اانواع
من السفر واللجوء
علي
زبيدات – سخنين
السفر
جيد وجميل ولكن العودة إلى ارض الوطن افضل
واجمل. يكون
السفر جيدا وجميلا عندما يكون نابعا عن
اختيار حر وجاء لتحقيق رغبة او غاية مثل:
زيارة اقارب،
اصدقاء او للترفيه والاستجمام او للاعمال.
ولكنه يصبح اقل
جمالا عندما يأتي تحت وطأة الحاجة والضرورة
ويصبح قبيحا عندما يكون مفروضا من قبل
قوة عاتية تشعر بالعجز امام طغيانها.
في هذه الحالة لا
يعد ذلك سفرا اصلا بل يصبح تهجير وتشريد.
والعودة إلى ارض
الوطن تكون جميلة عندما تصدر عن عواطف
جياشة من الحنين والاشتياق بغض النظر عن
فترة البعد والفراق. ولكن
هذه العواطف تصبح اداة للتعذيب الجسدي
والنفسي في حالة تعذر العودة.
رحلتي
الاخيرة إلى هولندا كانت بين بين.
فالرغبة بالسفر
كانت متناقضة: من
جهة كانت لتحقيق غاية ضرورية ومن جهة اخرى
كانت ترضخ لاعتبارات تعسفية هذا بالاضافة
إلى بعض التنغيصات التي اصبحت عادية مثل
الاسئلة الغبية في المطار:
هل الاغراض في
الحقيبة لك؟ هل انت الذي قمت بترتيبها؟
هل طلب احد ان تنقل له شيئا؟ هل لديك سلاح؟
وزاد عليها هذه المرة أن الحقيبة لم تصل
معي بل تأخرت اسبوعا كاملا لانها حسب رأيي
كانت تحتوي على قناني زيت زيتون، دخان
عربي، معسل وحتى بعض الملوخية والبامية
ويبدو ان هذه الاشياء مشبوهة وتحتاج الى
فحوصات مكثفة. العودة
إلى ارض الوطن كانت هي الاخرى بين بين
وذلك لاسباب ارجو أن تتوضح لاحقا.
يقول
المثل، وهو على فكرة مثل أناني وسخيف، "
عندما ترى مصائب
غيرك تهون عليك مصائبك".
المصائب التي
رأيتها في سفري الاخير كان لها مفعولا
عكسيا. رأيت
بعض الفلسطينيين الهاربين من جحيم اليرموك
والذين عانى بعضهم من التشرد عدة مرات
حتى وصولهم إلى اليرموك وعانوا من التشرد
عدة مرات بعد النزوح الاخير من اليرموك.
سمعت حكايا لا
تصدق، حتى انني لم استطع سماعها إلى الاخر:
موت، جوع، حصار،
تمزق العائلة الواحدة، جهل مصير الاخرين.
البعض غرق في عرض
البحر، البعض الاخر في مخيمات النازحين
في الاردن، لبنان وتركيا، البعض ربما لم
يعد على قيد الحياة. قال
لي احدهم بحزن عميق: كنت
عضوا في فرقة العاشقين الفلسطينية، هل
تعرفها؟ فأجبت: طبعا
اعرفها وانا واحد من عشاقها مثلي مثل كل
الفلسطينيين في الداخل، فانا اتحدى ان
يكون هناك فلسطيني واحد لم يستمع إلى:
اشهد يا عالم علينا
وعا بيروت أو إلى: من
سجن عكا. ولكني
لم اخف غضبي على الفرقة التي حلت ضيفة على
سلطة رام اللة برحلة اعتبرتها تطبيعية
وكم نازعتني نفسي لكي اشاهدها بعرض حي
ولكني قررت في اللحظة الاخيرة المقاطعة.
فقال لي:
انا ايضا كنت مع
الفرقة في رام الله، ولكن أين هم اليوم؟
جميعهم في المنافي بعضهم علمت بوصولهم
الى احدى الدول الاوروبية وبعضهم لا ادري
اين، هولندا مشكورة منحتني اللجوء السياسي
وها ان انتظر وصول عائلتي واتمنى من الله
ان يتم ذلك قريبا.
انضم
هؤلاء المشردين الجدد إلى مشردين قدامى
وصلوا إلى هولندا في سنوات سابقة.
بعض هذه العائللات
تشردت اربع أو خمس مرات:
من الاراضي
الفلسطينية التي احتلت عام ١٩٤٨ إلى الضفة
الغربية، ومنها إلى الاردن، ومن ثم بعد
ايلول الاسود عام ١٩٧٠ إلى لبنان، وبعد
الاجتياح الاسرائيلي في عام ١٩٨٢ إلى
تونس واليمن واوروبا.
قابلت عائلة
فلسطينية اخرى حياتتها تختصر التغريبة
الفلسطينية برمتها: الجد
واخوتة وبعض اولاده يتشردون من عكا عام
١٩٤٨ ويصلون الى مخيمات اللجوء في لبنان،
الجيل الاول والثاني يموتون، من لم يمت
موتا طبيعيا مات بالحرب.
بعد الاجتياح
الاسرائيلي ومن ثم حرب المخيمات يتفرق
ابناء الجيل الثالث بين اوروبا ودول اخرى
والبعض بقي في لبنان. اليوم
الجيل الرابع: شاب
في الثامنة عشرة من عمره والدته هولندية
ولا يجيد اللغة العربية يقول:
انا فلسطيني من
عكا ساكن في هولندا.
نقلت
بعض ما شاهدته عيناي وسمعته اذناي من
الفلسطينيين في هولندا، ولكن الوضع نفسه
تقريبا يعيشه الفلسطينيون في السويد،
النرويج، الدنمارك، المانيا ودول اوروبية
وغير اوروبية اخرى. اليوم
تحاول الدول الاوربية مجتمعة محاربة
"الهجرة
غير الشرعية" كما
تسميها بالقوة حيث اتخذت قرارات تصل الى
اغراق سفن المهاجرين قبل ان تقلع من موانئ
ليبيا ومحاصرتها في عرض البحر وارغامها
على الرجوع في حالة اقلاعها.
الامر الذي يعني
عمليا آلالف الغارقين في البحر.
بالرغم
من قسوة الاجراءات الاوربية الاخيرة تبقى
افضل بما لا يقاس من السياسة التي تتبعها
الدول العربية، حيث يمنع بعضها دخول
الفلسطينيين منعا باتا ودول اخرى تسلبهم
ابسط حقوقهم الانسانية.
اليوم ينضم الى
قوافل اللاجئين الفلسطينيين اخوانهم من
اللاجئين السوريين. كنا
بمأساة فأصبحنا بمأساتين، كنا بنكبة
فاصبحنا بنكبتين. فأهلا
بكم يا إخوة اللجوء في الوطن العربي الكبير
وفي شتى انحاء العالم.
سوف
نعود.
No comments:
Post a Comment