ما
الحكمة من وراء تغيير اسم مدرسة الحكمة
الثانوية في سخنين؟
علي
زبيدات – سخنين
يفيد
الخبر، بعد شطب كلمات المجاملة التي
تجاوزت كل مقاييس المبالغة في مثل هذه
المناسبات، والتي سوف اتحاشى بقدر الامكان
التطرق اليها: أن
بلدية سخنين برئاسة مازن غنايم بالتنسيق
مع إدارة مدرسة الحكمة الثانوية وعائلة
الفقيد قد قررت اطلاق اسم "جمال
طربيه الثانوية" على
مدرسة الحكمة الثانوية.
حتى هنا يبدو الخبر
عاديا خصوصا وأن هذا القرار قد اتخذ
بالاجماع من قبل المعارضة الجبهوية التي
كان ينتمي اليها الفقيد ومن قبل الائتلاف
المنافس وأكاد أقول المعادي للجبهة،
بتلاقي فريد من نوعه في المصالح وبمباركة
كاملة من قبل ادارة المدرسة وعائلة
المرحوم. ولكن
بتغييب مقصود لباقي الاطراف الاخرى
المعنية وخصوصا طلاب المدرسة الذين يفوق
عددهم على ألف طالب، ولجنة أولياء الامور
واللجنة الشعبية.ـ
وكأن المدرسة التي خرجت قبل فترة وجيزة
الفوج ال٣٩ هي مزرعة خاصة يمكن التلاعب
بإسمها وبمكانتها حسب أهواء المسؤولين
عنها بالرغم من كونهم عابرين.
أذكر
أنه قبل ثلاثين عاما عندما كانت المدرسة
الثانوية في أول عهدها وما زالت تبحث عن
اسم لها، كنت يومها عضوا في حركة أبناء
البلد وكانت الذكرى العاشرة لاستشهاد
الكاتب والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني.
فوجدنا أن أفضل
اسم يمكن أن يطلق علىيها هو:
"مدرسة غسان
كنفاني - سخنين"
. وزعنا منشورا على
أهل البلد تضمن اقتراحنا هذا، ولكن أبناء
البلد في ذلك الوقت لم يكن لها مكان في
البلديةــ لا مع المعارضة ولا مع الائتلاف.
كان رئيس السلطة
المحلية في ذلك الوقت المرحوم جمال طربيه.
لم نتوجه اليه بشكل
رسمي واكتفينا بتسليمه نسخة من المنشور.
كنا نؤمن بالضغط
الجماهيري، أي كنا ساذجين.
طبعا بعضنا في حركة
أبناء البلد وأنا منهم كنا متأكدين أنه
لا يوجد هناك من يجرؤ على تبني مثل هذا
الاقتراح. واليوم
وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة لم يتغير
شيئ. وأنا
أتحدى أن تقوم أية مؤسسة تعليمية تتلقى
ميزانيتها من وزارة المعارف وتطلق على
نفسها اسم غسان كنفاني أو أي شهيد آخر
اغتالته دولة اسرائيل.
على
كل حال، منشور أبناء البلد طواه النسيان،
وقرر من قرر أن يكون اسم المدرسة "مدرسة
الحكمة الثانوية" وهو
اسم حيادي سياسيا ولكنه مقبول تراثيا إذ
يستلهم بيت الحكمة من أيام هارون الرشيد
والمأمون والذى يعتبر أقدم جامعة في
العالم حتى دمره هولاكو فيما دمره من
بغداد. ويستلهم
دار الحكمة التي بناها الحاكم بأمر الله
في القاهرة واصبحت من أهم المراكز العلمية
في العالم العربي. ومن
ثم انتشر هذا الاسم كالفقع بعد ليل ماطر
على أرض خصبة وشمل العديد من المدارس
والكليات والمراكز الثقافية في جميع
أرجاء العالم العربي من المحيط إلى الخليج.
تصوروا
شخصا شارف الخمسين من عمره، يعرفه القاصي
والداني باسمه وفجأة يطلق على نفسه اسما
آخرا، ألا يبدو ذلك غريبا ومستهجنا؟ طبعا،
احترام المرحوم جمال طربيه في مكانه
محفوظ. المرحوم
كان عضوا في تنظيم سياسي.
كنا نتفق معه حينا
ونختلف معه أحيانا. الان
الاتفاق والاختلاف قد انتهيا وأصبحا في
ذمة التاريخ. احياء
ذكراه لا يتم بالخطابات العاطفية والمجاملات
اللامعقولة. حسب
رأيي هذا الاسلوب الذي يدغدغ العواطف
والغرائز لا يخلد ذكرى أحد، بل على العكس
فأنه يمس بمكانته وبذكراه.
في خطابات التأبين
والتعزية، كما في خطاباتنا السياسية،
نفقد كل صلة لنا بالواقع حتى أتساءل في
كثير من الاحيان: هل
يدور الحديث عن الفقيد أم عن شخص آخر؟ بل
في بعض الاحيان تجرفني هذه الخطابات
وأتمنى، لكي أخرس الأنا القابع داخلي،
أن آكون أنا المتوفي وكل هذه الخطابات
تقال عني.
سوف
نسمع المزيد من هذه الخطابات في أول الشهر
القادم في الاحتفال الرسمي بتغيير الاسم.
لو
ارادت البلدية حقا بالتعاون مع عائلة
المرحوم واصدقائه أن تخلد ذكرى جمال طربيه
فلماذا لا تبني مدرسة جديدة أو مركزا
ثقافيا جديدا أو أية مؤسسة جديدة وتطلق
عليها إسمه؟. أما
أن تسطو على اسم قائم منذ حوالي نصف قرن
فهذا أمر مستهجن ومرفوض خصوصا وأن وراء
الأكمة ما وراؤها.
قد
يقول البعض أن هذه حالة خاصة ومن الخطأ
الفاحش تعميمها. حقا؟
لنقلب كل واحد من مكانه بعض صفحات التاريخ
حتى نشاهد مدى تغلغل هذه الظاهرة السلبية
في ثقافتنا.
No comments:
Post a Comment