Wednesday, October 29, 2008

ماذا يحدث في سوريا؟



في هذا العصر العربي البائس حيث تسير دول الجامعة العربية كالقطيع في ركب الولايات الامريكية وتلهث لتطبيع علاقاتها مع الدولة الصهيونية، كانت سوريا تشكل ظاهرة فريدة من نوعها. فقد كانت لفترة طويلة تقود معسكر المعارضة والممانعة وفي كثير من الاحيان كانت تقف وحيدة في هذا الموقف. بالرغم من كل مآخذنا على النظام السوري على كافة الاصعدة: الداخلية والخارجية، المحلية والدولية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومعرفتنا بأن معارضتها لهيمنة الامبريالية هي نسبية وممانعتها مشروطة، إلا أنه عندما نجول بنظرنا على البلدان المجاورة المنبطحة امام الحلف الامريكي- الاسرائيلي كنا نعود ونقول: ما لنا غير سوريا.
على ضوء الاحداث الاخيرة التي عصفت بسوريا وحسب الرياح السياسية التي تهب من هناك، هل ما زال بمقدورنا أن نقول ذلك؟ كيف تنسجم هذه الاحداث مع نهج المقاومة والممانعة؟
ما هي هذه الاحداث المريبة التي اتكلم عنها والتي تهدد بتقويض الموقف السوري الممانع وجره الى التيار العربي المعتدل حسب التعريف الامريكي الاسرائيلي؟
أولا):
قبل حوالي سنة قامت طائرات اسرائلية بقصف وتدمير موقع سوري زعمت انه مفاعل نووي بينما أكدت سوريا انه موقع عسكري قديم ومهجور. وبغض النظر عن صحة الادعاء الاسرائيلي او الادعاء السوري فإن هذه الحادثة تبقى عملا عدوانيا على دولة ذات سيادة. فمن الذي أعطى الحق لإسرائيل أن تهاجم مفاعلا نوويا في دولة اخرى؟ وإذا كان لإسرائيل الحق في ذلك أليس من حق الدول العربية قصف وتدمير المفاعل النووية في ديمونا؟ والتي تشكل خطرا وجوديا على كافة الدول العربية. الرد السوري على هذا العدوان الغاشم لم يتجاوز التنديد. واكتفت السلطات السورية بالقول:" تحتفظ سوريا بحقها بالرد على هذا العدوان في الوقت المناسب وبالشكل المناسب"
ثانيا):
بينما كانت الجماهير العربية تنتظر الرد السوري على هذا العدوان بفارغ الصبر تفاجأنا بالمفاوضات غير المباشرة بين سوريا اسرائيل بوساطة تركية ومباركة امريكية وعربية رجعية. هذه المفاوضات التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، وكما صرح مسؤولون سوريون ستتحول الى مفاوضات مباشرة بعد الانتخابات الامريكية (هذا إذا لم تشوش الانتخابات الاسرائيلية التي لم تكن بالحسبان حساباتهم). لقد برر البعض هذه المفاوضات بضرورة رفع الضغط التي تتعرض له سوريا من جراء التهديدات الامريكية بسبب تورطها في لبنان وبسبب علاقاتها المميزة مع حزب الله وايران. غير أن أمريكا واسرائيل كعادتهما تطالبان الطرف الآخر بالدفع نقدا وفورا بينما هما تدفعان بالوعود طويلة الامد التي تتبخر مع الزمن.
ثالثا:
أستحقاقا للمفاوضات مع اسرائيل والغزل المكشوف مع الولايات المتحدة الامريكية قام الرئيس السوري بزيارة بغداد في ظل الاحتلال الامريكي، وأعلن عن إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة العميلة التي يرأسها نوري المالكي، وهذا لا يعني أقل من منح الشرعية لإحتلال دولة عربية. وبذلك تفوق حتى على بعض الانظمة "المعتدلة" التي لم تجرؤ حتى الآن على إتخاذ مثل هذه الخطوة علنا وبشكل رسمي خوفا من جماهير شعوبها.
