في عصر العولمة المنفلتة من عقالها، عصر العربدة الامريكية – الاسرائيلية، يتم الدوس على جميع القيم والاعراف الانسانية بوقاحة منقطعة النظير. صرح ايهود براك وزير الحرب الاسرائيلي أمام حكومته وأمام وسائل الاعلام الاسرائيلية والعالمية، من غير لف أو دوران: " لقد قتلنا خلال أربع أشهر 200 مخربا، 16 في اليومين الاخيرين والعمليات مستمرة".
هكذا إذن، العائلة التي تصحو من النوم على وقع الصواريخ الاسرائيلية على رؤوسها بما فيهم الشيخ والمرأة والطفل هم في نظر براك مخربون. البنت التي تعود من مدرستها حاملة حقيبتها على ظهرها وتسقط برصاص جنود الجيش الاقوى في المنطقة هي ايضا مخربة. كل فلسطيني هو مخرب بالقوة إذا لم يكن بالفعل. هكذا يقول المنطق الاسرائيلي. ألا توجد هناك محكمة اسرائيلية أو عربية أو دولية تقول لبراك: اثبت لنا أن ال200 شخص الذين اصدرت أوامرك بقتلهم هم مخربون!! ألا يوجد هناك في العالم أجمع من يمتلك الشجاعة الانسانية ويصرخ في وجه براك: حتى ولو وافقنا معك جدلا أن جميع هؤلاء مخربون، فمن أعطاك الحق أن تكون انت الذي توجه التهم وأنت القاضي ومنفذ الحكم في الوقت نفسه؟
لقد آن الاوان على كل من يطلق على نفسه شرعية دولية، من أمم متحدة ومنظمات حقوق إنسان ومحاكم دولية أن تخجل من نفسها وهي تبحث بالسراج والفتيلة عن مجرمي حرب يختبئون في صربيا ورواندا وغيرها من دول العالم بينما يصرح أحدهم بأعلى صوته وفي وضح النهار انه قتل خلال 4 أشهر 200 وأنه سوف يقتل المزيد.
عادت جوقة الغربان الاسرائلية التي تنعق بالخراب للإجتماع من جديد وبدأت تعزف سيمفونيتها الدموية التي عزفتها في حزيران عام 2006 أثناء العدوان على لبنان: يجب أن نقتل أكثر، يجب أن ندمر أكثر، يجب أن نمحو قرى كاملة من الوجود. إذا لم يفهم العرب أن عليه الاستسلام بالقوة فيجب إستعمال المزيد من القوة.
هذا وزير الخارجية شطريت يدعو الى إزالة حارات كاملة في غزة. وها هو شاؤول موفاز الذي لم يكفيه ما قتله ودمره عندما كان في مكان براك يدعو الى قتل محمود الزهار لكي يلحق بولديه اللذين ثكلهما مؤخرا والى قتل جميع القادة السياسيين من غير تمييز. وهذا نائب رئيس الحكومة حايم رامون يدعو الى قطع الكهرباء نهائيا عن غزة. وها هو غابي اشكنازي رئيس اركان الجيش يجتمع مع ضباطه لوضع اللمسات الاخيرة لتنفيذ الجريمة. كل صباح وكل مساء هناك مسؤول آخر يطلع بتصريح جديد غير مسبوق، وكأنهم في سباق.
مرة أخرى تصطف وسائل الاعلام الاسرائيلية المقروءة والمسموعة والمرئية وراء الحكومة محرضة على ارتكاب الجريمة. فهذا الصحفي في جريدة هآرتس رون بن يشاي يحدد اهداف الجريمة وطريقة تنفيذها: إجتياح شامل لقطاع غزة، القضاء على حماس وإقصاؤها عن السلطة، جعل غزة منطقة منزوعة السلاح وأحتلال المعابر لسنوات طويلة قادمة.
هذا ما تعلموه من الحرب الاخيرة في لبنان. هذه هي العبر التي إستخلصتها لجنة فينوغراد ويريدون تطبيقها في غزة. ما فشلوا في تحقيقه في لبنان يريدون أن يحققوه في غزة. هذا هو مقياس دراسة العبر من الحرب. المزيد من الدمار والتدمير، المزيد من القتل وسفك الدماء، المزيد من استعمال القوة والاسلحة الفتاكة.
من يظن اننا سوف نكون بمنأى عن الحرب القادمة ونتائجها الوخيمة فهو مخطئ. كجزء مكمل لإجتياح غزة يوجود هناك خطة جاهزة للتعامل مع فلسطينيي الداخل اذا قاموا "بإعمال شغب"، ومنها وضع الشرطة وحرس الحدود على اهبة الاستعداد وتزويدها بكل ما تحتاجه من وسائل القمع. المسؤول عن مقتل 13 شابا عام 2000 سيكون مسؤولا عن مقتل المزيد. هل ظننتم أن لجان التحقيق الرسمية وغير الرسمية ضمان لسلامتكم؟؟
المصيبة الكبرى هي أن إسرائيل لا تقترف هذه الجرائم منفردة، ولا أعني مشاركة الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي المباشرة وغير المباشرة فحسب، بل هناك المشاركة العربية والفلسطينية أيضا. من المستحيل أن تنجح إسرائيل في إقتراف هذا الكم الهائل من الجرائم لولا التغطية العربية من المحيط الى الخليج. ولولا تقاعس جماهيرنا العربية.
هل سنكون على مستوى الحدث أم سنبقى على هامش التاريخ الى أجل طويل؟ هذا ما سوف تزوده بنا الايام.
No comments:
Post a Comment