تقيّم إسرائيل بكل مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية وفي المكان الاول وسائل إعلامها جميع الاحداث في العالم من منطلق: هل هذا الحدث "جيد لليهود" أم "سيء لليهود". فإذا انتخب رئيس دولة ما، ولا يهم إن كانت هذه الدولة هي الولايات المتحدة الامريكية أو فرنسا أو المانيا أو إذا كانت جزيرة نائية في المحيط الهادي يكاد لا يعرف احد موقعها بالضبط.
حتى عندما تقع كوارث طبيعية في العالم مثل هزة أرضية في تركيا أو عاصفة مدمرة في تايلاند أو فيضانات في الهند فإن العنوان الرئيسي الذي يتصدر نشرات الاخبار في التلفزيون الاسرائيلي وعناوين الجرائد بالبنط العريض هو: سلامة جميع الاسرائيليين في المنطقة المنكوبة. وإذا حدث وكان أحد الاسرائلين ضحية لهذه الكارثة، يجن جنون وسائل الاعلام والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ويأخذ الخبر ابعادا عبثية غير منطقية وتتقزم إزائها نتائج هذه الكوارث حتى لو حصدت ارواح الآلاف من المحليين.
أما العرب في هذه البلاد وخارجها فأنهم يصنفون الى قسمين: العربي الجيد والعربي السيء. بالنسبة لليمين الصهيوني المتطرف العربي الجيد هو العربي الميت. أي أن جميع العرب اشرار، حتى الله قد ندم على خلقهم على حد قول أحد الحاخامين المرموقين. غير أني لا أريد هنا أن اتناول هذه الشريحة وذلك لقطع الطريق على من يدعي بأنها شريحة هامشية وضئيلة ولا تشكل خطورة. مع انها حسب رأيي ليست هامشية وتنمو بوتائر سريعة وخطرها اصبح ملموسا ويزداد يوميا، ولكني سأتناول مواقف المؤسسات الرسمية التي تعبر عن التيار الرئيسي في الدولة وتعكس تفكيره وامنياته الظاهرة منها والمخفية.
محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية هو " عربي جيد" أولا لأنه يلبس بدلة فاخرة وربطة عنق أنيقة ويحلق ذقنه يوميا وربما مرتين باليوم. بالاضافة الى ذلك فهو جنتلمان يطبع قبلتين على خدود ضيوفه بغض النظر إن كانت سيدة مثل كوندي رايس أو تسيبي ليفني أو سيد مثل ايهود أولمرت أو طوني بلير. وهو لا يتكلم ابدا عن مدينة صفد وحقه في العودة اليها. وفي الوقت نفسه يحارب الارهاب الفلسطيني ويصف عمليات المقاومة بالحقيرة، وهو مستعد للقاء الزعماء الاسرائليين في كل مناسبة ومن غير مناسبة وفي كل زمان ومكان ومن غير شروط بينما يرفض الجلوس مع حماس بالرغم من إن أغلبية الشعب الفلسطيني يؤيدها، ويلقي عليها شروطا تعجيزية مقابل أي لقاء أو حوار. بالاضافة الى ذلك فهو حليف جديد ليس على الصعيد المحلي فحسب بل على الصعيد الاقليمي والعالمي ايضا. فهو يتزعم معسكر المعتدلين العرب والقادة المطبعين وها هو ينسجم مع السياسة الامريكية أكثر من زعماء اسرائيل انفسهم. وفي لقاءاته المتكررة مع اولمرت ينسق لمحاربة حماسن، عفوا محاربة الارهاب الفلسطيني، وتشديد الحصار على غزة ويتعاون مع الاسرائيليين والامريكيين علنا لتدريب وتسليح قوات الامن التابعة لسلطته لكي تحارب الارهاب بشكل فعال وتمنع تكرار ما حدث في غزة في الضفة الغربية.
سلام فياض، رئيس الحكومة الفلسطينية، هو ايضا عربي جيد للأسباب نفسها، بل هو أكثر جودة من عباس، فقد اسقط مصطلح المقاومة نهائيا وشطبه من قاموس حكومته، وها هو يلاحق المقاومين ويجردهم من سلاحهم ويشن حربا على المؤسسات الخيرية، يغلقها ويعتقل العاملين بها بحجة انها تدعم الارهاب. وهو بالاضافة الى ذلك ولأهم يطلب من إسرايل الكثير فلا يهمه حق عودة ولا إخلاء مستوطنات ولا قدس ولا يحزنون.
محمد دحلان هو أيضا وللأسباب نفسها، كان عربيا جيدا، ولكنه إحترق في غزة، خسارة.
أما ياسر عرفات فأنه عربي سيء، وسيء جدا. اولا لأنه يعتمر الكوفية التي اصبحت رمزا للفلسطينيين أينما كانوا وثانيا بسبب لحيته القصيرة المنفرة التي تخيف الاطفال اليهود. بالاضافة الى انه إرهابي ويدعم الارهاب، العربي السيء مصيره واحد وهو الموت وهذا ما حدث. ولم يشفع له التنازلات التاريخية التي قدمها لإيجاد تسوية وهمية مع الكيان الصهيوني.
قادة وأعضاء حماس وباقي تنظيمات المقاومة هم أيضا عرب سيئون. لذلك يجب تضييق الحصار عليه، تجويعهم، إغتيال قادتهم وسفك دمائهم بدم بارد.
العربي السيء يجب أن يموت، العربي الجيد يستطيع أن يعيش ولكن في ظل الاحتلال والعبودية والذل. التنقل بين المعسكرين مسموح. فالعربي السيء قد يصبح جيدا إذا ما رافع شارة الاستسلام والطاعة والعربي الجيد قد يصبح سيئا إذا ما تمرد وعاد الى غيه مقاوما للإحتلال الاسرائيلي المتنور.
إذن، الفرق بين العربي الجيد والعربي السيء هو نسبي ومشروط ومؤقت.
واضح أن هذا التصنيف عنصري ناتج عن أيدولوجية غير انسانية مشوهة، فإلى متى يجب أن نتقبله؟
No comments:
Post a Comment