تأملات
حول الخيانة
على
زبيدات – سخنين
كتب
الصحفي الانجليزي المعروف روبرت فيسك
ناقدا للاتفاق الامريكي -
التركي الاخير
بخصوص اقامة منظقة منزوعة في شمال سوريا
والذي اطلق يدي تركيا لمهاجمة الاكراد
مقابل استخدام التحالف الامريكي للقواعد
التركية في ضرب تنظيم داعش، قائلا:
"لقد خلق الاكراد
لكي تتم خيانتهم حيث قامت جميع القوى
الاقليمية بخيانة الاكراد".
ويفصل الكاتب
الخيانات التي تعرض لها الاكراد منذ نهاية
الحرب العالمية الاولى حيث وعدوا باقامة
دولة خاصة فيهم بموافقة الامبراطورية
العثمانية المهزومة، ولكن بعد وصول
القوميين الاتراك بزعامة اتاتورك للسلطة
تم التنصل من هذا الاتفاق واعاد احتلال
مناطقهم المحررة بتواطؤ وسكوت الحلفاء.
وعادت امريكا
وحليفها في ذلك الوقت شاه ايران إلى خيانة
الاكراد مرة اخرى بعد أن توصل هنري كيسنجر
الى اتفاق بين الشاه وصدام حسين كان
الاكراد ضحيته. وخلال
حرب الخليج الاولى حرضت امريكا اكراد
العراق بالتمرد ولكنها سرعان ما تخلت
عنهم فيما بعد. وها
هي امريكا مرة اخرى تضحي بالاكراد مقايل
حفاظها على علاقاتها الاستراتيجية مع
تركيا.
ما
كتبه فيسك صحيح من حيث الاساس.
بالمقابل، يوجد
هناك شعب آخر تعرض للخيانة من جميع القوى
الاقليمية وهو الشعب الفلسطيني.
في هذا الموضوع
وعلى مدار سنوات طويلة قضاها في بيروت
وبعد العديد من الكتب والمقالات اكتفى
روبرت فيسك، المختص بشؤون الشرق الاوسط،
بتوجيه نقد معتدل لامريكا والدول الاوروبية
لخياناتهم المتكررة للشعب الفلسطنين
ودعمهم غير المشروط لدولة اسرائيل.
في الحقيقة كنت
وما زلت من انصار حق الشعب الكردي في تقرير
مصيره واقامة دولته المستقلة حتى عندما
كان احد طرفي الصراع عربي (العراق،
سوريا) وليس
فقط عندما كان طرف الصراع الآخر تركيا او
ايران. فالقضية
الكردية عادلة تماما مثل القضية الفلسطينية
والشعب الكردي عانى من الاضطهاد واحتلال
اراضيه كما عانى الشعب الفلسطيني.
وكان من الطبيعي
ان يتحد النضال الكردي والفلسطيني على
ارضية مقاومة الاستعمار والاضطهاد القومي.
ما زلت اذكر عندما
كانت المقاومة الفلسطينية مناهضة
للامبريالية والصهيونية كان العديد من
المناضلين الاكراد يتدربون في المخيمات
الفلسطينية ومنهم دخل السجون الاسرائيلية
وكان مناضلو حزب العمال الكردستاني من
اشد المؤيدين للقضية الفلسطينية.
غير
أن الخيانة التي تكلم عنها روبرت فيسك
ليست هي الخيانة التي اريد ان اتكلم عنها
هنا. الخيانة
الحقيقية التي تعرض لها الاكراد منذ
البادية وحتى اليوم هي خيانة الاكراد
لانفسهم، خيانتهم لقضيتهم ولنضالهم
التحرري. امريكا
ودول الحلفاء لم بخونوا الاكراد لانهم
لم يكونوا في يوم من الايام مخلصين لهم.
لقد كانوا وما
زالوا مخلصين لمصالحهم.
الخيانة الحقيقية
عندما تسخر قضيتك الوطنية لخدمة مصالح
الامبريالية والرجعية.
لم يخن شاه ايران
الاكراد لانه لم يكن في يوم من الايام
صديقا حقيقيا لهم. تخلى
عنهم عندما قبض الثمن الذي عرض عليه.
ولكنهم خانوا
انفسهم وقضيتهم عندما جعلوا من الشاه
حليفا وصديقا. لم
يتعلم الاكراد الدرس، فها هم يتهافتون
على دولة اسرائيل وجعلوا من اراضيهم مرتعا
لاوباش الموساد الاسرائيلي يعيثون بها
فسادا ومنها إلى المناطق المجاورة.
هذه هي الخيانة
الحقيقية التي يتجاهلها فيسك وكل من يذرف
دموع التماسيح على المأساة الكردية.
الامر
نفسه حدث وما زال يحدث في فلسطين.
لم تقم بريطانيا
بخيانة الشعب الفلسطيني ليس عندما اصدرت
وعد بلفور ولا عندما وقعت اتفاقية سايكس
-بيكو
أو عندما احتلت البلاد تحت قناع الانتداب
ولا عندما جهزت الحركة الصهيونية لكي
تصبح قادرة على تحقيق وعد بلفور واقامة
دولتها. ربما
في مرحلة معينة خانت حليفها الشريف حسين
واولاده بعدما اخلفت وعدها لهم.
بريطانيا لم تكن
قي يوم من الايام مخلصة للشعب الفلسطيني
حتى نتهمها بالخيانة.
هنا ايضا الخيانة
الحقيقية هي خيانة الفلسطينين لانفسهم
ولقضيتهم عندما ظنوا ان بريطانيا هي
الصديق المخلص. هذا
ما كان الوضع عليه حتى مجيء الشيخ عزالدين
القسام وقال ان بريطانيا هي العدو تماما
كالحركة الصهيونية واحدث انقلابا جذريا
في العقلية الفلسطينية السائدة حينذاك
والتي حاولت اقناع بريطانيا بانها ستكون
افضل من الحركة الصهيونية في خدمتها.
واليوم الخيانة
الحقيقية هو ان تستقبل طوني بلير بصفته
وسيطا للسلام. لا
يعقل ان تقف وتصرخ: العالم
كله يخوننا، امريكا تخوننا، الاتحاد
الاوروبي يخوننا، المجنمع الدولي يخوننا،
وانت في الحقيقة من تخون قضيتك وتضعها
على طبق من ذهب وتقديمها لكل هؤلاء
المعتدين.
طبعا،
عندما اتكلم عن الخيانة الكردية للقضية
الكردية وعن الخيانة الفلسطينية للقضية
الفلسطينية لا اقصد بذلك أن الاخلاص
والتفاني قد زالا من الوجود.
العكس هو الصحيح،
واكبر دليل على ذلك أن القضية ما زالت حية
في قلوب وضمائر معظم الشعب الفلسطيني
والشعب الكردي، وان الخيانات مهما تمادت
وعلا شأنها ستبقى كالاسماك النافقة التي
تطفو على سطح البحر.
No comments:
Post a Comment