Thursday, February 07, 2008

وداعا يا حكيم وداعا يا آخر عمالقة النضال الوطني الفلسطيني



فقد الشعب الفلسطيني والامة العربية وأحرار العالم مناضلا عنيدا إكتسب وبحق لقب حكيم الثورة وضميرها. بل كان اكثر من ذلك، فقد كان البوصلة التي ترسم الطريق امام الجماهير التائهة في فيافي اللجوء والتشرد. وكان الشعلة التي تبدد الظلام الحالك الذي خيم على الشعب الفلسطيني والامة العربية والتي بعثت فينا الدفئ والامل. وكان السنديانة التي اقتلعت من ارضها ولكنها رفضت أن تستسلم لمصيرها.
كان رحيل جورج حبش خسارة لا تعوض للشعب الفلسطيني، فقد كان المقاوم الذي ابى الاستسلام ورأى بالمساومة والتفاوض مع المغتصب الغاشم عارا وظل أمل العودة هاجسه حتى اللحظة الاخيرة. وكان هذا الرحيل خسارة فادحة للامة العربية. فهو لم يعترف قطعا بالحدود الاصطناعية المزيفة التي رسمها الاستعمار القديم والحديث من أجل تقطيع اوصال العالم العربي. وكان هذا الرحيل خسارة فادحة للمناضلين من أجل الحرية والاستقلال في جميع الاجاء العالم. فقد كان يرى وحدة نضال شعوب العالم المضطهدة من فيتنام الى كوبا الى الجزائر واليمن وباقي اصقاع الارض.
لقد حسم الامور بكل بساطة ولكن بكل دقة: العدو هو الامبريالية العالمية والصهيونية والرجعية العربية.
هذه المقالة ليست نعيا للحكيم، وليست دراسة في فكره أو تقيما لتجربته النضالية، انها لا تعدو من كونها اكثر من محاولة للتوقف عند بعض المحطات الفارقة في مسيرته التي انقطعت قبل أن تصل الى هدفها من أجل التأمل لا غير، وربما من أجل إثارة بعض الخجل عند بعض الذين شاركوا بالتشييع والتأبين وذرفوا دموع التماسيح على وفاته وكالوا على نعشه المدائح المزيفة. القضية ليست شخصية بل هي مبدئية من الدرجة الاولى. هل يحق للذي ساوم وفاوض وفرط بالثوابت أن يسير بلا خجل في جنازة من رفض المساومة وقدم حياته ثمنا لمقاومة نهج التسوية؟ هل يحق للذي يعتبر أن 90% من أوراق حل القضية الفلسطينية في يد الامبريالية الامريكية أن يشيع من كان يعتبر هذه الامبريالية العدو الاول للشعوب؟ وهل يحق للذي يتمرمغ في غبار المؤسسة الاسرائيلية أن يقف امام ضريح من شردته هذه المؤسسة ؟
لم أكن في يوم من الايام عضوا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بل كنت أشد من انتقد بعض منطلقاتها الفكرية وبعض ممارستها النضالية. ولعل اشد نقدي على الجبهة الشعبية الذي كان يصل احيانا الى حد الغضب هو قبول مثل هذه الشخصيات في الصف الوطني تحت ذريعة الحفاظ على الوحدة الوطنية.
لقد انطلقت حناجر المشيعين الشباب بهتافات شقت الفضاء تردد: الحكيم وصانا وصية، صونوا الوحدة الوطنية. نعم ايها الرفاق الاعزاء يجب أن نصون الوحدة الوطنية كما نصون بؤبؤ عيوننا، ولكن هل اصبح الارتماء في أحضان أمريكا وإسرائيل وطنية؟ لقد قدم اليمين الفلسطيني التنازلات للصهيونية والامبريالية الى حد التفريط بأبسط الحقوق بينما قدم اليسار الفلسطيني وللأسف التنازلات لهذا اليمين بالوحدة معه. في الماضي، وكما حددها الحكيم كانت هذه الوحدة نسبية ومشروطة وكانت مسيجة بموقف صلب وثابت حفاظا على الحقوق الوطنية المشروعة وعلى رأسها حق العودة. اما اليوم فقد انجرفت السدود وعم الطوفان وأصبح من الضروي إعادة النظر بشعار "الوحدة الوطنية" أو على الاقل إعادة تعريفه. المعادلة السابقة بين الحفاظ على الوحدة الوطنية من جهة والتمسك بالثوابت من جهة أخرى قد إختلت موازينها ولم تعد فعالة. لا وحدة مع من إختار طريق ضرب المقاومة والمحافظة على أمن المغتصبين.
في رأيي المتواضع أن أحد الاخطاء التي وقعت بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ تأسيسها هو عدم طرح نفسها بديلا لقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني الممثلة باليمين الفلسطيني وقبولها بهذه القيادة حتى إنجاز التحرر الوطني. غير ان تاريخ الصراع قد اثبت عجز هذه القيادة التي كانت تسمى بالبرجوازية الوطنية عن إنجاز مثل هذا التحرر. ما حدث بالفعل كان على العكس من ذلك تماما، فقد كانت هذه القيادة تبحث دائما عن مساومة، تسوية تؤمن لها بعض الامتيازات. فقط الطبقات المسحوقة بقيادة ثورية هي الوحيدة القادرة ليس على التحرير الوطني فحسب بل وعلى التحرير الاجتماعي أيضا.
لقد اثبتت نظرية تقسيم الثورة الى مرحلتين: مرحلة التحرر الوطني ومن ثم فقط مرحلة الثورة الاشتراكية فشلها. الثورة الاشتراكية بقيادة العمال والفلاحين وباقي الفئات المسحوقة هي وحدها القادرة على تحرير الارض المغتصبة.
إذا اردنا أن نكون حريصين على تراث جورج حبش النضالي والثوري يجب علينا أن نحذر من الوقوع في مستنقع الجمود العقائدي، يجب أن نعمل جاهدين من أجل تجديد الانطلاقة الثورية على صعيد الفكر والممارسة. وكما قال لينين عن الحزب البلشفي أنه اشتد عوده وتتطور من خلال تطهير العناصر الانتهازية والمتساقطة في صفوف الحزب نفسه علينا نحن ايضا أن ننبذ تلك العناصر التي آثرت الارتماء في أحضان الامبريالية والصهيونية ومواصلة المسيرة.
لن ندع غربان التسوية ينعقون في القلعة التي شيدها الحكيم ويحولوها الى خراب. لنجعل صموده في وجه تيار التسوية الجارف وتشبثه بالحقوق الطبيعية والمشروعة للشعب الفلسطيني الصخرة التي تتحطم عليها كافة الحلول التصفووية.

No comments: