Wednesday, August 29, 2012

هل حقا قضية الاسرى قضية وطنية؟

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009037 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009021
هل حقا قضية الاسرى قضية وطنية؟
علي زبيدات – سخنين
الجواب القاطع على هذا السؤال أو التساؤل من قبل كافة الحركات والتنظيمات واللجان في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ والمحتلة عام ١٩٦٧ وفي الشتات: إن هذه القضية هي قضية وطنية من الدرجة الاولى وتأتي مباشرة بعد حق اللاجئين بالعودة الى ديارهم. قد يكون ذلك صحيحا على الصعيد النظري وعلى صعيد الشعارات ولكن هل هو صحيح على الصعيد العملي أيضا؟ جوابي بدون تحفظ أو تردد هو لا ثم لا.
كتبت عن هذا الموضوع منذ حوالي سنة، في أعقاب تحرير بعض أسرى الداخل نتيجة لصفقة التبادل وقلت حينذاك: إذا كانت قضية الاسرى قضية وطنية فيجب التعامل معها بصفتها كذلك. أي يجب استقبال الاسرى والاحتفاء بهم وتهنئتهم من خلال مهرجان وطني عام يتم الاعداد له ودعوة كل من يحب أن يشارك مسبقا. وهذا الامر مهم جدا وضروري جدا للأشخاص غير المؤطرين في حزب معين أو لجنة معينة ولكنه في الوقت نفسه يهتم بقضية الاسرى كقضية وطنية. مثل هذا العمل لم يتم. حيث هرولت الوفود الحزبية ووفود اللجان المختصة من مكان الى مكان مستقبلة أو مهنئه هذا الاسير المحرر أو ذاك. وكانت هذه الوفود تشكل من خلال الالتزام الحزبي او المعرفة الشخصية وتظهر على الملأ بعد النشر عنها في جريدة أو في موقع إخباري.
كم كنت أود أن أكون من بين المستقبلين للأسيرة المحررة ورود قاسم في الطيرة أو على الاقل تقديم التهاني لها فيما بعد. وانتظرت حتى أشاهد دعوة عامة صادرة عن مؤسسة وطنية للقيام بهذا الواجب. انتظرت طويلا ولكني لم أشاهد دعوة من هذا النوع، كل ما شاهدته هو أن وفد التجمع يضم فلان وفلان وفلان يهنئ الاسيرة المحررة، ووفد من أبناء البلد يضم فلان وفلان يهنئ الاسيرة المحررة، ووفد من الحركة الوطنية الاسيرة يضم فلان وفلان يهنئ الاسيرة المحررة، وبيان صادر عن عضو الكنيست الفلاني أو الحركة الفلانية، وقس على هذا المنوال. وماذا يفعل من لا ينتمي الى هذا الحزب أو تلك اللجنة؟ يبقى يتيما ويكتفي بتهنئة صامتة صادرة من القلب. ما الذي سيحدث لو قامت هذه الاحزاب واللجان الفئوية بتوجيه دعوة عامة لربما وجد هناك من ليس لديه الحساسية وينظم لوفد معين حتى وإن لم يكن ملتزما في إطاره؟ ولا اريد أن أسأل لماذا لا تقوم هذه الاحزاب واللجان بالتنسيق فيما بينها للقيام بهذه المهمة السهلة وهي الاحتفاء أو تقديم التهنئة لأسير محرر بعيدا عن الفؤية؟ ولا أريد أن أسأل: أين دور لجنة المتابعة واللجنة المختصة بالاسرى المنبثقة عنها؟
قبل أيام تم تحرير الاسير السياسي صدقي المقت من الجولان المحتل بعد أن أمضى في غياهب السجون الاسرائيلية أكثر من ربع قرن وتكررت الصورة نفسها. هرولت الوفود من كل حدب وصوب مستقبلة ومهنئة وبقي المواطن البسيط متخلفا عن الركب وذلك فقط لأنه لا ينتمي الى هذا الحزب أو تلك الجمعية.
قد يقول البعض: يمكن القيام بهذا الواجب بشكل فردي أو على صعيد مجموعة من الاصدقاء. طبعا هذا ممكن، ولكني أقول أنه يجب التعامل مع قضية وطنية بشكل وطني. هل من المستحيل أو حتى من الصعب تشكيل وفد على صعيد وطني يصعد الى الجولان مهنئا بغض النظر عما يجري من مآسي في سوريا وبغض النظر من موقف الاسير المحرر أو الطرف المهنئ من هذه الاحداث؟.
عندما نقول أن قضية الاسرى في السجون الاسرائيلية هي قضية وطنية فإننا نعني من ضمن ما نعنيه أن هويته كأسير تغلب هويته كعضو في تنظيم معين أو كمن يتخذ هذه المواقف السياسية أو تلك ويعتنق هذه الايديولوجية أو تلك. عندما يكون المناضل أسيرا سياسيا يواجه المحتل ليس يوميا فحسب بل في كل لحظة من حياته يصبح انتماؤه التنظيمي ثانويا فلا فرق هناك بين الاسير الذي ينتمي لفتح أو حماس أو الشعبية أو أي تنظيم آخر أو كان من غير تنظيم بتاتا. فقط بعدما يتحرر ويصبح التزامه التنظيمي هو الغالب يمكن التعامل معه كعضو في هذا التنطيم أو ذاك.
يقول المثل: أن يجيء الشيء متأخرا خير من ألا يأتي بتاتا. أرجو أن نرتقي في تعاملنا مع الاسرى الى المستوى المطلوب ليس في حالة استقبالهم وتهنئتهم فحسب بل في مناصرتهم والوقوف الى جانبهم في نضالاتهم المستمرة أيضا.

