Wednesday, April 29, 2015

النضال مستمر، أجلوا الاحتفالات



النضال مستمر، أجلوا الاحتفالات

علىي زبيدات – سخنين
آكثر ما يستفزني ويغيطني في هذه الايام كثرة ما يكتب عن "الاحتفالات بعيد العمال العالمي". العناوين الزائفة والمغرضة لا تنهي: عمال العالم يحتفلون بعيدهم، الحزب الفلاني يصدر بيانا بمناسبة عيد العمال، النقابة الفلانية تنظم مسيرة او مهرجانا بمناسبة عيد العمال العالمي، القائد الفلاني يلقي كلمة... وهكذا إلى ما لا نهاية. في تراثنا العربي الاحتفال يعني الفرح، الانبساط، الرقص، الغناء والتهام ما لذ وطاب من الطعام والمشروبات. والعيد يعني الظهور بملابس جديدة وانيقة والخروج لرحلات ترفيهية في احضان الطبيعة او المجمعات التجارية وشراء ما لا فائدة منه بغض النظر عن الحالة الاقتصادية.
كل هذه الامور ابعد ما تكون عن روح الاول من ايار يوم العمال العالمي الذي كان ويجب أن يبقى يوما نضاليا. ليس من باب الصدفة ان معظم المحتقلين بهذا اليوم (واشدد على كلمة محتفلين) ليسوا عمالا، فالانظمة الرأسمالية حتى وان سمت نفسها عمالية أو منحدرة من اصول عمالية هي التي تنظم عادة هذه الاحتفالات يشاركها بعض الاحزاب والنقابات التي تسمي نفسها عمالية وهي وان صحت هذه التسمية تنتمي الى الارستقراطية العمالية التي تتاجر بقضايا العمال وتتعاون مع اعدائهم الطبقيين مقابل بعض الفتات.
فئة فليلة من العمال الثوريين ومن الاحزاب العمالية الثورية ما زالت تحيي يوم الاول من أيار كيوم نضالي قدم فيه العمال التضحيات الجمة ابتداء من المطالبة بتحديد يوم العمل بثماني ساعات مرورا بالمطالبة برفع الاجور والضمانات الاجتماعية والصحية ومحاربة البطالة وحتى النضال من أجل اسقاط نظام الاستغلال الرأسمالي وبناء مجتمع جديد يقوم على اسس الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية. فئة قليلة من العمال الثوريين والاحزاب العمالية الثورية التي ما زالت ترى في الاول من ايار رمزا لوحدة الطبقة العاملة العالمية لمواجهة الرأسمالية العالمية.
من هذا المنطلق ادعو جميع المخلصين لقضايا الطبقة العاملة والحريصين على ابقاء شعلة الثورة ملتهبة أن يتخلصوا من عقلية العيد والاحتفال في هذا اليوم. لنستغل هذا اليوم للدعوة إلى تنظيم العمال بشكل مستقل عن كافة الانتهازيين والسماسرة الذين يتاجرون بقضاياهم، في احزاب عمالية ثورية تناضل من اجل وحدة عمال العالم، ليس على مستوى الشعارات فحسب، ومن اجل النضال حتى اسقاط النظام الرأسمالي العالمي المسؤول عن الحروب والمجاعات والامراض.
في هذه المرحلة من النضال العالمي يجب أن نكون اكثر وعيا بالعلاقة الجدلية المليئة بالتناقضات بين الوطنية والاممية. تحاول الرأسمالية العالمية وقد نجحت الى حد بعيد جر قوى وطنية والحاقها باقتصادها وسياستها بعد أن نحجت في جر والحاق اوساط واسعة من الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتطورة إلى اقتصادها وسياستها. وهكذا تشكلت جبهة رجعية على المستوى العالمي قوامها الطبقات الرأسمالية في الدول الامبريالية وحولها قوى خانت اوطانها واحزاب عمالية خانت طبقاتها. الاممية تشترط مسبقا حرية واستقلال كافة الشعوب ولا يمكن ان تكون ابدا غطاء للهيمنة الامبريالية. على الطبقات العاملة في الدول الرأسمالية المتطورة أن تحارب سياسة الهيمنة لحكوماتها اذ بدون ذلك لا يمكن الكلام عن الاممية. بالمقابل على الطبقات العمالية في البلدان النامية ان تميز نفسها وبرنامجها عن الحركات القومية الشوفينية التي ستكون اول من تخون اوطانها والاتفاق مع الامبريالية العالمية مقابل الحصول على بعض الامتيازات.
هذه القضية مهمة جدا في بلادنا فلسطين كرد على الاحزاب والتنظيمات الانتهازية التي تنادي باسم الاممية إلى وحدة الطبقة العاملة الفلسطينية و"الطبقة العاملة" الصهيونية. ما دام الطابع الكولونيالي هو الطابع المسيطر على هذه الطبقة (مع التحفظ دوما على تسميتها طبقة) وليس الطابع العمالي، وما دامت تشكل الركيزة الاساسية للدولة الصهيونية فلا يمكن الكلام عن الاممية. العامل الصهيوني في هذه الحالة مثله مثل العامل الفاشي الذي دعم فاشية دولته التي سحقت طبقته. الوحدة بين العامل العربي والعامل اليهودي في هذه البلاد ممكنة على قاعدة رفض الصهيونية والتخلص من سيطرتها.
عندما يتخلص العامل اليهودي من طابعه الكولونيالي، أي عندما يتخلص من صهيونيته ويصبح مواطنا عاديا مسحوقا مثله مثل العامل العربي عندها فقط تصبح الطريق إلى وحدة الطبقة العاملة الفلسطينية بيهودها وعربها سالكة، عندها فقط يمكن مواجهة النزعات الشوفينية عند العمال العرب وشن نضال مشترك ضد كافة الرأسماليين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية.
جوهر الصراع على المستوى العالمي طبقي حتى وان ظهر احيانا على اشكال قومية، طائفية، مذهبية أو اي شكل آخر. ليكن الاول من أيار مناسبة متجددة للنهوض بالنضال العمالي العالمي حتى الانتصار على الرأسمالية العالمية المتوحشة وانقاذ البشرية من شرورها.



Wednesday, April 22, 2015

إخوة في الفساد



اخوة في الفساد
علي زبيدات – سخنين
في الاسابيع الاخيرة يوجد في مدينة سخنين موضوعان ملتهبان. ومع الاخذ بعين الاعتبار بعض الاختلافات في التفاصيل نجد هذين الموضوعين ملتهبين في عدة مدن وقرى عربية. الموضوع الاول: قضية سماسرة الاراضي الذين استطاعوا الحصول بطرق ملتوية على قسائم للبناء مخصصة ل"حل الضائقة السكنية" المستفحلة من سلطة اراضي اسرائيل ووزارة البناء والاسكان بسعر مخفض وعرضها للبيع باسعار خيالية. الموضوع الثاني هو توصيات لجنة فحص الحدود التي شكلها وزير الداخلية السابق.
بالنسبة للموضوع الاول، تحاول البلدية جاهدة أن تتنصل من أية مسؤولية بحجة انها لم تكن تعلم بما يقوم به هؤلاء السماسرة تارة وبإلقاء المسؤولية على وزارة الاسكان وسلطة اراضي اسرائيل التى نظمت المناقصات تارة أخرى وانها اعترضت لدى هذين الطرفين حالما علمت بالموضوع. مثلي مثل العديد من المواطنين الذين استمعت اليهم اشك بمصداقية حجة عدم المعرفة وخصوصا من قبل قسم الهندسة المسؤول المباشر عن كل ما يجري من اعمال تطوير وبناء في المدينة. ولكن لنفرض جدلا أن ذلك صحيح فهذا العذر هنا اقبح من ذنب. فإذا كانت البلدية وقسم الهندسة يعلمان وتم التورط أو السكوت فهذه مصيبة أما إذا كانا لا يعلمان فالمصيبة تكون اكبر وفي هذه الحالة من الاحرى أن يغلقا الابواب ويبحثا عن عمل آخر.
واضح اننا هنا امام مثلث فاسد يتكون من سلطة اراضي اسرائيل، وزارة البناء والاسكان والبلدية. ومن الطبيعي أن تشكل مستنقعات الفساد ارضا خصبة لنمو وترعرع باعوض السمسرة.
لم يعد هناك سر بإن سلطة اراضي اسرائيل التي تدير آكثر من ٩٠٪ من الاراضي هي مرتع للفساد بعد اعتقال مديرها بنسي ليبرمان بتهم الفساد والغش وخيانة الامانة واعتقال عدد آخر من كبار الموظفين بسبب التهم نفسها. طبعا هذه الاتهامات لا تتعلق بتعامل سلطة الاراضي بعنصرية مع البلدات العربية، فكل ما تقدمه للوسط العربي ليس سوى بعض الفتات. الملايين موجودة في المدن اليهودية واالمستوطنات في الضفة الغربية.حتى وصل الامر إلى أن تقوم اطراف من المؤسسة الصهيونية نفسها بالمطالبة بتفكيك هذه السلطة ونقل صلاحياتها إلى مؤسسات اخرى.
