يوم الغفران (يوم كيبور) هو أقدس أيام السنة في الديانة اليهودية. في هذا اليوم يقوم الرب بشطب خطايا وجرائم شعبه المختار بعد أن يتوبوا اليه لكي يستقبلوا العام الجديد بضمائر نظيفة ورؤوس هادئة. ولكن في الحقيقة كي يبدأوا بإرتكاب خطايا وجرائم جديدة حتى يحل يوم الغفران القادم فتشطب الخطايا والجرائم من جديد. وهكذا دواليك، في كل سنة، في مثل هذا اليوم، يقوم الرب الغفور بتنظيف شعبه المختار من جميع آثامه.
ماذا يعني هذا لنا، نحن الذين لا ننتمي الى هذا الشعب المختار، والذين لا يشملهم الرب بغفرانه؟ أولا وقبل كل شيء يعني أن الجرائم التي اقترفتها دولة اسرائيل في ال60 سنة الاخيرة في حق الشعب الفلسطيني قد شطبت جميعها وكأنها لم تكن. لم يكن هناك تشريد شعب بأكمله، لم يكن هناك تدمير لأكثر من 500 بلدة عربية. حتى وإن حصل ذلك فإن الرب قد غفر لشعبه هذه الهفوات البسيطة، فمن نحن حتى نعارض مشيئته.
بالرغم من أن الديانة اليهودية تنص صراحة أن التكفير عن الخطايا المرتكبة في حق الآخرين لا يمكن أن تتم بدون طلب السماح من هؤلاء الآخرين الذين ارتكبت في حقهم هذه الخطايا. الا انه نظرة سريعة للأمور تبين اننا حتى لسنا في تعداد الآخرين. أو اننا نتمي الى صنف من الآخرين المنبوذين. فلا يوجد هناك خطيئة اصلا وبالتالي لامجال للإعتراف بها فكم بالاحرى طلب السماح او محاسبة النفس او التوبة عن الرجوع اليها.
في هذا اليوم بالذات، اقدس ايام السنة، يوم التوبة والغفران، تناقلت وسائل الآخبار موت شابين فلسطينيين آخرين من غزة منعا من تلقي العلاج بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ سنتين لينضما الى قافلة من 249 شهيدا قتلوا بدم بارد بسب منع العلاج عنهم. هذه الجرائم التي يعاقب عليها القانون هل يغفرها الرب الرحيم ايضا؟
في هذا اليوم بالذات، أقدس ايام السنة، قام المستوطنون المتدينين جدا جدا بمهاجمة الفلاحين الفلسطينيين في عدة أماكن وسرقوا محاصيل الزيتون وقلعوا الاشجار كل ذلك بحماية جيش الاحتلال الاكثر تنورا في العالم. هذه الجرائم هي الاخرى سوف تمحى بعد العودة الى الكنائس وذبح بعض الديوك البائسة؟.
في هذا اليوم، اقدس ايام السنة، تقوم قوات الاحتلال بإغلاق المناطق الفلسطينية إغلاقا شاملا، لا عمل، لا تنقل، لا علاج، لا حركة. شعب الله المختار يريد أن يعيد بهدوء وطمأنينة، يريد أن يتخلص من خطاياه بدون إزعاج.
انها لصفقة مربحة حقا: مقابل الامتناع عن الأكل والشرب والغسل والتطيب بالعطور وممارسة العلاقات الجنسية في هذا اليوم ومقابل بعض الطقوس البدائية والكثير من الصلاوات يخرج المستوطن والجندي والسياسي المنتمي لهذا الشعب المختار ناصعا كالثلج بريئا كالطفل.
ولكن إذا كان الله يغفر بهذه السهولة، فالضحايا لا تنسى ولا تغفر. وعندما تستطيع أن تنتقم ولو جزئيا فإنها لا تؤخر. وهذا ما فعلته هذه الضحايا في يوم الغفران بالذات في عام 1973، حيث حاولت الشعوب العربية أن تعيد المعادلة الى وضعها الطبيعي المنطقي: من الجريمة والغفران الى الجريمة والعقاب.
نعم من يرتكب جريمة يجب أن يعاقب عليها اولا، هكذا تنص كافة القوانين البشرية وإذا كان مكان للغفران فإنه يجب أن يأتي بعد العقاب وليس قبله أو مكانه.
إن الجرائم التي إرتكبتها اسرائيل على مدى 60 عاما في حق الشعب الفلسطيني لا يستطيع حتى ألف يوم غفران أن يغفرها.
"الخاتمة الجيدة" التي يهنؤون بها بعضهم البعض في نهاية هذا اليوم ستكون عديمة اية قيمة إذا لم يحاسب كل واحد منهم نفسه خسابا عسيرا، يعترف بخطاياه وجرائمه ويطلب السماح من الضحية أولا.
No comments:
Post a Comment