثر على حملته الانتخابية يكون صاحب الحظ الاوفر للفوز باللعبة "الديمقراطية. حتى هذه اللحظة، يقوم كيس" الملاكمة العربي" بوظيفته الامتصاصية على افضل وجه بالرغم من انه محشي بالدولارات. ولكنه لا يستعمل هذه الحشوة للتخفيف من وقع الضربات النازلة عليه من كل حدب وصوب. الكل يعرف ان العاهرة السياسية من امثال هيلاري كلنتون سوف تذهب مع كل من يزيد بالسعر. على سبيل المثال: لو دفع لها الوليد بن طلال اكثر بقليل مما دفعه الصهيوني حاييم صبان لربما كانت قد لطفت من تصريحاتها بعض الشيء.
هذا الواقع سوف يتغير جذريا عندما فقط عندما يعتزل الفلسطينيون والعرب مهنة "كيس الملاكمة" ويحترفون مهنة فن الملاكمة.

Wednesday, July 08, 2015

سينا يا سينا بسم الله بسم الله



سينا يا سينا بسم الله بسم الله

علي زبيدات – سخنين

هل ما زال هناك احد يذكر هذه الاغنية الوطنية وهي تصدح وتلهب حماس الملايين في الايام الاولى من حرب تشرين ١٩٧٣ ونحن نتابع انباء عبور الجيش المصري لقناة السويس متجها لتحرير سيناء من الاحتلال الاسرائيلي؟ لحن هذه الاغنية وكلماتها البسيطة ما زالت ترن في اذني كلما قرأت عن الحرب على "الارهاب" التي يدور رحاها هذه الايام في ارجاء سيناء. شتان ما بين تلك الايام وما يدور حاليا من احداث. ومن اجل تنشيط ذاكرتنا الجمعية فقط: هل ما زال أحد يذكر اسم: منظمة سيناء العربية التي حملت لواء المقاومة للاحتلال الاسرائيلي بعد نكسة حزيران ١٩٦٧؟ نعم، بعد تلك الهزيمة النكراء، بينما كان العالم العربي مذهولا ومصدوما من هول الهزيمة، كانت العشائر العربية في سيناء متحدة في رفض ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي من خلال تنفيذ عمليات مقاومة نوعية ضد الجيش الغازي، وتناغمت هذه المقاومة فيما بعد مع حرب الاستنزاف التي شنها الجيش المصري بقيادة جمال عبد الناصر رافضين القبول بنتائج النكسة، وبقيت هذا المقاومة حية حتى لحظة عبور الجيش المصري إلى سيناء. ولكن وعلى عكس منطق التاريخ، انتصرت السياسة الرجعية التي تبناها الرئيس المصري اور السادات وزمرته مرة اخرى على المقاومة وتحولت سيناء من شبه جزيرة مقاومة، توحد كافة عشائرها وتحلم بمستقبل مشرق كجزء لا يتجزأ من الارض المصرية والشعب المصري إلى شبه جزيرة مهملة يسودها الفقر، حتى اصبحت مرتعا لتجار ومهربي المخدرات ومنتجعا لاثرياء النفط. وفي النهاية تحولت صرخات "الله اكبر بسم الله بسم الله" من هتافات في وجه العدو إلى هتافات تستقبل قطع اعناق المواطنين.
لا اظن ان جورج بوش وبعد رحيله عن المسرح السياسي كان يتوقع بأن تحقق "الحرب العالمية على الارهاب" التي شنها ستحقق كل هذه النجاحات. في السنوات الاولى قلنا انه قد ورط بلاده في حرب مدمرة في افغانستان والعراق، مدمرة ليس فقط بحق هاتين الدولتين بل في الاساس للولايات المتحدة الامريكية نفسها التي دخلت في ازمة اقتصادية خانقة لم تخرج منها حتى الان. ولكن يبدو ان الادارة الحالية فد تعلمت الدرس، فبدلا من أن تستمر في خوض هذه الحرب مباشرة فامت بتصديرها للعالم العربي الذي يديرها الان ويخوضها بالنيابة عنها. اى نظام عربي لم يدمغ معارضيه بالارهاب؟ وأي معارضة عربية لم تتهم ليس انظمتها فحسب بل المعارضات الاخرى ايضا بالارهاب؟ وهكذا اصبحنا جميعا، شعوبا وانظمة، ارهابيين. ومع الارهابيين لا يوجد طبعا حل وسط ولا يوجد مزح بل هناك نحر حتى العنق الاخير.
عندما اعلنت امريكا وحلفاؤها عن تشكيل جبهة مشتركة لمحاربة تنظيم داعش الارهابي بشرتنا بان هذه الحرب سوف تستمر لسنوات طويلة. اذ لا يكفي تدمير العراق وسوريا لمرة واحدة بل يجب ضمان ان تبقى مدمرة لسنوات طويلة قادمة. وها هي الدعاية الاسرائيلية تبشرنا بأن الحرب بين الجيش المصري والتنظيمات الارهابية في سيناء سوف تستمر هي الاخرى لسنوات طويلة وتقوم كعادتها بالتحريض واثارة النزاعات والحروب. فها هو المنسق الامني في الجيش الاسرائيلي الجنرال بولي مردخاي ومن على منبر قناة الجزيرة يتهم حماس بدعم وتقديم المساعدة لتنظيم داعش في سيناء بمحاولة مفضوحة لتحريض الجيش المصري بالتدخل عسكريا في غزة. كنا نتمنى ان تكون السيادة المصرية في سيناء كاملة الامر الذي حرمت منه بموجب اتفاقيات كامب ديفيد. وها هي الطائرات المقاتلة المصرية وطائرات الاباتشي والدبابات تعود إلى سيناء ولكن ليس لممارسة السيادة الوطنية عليها بل لقصف السكان المدنيين بحجة ملاحقة الجماعات الارهابية. التعتيم الاعلامي الذي تفرضه السلطات المصرية سوف يزول عاجلا ام آجلا وسوف يتبين من كان الضحايا الحقيقيين لهذه الحرب القذرة: الجماعات الارهابية ام المدنيين من ابناء سيناء المصريين؟.
تصادف المعارك الدائرة في سيناء مرور سنة على الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة. وربما كان احد اهداف الحرب في سيناء تحويل انظار العالم عما يجري في غزة. فتقرير الامم المتحدة حول جرائم الحرب التي اقترفتها اسرائيل مر مرور الكرام، الحصار يزداد حصارا بعد ضم الجهود المصرية لاحكامه، الدمار الذي خلفته الحرب اصبح امرا عاديا. هل ما زال احد يذكر او يصدق الاحتفالات بالنصر؟
كنا نردد دائما وما زلنا نردد: اشتدي ازمة تنفرجي. يبدو أن أزمة الشعوب العربية لم تشتد بعد إلى درجة الانفراج. فلتحارب الانظمة معارضيها حتى الرمق الاخير ولتتناحر قوى المعارضة كما يطيب لها. فإن سقوطها قد اصبح وشيكا وعندها سوف ينطلق طائر الفينيق العربي من الرماد محلقا في السماء.

Wednesday, July 01, 2015

انواع من السفر واللجوء



اانواع من السفر واللجوء
علي زبيدات – سخنين
السفر جيد وجميل ولكن العودة إلى ارض الوطن افضل واجمل. يكون السفر جيدا وجميلا عندما يكون نابعا عن اختيار حر وجاء لتحقيق رغبة او غاية مثل: زيارة اقارب، اصدقاء او للترفيه والاستجمام او للاعمال. ولكنه يصبح اقل جمالا عندما يأتي تحت وطأة الحاجة والضرورة ويصبح قبيحا عندما يكون مفروضا من قبل قوة عاتية تشعر بالعجز امام طغيانها. في هذه الحالة لا يعد ذلك سفرا اصلا بل يصبح تهجير وتشريد. والعودة إلى ارض الوطن تكون جميلة عندما تصدر عن عواطف جياشة من الحنين والاشتياق بغض النظر عن فترة البعد والفراق. ولكن هذه العواطف تصبح اداة للتعذيب الجسدي والنفسي في حالة تعذر العودة.
رحلتي الاخيرة إلى هولندا كانت بين بين. فالرغبة بالسفر كانت متناقضة: من جهة كانت لتحقيق غاية ضرورية ومن جهة اخرى كانت ترضخ لاعتبارات تعسفية هذا بالاضافة إلى بعض التنغيصات التي اصبحت عادية مثل الاسئلة الغبية في المطار: هل الاغراض في الحقيبة لك؟ هل انت الذي قمت بترتيبها؟ هل طلب احد ان تنقل له شيئا؟ هل لديك سلاح؟ وزاد عليها هذه المرة أن الحقيبة لم تصل معي بل تأخرت اسبوعا كاملا لانها حسب رأيي كانت تحتوي على قناني زيت زيتون، دخان عربي، معسل وحتى بعض الملوخية والبامية ويبدو ان هذه الاشياء مشبوهة وتحتاج الى فحوصات مكثفة. العودة إلى ارض الوطن كانت هي الاخرى بين بين وذلك لاسباب ارجو أن تتوضح لاحقا.
يقول المثل، وهو على فكرة مثل أناني وسخيف، " عندما ترى مصائب غيرك تهون عليك مصائبك". المصائب التي رأيتها في سفري الاخير كان لها مفعولا عكسيا. رأيت بعض الفلسطينيين الهاربين من جحيم اليرموك والذين عانى بعضهم من التشرد عدة مرات حتى وصولهم إلى اليرموك وعانوا من التشرد عدة مرات بعد النزوح الاخير من اليرموك. سمعت حكايا لا تصدق، حتى انني لم استطع سماعها إلى الاخر: موت، جوع، حصار، تمزق العائلة الواحدة، جهل مصير الاخرين. البعض غرق في عرض البحر، البعض الاخر في مخيمات النازحين في الاردن، لبنان وتركيا، البعض ربما لم يعد على قيد الحياة. قال لي احدهم بحزن عميق: كنت عضوا في فرقة العاشقين الفلسطينية، هل تعرفها؟ فأجبت: طبعا اعرفها وانا واحد من عشاقها مثلي مثل كل الفلسطينيين في الداخل، فانا اتحدى ان يكون هناك فلسطيني واحد لم يستمع إلى: اشهد يا عالم علينا وعا بيروت أو إلى: من سجن عكا. ولكني لم اخف غضبي على الفرقة التي حلت ضيفة على سلطة رام اللة برحلة اعتبرتها تطبيعية وكم نازعتني نفسي لكي اشاهدها بعرض حي ولكني قررت في اللحظة الاخيرة المقاطعة. فقال لي: انا ايضا كنت مع الفرقة في رام الله، ولكن أين هم اليوم؟ جميعهم في المنافي بعضهم علمت بوصولهم الى احدى الدول الاوروبية وبعضهم لا ادري اين، هولندا مشكورة منحتني اللجوء السياسي وها ان انتظر وصول عائلتي واتمنى من الله ان يتم ذلك قريبا.
انضم هؤلاء المشردين الجدد إلى مشردين قدامى وصلوا إلى هولندا في سنوات سابقة. بعض هذه العائللات تشردت اربع أو خمس مرات: من الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام ١٩٤٨ إلى الضفة الغربية، ومنها إلى الاردن، ومن ثم بعد ايلول الاسود عام ١٩٧٠ إلى لبنان، وبعد الاجتياح الاسرائيلي في عام ١٩٨٢ إلى تونس واليمن واوروبا. قابلت عائلة فلسطينية اخرى حياتتها تختصر التغريبة الفلسطينية برمتها: الجد واخوتة وبعض اولاده يتشردون من عكا عام ١٩٤٨ ويصلون الى مخيمات اللجوء في لبنان، الجيل الاول والثاني يموتون، من لم يمت موتا طبيعيا مات بالحرب. بعد الاجتياح الاسرائيلي ومن ثم حرب المخيمات يتفرق ابناء الجيل الثالث بين اوروبا ودول اخرى والبعض بقي في لبنان. اليوم الجيل الرابع: شاب في الثامنة عشرة من عمره والدته هولندية ولا يجيد اللغة العربية يقول: انا فلسطيني من عكا ساكن في هولندا.
نقلت بعض ما شاهدته عيناي وسمعته اذناي من الفلسطينيين في هولندا، ولكن الوضع نفسه تقريبا يعيشه الفلسطينيون في السويد، النرويج، الدنمارك، المانيا ودول اوروبية وغير اوروبية اخرى. اليوم تحاول الدول الاوربية مجتمعة محاربة "الهجرة غير الشرعية" كما تسميها بالقوة حيث اتخذت قرارات تصل الى اغراق سفن المهاجرين قبل ان تقلع من موانئ ليبيا ومحاصرتها في عرض البحر وارغامها على الرجوع في حالة اقلاعها. الامر الذي يعني عمليا آلالف الغارقين في البحر.
بالرغم من قسوة الاجراءات الاوربية الاخيرة تبقى افضل بما لا يقاس من السياسة التي تتبعها الدول العربية، حيث يمنع بعضها دخول الفلسطينيين منعا باتا ودول اخرى تسلبهم ابسط حقوقهم الانسانية. اليوم ينضم الى قوافل اللاجئين الفلسطينيين اخوانهم من اللاجئين السوريين. كنا بمأساة فأصبحنا بمأساتين، كنا بنكبة فاصبحنا بنكبتين. فأهلا بكم يا إخوة اللجوء في الوطن العربي الكبير وفي شتى انحاء العالم.
سوف نعود.