تدعي البلدية كوسيلة دفاع عن نفسها أن وزارة الاسكان هي التي نظمت المناقصات التي بموجبها تم منح السماسرة قسائم البناء، وأن المناقصات نزيهة وتتم حسب شروط ومعايير صارمة. حقا؟ هل يوجد في هذه الدولة مناقصات نزيهة؟ من لم يسمع عن صناعة "تفصيل المناقصات" التي تتفوق على صناعة تفصيل الازياء من حيث الحجم وطرق التفنن. احدى التهم التي وجهت لمدير سلطة اراضي اسرائيل هي تحويل وحرف المناقصات لخدمة مصالحه الخاصة والتي تشمل ايضا الحصول على رشوات. لو ارادات دولة اسرائيل ملاحقة الفساد في المناقصات داخل مؤسساتها لاحتاجت إلى دولة أخرى. مراقب الدولة يعرف ذلك، مديرية خدمة الدولة تعرف ذلك ووحدة لاهف ٤٣٣ في الشرطة الاسرائيلية تعرف ذلك والاهم من هؤلاء كلهم أن البلديات والسلطات المحلية العربية تعرف ذلك بل وتتفوق في استعماله. لا ابالغ اذا قلت انه لا يوجد هناك مناقصة نزيهة واحدة تنظمها البلديات العربية. فإذا كانت وزارة الاسكان هي التي نظمت المناقصات التي منحت السماسرة قسائم البناء فالبلدية هي التي نظمت المناقصات التي منحت بعض المقاولين القسائم المسؤولة عنها. على فكرة في كثير من الاحيان لا يمكن التمييز بين السمسار والمقاول.
منذ أكثر من عقدين وانا اسمع عن "نضال" البلديات المتعاقية من أجل توسيع منطقة النفوذ. حتى اصبح هذا المصطلح العنوان الاساسي للجنة رؤساء السلطات المحلية العربية، لجنة المتابعة، المؤسسات الاهلية والجماهير الواسعة بشكل عام. قي معظم الاحيان يقتصر هذا "النضال" على طلب من وزير الداخلية خلال زياراته لبلد عربي وبعد استقباله والاحتفاء بزيارته مما يضطر الوزير من الباب المجاملة بتوزيع بعض الوعود حول توسيع منطقة النفوذ. ولكن مع تزايد التذمر الشعبي تضطر البلديات الى المزيد من المطالبة فيقوم وزير الداخلية بتعيين لجنة لفحص مناطق النفوذ يستغرق عملها بعض سنوات تنتهي بتوصيات هزيلة لا يسع البلديات الا رفضها أو انها تموت موتا طبيعيا مع رحيل الوزير الراهن وانتظار الوزير الجديد. للمرة الخامسة أو السادسة تقدم مثل هذه اللجنة توصياتها لوزير الداخلية، وكلما زادت هذه التوصيات بعض الدونمات في منطقة النفوذ على التوصيات السابقة كلما تصعادت ابواق البلدية للكلام عن الانجازات التي تم تحقيقها. يبدو أن ادارة البلدية الراهنة قد اكتشفت نظرية "خذ ثم طالب" وها هي تنتظر قدوم وزير الداخلية الجديد ليصادق على توصيات لجنة الحدود. من التجارب السابقة ستتحول هذه النظرية إلى "خذ وعود وتنازل".

Thursday, April 16, 2015

أسرى ونكبة



أسرى ونكبة
علي زبيدات – سحنين

خلال أسبوع واحد، يحيي شعبنا الفلسطيني في جميع اماكن تواجده ذكرتين هامتين في تاريخه المعاصر: يوم الاسير الفلسطيني وذكرى النكبة. يبدو للوهلة الاولى وكأنه لا علاقة خاصة ومميزة بين المناسبتين ولكن في حقيقة الامر العلاقة بينهما عضوية ولا يمكن بأي حال من الاحوال فصل الواحدة عن الاخرى. فلولا النكبة، نتائجها واستمراريتها لما كان هناك ضرورة لوجود حركة اسيرة بهذا الزخم والكم الهائل من الاسرى السياسيين الفلسطينيين. ولولا وجود الحركة الاسيرة لكانت النكبة قد طواها النسيان منذ فترة طويلة. لا يوجد في المشهد الفلسطيني ثنائية اخرى تحمل الهم الفلسطيني والعبء الفلسطيني اكثر من ثنائية النكبة والاسرى. هذه الثنائية الفريدة من نوعها في تاريخ النضال التحرري سوف تتفكك في حالة واحدة فقط: زوال آثار النكبة بالعودة التى ستؤدي بدورها إلى تحرر الاسىرى بالكامل من السجون الاسرائيلية. ولكن بما ان النكبة ما زالت تربض على صدور شعبنا فسوف تبقى الحركة الاسيرة القلب النابض داخل هذه الصدور.
بالرغم من الاهمية البالغة لهاتين المناسبتين الا اننا حسب رأيي فشلنا حتى اليوم في الارتقاء بهما الى المستوى الوطني المطلوب. تقييمي هذا لا ينتقص بطبيعة الحال من اهمية الجهود المبذولة في احياء هاتين الذكرتين على مر السنوات. بالرغم من انتقاداتي الشخصية المتكررة على شكل ومضمون احيائنا للمناسبات الوطنية إلا انني لا ادعي بأي شكل من الاشكال امتلاكي لاجوبة نهائية على اي سؤال مطروح يتناول القصايا الوطنية. ولكني أشعر، وأظن يوجد هناك الكثيرون غيري من يشاركني هذا الشعور: يوجد هناك شيء ليس على ما يرام وليس هكذا تورد الابل.
لنسأل السؤال ولنترك الجواب لكل واحد منا لكي يجيب عليه بجرأة وصراحة: هل استطعنا حقا ان نرتقي بقضية الاسرى لنجعل منها قضية وطنية ومن يوم الاسير مناسبة وطنية؟ لا اريد ان اتشعب في الحديث عن الحركة الاسيرة وعن يوم الاسير في الضفة الغربية وفطااع غزة والشتات فهذا موضوع واسع لا تتحمله مقالة صحفية وساكتفي ببعض الملاحظات النقدية التي اكررها سنويا تقريبا في هذه المناسبة. الى متى هذا التشرذم بالعمل؟ وما الفائدة من تعدد اللجان والحركات الفاعلة في موضوع الاسرى اذا لم تكن قادرة حتى على التنسيق فيما بينها لاحياء هذا اليوم بالزخم الذي يستحقه؟ كيف ولماذا كونت كل لجنة دائرة مغلقة من النشطاء والمؤيديين تكاد ان تضع جدارا حديديا امام الاخرين؟ لقد اصبجت أظن واشعر بان هذه اللجان غير معنية بجعل هذه المناسبة مناسبة وطنية عامة، شعبية مفتوحة امام كافة المواطنين بل ابقاءها مغلغة على النشطاء ومؤيديهم. ما زلت اذكر ردنا الباهت على المستوى الرسمي والشعبي عندما كانت معركة الامعاء الخاوية في ذروتها. زيارات اعضاء الكنيست العرب الموسمية للاسرى لا تقدم ولا تأخر شيئا في هذا المجال خصوصا عندما تكون هذه الزيارات موظفة لاعتبارات حزبية ضيقة. اما عن دور لجنة المتابعة في هذا الموضوع فحدث ولا حرج فهي غائبة تماما. حاليا وحتى يتغير هذا الواقع، يبقى الاسرى وعائلاتهم هم الذين يتحملون عبء الاسر كاملا.
احياء النكبة تحت شعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا" هو الآخر، حسب رأيي، استنفذ واصبح روتينا، عادة نسارع في احيائها لكي نسارع في نسيانها. اهمية مسيرة العودة انها ابقت هذه المناسبة حية تستقطب الاف المشاركين من كافة ارجاء الوطن الفلسطيني. ولكن السؤال الذي يطرح نفسها هنا: هل هذا يكفي لكي نجعل من احياء ذكرى النكبة رافعة للعودة نفسها؟ حسب رأيي من اجل ذلك هناك ضرورة قصوى للتغيير في نمط التفكير والسلوك لجميع الجهات المشاركة وعلى رأسها لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين التي تحتكر تنظيم مسيرة العودة بتفويض من لجنة المتابعة. القرى المهجرة والبالغ عددها ٥٣٠ قرية هي عزيرة على قلوبنا جميعا ويجب ان تبقى حية في ذاكرتنا الجمعية على مدار السنة وليس في يوم واحد في السنة فقط، ولكن احياء النكبة بمسيرة شعبية هي اولا وقبل كل شيء عمل سياسي واختيار المكان له اهمية بالغة. لقد توخيت خيرا عندما سمعت بان مسيرة النكبة لهذا العام سوف تكون في حيفا حيث تم تهجير اكثر من ٧٠ ألفا من سكانها عام النكبة، ولكنها "فرحة" ما تمت ولا تهمني الاسباب. مدننا الرئيسية تعرضت لحملات من التطهير العرقي الا تستحق احياء النكبة في احداها؟ لقد كتبت في الماضي وها انا اعود واكتب وأسأل: لماذا لا تكون مسيرة العودة في عكا، يافا، اللد، الرملة، طبريا، صفد؟ هل خوفا من رفض السلطات الاسرائيلية؟ ام خوفا من العواقب؟ لقد آن الاوان لمناقشة علاقة مسيرة العودة بالعودة نفسها وتقديم الاقتراحات من أجل ذلك.

Wednesday, April 08, 2015

المطلوب تدخل خارجي من نوع آخر



المطلوب تدخل خارجي من نوع آخر
علي زبيدات – سخنين

لقد وصل النفاق العالمي إلى اعلى مستوياته حتى وصل إلى درجة اللامعقول. الكل يدين ويرفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول وفي الوقت نفسه الكل يمارس مثل هذا التدخل. الامم المتحدة التي ينص ميثاقها على عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول بشكل مباشر أو غير مباشر هي أول من يتدخل بشكل اعتباطي وانتقائي بما يخدم في نهاية المطاف مصالح الدول الكبرى. امريكا تدين التدخل الروسي في اوكرانيا، روسيا تدين التدخل الامريكي في الشرف الاوسط، ايران تدين التدخل السعودي في اليمن، السعودية تدين التدخل الايراني في سوريا والعالم يدين التدخلات الاسرائيلية في كل مكان واسرائيل تدين تدخلات العالم في شؤونها. وهذا غيض من فيض من مسرح النفاق العالمي. هل بقي هناك ازمة واحدة في العالم لم يتم التدخل فيها من اطراف خارجية؟ وحتى عندما لا يوجد هناك ازمات فالتدخلات الخارجية تخلق الازمات كل صباح وكل مساء وتعمل على تأجيجها وتفاقمها حتى تتحول إلى ازمات دولية. الذين يدينون التدخل الخارجي ويدعون إلى رفضه هم أول من يتدخلون في شؤون غيرهم. لم بعد هناك بقعة واحدة على سطح الكرة الارضية مهما كانت نائية وغير ذات اهمية بمنأى ومعزل عن التدخلات الخارجية. لقد آن الاوان للاستفاقة من اوهام العيش في جزيرة معزولة على غرار جزيرة روبنسون كروزو لا تتعرض لأي تدخل خارجي.
في ظل هذا الواقع، المطلوب اليوم ليس رفض التدخل الخارجي وادانته لأن مثل هذا الموقف اصبح في احسن حالاته سذاجة لا تحتمل ولكنه في معظم حالاته اما غباء مطبق واما عمالة مكشوفة أو مستترة. المطلوب اليوم هو "تدخل خارجي" من نوع جديد: تدخل ثوري اممي لمواجهة ومحاربة التدخل الامبريالي الرجعي.
لدينا في مثل هذا التدخل نموذجا امميا انسانيا ينبغي حياءه ليس كأسطورة أو كحلم جميل بل كنموذج ومرشد لعمل ثوري دائم، واقصد نموذج تشي جيفارا الذي قال وفعل حسب ما قال:"اينما يوجد الظلم قذاك وطني" وقال ايضا: "ان انتصار الثورة هو الضمان الوحيد للقضاء على الحروب الامبريالية، لا حياة خارج الثورة، ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة واكثر" . تشي جيفارا ارجنتيني المولد ولكنه حارب في كوبا والكونغو وبوليفيا وأيد نضالات الشعوب المضطهدة والطبقات الكادحة في جميع انحاء العالم.