Wednesday, August 22, 2012

ما الحكمة من وراء تغيير اسم مدرسة الحكمة الثانوية في سخنين؟

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009878 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009862
ما الحكمة من وراء تغيير اسم مدرسة الحكمة الثانوية في سخنين؟
علي زبيدات – سخنين
يفيد الخبر، بعد شطب كلمات المجاملة التي تجاوزت كل مقاييس المبالغة في مثل هذه المناسبات، والتي سوف اتحاشى بقدر الامكان التطرق اليها: أن بلدية سخنين برئاسة مازن غنايم بالتنسيق مع إدارة مدرسة الحكمة الثانوية وعائلة الفقيد قد قررت اطلاق اسم "جمال طربيه الثانوية" على مدرسة الحكمة الثانوية. حتى هنا يبدو الخبر عاديا خصوصا وأن هذا القرار قد اتخذ بالاجماع من قبل المعارضة الجبهوية التي كان ينتمي اليها الفقيد ومن قبل الائتلاف المنافس وأكاد أقول المعادي للجبهة، بتلاقي فريد من نوعه في المصالح وبمباركة كاملة من قبل ادارة المدرسة وعائلة المرحوم. ولكن بتغييب مقصود لباقي الاطراف الاخرى المعنية وخصوصا طلاب المدرسة الذين يفوق عددهم على ألف طالب، ولجنة أولياء الامور واللجنة الشعبية.ـ وكأن المدرسة التي خرجت قبل فترة وجيزة الفوج ال٣٩ هي مزرعة خاصة يمكن التلاعب بإسمها وبمكانتها حسب أهواء المسؤولين عنها بالرغم من كونهم عابرين.
أذكر أنه قبل ثلاثين عاما عندما كانت المدرسة الثانوية في أول عهدها وما زالت تبحث عن اسم لها، كنت يومها عضوا في حركة أبناء البلد وكانت الذكرى العاشرة لاستشهاد الكاتب والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني. فوجدنا أن أفضل اسم يمكن أن يطلق علىيها هو: "مدرسة غسان كنفاني - سخنين" . وزعنا منشورا على أهل البلد تضمن اقتراحنا هذا، ولكن أبناء البلد في ذلك الوقت لم يكن لها مكان في البلديةــ لا مع المعارضة ولا مع الائتلاف. كان رئيس السلطة المحلية في ذلك الوقت المرحوم جمال طربيه. لم نتوجه اليه بشكل رسمي واكتفينا بتسليمه نسخة من المنشور. كنا نؤمن بالضغط الجماهيري، أي كنا ساذجين. طبعا بعضنا في حركة أبناء البلد وأنا منهم كنا متأكدين أنه لا يوجد هناك من يجرؤ على تبني مثل هذا الاقتراح. واليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة لم يتغير شيئ. وأنا أتحدى أن تقوم أية مؤسسة تعليمية تتلقى ميزانيتها من وزارة المعارف وتطلق على نفسها اسم غسان كنفاني أو أي شهيد آخر اغتالته دولة اسرائيل.
على كل حال، منشور أبناء البلد طواه النسيان، وقرر من قرر أن يكون اسم المدرسة "مدرسة الحكمة الثانوية" وهو اسم حيادي سياسيا ولكنه مقبول تراثيا إذ يستلهم بيت الحكمة من أيام هارون الرشيد والمأمون والذى يعتبر أقدم جامعة في العالم حتى دمره هولاكو فيما دمره من بغداد. ويستلهم دار الحكمة التي بناها الحاكم بأمر الله في القاهرة واصبحت من أهم المراكز العلمية في العالم العربي. ومن ثم انتشر هذا الاسم كالفقع بعد ليل ماطر على أرض خصبة وشمل العديد من المدارس والكليات والمراكز الثقافية في جميع أرجاء العالم العربي من المحيط إلى الخليج.
تصوروا شخصا شارف الخمسين من عمره، يعرفه القاصي والداني باسمه وفجأة يطلق على نفسه اسما آخرا، ألا يبدو ذلك غريبا ومستهجنا؟ طبعا، احترام المرحوم جمال طربيه في مكانه محفوظ. المرحوم كان عضوا في تنظيم سياسي. كنا نتفق معه حينا ونختلف معه أحيانا. الان الاتفاق والاختلاف قد انتهيا وأصبحا في ذمة التاريخ. احياء ذكراه لا يتم بالخطابات العاطفية والمجاملات اللامعقولة. حسب رأيي هذا الاسلوب الذي يدغدغ العواطف والغرائز لا يخلد ذكرى أحد، بل على العكس فأنه يمس بمكانته وبذكراه. في خطابات التأبين والتعزية، كما في خطاباتنا السياسية، نفقد كل صلة لنا بالواقع حتى أتساءل في كثير من الاحيان: هل يدور الحديث عن الفقيد أم عن شخص آخر؟ بل في بعض الاحيان تجرفني هذه الخطابات وأتمنى، لكي أخرس الأنا القابع داخلي، أن آكون أنا المتوفي وكل هذه الخطابات تقال عني.
سوف نسمع المزيد من هذه الخطابات في أول الشهر القادم في الاحتفال الرسمي بتغيير الاسم.
لو ارادت البلدية حقا بالتعاون مع عائلة المرحوم واصدقائه أن تخلد ذكرى جمال طربيه فلماذا لا تبني مدرسة جديدة أو مركزا ثقافيا جديدا أو أية مؤسسة جديدة وتطلق عليها إسمه؟. أما أن تسطو على اسم قائم منذ حوالي نصف قرن فهذا أمر مستهجن ومرفوض خصوصا وأن وراء الأكمة ما وراؤها.
قد يقول البعض أن هذه حالة خاصة ومن الخطأ الفاحش تعميمها. حقا؟ لنقلب كل واحد من مكانه بعض صفحات التاريخ حتى نشاهد مدى تغلغل هذه الظاهرة السلبية في ثقافتنا.

Wednesday, August 15, 2012

الحرب القادمة والجبهة الداخلية

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000008672 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000008656
الحرب القادمة والجبهة الداخلية
علي زبيدات – سخنين
أظن كان ذلك دافيد بن غوريون الذي قال: “كل الشعب جيش وكل البلاد جبهة". في تاريخ البشرية، هذا التعريف ينطبق، بالاضافة إلى دولة إسرائيل الحديثة، على مدينة اسبارطة الاغريقية فقط. هذه المدينة التي دارت عليها الدوائر ودمرت أخيرا جراء الحروب المتواصلة التي شنتها. نحن، الفلسطينيون الذين لم يرحلوا في عام النكبة لسنا جزء من الشعب الاسرائيلي أو الشعب اليهودي، لا أدري أية تسمية هي الاصح، وبالتالي نحن لسنا جزءا من الجيش. وبالرغم من وجودنا في البلاد إلا أننا نعامل وكأننا غير موجودين. وإذا صدقنا أن هدف الجبهة الداخلية هو تقوية "المناعة الوطنية" وانقاذ حياة المواطنين، من خلال اعدادهم وتحضيرهم قبل المواجهات المسلحة وإنقاذ حياتهم خلالها وتأهيلهم وتقديم المساعدة لهم بعدها، فنجد أنفسنا نحن الفلسطينيون خارج هذه الاهداف. فإذا كان الوسط اليهودي يشكو من نقص في الملاجئ ومن جاهزيتها ونجاعتها، فماذا نقول نحن؟ أين هي الملاجئ؟ وطبعا لا ضرورة هناك للكلام عن إنقاذ حياة أثناء المواجهات ولا تأهيل والدعم بعدها. يبدو أن دولة إسرائيل لم تكتف بالحروب التي شنتها مند قيامها وحتى اليوم فها هي تحضر وتشد العالم الى حرب جديدة قد تكون من أشرس وأخطر الحروب التي عرفها عالمنا منذ الحرب العالمية الثانية. حتى اليوم شنت إسرائيل حروبها خارج حدودها ولكن منذ الحرب على لبنان عام ٢٠٠٦ ومن ثم على غزة اقتربت الحرب ليس فقط الى الحدود ولكن الى ما وراء الحدود أيضا. وبالرغم من كونها حروبا متواضعة إلا أن قيادة الجبهة الداخلية قد فشلت فشلا ذريعا في أول إختبار لها. لقد أجمعت كافة الاطراف الاسرائيلية من حكومة ومعارضة أن الجبهة الداخلية لم تكن جاهزة وأن صواريخ حزب الله اجتازت الحدود ووصلت الى حيفا، وكادت صواريخ غزة البدائية أن تصل الى تل أبيب. وأثناء المواجهات لم تستطع هذه القيادة انقاذ حياة شخص كما فشلت بعد المواجهات في تقديم التأهيل والدعم اللازم للمتضررين. حتى أن بعض الجنود الذين خاضوا المعارك تذمروا من الاهمال على شاشات التلفزيون الاسرائيلي نفسه.
في المدة الاخيرة نشهد تمارين مختلفة ومكثفة تقوم بها قيادة الجبهة الداخلية من ضمنها محاولة انقاذ مواطنين في حالة تعرضهم لهجوم صاروخي وفحص نظام توجيه رسائل نصية عبر الهواتف الخلوية وغيرها. تعامل هذه القيادة مع الفلسطينيين لم يتغير، فما زال هذا التعامل في اطار كونهم "طابورا خامسا".
أنا شخصيا أتفهم هذا التعامل على عكس اعضاء الكنيست العرب ورؤساء السلطات المحلية ولجنة المتابعة العليا الذين ينادون ببسط مظلة قيادة الجبهة الداخلية لكي تشمل الوسط العربي. ليس لأننا نمتلك المناعة ضد الصواريخ والاسلحة الكيماوية أو أننا نهوى الموت ولكن لأننا لا نشعر بأننا جزء من هذه الحرب أو هذا الجيش أو هذا الشعب ولا يوجد ما نربحه من هذه الحرب. فبينما كان سكان تل أبيب يبحثون عن الملاجئ عندما سقطت بعض الصواريخ بالقرب منها في حرب الخليج كان الفلسطينيون يصعدون الى سطوح المنازل للتفرج عليها. وبينما كان معظم سكان الجليل يرحلون جنوبا في عام ٢٠٠٦ كان الفلسطينيون يتفرجون عليها حتى عندما كانت تسقط عليهم وتوقع الخسائر بين صفوفهم.
أظن أن بن غوريون كان صادقا في مقولته آنفة الذكر، وربما اليوم أكثر من أي يوم مضى: كل الشعب جيش. والجيش بالطبع يريد الحرب. وكل البلاد جبهة ولكن ما العمل عندما تكون البلاد بطولها وعرضها أصغر من مدى صاروخ صغير؟ مع تعيين افي ديختر وزيرا لقيادة الجبهة لداخلية تكتمل الدائرة من العسكريين الاسرائيليين المهوسين بالحرب: وزير الحرب براك وقائد الجيش بني غينس يترأسهم رئيس الحكومة بمنيامين نتياهو، ليس فقط ضد ايران بحجة احباط برنامجها النووي بل أيضا في المنطقة بأسرها مما يهدد السلام العالمي. هل وصلت اسبارطة العصر الحديث الى نهاية طريقها؟

Wednesday, August 08, 2012

مؤامرة ومتآمرون

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009195 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009179
مؤامرة ومتآمرون
علي زبيدات – سخنين

لم أكن في يوم من الايام من أنصار نظرية المؤامرة. ببساطة أن لا أومن بأن الاحداث تحاك في الظلمات على شكل أسرار تقوم بها عقول منظمة متآمرة من العسير معرفتها ومعرفة نواياها الحقيقية وبالتالي تفتح المجال أمام الخيال الجامح ليمسك بخيوطها ويكشف حبكتها وتسلسلها حتى ينتهي الى كشف المؤامرة وإحباطها. وبالمقابل كنت أومن بأن نظرية المؤامرة هي في الحقيقة سلاح العاجز الذي يبحث عن تبريرات لعجزه وفشله المتواصلين. أو الغبي الذي لا يستطيع ان يستوعب تطور الاحداث ويتفاجأ دوما من حدوثها. شعوبنا العربية مدمنة على نظرية المؤامرة. ضياع فلسطين كان مؤامرة، تدمير العراق مؤامرة، الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا كلها مؤامرات. والقائمة تطول.
في المدة الاخيرة بدأت أغير رأيي وبدأت اتذوق هذا الادمان الشعبي على نطرية المؤامرات. ووجدت بالفعل أن كل ما يحدث لنا لا يمكن فهمه إلا بوجود مؤامرات دنيئة تحاك بطريقة شيطانية في الخفاء هدفها تقويض الأمة العربية وابقائها مفككة وضعيفة ترزج تحت نير الاستعمار الاجنبي المتعاون مع التخلف المحلي. وهكذا بدأت رحلتي ليس فقط لكشف هذه المؤامرات بل أيضا لتعقب آثار المتآمرين. فوجدت أن المؤامرات التي تحيكها لنا امريكا واوروبا واسرائيل هي مؤامرات مكشوفة ولا تستحق أن تسمى اصلا مؤامرات، فهي تجري في وضح النهار ويعبر عنها اصحابها يوميا من خلال البيانات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية. ومن خلال سياسات وقرارات الحكومات المعنية بالامر. فإذا كانت المؤامرة مفضوحة والمتآمرون مكشوفون فعن أية مؤامرة نتكلم؟
لا بد أن يكون هناك مؤامرة أو مؤامرات أخرى غير مكشوفة ولا بد أن يكون هناك متآمرون آخرون غير مرئيين. وأظن أنني أمسكت بطرف الخيط: أخطر مؤامرة تحاك ضدنا هي المؤامرة التي نحيكها نحن بأصابعنا وننفذها نحن بأيدينا. وتبين أن هذه المؤامرة ليست جديدة بل هي موجودة منذ قرون طويلة يحيكها العرب العاربة ضد العرب المستعربة وبالعكس٫ قيس ضد يمن وبالعكس، السنة ضد الشيعة وبالعكس، يحيكها عشرات القبائل والطوائف والملل والنحل من وهابيين وسلفيين واخوان مسلمين وجهاديين وتكفيريين وعشرات أذا لم يكن المئات من التنظيمات التي تقرن اسمها بالله وبالاسلام.
على ضوء ما حدث مؤخرا في العالم العربي، وخصوصا على ضوء ما يجري في سوريا وعلى ضوء العملية الاخيرة في سيناء، هل نحن بحاجة الى ١١ سبتمبر والى حرب عالمية ضد الارهاب الاسلامي من قبل أعتى الارهابيين الذين عرفهم التاريخ؟. ارحمونا وقولوا لنا من هو المسلم الحقيقي في سوريا: القاتل أم المقتول؟ ومن المسلم الحقيقي في سيناء: القاتل أم المقتول؟ هل سمع أحدكم القاتل قبل أن يشهر سلاحه يقول: اللهم اني صائم؟ ويعيد سلاحه الى مكانه؟ قولوا لنا من نتبع: خادم الحرمين الشريفين ومفتيه عبد العزيز آل الشيخ؟ أم أمير قطر ومفتيه يوسف القرضاوي؟ أم الرئيس المصري الجديد ومرشده محمد بديع؟ أم المئات من امراء الحرب الاسلاميين المنتشرين في عالمنا العربي من المحيط الى الخليج ويتلذذون في سفك دماء المسلمين الذين يخالفونهم في الرأي؟.
نظن اننا اذا نظرنا الى بعيد، الى أمريكا وأوروبا وإسرائيل رأينا ابعاد المؤامرة ولكننا نعمى عن رؤية ما يجري تحت اقدامنا. لقد آن الأوان لكي ننظر إلى داخلنا، نتخلص من وهمنا وكأننا نعرف كل شيء ونحن من أجهل شعوب الأرض. لقد آن الأوان أن نضع جميع مفاهيمنا ومواقفنا وسلوكنا موضع السؤال. بعض التنظيمات الاسلامية لاقت نجاحا مؤخرا في بعض البلدان ولكن ذلك يجب الا يعفيها من مساءلة نفسها، فالنجاح والفشل توأمان، ورب نجاح أسوأ من فشل. لا يوجد أحد يحتكر الحقيقة. لا يوجد أحد يمتلك أجوبة نهائية. حرية الفكر والتعايش مع الآخر رغم الاختلاف في الرأي هي ليست شعارات ترفع ولا نظريات يروج لها بل هي في الاساس ممارسة يومية على الصعيد الشخصي والجماعي.
لقد آن الأوان أن نفضح المؤامرة التي نحيكها بأنفسنا وأن نحارب المتآمر الذي يعشش في داخلنا.