رابعا:
بعد الزيارة التاريخية للرئيس اللبناني ميشال سليمان الى العاصمة السورية وفي اعقاب القمة السورية اللبنانية أعلن الطرفان عن "دفع العلاقات التاريخية بين سوريا ولبنان الى الامام". في أعقاب هذه القمة أصدر الرئيس الاسد مرسوما رئاسيا يقضي بإنشاء علاقات دبلوماسية مع لبنان وفتح سفارة سورية في العاصمة اللبنانية. لا أدري إن كان الرئيس السوري يدري انه بمرسومه هذا قد منح الشرعية بعد أكثر من تسعين عاما على حظائر سايكس – بيكو التي مزقت العالم العربي الى دويلات تدور في فلك الامبريالية العالمية، ولكنه من غير شك يدري أن مرسومه هذا يتناقض مع شعار حزب البعث الحاكم الذي يتشدق به منذ استلامه للسلطة:" أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".
هذه التراجعات الخطيرة عن الخط الوطني والقومي لم تكن كافية لتأمين الحماية للنظام السوري. فقد قامت الطائرات الامريكية التي تحتل العراق بمهاجمة الاراضي السورية وقتلت بعض المدنيين بعد أن دمرت بيوتهم. وعادت السلطات السورية بتكرار موقفها الكلاسيكي الراسخ:" سوريا تحتفظ بحقها بالرد على هذا العدوان" وانهمرت التنديدات من كل صوب. فهذه جمهورية مصر العربية تعرب عن "اسفها" لوقوع ضحايا مدنيين. وهذه دولة قطر التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة تندد بهذه العملية العدوانية. ولعل عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية عبر عن إفلاس العالم العربي المطلق من خلال تصريحه المندد بهذا العدوان. حتى أن بعض الاقلام المأجورة بدأت تختلق التبريرات لهذا العدوان وتدعو العرب بعدم الرد على هذا "الاستفزاز" الامريكي الذي يهدف الى استدراج سوريا للرد مما يسوغ توسيع العدوان.
نحن لا نطالب الانظمة العربية بشن الحرب على الولايات المتحدة الامريكية، ولكن حفظا لماء وجهها تستطيع أن تتخذ خطوة عملية واحدة مثلا دعوة سفرائها للتشاور؟ التهديد بسحب الاموال العربية التي تذهب هباء في ظل الازمة المالية التي تعصف بالنظام الراسمالي العالمي، أو حتى أضعف الايمان الدعوة الى مؤتمر قمة عربي أو إجتماع لرؤساء الخارجية العرب. لا شيء. الشلل كامل وشامل.
الدفاع عن سوريا اليوم هو دفاع عن الامة العربية بأسرها، عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وهذا ليس مهمة النظام السوري أو الانظمة العربية الاخرى. انها مهمة الشعوب العربية وقواها الطلائعية. يجب أن تتكاتف الجهود من أجل إعادة الشرطي الامريكي المجرم الى بلاده وراء المحيط.

Wednesday, October 15, 2008

الاحزاب العربية والانتخابات للسلطات المحلية



نشر السكرتير العام للجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، المحامي أيمن عودة، مقالة مطولة في موقع الجبهة تحت عنوان:"الجبهة في الانتخابات للسلطات المحلية" مدافعا عن سياسة الجبهة ومرشحيها وتحالفاتها وفي الوقت نفسه مهاجما الاحزاب الاخرى التي توجه أصابع النقد والاتهام للجبهة وخصوصا التجمع الوطني الديموقراطي والحركة الاسلامية.
في الحقيقة، مقدمة المقال أعجبتني. لا أدري اذا كان أيمن عودة قد قرأ المقالات التي كتبتها بهذا الصدد أو انه مجرد توارد أفكار. فقد تكلم ايمن ضد العائلية المستشرية في وسطنا وضد المصالح الشخصية والفساد وتراجع دور الاحزاب السياسية ودور السلطة في شرذمة المجتمع العربي وتحريضنا ضد بعضنا البعض عائليا وطائفيا وزجنا في نزاعات جانبية لكي نلتهي في امور هامشية ونبتعد عن الامور المركزية ذات الاهمية الوطنية. إلا أن أيمن عودة لم يتطرق الى دور الانتخابات المحلية (والنيابية) في تشويه الهوية الوطنية للفلسطينيين في الداخل والتي اعتبرها نقطة مفصلية، وذلك لأن أيمن ينتمي الى حزب ساهم أكثر من غيره في تشويه وتهجين هذه الهوية من خلال مزج الهوية الفلسطينية بالهوية الاسرائيلية حتى أصبحنا مثل ذلك الغراب الذي حاول تقليد مشية الحجل وفشل، وعندما حاول العودة الى مشيته الطبيعية فشل أيضا.
على كل حال، هذا التاقطع في بعض الآراء ينتهي بالمقدمة، ونفترق تماما بالدلائل والاستنتاجات. موقفي كان وما زال انه في ظل الظروف الراهنة فأن مقاطعة الانتخابات هو الموقف الوطني السليم، بينما يصر ايمن عودة على انه لا بديل عن الجبهة وعن طريقها.
طبعا أنا لا انتمي لحزب سياسي ولا اشكل خطرا انتخابيا على الجبهة او غيرها من الاحزاب. وهذا ما يوفر علي التعرض للهجوم المضاد، لذلك يوجه ايمن عودة سهام نقده بالاساس الى الحركة الاسلامية والتجمع الوطني الديموقراطي. وهما بالمناسبة لا يشكلان خطرا انتخابيا على الجبهة فحسب، بل ايضا تشنان الهجوم عليها على كافة الاصعدة. والحكاية معروفة.
في هذه الاثناء بالذات وفي هذا السياق نفسه، نشر الصحفي عبد الحكيم مفيد من الحركة الاسلامية مقالا بعنوان:"حزب عائلة" وقبلها نشر عوض عبد الفتاح السكرتير العام لحزب التجمع عدة مقالات عن تصور حزبه للإنتخابات المحلية.
من يريد أن يرى مأساة (وربما مهزلة) الاحزاب العربية ليس بحاجة لأن يذهب أبعد مما كتبه هؤلاء الثلاثة عن الانتخابات وما كتبوه عن بعضهم البعض.
لقد اصبح من المتعارف عليه تقسيم الاحزاب الفاعلة على الساحة السياسية الى ثلاثة تيارات، بالرغم من أن هذا التقسيم إعتباطي ومبسط الى درجة خطيرة، حتى يكون في بعض الاحيان الاسم نقيض المسمى:
التيار الاول هو التيار الشيوعي، وبمركزه الحزب الشيوعي الاسرائيلي والجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، وهذا الحزب، في اعتقادي، لا علاقة له بالشيوعية سوى الاسم.
التيار الاسلامي ممثلا بالحركتين الاسلاميتيين اللتين إحتكرتا الاسلام وجيرتاه لمصالحهما الحزبية. والتيار القومي ممثلا بالتجمع الوطني الديموقراطي وابناء البلد. وهكذا فإن الكتاب المذكورين أعلاه في أعين الكثيرين لا يمثلون أحزابهم الخاصة الضيقة فحسب بل يمثلون هذه التيارات التي تغطي سماءنا وارضنا ولا تترك للمواطن العادي مجالا للتنفس ايضا.
عندما قرأت مقال ايمن عودة كاملا، تذكرت نكتة قديمة من المفيد أن اذكرها هنا بإحتصار:
في سنوات السبعين وفي اوج الحرب الباردة التقى شخص روسي (سوفياتي في ذلك الوقت) بآخر أمريكي. فقال الامريكي: " عندنا يوجد أكثر نظام ديموقراطي في العالم، إذ استطيع أن اشتم الرئيس نيكسون بدون أن يتعرض لي أحد" فأجابه الروسي:" أنا أيضا استطيع أن اشتم الرئيس نيكسون بدون أن يتعرض لي أحد، فالنظام عنا لا يقل ديموقراطية عن نظامكم".