يجب ان تكون هناك معايير صارمة لمثل هذا التدخل الثوري المطلوب والا تحول هذا التدخل إلى نقيضه. هناك ثلاثة معايير اساسية وضعها او تبناها تشي جيفارا مع باقي الثوريين الحقيقيين في العالم وهي: ١) أن تكون ضد الامبريالية العالمية. ٢) أن تكون ضد الانظمة الفاسدة التي تسحق شعوبها. ٣) أن تكون ضد جميع القوى الانتهازية والرجعية التي تتقنع احيانا بالشعارات الثورية ولكنها تخدم في نهاية المطاق الامبريالية العالمية والانظمة الفاسدة.
يعرف التاريخ الحديث العديد من التجارب والنماذج المشرفة للتدخل الخارجي الثوري. ولعل اشهرها الكتائب الاممية التي شاركت في الحرب الاهلية الاسبانية ١٩٣٦ – ١٩٣٩ إلى جانب القوى الثورية الاسبانية. إزاء التدخل الخارجي من قبل النازية الالمانية والفاشية الايطالية الداعمة لقوات فرانكو الفاشية كان لا بد من مثل هذا التدخل. النقد الوحيد على هذا التدخل من منظور تاريخي هو انه لم يكن مكثفا وحاسما وجارفا مما ادى الى انتصار القوى الفاشية والرجعية. المقاومة الفلسطينية عرفت هي أيضا مثل هذا التدخل الثوري الخارجي وذلك في سنوات السبعين عندما كانت المقاومة اللسطينية تلهب خيالات العالم كمث أعلى لمقاومة الصهيونية والامبريالية. اعداد كبيرة من الشباب والصبايا المنتمين لقوميات وجنسيات مختلفة انخرطت في المقاومة الفلسطينية، اذكر في تلك الفترة كان سجن الرملة المركزي نموذجا لهذه الوحدة الثورية الاممية حيث كان إلى جانب الاسرى الفلسطينيين اسرى من المانيا، ايطاليا، فرنسا، اليونان، قبرص، بريطانيا، اليابان، كردستان، الهند، نيجيريا، تشيلي. على التنظيمات الفلسطينية وخصوصا التي تدعي الاممية أن تجاوب على السؤال: لماذا انفض كل هؤلاء عنها وعن القضية الفلسطينية؟
في تلك الفترة، كنا نتكلم عن " الجبهة العربية المشاركة في المقاومة الفلسطينية" واليوم صرنا نتكلم عن "الجبهة العربية المشاركة لاسرائيل في ضرب المقاومة الفلسطينية". في تلك القترة كنا نتكلم عن " الجبهة العالمية الداعمة للمقاومة الفلسطينية" واليوم اصبحنا نتكلم عن الدعم العالمي للاحتلال الاسرائيلي.
اليوم نتكلم عن الآلاف بل عشرات الآلاف من المرتزقة وغير المرتزقة ممن يتبنون ايديولوجيات تخدم في نهاية المطاف الامبريالية والانظمة الرجعية، يقطعون المسافات والحدود للانضمام إلى داعش والنصرة.
نعم أنا مع "التدخل الخارجي" إذا كان معاديا للامبريالية العالمية وللانظمة الفاسدة والقوى الرجعية والانتهازية. لقد آن الاوان للعودة إلى منابع التضامن الاممي الثورى وتشكيل كتائب اممية تنخرط بالنضال في كل مكان يخيم الظلم عليه.

Wednesday, April 01, 2015

الخروج من دائرة الذكرى إلى دائرة المقاومة



الخروج من دائرة الذكرى إلى فضاء المقاومة
علي زبيدات – سخنين

مرت الذكرى ال٣٩ ليوم الارض مرور الكرام. كالعادة، وفي الوقت بدل الضائع، يصدر قرار لا أحد يدري بالضبط من أين، لاحياء الذكرى بتنظيم مسيرة مركزية في مثلث يوم الارض(واخرى في النقب) تنتهي بمهرجان خطابي. بحكم العادة وحسب قانون قوة الدفع الذاتي هناك دائما ضمان لنجاح المسيرة والمهرجان. وللعادة كما هو معروف سحر خاص شبيه بوسائل التخدير المختلفة التي يحتاجها كل من يريد أن يعمل شيئا ما ويبقى مرتاحا في الوقت نفسه. يبقى مقياس النجاح عدد المشاركين في المسيرة والمهرجان: يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا حسب الجو العام الذي يرافق المسيرة وحسب المسافة التي يجب قطعها من نقطة انطلاق المسيرة وحتى مكان المهرجان المركزي، هل هي طويلة، مثلا من سخنين إلى دير حنا، أم متوسطة، مثلا من سخنين إلى عرابة أو من دير حنا إلى عرابة، أو قصيرة تدور في حلقة مفرغة داخل البلد الواحد.
وغدا سوف تمر الذكرى ٦٧ للنكبة هي الاخرى سوف تمر مرور الكرام وحسب نمط ذكرى يوم الارض: مسيرة فمهرجان.
وبعد غد سوف تمر الذكرى ال٤٨ لنكسة، والاصح هزيمة ١٩٦٧ ولكن في هذه الحالة بدون مسيرة وبدون مهرجان. ربما لانه لم يعد هناك ضرورة لمثل هذه الطقوس التي قد تعكر مزاج سلطة اوسلو التي قامت على اراضي النكسة.
لنعود لذكرى يوم الارض الاقرب الينا من الناحية الزمنية. عادة، من يهتم بذكرى معينة يكتب عنها قبل مرورها ليشرح موقفه منها ويبين انتقاداته من شكل ومضمون احيائها إن كان ناقداا أو ليعبر عن رضاه إن كان مقتنعا وراضيا عن طريقةاحيائها. وقد قمت بهذه المهمة في السنوات الماضية مرات عديدة الا انه هذه السنة تعذر علي ذلك ووجدت انه لدي ما يمكن قوله بعد مرور هذه الذكرى كنوع من التقييم الذي قد يكون مفيدا في السنوات القادمة. طبعا لا ولن ادعي اني استطعت في السنوات الماضية التأثير على مجريات الامور ولن ادعي الان بأن تقييمي (النقدي) سوف يؤتر على هذه الذكرى مستقبلا.
رأيي المبدئي يقول بكل بساطة: اذا اصبحت الذكرى سجنا، هروبا، مخدرا، قيودا، دائرة مغلقة فيجب كسرها والتحرر من نيرها ومن سحرها وذلك من أجل انقاذها من نقسها اولا ومن العابثين بها ثانيا.
كلنا نتفق، كلاميا على الاقل، أن يوم الارض هو يوم نضالي ويجب أن يبقى يوما نضاليا. المشكلة تبدأ في تعريفنا وفهمنا للنضال. واضح اننا لا نجرؤ على مقارنة يوم الارض الاول الذي نقوم بإحياء ذكراه بأيام الارض التي تلته وخصوصا في السنوات الاخيرة. هل يمكن تشبيه الاضراب في يوم الارض الاول من حيث اهميته وشموليته ودوره التعبوي بالاضرابات الضئيلة التي اعلنت في بعض السنوات اللاحقة تحت ضغط الاحداث؟ وهل يمكن المقارنة بين نضال المواجهة والتحدي الذي ميز اليوم الاول وبين نضال الخطابات الذي ميز السنوات الاخيرة؟. الجميع يتغني بتحديات وبطولات وتضحيات يوم الارض الاول ولكن يا للمفارقة، الجميع أو تقريبا الجميع يهربون من شبح يوم الارض الاول ويتمنون عدم تكراره. هذا بالرغم من أن جميع الاحزاب السياسية والتنظيمات المدنية تكاد أن تتفق على أن الاسباب التي أدت إلى انفجار يوم الارض الاول ما زالت قائمة بل وتفاقمت: مصادرة الاراضي استمرت حتى لم يبق هناك تقريبا ما يصادر، خنق القرى والمدن العربية ومحاصرتها اصبح لا يطاق، هدم البيوت جار على قدم وساق بل يطول الان هدم قرى كاملة عن بكرة ابيها.
لقد احبت جماهيرنا الفلسطينية يوم الارض الاول لسببين رئيسيين: الاضراب الناجح الذي هز الاقتصاد الاسرائيلي والمواجهة البطولية لجنود وشرطة اسرائيل المدججين بالسلاح ولآلياتهم العسكرية. وبما أن اسباب انفجار يوم الارض الاول، كما قلت وكما يقول الكثيرون، ما زالت سارية المفعول بل وصلت الى ذروتها من التصعيد فلا يوجد هناك بديل عن الاضراب العام الناجح وعن المواجهة على الارض. ولكي لا افهم خطأ: نحن جماهير عزلاء سلاحنا الوحيد هو حقنا بالدفاع اراضينا والحفاظ على ما تبقى منها واسترجاع ما سلب منها وتمسكنا بهذا الحق. المواجهة هنا تعني الصمود في وجه العدوان وعدم التراجع وكل نتيجة لهذا العدوان يتحمل مسؤوليتها الطرف الآخر المدجج بالسلاح.
لقد ظن البعض أن تشكيل القائمة المشتركة في انتخابات الكنيست الاخيرة وقبيل يوم الارض كفيل بتصعيد النضال. هذا الظن لم يتحقق ليس لقصر الفترة الزمنية على هذه القائمة بل لأن المواجهة ليست مركبا من مركبات استراتيجيتها. نعم، يجب أن تبقى ذكرياتنا الوطنية جميعها حية ولكنها يجب ان تتمتع بحياة صحية وليس اشبه بالموت السريري كما هي عليه الان.