Wednesday, April 25, 2012

إنها نكبة، بل أكثر من نكبة

 إنها نكبة، بل أكثر من نكبة
علي زبيدات – سخنين

لا اعتراض لدي في استعمال مصطلح نكبة لوصف ما حل بالشعب الفلسطيني عام 1948: اقتلاع وتهجير 850 ألف فلسطيني، أي أكثر من نصف الشعب الفلسطيني حينذاك، في المناطق المحتلة التي قامت عليها دولة إسرائيل وصلت نسبة التطهير العرقي للسكان إلى 85%، هذا بالإضافة إلى هدم وتدمير 531 قرية وقتل أكثر من 15 ألف مواطن، وسلب الأرض والممتلكات. إذا كان كل ذلك ليس بنكبة فما هي النكبة إذن؟
ولكني أضم صوتي إلى الأصوات العديدة التي تقول أن مصطلح النكبة بالرغم من شموليته وأهميته إلا أنه لا يغطي كافة نواحي ما حدث في عام 1948. في هذه العجالة سوف أتوقف عند ناحيتين قد طغى عليها بل طمسها استعمال مصطلح "النكبة" ولم تأخذ حقها كما يجب ومن الضروري اليوم التركيز عليهما.
الناحية الأولى: إن ما حدث كان جريمة، جريمة حرب، جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم ويعاقب عليها القانون الدولي خصوصا وأن المجرم معروف وقد اقترف جرائمه على مرأى ومسمع العالم بأسره. وها هو يحتفل بجرائمه. بعض ضحايا هذه الجرائم ما زالوا أحياء في مخيمات اللجوء وفي شتى أصقاع الأرض وبعضهم قد لقي حتفه بعد مرور 64 عاما بعد ما أورثوا المعاناة لأولادهم وأحفادهم.  ماذا فعلنا حتى ينال هؤلاء المجرمون جزاءهم العادل؟ القليل القليل. بل وفي السنوات الأخيرة أصبح كل شي قابلا للمساومة باسم المفاوضات وحتى أن قسم منا أصبح يشاركهم في احتفالاتهم.
الناحية الثانية: التي طغى عليها وطمسها مصطلح النكبة هي أن ما حدث عام 1948 كان هزيمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان. وللهزيمة، كل هزيمة، يوجد أسباب ويوجد مسئولون عنها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل استوعبنا أسباب الهزيمة؟ وهل تحمل أحد المسؤولية عنها أو نال عقابه؟ الجواب هو كلا. ما زالت أسباب الهزيمة تنخر  في عظامنا وما زال المسئولون عنها يتبؤون المراكز القيادية في فلسطين وفي دول المواجهة ويقودوننا من هزيمة إلى أخرى لا تقل من حيث هولها عن هزيمة عام النكبة.  المصيبة أنهم حولوا هذه الهزائم الحقيقة إلى انتصارات وهمية عن طريق الخطابات والشعارات وتزييف التاريخ والتشبث بتلابيب السلطة. سوف تستمر النكبة ما دمنا لا ندرك ولا نعي أسبابها وما دامت القوى الميتة التي تجثم فوق صدورنا هي التي تحدد لنا مسيرتنا.
إذن، ما حدث عام 1948 كان نكبة وجريمة وهزيمة. وعلينا ألا ننسى ذلك ونحن نحيي الذكرى ال64 للنكبة. لست ضد زيارات القرى المهجرة في هذه المناسبة بالعكس يجب زيارتها كل أيام السنة وليس يوما واحدا فقط. ولست ضد ما يسمى بمسيرات العودة، بل يجب تنظيم النشاطات التي تعبر عن تمسكنا بحق العودة طوال السنة وليس في يوم واحد. كل ما أقوله بكل بساطة: أن مسيرات العودة كما تنظم الآن وكما تنظم كل سنة لا تقربنا ولو بشبر واحد من العودة الحقيقية. تماما كما أن مسيرات يوم الارض بالشكل الذي نشهده  لن تعيد لنا سنتمترا واحدا من الأرض المصادرة.
 برنامج هذه المسيرات معروف سلفا: زج آلاف المتظاهرين المتحمسين والمتشبثين بحق العودة في طريق وعرية ملتوية، لكي لا تستفز الشرطة، وتركهم فريسة للمشاحنات والنزاعات الحزبية، حتى الوصول إلى أرض المهرجان وسماع خطابات رئيس لجنة المتابعة، مندوب "لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين"، ممثل لجنة القرية المهجرة وكلمة لمواطن يهودي يعاني من تأنيب الضمير ويتكرم علينا باعترافه بحق العودة، ومن ثم بعض الفقرات الفنية "الملتزمة". وبعدها يعود كل واحد إلى بيته في انتظار الذكرى القادمة على أرض قرية مهجرة أخرى.
هل يعرف أحد ماذا تعمل لجنة "الدفاع عن حقوق المهجرين" في باقي أيام السنة؟ وهل يعرف أحد كيف تتخذ هذه اللجنة قراراتها؟ ومن خولها أصلا حق احتكار هذه الذكرى؟ أظن أنه بعد خمسة عشرة مسيرة من مسيرات العودة، وهي في الحقيقة نسخة مكررة لمسيرة واحدة، قد آن الأوان لمراجعة كافة حيثياتها وجوانبها لكي تصبح بالفعل رافعة تقربنا إلى العودة الحقيقية. الخطوة الأولى على طريق التغيير هي البدء بنقاش مفتوح وصريح يتناول القضية بمجملها. كنت في الماضي، ولم أكن الوحيد، قد قدمت بعض الاقتراحات التي، حسب رأيي، قد تساهم في كسر الروتين وتصب في مصلحة حق العودة بشكل عملي. وكان الاقتراح الأهم هو إجراء دراسة لإمكانية إعادة بناء إحدى القرى المهجرة يتم اختيارها لكي تكون نموذجا بالتعاون مع أهلها المهجرين والتفاف كافة جماهير شعبنا وتنظيم حملة إعلامية على مستوى عالمي تواكب هذه الخطوة. ولكن على حد علمي، لم يتم مناقشة هذه الفكرة على اعتبار أنها فكرة خيالية.
على كل حال اليوم لدي اقتراح جديد، إلى جانب القديم الذي ما زال ضروريا، ولا أخجل من الاعتراف إنه جاء من وحي ما تقوم به دولة إسرائيل قبل احتفالها بعيد استقلالها. حيث تقوم بإحياء ذكرى من "سقطوا في حروب إسرائيل" والذين بلغ عددهم حتى اليوم 22993 وقد فوجئت بأن العد يبدأ من عام 1860 ولم أقم بفحص ما جرى في ذلك العام فلأمر لا يعنيني. ولكن ما سقط من الشعب الفلسطيني ومن الأمة العربية في "حروب فلسطين" يبلغ عشرات بل مئات الأضعاف ممن سقط في "حروب إسرائيل" على مدى قرن ونصف. وفي بعض الأحيان، ما سقط في حرب واحدة كان يفوق هذا العدد. وللأسف أقول إنني لم أجد في أي مكان عدد الذين سقطوا من أجل فلسطين. ماذا نعمل لإحياء ذكرى هؤلاء الشهداء؟ ولماذا لا نخصص لهم مكانا يليق بهم عندما نحيي ذكرى النكبة؟ لماذا نتجاهلهم وكأنهم غير موجودين؟ أدخلوا إلى المواقع الإسرائيلية لكي تروا الكمية الهائلة من القصص عن العائلات الثكلى، ألا يوجد عائلات فلسطينية وعربية ثكلى؟ وهل وجعهم وألمهم أقل من وجع وألم العائلات اليهودية الثكلى؟ استمعوا إلى خطابات رئيس الدولة ورئيس الحكومة وباقي المسئولين الإسرائيليين في هذه المناسبة وهم يذرفون دموع التماسيح على "ضحاياهم". بينما في الطرف الآخر حتى دموع التماسيح قد جفت.
في ذكرى النكبة يجب أن نذكر ونتذكر كل شيء.

  

Wednesday, April 18, 2012

يوم نكبتنا ويوم نكبتهم

يوم نكبتنا ويوم نكبتهم
علي زبيدات – سخنين

في هذه الأيام تقترب ذكرى النكبة الفلسطينية والتي نحيها في السنوات الأخيرة تحت شعار: "يوم استقلالهم هو يوم نكبتنا". غير أن دولة إسرائيل وقبل أن تحتفل بذكرى استقلالها تقوم هي الأخرى بإحياء ما تسميه: "ذكرى الكارثة والبطولة". يبدو أنه بالنسبة لنا كفلسطينيين وكعرب أسهل أن نربط يوم نكبتنا بعيد استقلالهم وذلك بسبب العلاقة السببية الواضحة التي تربط بين الحدثين والتي لا خلاف حولها، على الأقل من وجهة النظر الفلسطينية. ولكننا كنا وما زلنا نتحاشى ربط ذكرى نكبتنا بذكرى "نكبتهم"،الهولوكوست أو المحرقة وذلك لأن هذا الموضوع شديد الحساسية من جهة ويشكل حقلا واسعا مليء بالألغام من المفضل عدم الاقتراب إليه. هذا الأمر منح دولة إسرائيل احتكارا عالميا معترفا به على كل ما جرى ليهود أوروبا خلال الحكم النازي. وقد أسست استقلالها السياسي، أخلاقيا على الأقل على ما جرى في هذه الحقبة من التاريخ، هذا الأمر الذي أبقى النكبة الفلسطينية في الظل.
مما شجعني على الكتابة في هذا الموضوع وفي هذا الوقت بالذات، حتى وإن كانت مقالة صحفية محددة الأبعاد، هو عشرات المقالات والتقارير الرسمية وغير الرسمية التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية حول الوضع المزري الذي يعاني منه الناجون من المحرقة النازية مما يكفي لسحب كل تبرير أخلاقي لاحتكار الكارثة وتجييرها لخدمة استقلال الدولة العبرية مهما كانت أبعاد النكبة الفلسطينية.
جاء في أحد هذه التقارير الذي نشرته صحيفة هآرتس: يوجد في دولة إسرائيل اليوم 198 ألف من الناجين من الهولوكوست، 50 ألف منهم كانوا بحاجة ماسة للمساعدة حتى يقضوا أيام عيد الفصح الأخير. أكثر من 50% منهم يعيشون تحت خط الفقر، 80% منهم لا يستطيعون الحصول على العلاج الكافي والملائم. وفي هذه السنة بالذات قامت الحكومة بتقليص الميزانية المعدة لدعم هؤلاء الناجين. هذا ناهيك عن قصص الفساد والسرقة والرشوة التي تنتشر في اللجان والتنظيمات التي تجمع الأموال باسم هؤلاء الناجين وتجد طريقها إلى جيوب أثرياء الحرب القدامى والجدد. وكان آخرها الأخبار عن اعتقال مسئولين في أكبر منظمة لتقديم "المساعدة" للناجين بتهمة سرقة ملايين الشواقل وتبيض الأموال.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا فعلت دولة إسرائيل بمليارات الدولارات التي أخذتها باسم ضحايا النازية؟ وكم من هذه المليارات قد صرفت فعلا على الضحايا أنفسهم؟ ماذا كان دور البنوك وأرباب الصناعات العربية والمؤسسة العسكرية والنخبة السياسية في نهب هذه المليارات؟ هذا هو موضوع ما يسمى: ب"صناعة الكارثة" والذي لم يطلقه لاساميون ومنكرو الكارثة بل مفكرون يهود من ضحايا النازية أمثال نورمان فينكلشتاين.
ما حدث ليهود أوروبا أبان الحكم النازي هو أولا وقبل كل شي جريمة ضد الإنسانية تضاف إلى جرائمها التي طالت الملايين من الشعوب الأخرى وخصوصا في روسيا وبلدان أوروبا الشرقية والشعب الألماني نفسه. بأي حق تقوم دولة إسرائيل اليوم باحتكار تمثيل ضحايا النازية من يهود أوروبا؟ ماذا فعلت الحركة الصهيونية، بكافة تياراتها ومنظماتها وخصوصا تلك التي جاءت لاستعمار فلسطين، لمحاربة الوحش النازي وإنقاذ يهود أوروبا؟
يقولون أن أحد أسباب تعاطف الدول الغربية مع دولة إسرائيل هو شعورها بالذنب لتقصيرها في حماية يهود أوروبا من المحرقة. على الدول الغربية بالفعل أن تشعر بالذنب ولكن أولا: لتسامحها مع صعود النازيين والفاشيين إلى الحكم وثانيا لتقاعسها في الدفاع عن الشعوب والجماهير التي تعرضت لجرائم النازية. دولة إسرائيل هي آخر من يستحق الشعور بالذنب اتجاهها.
اليهود الذين لوحقوا في أوروبا من قبل النازيين والفلسطينيون الذين شردوا من بيوتهم وأراضيهم في عام النكبة هم ضحايا عقلية عنصرية واحدة وسياسة استعمارية واحدة. لقد آن الأوان نتخلص من العقدة، لا بل من الكذبة التي تقول: "إننا في فلسطين ضحايا ضحايا النازية". حكام دولة إسرائيل منذ قيامها وحتى اليوم ليسوا ولم يكونوا أبدا ضحايا للنازية. وكما أن بعض الحكام العرب استفادوا من النكبة الفلسطينية بعد أن ساهموا أولا في حدوثها ومن ثم أخذوا يذرفون دموع التماسيح عليها، كذلك استفادت الحركة الصهيونية من الهولوكوست قبل وأثناء وقوعها ومن ثم أخذت هي الأخرى تذرف دموع التماسيح على الضحايا. حرص الأنظمة العربية على الفلسطينيين وحرص دولة إسرائيل على ضحايا النازية من اليهود كلاهما كذبة يجب فضحها ومحاربتها. وبالتالي على ضحايا العنصرية والفاشية في كل مكان أن يتحدوا.

Tuesday, April 10, 2012

يوم الأسير الفلسطيني: دمعة وابتسامة

يوم الأسير الفلسطيني: دمعة وابتسامة
علي زبيدات – سخنين

كل سنة، يداهمنا السابع عشر من نيسان. لا نستطيع أن نشطبه من تقويمنا حتى لو أردنا ذلك. ومهما فعلنا لا نستطيع أن نتجنبه. التقويم الفلسطيني مليء بالأيام، مليء بالأيام التي لا يحسدنا عليها أحد. غير أن السابع عشر من نيسان، يوم الأسير الفلسطيني يبقى يوما فريدا من نوعه، يوما ينبع من الجرح الفلسطيني، يجري في الجرح الفلسطيني ويصب في الجرح الفلسطيني.
ماذا يمكن أن يكتب في هذا اليوم ولم يكتب بعد؟ وماذا يمكن أن يقال ولم يقال؟ كل شيء كتب وكل شيء قيل وبدل المرة عشرات المرات. هل نكتب عن الألم والمعاناة والتعذيب؟ أم نكتب عن التضحية والفخر والاعتزاز؟ هل نكتب عن التضامن والدعم والمشاركة؟ أم نكتب عن التقصير واللامبالاة والخذلان؟ هل نكتب إلى حكومات دول الجامعة العربية والأوروبية والأمم المتحدة؟ أم نكتب إلى السلطة لفلسطينية والفصائل التي دخل الأسير السجون الاسرائيلية باسمها؟ أم نكتب إلى منظمات حقوق الإنسان المحلية والعربية والدولية؟
وكيف سوف نحيي هذا اليوم؟ بالمهرجانات والخطابات والرقص الشعبي والأغاني الثورية الملتزمة؟ وهل تستطيع الخطابات مهما بلغت بلاغة ألفاظها وسمت شعاراتها أن تعيد للأسير جزءا من كرامته الإنسانية التي يجردها منه السجان الإسرائيلي يوميا؟ وهل تستطيع الأغاني الثورية الملتزمة، التي أصبح مجرد غنائها في هذا الزمن التعيس، زمن المفاوضات العبثية، مفارقة سريالية كبرى، هل تستطيع أن تلجم السجان الإسرائيلي وتمنعه من تعنته ويتوقف عن سياسة الإهمال الطبي والعزل ومنع الزيارات عن الأسير الفلسطيني؟ وهل يستطيع الرقص الشعبي مهما كان أصيلا أن يهدئ من روع الأمعاء الخاوية للأسرى المضربين عن الطعام؟ لا شيء من هذا القبيل إطلاقا.
لذلك، في هذا اليوم لن أكتب عن هذا اليوم. لن أطالب الحكومة الإسرائيلية أن تكف عن جرائمها وتعيد الحقوق الطبيعية للأسرى وتحترم كرامتهم الإنسانية. من لا يزال يؤمن بالمطالبة فليتفضل ويطالب. ولن أتوجه إلى أية مؤسسة رسمية كانت أو غير رسمية، فلسطينية أم عربية أم دولية لكي تقوم بواجبها اتجاه الأسرى. ولن أدعو ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني من منظمات دفاع عن الأسرى ومنظمات حقوق إنسان وفصائل وأحزاب سياسية إلى تنظيم المهرجانات الخطابية.
في هذا اليوم لي دعوة واحدة، قد تبدو للوهلة الأولى متشائمة إلى ابعد حدود التشاؤم وقد لا يستسيغها الكثيرين، فليكن. في هذا اليوم، السابع عشر من نيسان، يوم الأسير الفلسطيني أدعو الجماهير الفلسطينية في كافة أماكن تواجدها أن تقعد مع نفسها وتبكي على نفسها قليلا. أن تتأمل داخل نفسها وتحاول أن تفهم: كيف وصلنا إلى هذه الحالة. في هذا اليوم أدعو ملايين الشعب الفلسطيني أن يجربوا ولو لمرة واحدة أن يضربوا عن الطعام لأنهم أحوج إلى مثل هذا الإضراب من الأسرى المضربين أنفسهم. إضراب الشيخ خضر عدنان، وهو شخص واحد، عن الطعام ل66 يوما وإضراب هناء شلبي، وهي أيضا شخص واحد، عن الطعام قد حرك فينا ما لم تحركه سنوات طويلة من المقاومة العقيمة، فتصوروا الزلزال الذي يمكن يحركه إضراب عشرة ملايين فلسطيني ليوم واحد فقط أي ما يساوي عشرة ملايين يوم؟
الأسير لا يملك سلاحا آخرا سوى أمعاءه الخاوية. وهو السلاح الوحيد الذي يستطيع أن يستعمله في دفاعه عن إنسانيته المسلوبة. وقد استعمله حتى الآن بشرف. نحن الذين نقبع خارج السجون الصغيرة المغلقة من المفروض أن نمتلك أسلحة أخرى ونستعمل إشكالا أخرى من النضال. ولكننا للأسف الشديد، على مدى الأجيال سلمنا جميع أسلحتنا بما فيها أمعاءنا . لأن الأمعاء المليئة المتخمة لا تصلح لأن تكون سلاحا.
كما يطالب البعض بأن يكون يوم الأرض من كل سنة يوم إضراب وأن تكون ذكرى هبة القدس والأقصى من كل سنة يوم إضراب على اعتبار أن كلا اليومين يوميين وطنيين ولا يتحملا النقاش المتكرر حول الإضراب أو عدمه فأنا أطالب منذ هذه السنة أن يكون يوم الأسير الفلسطيني من كل عام هو يوم إضراب عن الطعام.

Wednesday, April 04, 2012

صفقة أو لا صفقة

صفقة أو لا صفقة
علي زبيدات – سخنين

لا أقصد بهذا العنوان البرنامج الترفيهي الذي يحمل الاسم نفسه والذي اكتسح قنوات الترفيه المترفة قبل عدة سنوات كما لا اقصد الصفقات التجارية من بيع وشراء وتنفيذ مشاريع والتي تحصل يوميا بين الأفراد والشركات والدول. ولكني أقصد بالتحديد ما يسمى بصفقات الإدعاء بين النيابة الإسرائيلية في مختلف المحاكم وبين محامي الدفاع عن الأسرى في القضايا السياسية. لا أنكر أن هذا الموضوع حساس للغاية وقد ازدادت حساسيته إلى ابعد الحدود بعد صفقة الشيخ عدنان خضر والمناضلة هناء شلبي والتي لا نعرف إلا النزر القليل عن حيثياتها وخلفيتها وتفاصيلها التي تناولته وسائل الإعلام المختلفة.
ولكي لا يساء فهمي أقول مسبقا إن الإضراب الذي خاضه الشيخ عدنان لمدة 66 يوما والذي خاضته هناء لمدة 43 يوما بغض النظر عن نتائجه وعن تداعياته هو إضراب أسطوري يكاد لا يصدق. وهو بدون شك علامة فارقة وحاسمة في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة. لقد عرفت الحركة الأسيرة الفلسطينية العديد من الإضرابات عن الطعام الفردية والجماعية بعضها استمر لمدة شهر وأكثر من شهر مثل إضراب سجن عسقلان في منتصف سنوات السبعين، وفي بعضها استشهد بعض المناضلين مثلا في إضراب سجن نفحة الصحراوي عام 1980حيث استشهد 3 مناضلين هم راسم حلاوة وعلي الجعفري واسحق مراغة، ويشرفني أني شاركت في هذا الإضراب من سجن الرملة تضامنا مع المضربين كما ويشرفني أني شاطرت الرفيق اسحق مراغة الزنزانة نفسها لمدة طويلة. غير أن للإضرابين الأخيرين يبقى طعم خاص وذلك لحداثتهما الزمنية من جهة ولدخولهما إلى كل بيت فلسطيني بل وتجاوزهما إلى العالمية بفضل تطور وسائل الإعلام والاتصال. وأريد أن يكون واضحا كل الوضوح، مهما كان رأيي ورأي الكثيرين بالصفقتين اللتين وضعتا حدا للإضراب فإنه من التجني بل ومن النذالة، خصوصا من قبلنا نحن الذين نجلس أمام الحاسوب ونكتب، توجيه اللوم للشيخ عدنان أو للأخت هناء بأي شكل من الأشكال.
ولكن يوجد هناك الكثير الكثير من اللوم بل ومن الامتعاض والإدانة لأطراف عديدة لعبت وما زالت تلعب دورا حاسما في مجمل القضايا التي تتعلق بالحركة الفلسطينية الأسيرة.
المسئول الأول والمتهم الأول تبقى الدولة الإسرائيلية بكافة أجهزتها الأمنية من جيش وشرطة ومخابرات مرورا بالمعتقلات والسجون وإلى المحاكم العسكرية والمدنية. مخطئ من يظن أن المحاكم الإسرائيلية محايدة ونزيهة مهمتها تطبيق القانون والحكم بالعدل وإنصاف الأسرى. للمحاكم الإسرائيلية دور أسوأ وأقذر من دور كافة الأجهزة الأمنية مجتمعة. هدفها تبيض صورة إسرائيل أمام العالم وتسويقها كدولة قانون تدافع عن نفسها أمام إرهابيين وخارجين عن القانون لا يعرفون الرحمة. وقد نجحت المحاكم الإسرائيلية في تحقيق هدفها هذا إلى درجة كبيرة وللأسف الشديد في كثير من الأحيان بمساهمتنا نحن عن طريق سياسة الصفقات التي أصبحت خيارا استراتيجيا وليس تكتيكا.
المسئول الثاني والمتهم الثاني هو القيادة الفلسطينية بمختلف مستوياتها وأجهزتها من السلطة في رام الله إلى ووزارة الأسرى ونادي الأسير وحتى لجنة المتابعة العليا عندنا وأعضاء الكنيست العرب. دعونا لا ننخدع بالتصريحات التي تطلقها هذه القيادات دعما للأسرى وتنديدا بالسياسة الإسرائيلية. دولة إسرائيل لا تتأثر بالتنديدات والإدانات اللفظية. في الحقيقة لا أدري كيف يمكن التوفيق بين التنسيق الأمني وبين الدفاع عن الأسرى. هل يعلم أحد كم عدد الأسرى الذين كانوا ضحايا هذا التنسيق؟ كيف يعقل أن تكون ضد أعمال المقاومة وتعتبرها انفلات أمني ومن ثم تدعي الوقوف إلى جانب من قاموا بهذه الأعمال والدفاع عنهم؟. هل قبل الشيخ عدنان والأخت هناء بالصفقة بمحض إرادتهما أم تم إقناعهما بقبولها؟ لا أريد أن أجزم أنه كان هناك تواطؤ بين السلطتين فالمخفي أعظم، ولكني أومن بكل تأكيد بأنه كان هناك تقاعس، وكان من الممكن أن تقوم هذه المؤسسات المذكورة بدعم أكبر للإضرابين ولمجمل نضال الأسرى وتحريك الشارع الفلسطيني وممارسة الضغط على سلطات الاحتلال من خلال وقف التنسيق الأمني وخطوات أخرى عديدة. لقد آن الأوان لإعادة النظر في دور نادي الأسير وعلاقته بوزارة الأسرى وبسلطة أوسلو، يجب إعادة النظر في كيفية تعيين محامي الدفاع وبالتنسيق بين لجان الأسرى المختلفة.
المسئول الثالث والمتهم الثالث في تردي أوضاع الحركة الأسيرة هو التحرك الشعبي الجماهيري، لقد كان أقل من المطلوب. نشاطات الحركات الشبابية الدعامة للأسرى تستحق التشجيع والتقدير ولكنها لا تكفي. النشاط الشعبي الجارف إلى جانب صمود الأسرى هو الضمان الوحيد لتحقيق مطالب الحركة الأسيرة بالكرامة والحرية.
في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 أصبحت الصفقات آفة حقيقية. معظم الملفات السياسية (الأمنية) تنتهي بصفقة. حيث يقوم المدعي الإسرائيلي بتقديم لائحة اتهام مضخمة، وتصبح التهمة البسيطة كمشاركة في مظاهرة غير مرخصة عشرة تهم. ويبدأ التفاوض بين النيابة والدفاع. وفي كثير من الأحيان يكون هدف النيابة مجرد الحصول على إدانة مهما كانت بسيطة وتتظاهر بالتنازل عن بعض البنود أو عن معظم البنود ويقوم بحامي الدفاع بعملية الإقناع. حتى تبدو الصفقة وكأنها الحل ألأمثل لجميع الأطراف. إذ يتم توفير وقت المحكمة وهذا يعني حكما مخففا، وتوفير وقت محامي الدفاع مما يقلل المشاوير والنفقات وتحصل النيابة على غايتها في ابتزاز إدانة. يتم ذلك في معظم الأحيان على حساب المتهم وقضيته بعد أنيتم إقناعه هو الآخر بأن الصفقة لصالحه. وكأن الخيار هو بين الحكم القاسي وبين الحكم المخفف. في سياسة الصفقات هذه لا يوجد خيار يسمى براءة المتهم.
أنا، من حيث المبدأ، ضد الصفقات وضد إضفاء الشرعية على المحاكم الإسرائيلية.