ما تضمنه مقال ايمن عودة عن المواقف الانتهازية للحركة الاسلامية وللتجمع فيه الكثير من الصحة. بالمقابل ما تضمنه مقال عبد الحكيم مفيد ومقالات عوض الفتاح هي ايضا بها الكثير من الصحة. كل ما هنالك انه يجب جمع الاطراف وأن يقال لهم بصوت جريء:" كلكم على حق. كلكم في الهوى سوى". عندما تتنازع عصابة على غنيمة تكون النتيجة إفتضاح الجريمة
جميع الاحزاب الفاعلة متورطة في تشويه الهوية الوطنية للجماهير الفلسطينية من خلال تقبلها للدولة العنصرية واخضاع هذه الجماهير لرؤيتها هذه من خلال التصور المستقبلي، والوحدة مع القوى" الديموقراطية" اليهودية، والتعايش السلمي والمطالبة بدولة لجميع مواطنيها او دولة ثنائية القومية، والعشرات من التنظيرات الاخرى التي تساهم في خلق هذا التشويه.
جميع الاحزاب الفاعلة متورطة في تأجيج النزاعات العائلية والطائفية. وايمن عودة قد خطى خطوة أخرى في هذا الاتجاه عندما قسم المجتمع العربي الى"عائلات وطنية" وأخرى "عائلات سلطوية".العائلات المتحالفة مع الجبهة هي بطبيعة الحال عائلات وطنية، بينما العائلات المنافسة هي عائلات سلطوية.
جميع الاحزاب متورطة في اللهث وراء السلطة الزائفة والمصالح الضيقة والفساد والضرب بعرض الحائط بالمصالح المركزية لجماهيرنا والإلتهاء بالقشور التي تغمرنا بها السلطة.
النقد امر ضروري ومطلوب، ولكن أيمن عودة بصفته كادر واع عليه أن يدرك أن النقد مهما كان بناء ومهما كان لاذعا وجريئا يفقد مصداقيته إذا لم يشمل ايضا نقدا ذاتيا. هذا من ألف باء النظرية الشيوعية اليس كذلك؟. فهل من المصداقية أن يكون مقاله المذكور قصيدة مديح طويلة للحزب والجبهة ومعلقة هجاء لكل من خالفها؟
الامر نفسه ينطبق على مقال عبدالحكيم مفيد وهو يعرف تمام المعرفة الاية التي تقول:" ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..." فكان الاحرى به قبل أن يتهم الجبهة بتأجيج النزاعات العائلية من خلال تحالفاتها أن يشير الى تحالفات الحركة الاسلامية. بالرغم من أن الحركة الاسلامية التي ينتمي اليها عبدالحكيم مفيد لا تخوض الانتخابات الا في أم الفحم وذلك كما يبدوخوفا من الفشل وليس لموقف مبدئي، ألا ان ابناء الحركة كأفراد منخرطين حتى النخاع في الصراعات المحلية
أما مقالات عوض عبد الفتاح فهي مصيبة حيث يعتبر العائلية ظاهرة مشروعة وعلى الحزب السياسي أن يستغلها وأن أحد إنجازات التجمع هو جر القوائم العائلية لأقامة تحالفات سياسية أو إجتماعية. مع انه في الواقع هو جر الحزب الى تحالفات عائلية على غرار ما تفعله الجبهة تماما.
لضيق المجال لا أستطيع أن أتناول بالتفاصيل كل ما تضمنته المقالات الثلاثة المذكورة، وأنصح كل من يهتم بموضوع الانتخابات أن يراجعها. وسأكتفي بالتعليق على دفاع أيمن عودة المستميت عن الجبهة وتبرئتها من العائلية والمصالح الشخصية. فهو يدعي ان اتهام الجبهة بالتحالف مع العائلات الكبيرة للفوز برئاسة السلطة اتهام عار عن الصحة، ويذكر عدة أمثلة ينتمي بها مرشحو الجبهة الى عائلات صغيرة. ومن بين هذه الامثلة يذكر مدينة سخنين. حيث أن محمد بشير، رئيس البلدية الحالي والمرشح للإنتخابات القادمة ينتمي الى عائلة صغيرة نسبيا.
كما نعرف العائلية ليست حكرا على العائلات الكبيرة. أنها طريقة تفكير مشتركة لكافة العائلات، وفي كثير من الاحيان تتفاقم عند العائلات الصغيرة. في هذه الحالة تكتفي بخوض الانتخابات المحلية للعضوية وتتحالف مع عائلات أكبر حول مرشح الرئاسة. وفي حالات أخرى تتحالف عائلات صغيرة وترشح من بينها مرشحا لمنافسة مرشح العائلة الكبيرة. فالتحالفات العائلية تتخذ اشكالا عديدة، وفي بعض الاحيان لا تخلو من "إبداع".
في سخنين مثلا (وهذا المثل ينطبق على قرى ومدن أخرى عديدة مع بعض التغيرات في التفاصيل) نما تاريخيا قطبان يتنافسان في كل انتخابات على رئاسة البلدية: الجبهة الديموقراطية من جهة وعائلة غنايم من جهة. ومن يظن أن المنافسة هي بين حزب سياسي وعائلة فهو مخطئ تماما. فالجبهة لها عائلاتها كما أن العائلة لها أحزابها. المرشح الثاني في قائمة الجبهة هو مرشح عائلي كان لسنوات طويلة على رأس قائمة عائلية تخوض الانتخابات ضد الجبهة بالذات. في هذه الانتخابات غير ولاءه لإعتبارات خاصة فإحتضنته الجبهة بأذرع مفتوحة بعد أن شطبت مواقفها السابقة ضده وأصبح يشار اليه بالمرشح الفلاح. وتوزعت الاماكن الاخرى على مرشحين ينتمون الى عائلات صغيرة ومتوسطة لكي يشكلوا في نهاية المطاف ندا للعائلة الكبيرة. فالعائلية لا تتحكم بتركيبة قائمة الجبهة الخاصة للعضوية فحسب، بل تتعداها الى القوائم المتحالفة معها ايضا. احدى هذه القوائم الحليفة ليست عائلية فحسب، بل تربطها علاقة حميمة مع حزب العمل ووعدت مرشحها في حالة الفوز بالنيابة. وهذا ليس التحالف الاول من هذا القبيل، فقد تحالفت الجبهة قبل دورتين مع مرشح آخر معروف ينتمي الى حزب العمل ومنحته منصب نائب رئيس لمدة خمس سنوات. ولكنهما إختلفا في الدورة السابقة وفقد" المسكين" صفته الوطنية التي اكتسبها اثناء تحالفه مع الجبهة. أما الحليف الرئيسي للجبهة في السنوات العشر الاخيرة فهي قائمة عائلية اخرى مقربة من حزب شاس الصهيوني المتطرف. والجبهة مستعدة أن تدعم كل قائمة عائلية وتمنحها أصواتا للعضوية اذا ما أعلنت هذه القائمة بدعم مرشح الجبهة للرئاسة. في مثل هذه الظروف يأتينا أيمن عودة بالفرية التي تقول: " هناك عائلات وطنية وأخرى سلطوية". أما عن الاساليب الاخرى التي تتبعها الجبهة من أجل الحصول على بعض الاصوات، والتي لا تخجل أية قائمة عائلية، فحدث ولا حرج. ولا مجال للخوض بها هنا فكل من له عينان يراها ومن له أذنان يسمعها. بالطبع يجب الا يفهم كلامي هذا وكأنه دفاع عن الطرف الآخر. فهو عائلي تماما كالطرف الاول وهو في الوقت نفسه حزبي بنفس الصورة.
في هذه الانتخابات تتجسد المكيافلية بأقذر وابشع صورها: الغاية تبرر الوسيلة. كل الوسائل مشروعة من أجل الحصول على حفنة من الاصوات.
في هذه الاجواء ما احوجنا الى حركة المعتزلة التاريخية من جديد لوضع الامور في نصابها.

Wednesday, October 08, 2008

الجريمة والعقاب وليس الجريمة والغفران



يوم الغفران (يوم كيبور) هو أقدس أيام السنة في الديانة اليهودية. في هذا اليوم يقوم الرب بشطب خطايا وجرائم شعبه المختار بعد أن يتوبوا اليه لكي يستقبلوا العام الجديد بضمائر نظيفة ورؤوس هادئة. ولكن في الحقيقة كي يبدأوا بإرتكاب خطايا وجرائم جديدة حتى يحل يوم الغفران القادم فتشطب الخطايا والجرائم من جديد. وهكذا دواليك، في كل سنة، في مثل هذا اليوم، يقوم الرب الغفور بتنظيف شعبه المختار من جميع آثامه.
ماذا يعني هذا لنا، نحن الذين لا ننتمي الى هذا الشعب المختار، والذين لا يشملهم الرب بغفرانه؟ أولا وقبل كل شيء يعني أن الجرائم التي اقترفتها دولة اسرائيل في ال60 سنة الاخيرة في حق الشعب الفلسطيني قد شطبت جميعها وكأنها لم تكن. لم يكن هناك تشريد شعب بأكمله، لم يكن هناك تدمير لأكثر من 500 بلدة عربية. حتى وإن حصل ذلك فإن الرب قد غفر لشعبه هذه الهفوات البسيطة، فمن نحن حتى نعارض مشيئته.
بالرغم من أن الديانة اليهودية تنص صراحة أن التكفير عن الخطايا المرتكبة في حق الآخرين لا يمكن أن تتم بدون طلب السماح من هؤلاء الآخرين الذين ارتكبت في حقهم هذه الخطايا. الا انه نظرة سريعة للأمور تبين اننا حتى لسنا في تعداد الآخرين. أو اننا نتمي الى صنف من الآخرين المنبوذين. فلا يوجد هناك خطيئة اصلا وبالتالي لامجال للإعتراف بها فكم بالاحرى طلب السماح او محاسبة النفس او التوبة عن الرجوع اليها.
في هذا اليوم بالذات، اقدس ايام السنة، يوم التوبة والغفران، تناقلت وسائل الآخبار موت شابين فلسطينيين آخرين من غزة منعا من تلقي العلاج بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ سنتين لينضما الى قافلة من 249 شهيدا قتلوا بدم بارد بسب منع العلاج عنهم. هذه الجرائم التي يعاقب عليها القانون هل يغفرها الرب الرحيم ايضا؟
في هذا اليوم بالذات، أقدس ايام السنة، قام المستوطنون المتدينين جدا جدا بمهاجمة الفلاحين الفلسطينيين في عدة أماكن وسرقوا محاصيل الزيتون وقلعوا الاشجار كل ذلك بحماية جيش الاحتلال الاكثر تنورا في العالم. هذه الجرائم هي الاخرى سوف تمحى بعد العودة الى الكنائس وذبح بعض الديوك البائسة؟.
في هذا اليوم، اقدس ايام السنة، تقوم قوات الاحتلال بإغلاق المناطق الفلسطينية إغلاقا شاملا، لا عمل، لا تنقل، لا علاج، لا حركة. شعب الله المختار يريد أن يعيد بهدوء وطمأنينة، يريد أن يتخلص من خطاياه بدون إزعاج.
انها لصفقة مربحة حقا: مقابل الامتناع عن الأكل والشرب والغسل والتطيب بالعطور وممارسة العلاقات الجنسية في هذا اليوم ومقابل بعض الطقوس البدائية والكثير من الصلاوات يخرج المستوطن والجندي والسياسي المنتمي لهذا الشعب المختار ناصعا كالثلج بريئا كالطفل.
ولكن إذا كان الله يغفر بهذه السهولة، فالضحايا لا تنسى ولا تغفر. وعندما تستطيع أن تنتقم ولو جزئيا فإنها لا تؤخر. وهذا ما فعلته هذه الضحايا في يوم الغفران بالذات في عام 1973، حيث حاولت الشعوب العربية أن تعيد المعادلة الى وضعها الطبيعي المنطقي: من الجريمة والغفران الى الجريمة والعقاب.
نعم من يرتكب جريمة يجب أن يعاقب عليها اولا، هكذا تنص كافة القوانين البشرية وإذا كان مكان للغفران فإنه يجب أن يأتي بعد العقاب وليس قبله أو مكانه.
إن الجرائم التي إرتكبتها اسرائيل على مدى 60 عاما في حق الشعب الفلسطيني لا يستطيع حتى ألف يوم غفران أن يغفرها.
"الخاتمة الجيدة" التي يهنؤون بها بعضهم البعض في نهاية هذا اليوم ستكون عديمة اية قيمة إذا لم يحاسب كل واحد منهم نفسه خسابا عسيرا، يعترف بخطاياه وجرائمه ويطلب السماح من الضحية أولا.

Tuesday, October 07, 2008

إنتخابات محلية؟ لأ شكرا


قلت في مقال سابق أن الانتخابات (كل انتخابات) في ظل الاحتلال هي بالضرورة مشبوهة وهي تأتي عادة لخدمة مصالح المحتلين وليس لخدمة المواطنين الذين يعانون من نير الاحتلال. وقلت أيضا أن فلسطين كلها محتل من قبل كيان كولونيالي يسمى دولة اسرائيل. الجزء الاكبر منها احتل عام 1948 والجزء الآخر أحتل عام 1967. قد تختلف بعض مظاهر الاحتلال وأشكاله من مكان لآخر ولكن جوهره يبقى ثابت لا يتغير، فالإحتلال هو الاحتلال. وأضفت أيضا انه لا فرق من حيث الجوهر بين الناصرة وأم الفحم وسخنين وبين جنين ونابلس ورام الله والقدس. وتوصلت الى استنتاج مفاده أن كل قائمة تخوض الانتخابات المحلية الوشيكة وكل مرشح لرئاسة بلدية أو سلطة محلية لا يأخذ هذه البديهية بعين الاعتبار فهو بالضرورة يخدم أجندة الاحتلال من حيث يدري أو لا يدري. وبالتالي يجب مقاطعة الانتخابات المحلية اسوة بالانتخابات البرلمانية.
على ضوء حمى الانتخابات التي تجتاح وسطنا العربي هذه الايام من الواضح أن كلامي هذا لا يلقى تجاوبا حتى من قبل المقتنعين به نظريا ويبقى مجرد كلمات تتلاشى في العراء. والتبريرات عديدة، ومن يريد أن يبحث عن تبريرات فأنه سيجدها بغزارة وبعضها يلاقي آذان صاغية. وانا هنا لست بصدد الخوض في هذه التبريرات ولا أفكر في دحضها أو حتى في نقدها. وفي الوقت نفسه انا لا اوزع شهادات بالوطنية على أحد ولا أنزعها عن أحد. كل ما في الامر أن لدي وجهة نظر وارى من حقي بل من واجبي أن أعرضها على الملأ وأدافع عنها. وأرجو من المرشحين على اختلاف مشاربهم أن يوفروا جهودهم وأن لا يأتوا لإقناعي بالتصويت فأنا اقولها بصراحة لكل من يريد أن يسمع: أنا مع المقاطعة.
تقول الدعاية التي يحشون بها رؤوس طلابنا من المدارس الابتدائية مرورا بالثانوية وحتى الجامعات: أن الانتخابات هي من صميم النظام الديموقراطي، وهي حق وواجب ومسؤولية وعلى كل مواطن صالح أن يمارس حقه ويدلو بصوته. كلام جميل. ولكن يبدو أنني لست مواطنا صالحا.
ماذا يقول الواقع؟
قبل أن اتناول الاسباب التي دعتني الى تبني موقف المقاطعة والدعوة اليه والتي لم أذكرها في المقال السابق أود أن أنوه بظاهرة حيرتني: ما هو سر بلوغ نسبة المصوتين العرب في الانتخابات المحلية الى 90 و 95% وفي بعض الاماكن الى 100% وأكثر (إذ يقوم بعض الاموات من قبورهم للتصويت) بينما عند اليهود بالكاد تصل هذه النسبة الى 50%. هل هذا يعني اننا أكثر وعيا وأحرص على خدمة قرانا ومدننا؟ أم لأننا نساق كالقطيع الى صناديق الانتخابات من قبل المتنفذين في عائلاتنا وأحزابنا ومقاولي الاصوات المأجورين؟ أترك الاجابة على هذا السؤال، او الاصح على هذا التساؤول الى كل واحد فيكم.
أذكر بإيجاز الاسباب التي تجعل من مقاطعة الانتخابات المحلية في هذه الظروف الموقف السليم. بعضها ذكر بشكل أو بآخر في مقالات سابقة وبعضها لم يذكر.
1) تشويه الهوية الوطنية الفلسطينية للجماهير العربية: هذه الانتخابات تطمس التناقض التناحري بين كوننا شعب شرد من دياره وأغتصبت أرضه وبين الكيان المسؤول عن هذه الجريمة. هذه الانتخابات ليست أكثر من فتات تقدمها موائد السلطة لكي نرضى بواقع النكبة وتخليد واقع التمزق والشرذمة التي نعاني منه كشعب أصلي على هذه الارض. قانون الانتخابات جاء ليقول لنا: انتم إسرائيليون مرة كل اربع أو خمس سنوات داخل غرف الانتخابات ولكنكم مواطنون مهمشون من الدرجة الثانية او الثالثة فيما تبقى من حياتكم. عملية الانتخابات المحلية هي ليست تحدي لواقع الاحتلال والعنصرية والتمييز بل هي رضوخ له.
2) للإنتخابات المحلية يوجد غايات عملية وملموسة أكثر، منها إلهائنا بالقشور والامور التافهة وإدخالنا في معارك جانبية من أجل الحصول على سلطة وهمية. المهم أن ننسى معاركنا الحقيقية، مثل الحفاظ على الارض والدفاع عنها والعمل على إزالة آثار النكبة. لو قامت زعاماتنا الحزبية والحمائيلية بواحد بالمائة من المجهود الذي تقوم به في هذه المعركة الوهمية لرفع الحصار الاجرامي الذي فرضته نفس السلطات التي منحتهم حق التصويت على قطاع غزة ولأصبح جدار الفصل العنصري هباء منثورا.
3) هذه الانتخابات تعمق الطائفية والعائلية البغيضة والنزاعات في مجتمعنا. وهذا بالضبط ما تريده السلطات وفقا لسياسة: فرق تسد. إننا أجبن من أن نعترف بأن الانتخابات في الناصرة وشفاعمرو والرامة وكفر ياسيف وغيرها من القرى والمدن العربية التي تقطنها أكثر من طائفة، تأخذ منحى طائفي خطير. بينما تسود القرى الاخرى الحمائلية والعائلية التي تفتت حتى العائلات نفسها.
4) الانتخابات المحلية هي دفيئة للفساد والرشوات والمصالح الشخصية وهي مقبرة لكل القيم الانسانية السامية التي من المفروض أن نرفعها عاليا ونربي أبناءنا عليها. فلم يعد هناك مكان للنخوة والشهامة والتكافل الاجتماعي ولسان حالنا يقول: "الشاطر اللي بدبر حاله".
الانتخابات في ظل نظام عنصري وظالم بشكل وحشي، كالنظام الرابض على كواهلنا، لا يمكن أبدا أن تكون نزيهة. فقط عندما تكون هناك قائمة أمينة ومرشح أمين تتحدى الواقع وتحافظ على الثوابت الوطنية وعلى رأسها التمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية يمكن أن تستغل مثل هذه الانتخابات لتربية الجماهير وتعبئتها من أجل إنتزاع حقوقها.