Wednesday, February 20, 2008

كل الخزي وكل العار لعملاء الاستعمار



هذا الشعار الذي كان يجلجل في مظاهراتنا الوطنية، في يوم الارض وذكرى شهداء إنتفاضة الاقصى وذكرى النكبة وغيرها في السنوات الماضية أخذ يتلاشى رويدا رويدا حتى زال نهائيا ولم نعد نسمع له اي صدى. لماذا؟ هل ظاهرة عملاء الاستعمار قد ولت من غير رجعة؟ أم انها لم تعد ذلك الامر المخزي والمعيب؟ بل على العكس من ذلك، أصبحت ظاهرة طبيعية ومشروعة؟ هل أصبحت الخيانة، كما حذر أحد المناضلين، وجهة نظر؟.
بعد إغتيال الحاج رضوان، عماد مغنية في دمشق، وتناقلت الاخبار نبأ إعتقال بعض العملاء المتورطين بإرتكاب هذه الجريمة، ومع استمرار إغتيال قيادة المقاومة في غزة يجب أن يعود هذا الشعار ليتصدر كافة مناسباتنا الوطنية. ويجب أن يطبق على ارض الواقع أيضا.
الخزي والعار للعملاء يعني نبذهم ومقاطعتهم على جميع الاصعدة، يعني مكافحتهم كما نكافح الحشرات السامة. لأن ضرر العملاء يفوق ضرر هذه الحشرات بما لا يقاس. فهم بالاضافة الى مساهمتهم في تصفية رموز المقاومة نراهم يلوثون كل بقعة نظيفة في بلادنا ومجتمعنا، يدنسون قدسية القضية الوطنية ويطعنون بخناجر الغدر كرامة وشرف الامة بإسرها.
صحيح، هذه الآفة، آفة العملاء موجودة في كل المجتمعات وكل البلاد وقد عانت منها كافة الشعوب المضطهدة التي قدمت الغالي والرخيص على مذبح حريتها واستقلالها. ولكن عندنا في فلسطين أصبحت مرضا خطيرا مزمنا ينخر في نخاع عظامنا، واصبح السكوت والتغاضي عنها جريمة لا تغتفر. على الجميع، كل من موقعة وبقدر امكانياته وحسب مسؤولياته أن يعمل على إقتلاع هذه الظاهرة من جذورها. لقد أصبح واضحا أن العدو الاسرائيلي بكل ما يملكه من قوة عسكرية ومن وسائل تخنولوجية متطورة أعجز من أن يصل الى رموز المقاومة وإغتيالهم لولا الدور القذرالذي يقوم به العملاء. مع كل ذلك ما زلنا نرفض أن نستخلص العبر. ماذا تعلمنا من إستشهاد يحيى عياش واحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وصالح شحادة وياسر عرفات وغيرهم؟ الجواب للأسف وبكل بساطة لا شيء على الاطلاق. ما زال العملاء يسرحون ويمرحون وما من محاسب وما من رقيب. الاجهزة الامنية مخترقة، بل أكثر من ذلك، في ظل الانفلات الامني والانحراف الوطني، أصبحت تشكل دفيئة لنمو هذا النوع من الحشرات. تنظيمات المقاومة هي ايضا مخترقة ولا تقوم بما يكفي لتحصين مناعتها وتنظيف ساحتها من هذه الحشرات الضارة.
من المعروف أن الشاباك والموساد والاستخبارات العسكرية الاسرائيلية تبذل جهودا جبارة وتصرف مبالغ هائلة من الاموال وتبتكر وسائل حهنمية من أجل تجنيد أكبر عدد ممكن من العملاء. كلنا ما زال يذكر تلك الاعداد الهائلة من العملاء التي إجتاحت المنطقة بعد نهاية الانتفاضة الاولى. والتي صدمتنا بأعدادها وانحطاطها. قسم من هؤلاء عاد الى الضفة الغربية وغزة وما زال يمارس خيانته بحرية وبحماية رسمية في بعض الاحيان. وقسم آخر ما زال يسكن بيننا على الرحب والسعة ويتمتع بكل تقدير وإحترام.
