نحن شعب لا ننسى أسرانا....
(في المهرجانات والخطابات فقط)
في مساء الأحد اتصل بي صديق من أهالي الأسرى وسألني إذا كنت أريد أن أسافر مع أهالي الأسرى إلى مهرجان تضامن مع الأسرى في رام الله. وبدون تردد أو مزيد من الاستفسار أجبت بالطبع. في اليوم التالي وعندما كانت الحافلة في طريقها إلى المهرجان تبين أن معظم أهالي الأسرى مثلي لا يعرفون شيئا عن هذا المهرجان فقد تم الاتصال بهم في مساء اليوم السابق ودعوتهم لمهرجان الأسرى في رام الله. فقد كان كافيا أن المهرجان من أجل الأسرى حتى يهبوا ويلبوا النداء. في الطريق علمنا أن وزارة الأسرى في السلطة هي الجهة المنظمة لهذا المهرجان وأن المناسبة المباشرة هو تكريم عميد الأسرى الفلسطينيين سعيد العتبة أبن مدينة نابلس الذي طوي 30 عاما في سجون الاحتلال وهو يدخل العام ال31 ضاربا الرقم القياسي لأطول فترة سجن قضاها أسير في العالم، وكذلك تكريم الأسرى القدامى الذين أمضوا في السجون الإسرائيلية أكثر من 20 سنة والذين بلغ عددهم 65 أسيرا، ومن خلالهم المطالبة بالإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين. وعلمنا أيضا أن رئيس السلطة محمود عباس قد يحضر إلى المهرجان ويلقي كلمته في هذه المناسبة بعد أن ينهي لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت في أريحا( ولكنه بالطبع لم يأت في النهاية).
في الحقيقة، وبعد أن عرفت هذه المعلومات فتر حماسي وندمت على مجيئي المتسرع، فقد شعرت إن هذا المهرجان سوف يكون كغيره من المهرجانات الرسمية، منصة للخطابات وإطلاق الشعارات الرنانة وخدمة السياسة التي تنتهجها الجهة المنظمة ومن ثم يتفرق الجميع ولا يتمخض عنه أي نتيجة ملموسة. ومما زاد الطين بلة إني كنت قد قرأت قبل عدة أيام في إحدى المواقع على شبكة الانترنت تصريحا لوزير الأسرى أن قوات الأمن التابعة للسلطة سوف تلاحق من يرفض تسليم سلاحه من المقاومين في الضفة الغربية بالقوة. وإن هذا الوزير متهم بقضايا فساد ومواقف سياسية تؤيد التخلي عن حق العودة حسب ما ورد في وثيقة جنيف الخ. وبعد ذلك علمنا أن رئيس حكومة الطوارئ سلام فياض بنفسه سيكون هناك ويلقي كلمة بهذه المناسبة وهو الذي أسقط خيار المقاومة نهائيا من برنامج حكومته.
وصلنا إلى قصر الثقافة في رام الله حيث يقام المهرجان وكان واضحا أن الحضور من لون واحد، اللون الفتحاوي المؤيد لحكومة الطوارئ المدعومة عربيا وإسرائيليا وأمريكيا. لم أر أحدا من الأسرى القدامى المحررين أو من أسرى التنظيمات الفلسطينية الأخرى في المعارضة.
بدا المهرجان، وعلى المنصة صورة كبيرة لعميد الأسرى إلى جانبه صور من قضوا 20 سنة وأكثر في السجون يتوسطها وبالخط الغليظ شعار: نحن شعب لا ننسى أسرانا، وقف العريف يكيل المدائح لعميد الأسرى الفلسطينيين وللأسرى القدامى ولكافة الأسرى وأكد أن قضية الأسرى تحظى بالأولوية في سياسة حكومة الطوارئ التي تعمل جاهدة في اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي لطرح هذه القضية من أجل إطلاق سراح كافة الأسرى.
وتوالت الخطابات، وأعتلى المنصة الأسير المحرر مؤخرا في صفقة حسن النوايا التي قدمها اولمرت للرئيس عباس والتي شملت 255 معظمهم من فتح ومعظمهم قد انهوا أكثر من 70% من محكوميتهم، وبالطبع الذين " أياديهم ليست ملطخة بالدم"، بعد أن وقعوا على التزام بعدم العودة إلى الإرهاب بعد إطلاق صراخهم، الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكانت المفاجأة عندما قدمه العريف بأنه مندوب رئيس السلطة أبو مازن الذي تعذر وصوله وانه هو الذي سيلقي كلمته. وتساءلت مثلي مثل الكثيرين: هل كان ذلك جزء من ثمن إطلاق سراحه؟ هكذا إذن، دعم سياسة عباس وإدانة ما جرى في غزة وتحميل المسؤولية لطرف واحد كانت أحد أسباب شمل عبدا لرحيم ملوح في هذه الصفقة. ومن ثم اعتلى المنصة وزير الأسرى أشرف عجرمي الذي أسهب عن أهمية إطلاق سرح جميع الأسرى من أجل نجاح المفاوضات وتحقيق السلام. تلاه رئيس الحكومة سلام فياض وهو الآخر تكلم كثيرا ولكنه لم يقل شيئا. وقد تحاشا جميع المتكلمين إدانة الحكومة الإسرائيلية بشكل واضح وتحميلها مسؤولية الجرائم التي ترتكبها بدءا بزج 11 ألف فلسطيني وراء القضبان مرورا بسياسة الاغتيالات والمداهمات المستمرة وانتهاء بسياسة المماطلة والمراوغة والخداع، هل كان ذلك بهدف عدم تعكير جو اللقاء الحميم في أريحا؟ بينما كانت السهام موجهة إلى الفر قاء الفلسطينيين الذين انقلبوا على الشرعية في غزة. حتى الفقرة الفنية كانت تخدم هذا الاتجاه خصوصا باستغلال أخت احد الأسرى لإلقاء قصيدة ضد ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة...
التذمر بين ذوي الأسرى، حتى الموالين للسلطة بدا بالازدياد خصوصا عندما ألقت أخت عميد الأسرى كلمتها وتساءلت لماذا ما زال يقبع شقيقها بالسجن كل هذه المدة الطويلة بينما تم إطلاق سراح العديدين، الا تلعب الانتماءات الحزبية والواسطة دورا في عمليات تحرير الأسرى منذ اتفاقيات اوسلوا وحتى ألان؟
الا أن خيبة الأمل الحقيقية قد بدت على وجوه أهالي الأسرى من الداخل. بالرغم من دعوتهم لحضور هذا المهرجان فقد تم تجاهلهم تماما، حتى أن العريف نسي أن يرحب بهم، واكتفى بالترحيب بعضوا الكنيست محمد بركة وعباس زكور. بينما قام المتكلمون بتجاهل أسرى الداخل نهائيا وكأن هذه القضية محسومة مسبقا، فهم قضية إسرائيلية داخلية محضة لا يحق لأي طرف آخر التطرق إليها.
هنا كانت الصرخة الحقيقية الوحيدة النابعة من الأعماق في هذا المهرجان عندما أصرت أم الأسير مخلص برغال على الكلام. هذه السيدة العجوز التي وصلت إلى المنصة بشق الأنفس: يجب أن نلغي هذه التفرقة التي فرضتها علينا دولة إسرائيل بين عرب 48 وعرب 67. أنا أيضا اركض من سجن إلى آخر منذ 30 سنة، وما قدمه ابني وإخوانه من فلسطينيي الداخل لا يختلف عما قدمه باقي الأسرى وكان من أجل فلسطين، كل فلسطين، فلماذا التفرقة في معاملتهم؟ ولماذا يجري تجاهلهم في كل عملية مفاوضات أو تبديل.
هذه الحكومة التي تتغنى بالأسرى وبدورهم الهام في تحقيق البرنامج الوطني وتتعهد ببذل الجهود لإطلاق سراحهم، وتنظم مهرجانات التكريم، هي نفسها التي تدعو المقاومين إلى تسليم أسلحتهم بينما ما زال الاحتلال جاثم على صدورهم، وتعتقل وتلاحق من لا ينصاع لأوامرها. وهي تغذي الوهم البائس الذي يزعم بأن إطلاق سراح الأسرى منوط بالنوايا الحسنة للمسئولين الاسرائيليين الذي يقابله المزيد من تقديم التنازلات ونبذ المقاومة التي تدمغ بالإرهاب.
لقد اثبت تاريخ النضال الفلسطيني الطويل والمرير أن إسرائيل ترضخ فقط عندما تتصاعد المقاومة ومن خلال المواقف الصلبة أثناء عمليات التبادل.
نعم، يجب أن نكون شعبا لا ينسى أسراه ولكن ليس من خلال الخطابات والمهرجانات بل أولا وقبل كل شيء من خلال متابعة المسيرة على الطريق الذي شقوه بنضالهم وعبدوه بتضحياتهم ودمائهم.
