منذ زمن طويل لم تشهد ساحتنا المحلية مظاهرة زخمة كما شهدتها سخنين يوم الجمعة الماضي إحتجاجا على قرار المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز إغلاق ملفات رجال الشرطة الذين إغتالوا 13 فلسطينيا في أكتوبر 2000. للوهلة الاولى تبدو مشاركة هذا الكم الهائل من المتظاهرين أمرا مدهشا وغير متوقع ويدعو الى التساؤل. ماذا جرى؟ لماذا كانت مظاهرة الذكرى الثامنة في أكثوبر الاخير هزيلة؟ (النصف أو أقل) وحتى لا يمكن مقارنتها بمظاهرة يوم الارض الاخيرة أو المظاهرات القطرية التي نظمت مؤخرا تضامنا مع قطاع غزة من أجل فك الحصار عنها. هل طرأ تطور ما لا نعرفه على لجنة المتابعة او على الاحزاب السياسية المكونة لها؟ لماذا في المظاهرات السابقة كانت الاحزاب تكتفي بمشاركة بعض قياديها وبعض نشطائها بينما جندت لهذه المظاهرة قدر ما استطاعت؟.
أذكر انه في مظاهرة قطرية على حاجز ايريز قبل فترة وجيزة شارك أحد الاحزاب الرئيسية الفاعلة على الساحة بعنصر قيادي واحد لا غير وذلك لأسباب يعرفها الكثيرون.
لطالما انتقدت لجنة المتابعة والاحزاب الفاعلة تحت كنفها بالتخاذل وبإفتعال الصراعات الوهمية: من بادر للنشاط؟ ولماذا لم تتم دعوتنا؟ وما هي الشعارات التي ينبغي على الجميع التزام الهتاف بها ووالاعلام التي يجب رفعها او عدمه؟ ومن يشارك ومن لا؟ ومن يلقي كلمة ومن لا؟ أما اليوم فقد كان الاجماع سيد الموقف. وعندما تحركت المسيرة قرصني أحد الاصدقاء الذي كان واقفا الى جانبي قائلا بخبث: ألآن لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة، منذ سنوات لم نر مثل هذه المسيرة.
حقا، كانت مسيرة جبارة، ولكن....وراء الاكمة ما وراؤها.
جاءت هذه المظاهرة في نهاية المطاف ردا على قرار موظف حكومي من الصف الثاني من بين صناع القرار في السياسة الاسرائيلية. ومن غير الاستخفاف بالدور الذي انيط به وبدوافعه وغاياته، إلا انه يبقى قرار لموظف ينفذ سياسة حكومية معروفة. في السنتين الاخيرتين إقترفت حكومة إسرائيل جرائم ابشع بما لا يقاس (الحرب الهمجية على لبنان، القنل اليومي في غزة، الحصار الغاشم على غزة) في جميع هذه الحالات التي كانت تتطلب ردا سريعا وحاسما كانت حركة لجنة المتابعة واحزابها كحركة المصاب بإعاقة جسدية يترنح ذات اليمين وذات الشمال. بينما بدت في هذه المرة في عنفوان شبابها وقوتها. لماذا؟؟ حسب رأيي السبب بسيط وواضح: إدانة قرار مزوز لا يتطلب موقفا سياسيا حاسما، ويمكن تناوله من باب موقف إنساني بحت يتلخص بالدفاع عن حقوق الانسان. لا يجرؤ أحد أن يعارضه. هكذا، وأخيرا وقعت فرصة من السماء لإتخاذ موقف موحد من غير أن يتهمنا أحد بالتطرف.
الجماهير لبت النداء ليس بفضل هذه القيادة بل على الرغم منها. وخير دليل على ذلك انها لم تهتم بسماع الخطابات الجوفاء المجترة في نهاية المسيرة، هذا بالرغم من أن صوت الخطيب الرئيسي إزداد صخبا عن السابق.
الجماهير تغلي منذ فترة طويلة وهي تشاهد الجرائم اليومية التي تقترفها اسرائيل، وقد طال انتظارها. إلا أن هذه القيادة كانت اشد جبنا من أن تحشد الجماهير لمظاهرة سياسية مكشوفة، ضد الحصار والاغتيالات في غزة مثلا ( وبالمناسبة يقترفها ايهود براك المسؤول عن قتل ال13 شهيدا). جاءت هذه المناسبة لكي تفتح صمام الامان وتدع الجماهير تنفس عن غيظها.
بهذه المناسبة أود التذكير ببعض الملاحظات:
1) بعد أكثر من 7 سنوات قادتنا مؤسسة عدالة وغيرها في رحلة عقيمة وراء سراب العدالة الاسرائيلية، ابتداء بطلب إقامة لجنة تحقيق رسمية، مرورا برؤية جوانب ايجابية في تقرير لجنة أور يجب الاستفادة منها حتى قرار مزوز الاخير، يخرج الينا حسن جبارين بقوله :" لا يوجد لدينا اية ثقة في جهاز القضاء الاسرائيلي بكل ما يخص جريمة أكتوبر". صح النوم. وهل ما زالت لديكم ثقة بهذا الجهاز فيما يخص جرائم أخرى؟؟
2) في مقال مطول نشره أيمن عودة في موقع الجبهة تحت عناون: "المطلوب: لجنة تحقيق حيادية بمشاركة مختصين دوليين". وهل هناك ثمة حاجة الى تحقيق حيادي أو غير حيادي يا رفيق؟ هذا هو القاتل وهذه هي جثة القتيل. كلنا يعرف من هو المجرم وما هي حيثيات وتفاصيل الجريمة. لنتعلم شيئا من اللبنانيين، مع انهم لا يعرفون من الذي قتل رفيق الحريري وبمجرد انهم يشكون في جهة معينة يطالبون بمحكمة دولية. فلماذا لا نقول: " المطلوب: محكمة دولية تحاكم القتلة"؟
3) همسة في اذن لجنة أهالي الشهداء: الشهداء ال 13 هم جزؤ لا يتجزأ من شهداء إنتفاضة الاقصى الذين وصل عددهم الى أكثر من 5000 شهيد. سقطوا من أجل الغاية نفسها وبرصاص العدو نفسه. ما الذي يميز شهدائنا عن شهداء شعبنا في الضة الغربية وغزة؟ هل هي بطاقة الهوية الزرقاء؟ هل هي المواطنة المزيفة التي يمنون بها علينا؟ كنت اتمنى أن تكون هناك لجنة لذوي كل شهداء فلسطين تعمل على محاكمة القتلة في كل ارجاء فلسطين. اذا كان قتل 13 شهيدا يحتم إقامة لجنة تحقيق فكم لجنة تحقيق يستحق قتل الشهيد محمد الدرة وايمان حجو وصالح شحادة واحمد ياسين وابو علي مصطفى وآلاف الشهداء الاخرين؟
جماهيرنا الفلسطينية ناضجة ومستعدة لخوض الاضراب الشامل والمسيرات الشعبية للتصدي للجرائم التي تقترفها الحكومة الاسرائيلية ضد شعبنا، السؤال هل تجرؤ الزعامة الراهنة على قيادة هذا النضال في إطاره الوطني العام؟
No comments:
Post a Comment