المؤسسات الامنية الاسرائيلية تعرف انها لا تستطيع تجنيد سوى ضعاف النفوس والمخدوعين وذوي المصالح الشخصية، ولكنهم ما داموا يقومون بمهمتهم فهم من وجهة نظرها يعتبرون العرب الصالحون. ولكن من منا لا يعرف انهم هم الذين ينشرون الرذيلة أين حلوا وينشرون الفساد والمخدرات والجريمة. فمن يبيع وطنه يهون عليه بيع نفسه وكرامته.
صحيح أن أجهزة الامن تتحكم بالقوة والقدرة على الابتزاز والتفنن في إختراع اساليب التجنيد من الضغط والابتزاز في حالات اصدار تصاريح للعمل او السفر او العلاج او التعليم الى التهديد بنشر الفضائح المشينة. ولكن كل ذلك لا يبرر العمالة والخيانة. الفقر والظلم والاضطهاد يجب أن يكون حافزا للمقاومة وليس للخيانة.
ضرر العملاء لا يتوقف عند جمع المعلومات والوشاية ولا عند تقديم المساعدة لقوى الامن لإغتيال احد المقاومين، بل يتعدى ذلك الى زعزعة ايمان الفلسطيني بعدالة قضيته، الى ضرب معنويات الجماهير وتيئيسها وزجها في صراعات داخلية مدمرة.
مما لا شك فيه، يجب الحذر من الشائعات، هذا اسلوب آخر مكمل تستعمله السلطات لحرف النضال الوطني عن مساره الصحيح. يجب أن تكون هناك هيئة رسمية ذات مصداقية عالية تحدد العملاء وتتحمل مسؤولية مكافحة هذه الظاهرة. اليوم يوجد غياب تام لمثل هذه الهيئة. تبقى أنجع وسيلة لمقاومة هذا المرض نشر الوعي الوطني، محاربة الجهل والخوف وتقوية المناعة الوطنية لإحباط هذه السياسة التدميرية للقوى الاستخباراتية.
اليوم وفي ظل الدعوة للخدمة المدنية يتعرض شبابنا وشاباتنا للإغراء والخداع والابتزاز حتى يقعوا في نهاية المطاف فريسة صائغة في فخ الاستخباراتية. فحذار أن تكون الخدمة المدنية الخطوة الاولى للخدمة الاستخباراتية.

القاتل يعترف بإرتكاب الجريمة ولا يزال طليقا



في عصر العولمة المنفلتة من عقالها، عصر العربدة الامريكية – الاسرائيلية، يتم الدوس على جميع القيم والاعراف الانسانية بوقاحة منقطعة النظير. صرح ايهود براك وزير الحرب الاسرائيلي أمام حكومته وأمام وسائل الاعلام الاسرائيلية والعالمية، من غير لف أو دوران: " لقد قتلنا خلال أربع أشهر 200 مخربا، 16 في اليومين الاخيرين والعمليات مستمرة".
هكذا إذن، العائلة التي تصحو من النوم على وقع الصواريخ الاسرائيلية على رؤوسها بما فيهم الشيخ والمرأة والطفل هم في نظر براك مخربون. البنت التي تعود من مدرستها حاملة حقيبتها على ظهرها وتسقط برصاص جنود الجيش الاقوى في المنطقة هي ايضا مخربة. كل فلسطيني هو مخرب بالقوة إذا لم يكن بالفعل. هكذا يقول المنطق الاسرائيلي. ألا توجد هناك محكمة اسرائيلية أو عربية أو دولية تقول لبراك: اثبت لنا أن ال200 شخص الذين اصدرت أوامرك بقتلهم هم مخربون!! ألا يوجد هناك في العالم أجمع من يمتلك الشجاعة الانسانية ويصرخ في وجه براك: حتى ولو وافقنا معك جدلا أن جميع هؤلاء مخربون، فمن أعطاك الحق أن تكون انت الذي توجه التهم وأنت القاضي ومنفذ الحكم في الوقت نفسه؟
لقد آن الاوان على كل من يطلق على نفسه شرعية دولية، من أمم متحدة ومنظمات حقوق إنسان ومحاكم دولية أن تخجل من نفسها وهي تبحث بالسراج والفتيلة عن مجرمي حرب يختبئون في صربيا ورواندا وغيرها من دول العالم بينما يصرح أحدهم بأعلى صوته وفي وضح النهار انه قتل خلال 4 أشهر 200 وأنه سوف يقتل المزيد.
عادت جوقة الغربان الاسرائلية التي تنعق بالخراب للإجتماع من جديد وبدأت تعزف سيمفونيتها الدموية التي عزفتها في حزيران عام 2006 أثناء العدوان على لبنان: يجب أن نقتل أكثر، يجب أن ندمر أكثر، يجب أن نمحو قرى كاملة من الوجود. إذا لم يفهم العرب أن عليه الاستسلام بالقوة فيجب إستعمال المزيد من القوة.
هذا وزير الخارجية شطريت يدعو الى إزالة حارات كاملة في غزة. وها هو شاؤول موفاز الذي لم يكفيه ما قتله ودمره عندما كان في مكان براك يدعو الى قتل محمود الزهار لكي يلحق بولديه اللذين ثكلهما مؤخرا والى قتل جميع القادة السياسيين من غير تمييز. وهذا نائب رئيس الحكومة حايم رامون يدعو الى قطع الكهرباء نهائيا عن غزة. وها هو غابي اشكنازي رئيس اركان الجيش يجتمع مع ضباطه لوضع اللمسات الاخيرة لتنفيذ الجريمة. كل صباح وكل مساء هناك مسؤول آخر يطلع بتصريح جديد غير مسبوق، وكأنهم في سباق.
مرة أخرى تصطف وسائل الاعلام الاسرائيلية المقروءة والمسموعة والمرئية وراء الحكومة محرضة على ارتكاب الجريمة. فهذا الصحفي في جريدة هآرتس رون بن يشاي يحدد اهداف الجريمة وطريقة تنفيذها: إجتياح شامل لقطاع غزة، القضاء على حماس وإقصاؤها عن السلطة، جعل غزة منطقة منزوعة السلاح وأحتلال المعابر لسنوات طويلة قادمة.
هذا ما تعلموه من الحرب الاخيرة في لبنان. هذه هي العبر التي إستخلصتها لجنة فينوغراد ويريدون تطبيقها في غزة. ما فشلوا في تحقيقه في لبنان يريدون أن يحققوه في غزة. هذا هو مقياس دراسة العبر من الحرب. المزيد من الدمار والتدمير، المزيد من القتل وسفك الدماء، المزيد من استعمال القوة والاسلحة الفتاكة.
من يظن اننا سوف نكون بمنأى عن الحرب القادمة ونتائجها الوخيمة فهو مخطئ. كجزء مكمل لإجتياح غزة يوجود هناك خطة جاهزة للتعامل مع فلسطينيي الداخل اذا قاموا "بإعمال شغب"، ومنها وضع الشرطة وحرس الحدود على اهبة الاستعداد وتزويدها بكل ما تحتاجه من وسائل القمع. المسؤول عن مقتل 13 شابا عام 2000 سيكون مسؤولا عن مقتل المزيد. هل ظننتم أن لجان التحقيق الرسمية وغير الرسمية ضمان لسلامتكم؟؟
المصيبة الكبرى هي أن إسرائيل لا تقترف هذه الجرائم منفردة، ولا أعني مشاركة الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي المباشرة وغير المباشرة فحسب، بل هناك المشاركة العربية والفلسطينية أيضا. من المستحيل أن تنجح إسرائيل في إقتراف هذا الكم الهائل من الجرائم لولا التغطية العربية من المحيط الى الخليج. ولولا تقاعس جماهيرنا العربية.
هل سنكون على مستوى الحدث أم سنبقى على هامش التاريخ الى أجل طويل؟ هذا ما سوف تزوده بنا الايام.

Thursday, February 07, 2008

الاضراب العام والمسيرات الشعبية يجب أن تكون جزأ من النضال الوطني الفلسطيني



منذ زمن طويل لم تشهد ساحتنا المحلية مظاهرة زخمة كما شهدتها سخنين يوم الجمعة الماضي إحتجاجا على قرار المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز إغلاق ملفات رجال الشرطة الذين إغتالوا 13 فلسطينيا في أكتوبر 2000. للوهلة الاولى تبدو مشاركة هذا الكم الهائل من المتظاهرين أمرا مدهشا وغير متوقع ويدعو الى التساؤل. ماذا جرى؟ لماذا كانت مظاهرة الذكرى الثامنة في أكثوبر الاخير هزيلة؟ (النصف أو أقل) وحتى لا يمكن مقارنتها بمظاهرة يوم الارض الاخيرة أو المظاهرات القطرية التي نظمت مؤخرا تضامنا مع قطاع غزة من أجل فك الحصار عنها. هل طرأ تطور ما لا نعرفه على لجنة المتابعة او على الاحزاب السياسية المكونة لها؟ لماذا في المظاهرات السابقة كانت الاحزاب تكتفي بمشاركة بعض قياديها وبعض نشطائها بينما جندت لهذه المظاهرة قدر ما استطاعت؟.
أذكر انه في مظاهرة قطرية على حاجز ايريز قبل فترة وجيزة شارك أحد الاحزاب الرئيسية الفاعلة على الساحة بعنصر قيادي واحد لا غير وذلك لأسباب يعرفها الكثيرون.
لطالما انتقدت لجنة المتابعة والاحزاب الفاعلة تحت كنفها بالتخاذل وبإفتعال الصراعات الوهمية: من بادر للنشاط؟ ولماذا لم تتم دعوتنا؟ وما هي الشعارات التي ينبغي على الجميع التزام الهتاف بها ووالاعلام التي يجب رفعها او عدمه؟ ومن يشارك ومن لا؟ ومن يلقي كلمة ومن لا؟ أما اليوم فقد كان الاجماع سيد الموقف. وعندما تحركت المسيرة قرصني أحد الاصدقاء الذي كان واقفا الى جانبي قائلا بخبث: ألآن لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة، منذ سنوات لم نر مثل هذه المسيرة.
حقا، كانت مسيرة جبارة، ولكن....وراء الاكمة ما وراؤها.
جاءت هذه المظاهرة في نهاية المطاف ردا على قرار موظف حكومي من الصف الثاني من بين صناع القرار في السياسة الاسرائيلية. ومن غير الاستخفاف بالدور الذي انيط به وبدوافعه وغاياته، إلا انه يبقى قرار لموظف ينفذ سياسة حكومية معروفة. في السنتين الاخيرتين إقترفت حكومة إسرائيل جرائم ابشع بما لا يقاس (الحرب الهمجية على لبنان، القنل اليومي في غزة، الحصار الغاشم على غزة) في جميع هذه الحالات التي كانت تتطلب ردا سريعا وحاسما كانت حركة لجنة المتابعة واحزابها كحركة المصاب بإعاقة جسدية يترنح ذات اليمين وذات الشمال. بينما بدت في هذه المرة في عنفوان شبابها وقوتها. لماذا؟؟ حسب رأيي السبب بسيط وواضح: إدانة قرار مزوز لا يتطلب موقفا سياسيا حاسما، ويمكن تناوله من باب موقف إنساني بحت يتلخص بالدفاع عن حقوق الانسان. لا يجرؤ أحد أن يعارضه. هكذا، وأخيرا وقعت فرصة من السماء لإتخاذ موقف موحد من غير أن يتهمنا أحد بالتطرف.
الجماهير لبت النداء ليس بفضل هذه القيادة بل على الرغم منها. وخير دليل على ذلك انها لم تهتم بسماع الخطابات الجوفاء المجترة في نهاية المسيرة، هذا بالرغم من أن صوت الخطيب الرئيسي إزداد صخبا عن السابق.
الجماهير تغلي منذ فترة طويلة وهي تشاهد الجرائم اليومية التي تقترفها اسرائيل، وقد طال انتظارها. إلا أن هذه القيادة كانت اشد جبنا من أن تحشد الجماهير لمظاهرة سياسية مكشوفة، ضد الحصار والاغتيالات في غزة مثلا ( وبالمناسبة يقترفها ايهود براك المسؤول عن قتل ال13 شهيدا). جاءت هذه المناسبة لكي تفتح صمام الامان وتدع الجماهير تنفس عن غيظها.
بهذه المناسبة أود التذكير ببعض الملاحظات:
1) بعد أكثر من 7 سنوات قادتنا مؤسسة عدالة وغيرها في رحلة عقيمة وراء سراب العدالة الاسرائيلية، ابتداء بطلب إقامة لجنة تحقيق رسمية، مرورا برؤية جوانب ايجابية في تقرير لجنة أور يجب الاستفادة منها حتى قرار مزوز الاخير، يخرج الينا حسن جبارين بقوله :" لا يوجد لدينا اية ثقة في جهاز القضاء الاسرائيلي بكل ما يخص جريمة أكتوبر". صح النوم. وهل ما زالت لديكم ثقة بهذا الجهاز فيما يخص جرائم أخرى؟؟
2) في مقال مطول نشره أيمن عودة في موقع الجبهة تحت عناون: "المطلوب: لجنة تحقيق حيادية بمشاركة مختصين دوليين". وهل هناك ثمة حاجة الى تحقيق حيادي أو غير حيادي يا رفيق؟ هذا هو القاتل وهذه هي جثة القتيل. كلنا يعرف من هو المجرم وما هي حيثيات وتفاصيل الجريمة. لنتعلم شيئا من اللبنانيين، مع انهم لا يعرفون من الذي قتل رفيق الحريري وبمجرد انهم يشكون في جهة معينة يطالبون بمحكمة دولية. فلماذا لا نقول: " المطلوب: محكمة دولية تحاكم القتلة"؟
3) همسة في اذن لجنة أهالي الشهداء: الشهداء ال 13 هم جزؤ لا يتجزأ من شهداء إنتفاضة الاقصى الذين وصل عددهم الى أكثر من 5000 شهيد. سقطوا من أجل الغاية نفسها وبرصاص العدو نفسه. ما الذي يميز شهدائنا عن شهداء شعبنا في الضة الغربية وغزة؟ هل هي بطاقة الهوية الزرقاء؟ هل هي المواطنة المزيفة التي يمنون بها علينا؟ كنت اتمنى أن تكون هناك لجنة لذوي كل شهداء فلسطين تعمل على محاكمة القتلة في كل ارجاء فلسطين. اذا كان قتل 13 شهيدا يحتم إقامة لجنة تحقيق فكم لجنة تحقيق يستحق قتل الشهيد محمد الدرة وايمان حجو وصالح شحادة واحمد ياسين وابو علي مصطفى وآلاف الشهداء الاخرين؟
جماهيرنا الفلسطينية ناضجة ومستعدة لخوض الاضراب الشامل والمسيرات الشعبية للتصدي للجرائم التي تقترفها الحكومة الاسرائيلية ضد شعبنا، السؤال هل تجرؤ الزعامة الراهنة على قيادة هذا النضال في إطاره الوطني العام؟

وداعا يا حكيم وداعا يا آخر عمالقة النضال الوطني الفلسطيني



فقد الشعب الفلسطيني والامة العربية وأحرار العالم مناضلا عنيدا إكتسب وبحق لقب حكيم الثورة وضميرها. بل كان اكثر من ذلك، فقد كان البوصلة التي ترسم الطريق امام الجماهير التائهة في فيافي اللجوء والتشرد. وكان الشعلة التي تبدد الظلام الحالك الذي خيم على الشعب الفلسطيني والامة العربية والتي بعثت فينا الدفئ والامل. وكان السنديانة التي اقتلعت من ارضها ولكنها رفضت أن تستسلم لمصيرها.
كان رحيل جورج حبش خسارة لا تعوض للشعب الفلسطيني، فقد كان المقاوم الذي ابى الاستسلام ورأى بالمساومة والتفاوض مع المغتصب الغاشم عارا وظل أمل العودة هاجسه حتى اللحظة الاخيرة. وكان هذا الرحيل خسارة فادحة للامة العربية. فهو لم يعترف قطعا بالحدود الاصطناعية المزيفة التي رسمها الاستعمار القديم والحديث من أجل تقطيع اوصال العالم العربي. وكان هذا الرحيل خسارة فادحة للمناضلين من أجل الحرية والاستقلال في جميع الاجاء العالم. فقد كان يرى وحدة نضال شعوب العالم المضطهدة من فيتنام الى كوبا الى الجزائر واليمن وباقي اصقاع الارض.
لقد حسم الامور بكل بساطة ولكن بكل دقة: العدو هو الامبريالية العالمية والصهيونية والرجعية العربية.
هذه المقالة ليست نعيا للحكيم، وليست دراسة في فكره أو تقيما لتجربته النضالية، انها لا تعدو من كونها اكثر من محاولة للتوقف عند بعض المحطات الفارقة في مسيرته التي انقطعت قبل أن تصل الى هدفها من أجل التأمل لا غير، وربما من أجل إثارة بعض الخجل عند بعض الذين شاركوا بالتشييع والتأبين وذرفوا دموع التماسيح على وفاته وكالوا على نعشه المدائح المزيفة. القضية ليست شخصية بل هي مبدئية من الدرجة الاولى. هل يحق للذي ساوم وفاوض وفرط بالثوابت أن يسير بلا خجل في جنازة من رفض المساومة وقدم حياته ثمنا لمقاومة نهج التسوية؟ هل يحق للذي يعتبر أن 90% من أوراق حل القضية الفلسطينية في يد الامبريالية الامريكية أن يشيع من كان يعتبر هذه الامبريالية العدو الاول للشعوب؟ وهل يحق للذي يتمرمغ في غبار المؤسسة الاسرائيلية أن يقف امام ضريح من شردته هذه المؤسسة ؟
لم أكن في يوم من الايام عضوا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بل كنت أشد من انتقد بعض منطلقاتها الفكرية وبعض ممارستها النضالية. ولعل اشد نقدي على الجبهة الشعبية الذي كان يصل احيانا الى حد الغضب هو قبول مثل هذه الشخصيات في الصف الوطني تحت ذريعة الحفاظ على الوحدة الوطنية.
لقد انطلقت حناجر المشيعين الشباب بهتافات شقت الفضاء تردد: الحكيم وصانا وصية، صونوا الوحدة الوطنية. نعم ايها الرفاق الاعزاء يجب أن نصون الوحدة الوطنية كما نصون بؤبؤ عيوننا، ولكن هل اصبح الارتماء في أحضان أمريكا وإسرائيل وطنية؟ لقد قدم اليمين الفلسطيني التنازلات للصهيونية والامبريالية الى حد التفريط بأبسط الحقوق بينما قدم اليسار الفلسطيني وللأسف التنازلات لهذا اليمين بالوحدة معه. في الماضي، وكما حددها الحكيم كانت هذه الوحدة نسبية ومشروطة وكانت مسيجة بموقف صلب وثابت حفاظا على الحقوق الوطنية المشروعة وعلى رأسها حق العودة. اما اليوم فقد انجرفت السدود وعم الطوفان وأصبح من الضروي إعادة النظر بشعار "الوحدة الوطنية" أو على الاقل إعادة تعريفه. المعادلة السابقة بين الحفاظ على الوحدة الوطنية من جهة والتمسك بالثوابت من جهة أخرى قد إختلت موازينها ولم تعد فعالة. لا وحدة مع من إختار طريق ضرب المقاومة والمحافظة على أمن المغتصبين.
في رأيي المتواضع أن أحد الاخطاء التي وقعت بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ تأسيسها هو عدم طرح نفسها بديلا لقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني الممثلة باليمين الفلسطيني وقبولها بهذه القيادة حتى إنجاز التحرر الوطني. غير ان تاريخ الصراع قد اثبت عجز هذه القيادة التي كانت تسمى بالبرجوازية الوطنية عن إنجاز مثل هذا التحرر. ما حدث بالفعل كان على العكس من ذلك تماما، فقد كانت هذه القيادة تبحث دائما عن مساومة، تسوية تؤمن لها بعض الامتيازات. فقط الطبقات المسحوقة بقيادة ثورية هي الوحيدة القادرة ليس على التحرير الوطني فحسب بل وعلى التحرير الاجتماعي أيضا.
لقد اثبتت نظرية تقسيم الثورة الى مرحلتين: مرحلة التحرر الوطني ومن ثم فقط مرحلة الثورة الاشتراكية فشلها. الثورة الاشتراكية بقيادة العمال والفلاحين وباقي الفئات المسحوقة هي وحدها القادرة على تحرير الارض المغتصبة.
إذا اردنا أن نكون حريصين على تراث جورج حبش النضالي والثوري يجب علينا أن نحذر من الوقوع في مستنقع الجمود العقائدي، يجب أن نعمل جاهدين من أجل تجديد الانطلاقة الثورية على صعيد الفكر والممارسة. وكما قال لينين عن الحزب البلشفي أنه اشتد عوده وتتطور من خلال تطهير العناصر الانتهازية والمتساقطة في صفوف الحزب نفسه علينا نحن ايضا أن ننبذ تلك العناصر التي آثرت الارتماء في أحضان الامبريالية والصهيونية ومواصلة المسيرة.
لن ندع غربان التسوية ينعقون في القلعة التي شيدها الحكيم ويحولوها الى خراب. لنجعل صموده في وجه تيار التسوية الجارف وتشبثه بالحقوق الطبيعية والمشروعة للشعب الفلسطيني الصخرة التي تتحطم عليها كافة الحلول التصفووية.