(في المهرجانات والخطابات فقط)
في مساء الأحد اتصل بي صديق من أهالي الأسرى وسألني إذا كنت أريد أن أسافر مع أهالي الأسرى إلى مهرجان تضامن مع الأسرى في رام الله. وبدون تردد أو مزيد من الاستفسار أجبت بالطبع. في اليوم التالي وعندما كانت الحافلة في طريقها إلى المهرجان تبين أن معظم أهالي الأسرى مثلي لا يعرفون شيئا عن هذا المهرجان فقد تم الاتصال بهم في مساء اليوم السابق ودعوتهم لمهرجان الأسرى في رام الله. فقد كان كافيا أن المهرجان من أجل الأسرى حتى يهبوا ويلبوا النداء. في الطريق علمنا أن وزارة الأسرى في السلطة هي الجهة المنظمة لهذا المهرجان وأن المناسبة المباشرة هو تكريم عميد الأسرى الفلسطينيين سعيد العتبة أبن مدينة نابلس الذي طوي 30 عاما في سجون الاحتلال وهو يدخل العام ال31 ضاربا الرقم القياسي لأطول فترة سجن قضاها أسير في العالم، وكذلك تكريم الأسرى القدامى الذين أمضوا في السجون الإسرائيلية أكثر من 20 سنة والذين بلغ عددهم 65 أسيرا، ومن خلالهم المطالبة بالإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين. وعلمنا أيضا أن رئيس السلطة محمود عباس قد يحضر إلى المهرجان ويلقي كلمته في هذه المناسبة بعد أن ينهي لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت في أريحا( ولكنه بالطبع لم يأت في النهاية).
في الحقيقة، وبعد أن عرفت هذه المعلومات فتر حماسي وندمت على مجيئي المتسرع، فقد شعرت إن هذا المهرجان سوف يكون كغيره من المهرجانات الرسمية، منصة للخطابات وإطلاق الشعارات الرنانة وخدمة السياسة التي تنتهجها الجهة المنظمة ومن ثم يتفرق الجميع ولا يتمخض عنه أي نتيجة ملموسة. ومما زاد الطين بلة إني كنت قد قرأت قبل عدة أيام في إحدى المواقع على شبكة الانترنت تصريحا لوزير الأسرى أن قوات الأمن التابعة للسلطة سوف تلاحق من يرفض تسليم سلاحه من المقاومين في الضفة الغربية بالقوة. وإن هذا الوزير متهم بقضايا فساد ومواقف سياسية تؤيد التخلي عن حق العودة حسب ما ورد في وثيقة جنيف الخ. وبعد ذلك علمنا أن رئيس حكومة الطوارئ سلام فياض بنفسه سيكون هناك ويلقي كلمة بهذه المناسبة وهو الذي أسقط خيار المقاومة نهائيا من برنامج حكومته.
وصلنا إلى قصر الثقافة في رام الله حيث يقام المهرجان وكان واضحا أن الحضور من لون واحد، اللون الفتحاوي المؤيد لحكومة الطوارئ المدعومة عربيا وإسرائيليا وأمريكيا. لم أر أحدا من الأسرى القدامى المحررين أو من أسرى التنظيمات الفلسطينية الأخرى في المعارضة.
بدا المهرجان، وعلى المنصة صورة كبيرة لعميد الأسرى إلى جانبه صور من قضوا 20 سنة وأكثر في السجون يتوسطها وبالخط الغليظ شعار: نحن شعب لا ننسى أسرانا، وقف العريف يكيل المدائح لعميد الأسرى الفلسطينيين وللأسرى القدامى ولكافة الأسرى وأكد أن قضية الأسرى تحظى بالأولوية في سياسة حكومة الطوارئ التي تعمل جاهدة في اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي لطرح هذه القضية من أجل إطلاق سراح كافة الأسرى.
وتوالت الخطابات، وأعتلى المنصة الأسير المحرر مؤخرا في صفقة حسن النوايا التي قدمها اولمرت للرئيس عباس والتي شملت 255 معظمهم من فتح ومعظمهم قد انهوا أكثر من 70% من محكوميتهم، وبالطبع الذين " أياديهم ليست ملطخة بالدم"، بعد أن وقعوا على التزام بعدم العودة إلى الإرهاب بعد إطلاق صراخهم، الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكانت المفاجأة عندما قدمه العريف بأنه مندوب رئيس السلطة أبو مازن الذي تعذر وصوله وانه هو الذي سيلقي كلمته. وتساءلت مثلي مثل الكثيرين: هل كان ذلك جزء من ثمن إطلاق سراحه؟ هكذا إذن، دعم سياسة عباس وإدانة ما جرى في غزة وتحميل المسؤولية لطرف واحد كانت أحد أسباب شمل عبدا لرحيم ملوح في هذه الصفقة. ومن ثم اعتلى المنصة وزير الأسرى أشرف عجرمي الذي أسهب عن أهمية إطلاق سرح جميع الأسرى من أجل نجاح المفاوضات وتحقيق السلام. تلاه رئيس الحكومة سلام فياض وهو الآخر تكلم كثيرا ولكنه لم يقل شيئا. وقد تحاشا جميع المتكلمين إدانة الحكومة الإسرائيلية بشكل واضح وتحميلها مسؤولية الجرائم التي ترتكبها بدءا بزج 11 ألف فلسطيني وراء القضبان مرورا بسياسة الاغتيالات والمداهمات المستمرة وانتهاء بسياسة المماطلة والمراوغة والخداع، هل كان ذلك بهدف عدم تعكير جو اللقاء الحميم في أريحا؟ بينما كانت السهام موجهة إلى الفر قاء الفلسطينيين الذين انقلبوا على الشرعية في غزة. حتى الفقرة الفنية كانت تخدم هذا الاتجاه خصوصا باستغلال أخت احد الأسرى لإلقاء قصيدة ضد ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة...
التذمر بين ذوي الأسرى، حتى الموالين للسلطة بدا بالازدياد خصوصا عندما ألقت أخت عميد الأسرى كلمتها وتساءلت لماذا ما زال يقبع شقيقها بالسجن كل هذه المدة الطويلة بينما تم إطلاق سراح العديدين، الا تلعب الانتماءات الحزبية والواسطة دورا في عمليات تحرير الأسرى منذ اتفاقيات اوسلوا وحتى ألان؟
الا أن خيبة الأمل الحقيقية قد بدت على وجوه أهالي الأسرى من الداخل. بالرغم من دعوتهم لحضور هذا المهرجان فقد تم تجاهلهم تماما، حتى أن العريف نسي أن يرحب بهم، واكتفى بالترحيب بعضوا الكنيست محمد بركة وعباس زكور. بينما قام المتكلمون بتجاهل أسرى الداخل نهائيا وكأن هذه القضية محسومة مسبقا، فهم قضية إسرائيلية داخلية محضة لا يحق لأي طرف آخر التطرق إليها.
هنا كانت الصرخة الحقيقية الوحيدة النابعة من الأعماق في هذا المهرجان عندما أصرت أم الأسير مخلص برغال على الكلام. هذه السيدة العجوز التي وصلت إلى المنصة بشق الأنفس: يجب أن نلغي هذه التفرقة التي فرضتها علينا دولة إسرائيل بين عرب 48 وعرب 67. أنا أيضا اركض من سجن إلى آخر منذ 30 سنة، وما قدمه ابني وإخوانه من فلسطينيي الداخل لا يختلف عما قدمه باقي الأسرى وكان من أجل فلسطين، كل فلسطين، فلماذا التفرقة في معاملتهم؟ ولماذا يجري تجاهلهم في كل عملية مفاوضات أو تبديل.
هذه الحكومة التي تتغنى بالأسرى وبدورهم الهام في تحقيق البرنامج الوطني وتتعهد ببذل الجهود لإطلاق سراحهم، وتنظم مهرجانات التكريم، هي نفسها التي تدعو المقاومين إلى تسليم أسلحتهم بينما ما زال الاحتلال جاثم على صدورهم، وتعتقل وتلاحق من لا ينصاع لأوامرها. وهي تغذي الوهم البائس الذي يزعم بأن إطلاق سراح الأسرى منوط بالنوايا الحسنة للمسئولين الاسرائيليين الذي يقابله المزيد من تقديم التنازلات ونبذ المقاومة التي تدمغ بالإرهاب.
لقد اثبت تاريخ النضال الفلسطيني الطويل والمرير أن إسرائيل ترضخ فقط عندما تتصاعد المقاومة ومن خلال المواقف الصلبة أثناء عمليات التبادل.
نعم، يجب أن نكون شعبا لا ينسى أسراه ولكن ليس من خلال الخطابات والمهرجانات بل أولا وقبل كل شيء من خلال متابعة المسيرة على الطريق الذي شقوه بنضالهم وعبدوه بتضحياتهم ودمائهم.
No comments:
Post a Comment