Thursday, September 06, 2007

زيف الديموقراطية الفلسطينية


كذبنا على أنفسنا كذبة وصدقناها. وكلما كبرت الكذبة كلما إزداد تصديقنا لها حتى ضربت شروشها في وعينا الجماعي وفي لا وعينا أيضا. اصبحنا ضحية لهذه الكذبة بل عبيدا لها. تقول هذه الكذبة اننا نمتلك ديموقراطية فريدة من نوعها غير موجودة في اي بلد عربي تحسدنا عليها جميع الشعوب العربية المحرومة من الديموقراطية والتي تبتلي بأنظمة استبدادية عاتية. حتى أن هذه الديموقراطية تتفوق على كافة الديموقراطيات في العالم المتمدن. وقد أطلقنا عليها ببساطة: الديموقراطية الفلسطينية.
فنحن نحل خلافاتنا بالحوار ولا نحتكم الى السلاح أبدا ومهما إختلفنا يبقى شعار الوحدة الوطنية مرفوع عاليا. اما مؤسساتنا فهي نموذج حي لهذه الديموقراطية. حيث تؤخذ جميع قراراتنا بالاجماع بعدما يشارك الجميع بالنقاش الحر. لذلك يقف الجميع وراء هذه القرارات ويعمل على تنفيذها بكل صدق وأمانة. ولعل آخر مثل يضربونه على هذه الديموقراطية العجيبة هو الانتخابات الاخيرة للمجلس التشريعي التابع للسلطة الفلسطينية في بداية عام 2006 والتي اسفرت عن فوز كاسح حققته حركة حماس.
أما ماذا جرى بعد ذلك فتختلف الروايات. فالبعض يقول: أن التيار الانقلابي في حماس هو الذي قوض اركان الديموقراطية الفلسطينية. بينما يقول البعض الآخر: بل التيار الانقلابي في حركة فتح هو الذي زعزع أسس هذه الديموقراطية منذ أن رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات. لعل الجانب الايجابي الوحيد الذي اسفر عنه صراع هذين التياريين الانقلابيين هو انهما مزقا القناع الذي كان يغطي عورة ما يسمى بالديموقراطية الفلسطينية.
من يراجع تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية، بقليل من الجرأة والموضوعية، يرى انها كانت تفتقر الى اي عنصر ديموقراطي منذ تأسيسها عام 1964 بقرار من جامعة الدول العربية، مرورا بسيطرة التنظيمات الفلسطينية المسلحة عليها عام 1968 وحتى اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى يومنا هذا. وإذا ما حققت هذه المنظمة شيئا من الانجازات خلال تاريخها الطويل فقد كان ذلك بالرغم من مساوئها وليس بفضل ديموقراطيتها الوهمية وذلك بسبب عدالة القضية الفلسطينية.
في مرحلة نشأتها الاولى كانت المنظمة ملحقة بالسياسة العربية المهزومة ولم يكن لها أي تواجد مستقل. بعد الهزيمة العربية عام 1967 إستولت عليها حركة فتح بينما إكتفت المنظمات الاخرى بالفتات وكانت تطالب طول الوقت بدمقرطة مؤسساتها ولكن لا حياة لمن تنادي. وعندما قررت زعامتها المتنفذة الانخراط بما يسمى بالحل السلمي ونبذ السلاح تدريجيا، قامت بالاعتراف بالقرارات التي رفضتها الجماهير الفلسطينية وقدمت آلاف الشهداء في محاربتها مثل قرار 242 و338، بل وأكثر من ذلك فقد أدانت المقاومة الفلسطينية ودمغته بالارهاب. ومن ثم تآمرت على وأد الانتفاضة الاولى بعد أن الهت الجماهير الفلسطينية بإعلان الاستقلال الوهمي، ومن ثم دخلت وأدخلت القضية الفلسطينية والجماهير الفلسطينية معها الى دهاليز مفاوضات اوسلو السرية التي تمخضت عن إتفاقيات هزيلة وعقيمة، بعدما أجهضت الانتفاضة الاولى نهائيا.
في كل هذه الامور كان الانفراد بإتخاذ القرار سيد الموقف. وكان كل معارض يدمغ بمعادة المشروع الوطني. بل اصبح بيع الوطن بالجملة والمفرق هو العمل الوطني. حتى أفرغت منظمة التحرير الفلسطينية ليس من مضمونها فحسب بل جردت من معناها اللغوي أيضا. اذكر أن أحد المفكرين الاسرائيليين المختصين قد إقترح تغيير اسمها من אש"ף إلى אשח"ף اي من منظمة تحرير فلسطين إلى منظمة تحرير جزء من فلسطين. غير أن هذا الكاتب الاسرائيلي يبدو انه كان كريما ومتفائلا أكثر من اللازم. فكما تعلمنا في كتب التاريخ عن الامبراطورية الرومانية المقدسة التي لم تكن في حقيقة الامر لا امبراطورية ولا رومانية ولا مقدسة، كذلك فأن منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد منظمة: بل أصبحت مجموعة من التنظيمات أغلبها تنظيمات وهمية تحمل اسماء اطول منها، أما كلمة تحرير فقد شطبت من برنامجها تماما كما شطب سلام فياض مؤخرا كلمة مقاومة من برنامج حكومته، وهي لم تعد فلسطينية نظرا لهيمنة دول دولارات النفط على قرارتها وأخيرا دخول الهيمنة الامريكية من أوسع ابوابها.
اليوم يعيد محمود عباس تجربة ابراهيم الخليل الذي طلب من ربه ان يريه كيف يحيي الموتى، وهو يريد أن يرينا كيف يحيي منظمة التحرير الفلسطينية وهي رميم. فدعا المجلس المركزي للإجتماع لإدانة الانقلاب في غزة ولإنفراد بالشرعية. هذا المجلس لم يجتمع منذ 11 عاما وحتى إجتماعه في ذلك الحين كان من أجل تغيير الميثاق الوطني الفلسطيني بما يرضي امريكا وأسرائيل. نصف أعضا ءه قد قضوا نحبهم ولم يتم تعيين بدائل لهم وبعضهم الآخر يترأس تنظيمات لا وجود لها. مؤخرا اصدر محمود عباس مرسوما لتعديل قانون الانتخابات يلزم كل مرشح بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد ويلتزم بقراراتها. ولكن يبدو أن السيد الرئيس قد نسي ان يخبرنا اية منظمة تحرير يعني.
تريد أمريكا واسرائيل ديموقراطية فلسطينية مدجنة تقبل بالهيمنة الامريكية في المنطقة وتقبل بالحل الاسرائيلي للقضية الفلسطينية مع بعض التحسينات التي تعود بالنفع للطبقة الارستقراطية المتعاونة. من أجل ذلك تقوم الحكومة الفلسطينية بالتنسيق مع قوات الاحتلال وبدعم مالي وعسكري امريكي بملاحقة المقاومين ونزع سلاحهم، بالقوة إذا اقتضت الضرورة، وذلك تمهيدا لحضور المؤتمر الدولي القادم.

No comments: