Wednesday, September 19, 2007

صبرا وشاتيلا، لن ننسى ولن نغفر



لو آمنا جميعا بأن الشهداء ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقزون، وتفقدنا شهداء صبرا وشاتيلا في قبورهم لوجدناهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال يكادون يتميزون من الغيظ والغضب، ليس بسبب من سفك دمهم قبل ربع قرن ولكن بسبب بني جلدتهم الذين تركوهم بلا حماية في عام 1982 واليوم يتسابقون لنيل رضى القتلة المجرمين بدل أن ياخذوا بثأرهم.
ولو آمنا جميعا بأن الذين قتلوا في نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001 هم أيضا شهداء، على إعتبار انهم ضحايا مدنيون، وتفقدناهم في قبورهم لوجدنا هذه القبور قد تحولت الى ملاهي وهم يرقصون فرحين تكاد الارض أن تنشق من حولهم. حيث تم الثار الرهيب لمقتلهم بشكل لم يتصوروه ولم يتوقعوه. إذ تم تدمير أفغانستان وإشعال نار الحرب الاهلية التي لم تنته بعد، وتدمير العراق واحتلاله وتفكيكه وإذكاء نار الحرب الطائفية التي ما تزال ملتهبة، هذا بالاضافة الى الهيمنة على معظم أرجاء العالم عن طريق إقامة الاحلاف العميلة. وقد ساهم العرب بشكل فعال في خدمة السيد الامريكي وأبلوا بلاء حسنا في مساعدته للأخذ بثأره.
إن شعبا ينسى شهداءه هو شعب مصاب بفقدان الذاكرة، اي انه يعيش بدون ماض أو حاضر أو مستقبل. إن شعبا ينسى شهداءه لا يستحق أن يعيش حياة حرة كريمة ، بل سيعيش على هامش التاريخ حياة ذل ومهانة تدوسه الاقدام من كل صوب. والامة العربية من المحيط الى الخليج قد نسيت شهداءها ليس في صبرا وشاتيلا فحسب بل شهداء المجازر التي سبقت صبرا وشاتيلا والمجازر التي لحقتها ايضا.
أيام معدودات فصلت بين الذكرى الخامسة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا والذكرى السادسة لتفجير برج التوأمين في نيويورك. إلا أن سنوات ضوئية تفصل بين تداعيات ونتائج الحدثين. في صبرا وشاتيلا يسكن لاجئون معدمون يستجدون لقمة معيشتهم من المنظمات الخيرية، لاجئون طردوا من بيوتهم ووطتهم والقي بهم في العراء، وكأن ذلك لم يكن كافيا فلاحقتهم قطعان الفاشية المحليون بقصد القضاء عليهم نهائيا. في الطرف الآخر من العالم، في منهاتن في نيويورك يقبع في البرجين المهدومين ناس من صنف آخر، أغنياء الى درجة الفحش، يتلاعبون بالاموال كما يحلو لهم، يعيشون على سلب لقمة العيش من افواه الملايين في الدول النامية. بالرغم من أن عدد الضحايا في الحادثتين متقارب (حوالي 2000) إلا أن شتان فيما بينهما، بؤساء المخيم ليسوا سوى مجرد أرقام، إحصائيات موتهم لا يقدم ولا يؤخر، دمهم مباح كالماء. أما أغنياء البرجين فدمهم أحمر قاني وسفكه جريمة لا تغتفر، ومن تسول له نفسه ذلك فسوف يطارد الى آخر الدنيا ويقتل هو وأهله وأصدقاؤه وجيرانه عن بكرة ابيهم.
الذين ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا ما زالوا يتغطرسون في مشيتهم على رؤوس الاعيان، منهم ما زال يتبوأ مكانة راقية ومنصبا مرموقا في بلده ومنهم من يغط في سبات عميق بسبب مرضه وقد أصبح ورثته محجا يدور حوله الزعماء العرب والفلسطينيون. يا للعار.
لا يوجد تقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية. لا يعقل أن يصر ما يسمى بالمجتمع الدولي والذي يدور في فلكه معظم العرب على تشكيل محكمة دولية لملاحقة ومحاكمة رفيق الحريري وهو شخص فرد ويتم التغاضي عن جريمة صبرا وشاتيلا، قاتل أو قتلة الحريري ما زالوا مجهولون ولا يوجد أي دليل يشير الى طرف بعينه، بينما هوية قتلة أكثر من 2000 فلسطيني ولبناني في صبرا وشاتيلا معروفة للجميع والاثباتات والادلة والشهود موجدة بوفرة تكفي لإدانتهم ألف مرة. هذا المجتمع الدولي المنافق الذي طبل وزمر عند تقديم الرئيس الصربي ميلوسفيتش للمحكمة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، يملأ فمه رملا ورمادا إزاء الجرائم التي ترتكبها أمريكا وإسرائيل.
انه لمن المخزي والمخجل أن تمر الذكرى أل25 لمجزرة صبرا وشاتيلا بدون أن تحرك بنا ساكنا. لا حزب سياسي ولا جمعية مدنية ولا لجنة متابعة قد كلف نفسه عناء تنظيم مظاهرة أو مسيرة أو ندوة أو إصدار بيان وهو أضعف الايمان خصوصا وأن سفك الدم الفلسطيني ما زال مستمرا كل يوم والمجرمون هم أنفسهم وإن تغيرت الاسماء وتبدلت الشخصيات. على العكس من ذلك، نرى التعاون مع المجرمين يجري على قدم وساق ووصل في بعض الاحيان الى حد التحالف والمشاركة الفعلية.
اننا نقدم إعتذارنا لكم يا ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا وضحايا كافة المجازر، لقد خيبنا أملكم وخذلناكم، حتى بتنا نحسدكم لأنكم لا ترون ولا تسمعون ماذا يجري حولكم، نتمنى لو كنا نرقد الى جانبكم، فالعار لم يعد يحتمل. سامحونا على عجزنا وعلى تفاهتنا. أنتم الأحياء وإن متم ونحن أموات وإن عشنا.

No comments: