مؤامرة
ومتآمرون
علي
زبيدات – سخنين
لم
أكن في يوم من الايام من أنصار نظرية
المؤامرة. ببساطة
أن لا أومن بأن الاحداث تحاك في الظلمات
على شكل أسرار تقوم بها عقول منظمة متآمرة
من العسير معرفتها ومعرفة نواياها الحقيقية
وبالتالي تفتح المجال أمام الخيال الجامح
ليمسك بخيوطها ويكشف حبكتها وتسلسلها
حتى ينتهي الى كشف المؤامرة وإحباطها.
وبالمقابل كنت
أومن بأن نظرية المؤامرة هي في الحقيقة
سلاح العاجز الذي يبحث عن تبريرات لعجزه
وفشله المتواصلين. أو
الغبي الذي لا يستطيع ان يستوعب تطور
الاحداث ويتفاجأ دوما من حدوثها.
شعوبنا العربية
مدمنة على نظرية المؤامرة.
ضياع فلسطين كان
مؤامرة، تدمير العراق مؤامرة، الثورات
في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا كلها
مؤامرات. والقائمة
تطول.
في
المدة الاخيرة بدأت أغير رأيي وبدأت اتذوق
هذا الادمان الشعبي على نطرية المؤامرات.
ووجدت بالفعل أن
كل ما يحدث لنا لا يمكن فهمه إلا بوجود
مؤامرات دنيئة تحاك بطريقة شيطانية في
الخفاء هدفها تقويض الأمة العربية وابقائها
مفككة وضعيفة ترزج تحت نير الاستعمار
الاجنبي المتعاون مع التخلف المحلي.
وهكذا بدأت رحلتي
ليس فقط لكشف هذه المؤامرات بل أيضا لتعقب
آثار المتآمرين. فوجدت
أن المؤامرات التي تحيكها لنا امريكا
واوروبا واسرائيل هي مؤامرات مكشوفة ولا
تستحق أن تسمى اصلا مؤامرات، فهي تجري في
وضح النهار ويعبر عنها اصحابها يوميا من
خلال البيانات والتصريحات الرسمية وغير
الرسمية. ومن
خلال سياسات وقرارات الحكومات المعنية
بالامر. فإذا
كانت المؤامرة مفضوحة والمتآمرون مكشوفون
فعن أية مؤامرة نتكلم؟
لا
بد أن يكون هناك مؤامرة أو مؤامرات أخرى
غير مكشوفة ولا بد أن يكون هناك متآمرون
آخرون غير مرئيين. وأظن
أنني أمسكت بطرف الخيط:
أخطر مؤامرة تحاك
ضدنا هي المؤامرة التي نحيكها نحن بأصابعنا
وننفذها نحن بأيدينا.
وتبين أن هذه
المؤامرة ليست جديدة بل هي موجودة منذ
قرون طويلة يحيكها العرب العاربة ضد العرب
المستعربة وبالعكس٫ قيس ضد يمن وبالعكس،
السنة ضد الشيعة وبالعكس، يحيكها عشرات
القبائل والطوائف والملل والنحل من
وهابيين وسلفيين واخوان مسلمين وجهاديين
وتكفيريين وعشرات أذا لم يكن المئات من
التنظيمات التي تقرن اسمها بالله وبالاسلام.
على
ضوء ما حدث مؤخرا في العالم العربي، وخصوصا
على ضوء ما يجري في سوريا وعلى ضوء العملية
الاخيرة في سيناء، هل نحن بحاجة الى ١١
سبتمبر والى حرب عالمية ضد الارهاب
الاسلامي من قبل أعتى الارهابيين الذين
عرفهم التاريخ؟. ارحمونا
وقولوا لنا من هو المسلم الحقيقي في سوريا:
القاتل أم المقتول؟
ومن المسلم الحقيقي في سيناء:
القاتل أم المقتول؟
هل سمع أحدكم القاتل قبل أن يشهر سلاحه
يقول: اللهم
اني صائم؟ ويعيد سلاحه الى مكانه؟ قولوا
لنا من نتبع: خادم
الحرمين الشريفين ومفتيه عبد العزيز آل
الشيخ؟ أم أمير قطر ومفتيه يوسف القرضاوي؟
أم الرئيس المصري الجديد ومرشده محمد
بديع؟ أم المئات من امراء الحرب الاسلاميين
المنتشرين في عالمنا العربي من المحيط
الى الخليج ويتلذذون في سفك دماء المسلمين
الذين يخالفونهم في الرأي؟.
نظن
اننا اذا نظرنا الى بعيد، الى أمريكا
وأوروبا وإسرائيل رأينا ابعاد المؤامرة
ولكننا نعمى عن رؤية ما يجري تحت اقدامنا.
لقد آن الأوان لكي
ننظر إلى داخلنا، نتخلص من وهمنا وكأننا
نعرف كل شيء ونحن من أجهل شعوب الأرض.
لقد آن الأوان أن
نضع جميع مفاهيمنا ومواقفنا وسلوكنا موضع
السؤال. بعض
التنظيمات الاسلامية لاقت نجاحا مؤخرا
في بعض البلدان ولكن ذلك يجب الا يعفيها
من مساءلة نفسها، فالنجاح والفشل توأمان،
ورب نجاح أسوأ من فشل. لا
يوجد أحد يحتكر الحقيقة.
لا يوجد أحد يمتلك
أجوبة نهائية. حرية
الفكر والتعايش مع الآخر رغم الاختلاف
في الرأي هي ليست شعارات ترفع ولا نظريات
يروج لها بل هي في الاساس ممارسة يومية
على الصعيد الشخصي والجماعي.
لقد
آن الأوان أن نفضح المؤامرة التي نحيكها
بأنفسنا وأن نحارب المتآمر الذي يعشش في
داخلنا.
No comments:
Post a Comment