Wednesday, August 01, 2012

الانحطاط الكبير

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000008764 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000008748
الانحطاط الكبير
علي زبيدات – سخنين

على الرغم من وفرة التحليلات والنظريات التي تملأ الصحف والمواقع الاخبارية وتفيض بها الفضائيات، لم أستطع حتى اليوم أن أفهم أو أتفهم أو أهضم كيف يمكن لمرشح رئاسة أغني وأقوى دولة في العالم أن يصل الى هذا الحضيض الاخلاقي الذي وصله مرشح الحزب الجمهوري خلال زيارته لإسرائيل والتي بدأها في بريطانيا وأنهاها في بولندا حيث كان أينما حل يخلف وراءه كم هائل من السخافات والقاذورات. عنوان هذه الجولة كان واضحا وقد صرح به دون أدنى خجل: اللهث وراء أموال اللوبي الصهيوني وأصوات اليهود الامريكيين. ومن أجل الفوز بهذين الهدفين فكل شيء مسموح. الملياردير اليهودي شلدون ادلسون وعد بالتبرع ب١٠٠ مليون دولار لحملته الانتخابية، وادلسون هذا من اشد انصار رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو وباقي اقطاب اليمين المتطرف وغلاة المستوطنين. وفي الحفلة الخاصة التي أقامها في القدس المحتلة لجمع التبرعات حضرها بالاضافة لاصحاب الملايين اليهود الين قدموا خصيصا لهذه المناسبة وتبرع كل واحد منهم ب٥٠ ألف دولار، رئيس بلدية القدس نير بركات وعدد من زعماء المستوطنين. وهكذا في وجبة عشاء واحدة جمع السيد رومني ما يزيد على مليون دولار. لذلك استحق الحضور مديحا خاصا عندما قال هذا المرشح الحقير والشحاذ: أن تفوق اسرائيل الاقتصادي يعود الى تفوق الثقافة اليهودية على الفلسطينيين. واخشى ان اتهم باللاسامية اذا قلت أن هذه الثقافة التي اعجبتك هي ثقافة الجشع واللهث وراء الربح من استغلال الآخرين كما يفعل صديقك ادلسون الذي جمع ثروته من القمار ومن مصادر قذرة اخرى.
الانحطاط الاخلاقي لا يقتصر على المرشح رومني بل يشمل أيضا الرئيس القابع في البيت الابيض الذي حاول قطع الطريق على رومني يوما قبل وصوله عندما وقع على اتفاقية لزيادة التعاون الامني مع اسرائيل. حتى بدأت اتساءل: من الذي ينتخب رئيس أكبر دولة "ديموقراطية في العالم: الشعب الامريكي أم اسرائيل واللوبي الصهيوني وامواله المشبوهة؟ الا يوجد هناك رئيس أو مرشح رئاسة واحد محترم لا يشترى؟ هل هذه هي قيم الحرية والديموقراطية التي تودون تصديرها للعالم؟
ولكن ما لا أستطيع أن افهمه أو اتفهمه ايضا هو ذلك الموقف العربي المخزي الذي ما زال يبحث عن الحجج الواهية لتسويق السياسة الامريكية في المنطقة. وهنا لا اتكلم عن دول الخليج والسعودية وباقي الانظمة العربية المهترئة التي بلغت من حيث الانحطاط ما يفوق المستوى الامريكي – الاسرائيلي، اتكلم هنا عن السلطة التي ليس فقط انها تدعي تمثيل الشعب الفلسطيني بل أيضا ثورته ونضاله من اجل تقرير مصيرة. في اليوم التالي من تصريحات رومني القذرة كان هذا الاخير على موعد مع رئيس الحكومة الفلسطينية وفي الفندق الذي اطلق منه تصريحاته العنصرية حيث خشي رومني اذا ما زار رام الله والتقى برئيسها هناك أن يخسر بعض الدولارات. وبما ان الجماهير الفلسطينية لم تستطع استقبال المرشح الجمهوري بالاحذية كان من الاحرى أن تستقبل رئيس حكومتها العائد من عنده بالأحذية. أما باقي اركان السلطة فقد اكتفوا بإدانة لفظية لتصريحات رومني وخصوصا بالنسبة لنقل السفارة الامريكية الى القدس والتغاضي عن باقي التصريحات وارجاعها الى قلة معلوماته عن الاوضاع في المنطقة. حتى أن أحد زعماء الفصائل اليسارية على ضوء تنافس المرشحين لكسب رضى اسرائيل واللوبي الصهيوني قد صرح: "أن أمريكا قد تفقد مصداقيتها كراعية للعملية السلمية"، وصرح آخر: "أن هذه المزايدات تتكرر كل أربع سنوات قبيل كل انتخابات رئاسية ولكن بعد الانتخابات تبقى السياسة الامريكية ثابتة". ويتابع تأكيدا على كلامه: أن بوش وكلنتون من قبل قد وعدا في حملتهما الانتخابية بنقل السفارة الامريكية الى القدس ولكن بعد انتخابهما لم يفعلا ذلك.
واضح أن الانحطاط الكبير يوحد الامبريالية الامريكية واسرائيل والرجعية العربية في نظام رأسمالي عالمي واحد وعلى الشعب الفلسطيني وباقي الشعوب العربية أن تبقى خارج هذا النظام.