Friday, November 30, 2007

موضة حل الدولة الواحدة



لقد أصبح واضحا لدى العديد من السياسيين والاكاديميين الذين يتعاطون بالسياسة أن الحل الذي طبلوا له وزمروا لسنوات طويلة، والمعروف بحل الدولتين، قد بات مستحيلا. اذ أن التعنت دولة إسرائيل ورفضها الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بالاضافة الى الاستيطان الصهيوني على مدى 40 عاما والذي غير معالم الضفة الغربية والقدس، جعل الكلام عن حل الدولتين يبدو عدميا حتى بالنسبة لمروجيه. بات واضحا أن هذا الحل حتى في افضل تجلياته سوف يبقي اسرائيل كدولة وحيدة والى جانبها محميات مقطعة الاوصال، معزولة ومخترقة، ويستطيع الجانب الفلسطيني اذا شاء أن يسميها دولة، او حتى أمبراطورية.
لفترة من الزمن برز شعار الدولة الديموقراطية العلمانية في فلسطين التاريخية كشعار نضالي بديل لحل الدولتين، الا أن المبادرين برفع هذا الشعار والقائمين عليه ما زالو يراوحوا مكانهم وعجزوا بل فشلوا في تطوير هذا الشعار وجعله مشروعا سياسيا قابلا للتطبيق. وما حصل هو العكس تماما، فقد أصبح هذا الشعار وبتسميات مختلفة ملجأ للعديد من الهاربين من الشعار الاول (حل الدولتين) بعد أن تيقنوا من استحالة تطبيقه، وركبوا على موجة الدولة الواحدة لكي يتمسكوا بمواقعهم المهتزة ليس إلا.
اسوق هذه المقدمة بمناسبة عقد مؤتمر مؤخرا في لندن تتحت عنوان: "تحدي الحدود: دولة واحدة في اسرائيل/فلسطين" حيث مثل به نخبة من النجوم الاكاديميين الفلسطينيين والاسرائيليين والاجانب أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: البروفيسور نديم روحانا، مدير مركز مدى صاحب وثيقة حيفا التطبيعية والذي ينادي بالدولة ثنائية القومية في إطار دولة اسرائيل، والدكتور أسعد غانم من جامعة حيفا ومركز ابن خلدون والذي يغير مواقفه السياسية بنفس السهولة التي يغير بها بدلاته الانيقة، وهو ايضا ينادي اليوم بالدولة ثنائية القومية، والدكتور نور مصالحة والمؤرخ إلان بابيه الذين قدما ابحاثا محمودة حول سياسة التهجير والتطهير العرقي للحركة الصهيونية خصوصا خلال حرب عام 1948، هذا بالاضافة الى عدد كبير من الناشطين والاكادميين الآخرين.
الدولة الواحدة التي يتكلم عنها جميع هؤلاء هي في الحقيقة دولة إسرائيل محسنة، طبعة جديدة منقحة، فالجميع يتغاضى عن كون إسرائيل كيانا استعماريا إستيطانيا يقوم على ايديولوجية عنصرية أو يمر على هذه الحقيقة الدامغة مرور الكرام. تستطيع إسرائيل بقدرة قادر أن تتحول الى دولة لكل مواطنيها، الى دولة ثنائية القومية والى دولة ديموقراطية علمانية، كل ما في الامر يجب إقناع حكامها بضرورة ومصداقية هذا الحل، والتغيير سوف يأتي من نفسه.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ولا أدعي بمقدرتي أن أوفر الجواب الشافي بهذه الجالة عليه هو: هل تستطيع دولة إسرائيل أن تخرج من جلدها وأن تغيير طبيعيتها الكولولونيالية العنصرية؟ هل تستطيع أن تكون دولة المستوطن، الناهب للأرض وفي الوقت نفسه دولة اللاجئ والمهجر والذي يرزح تحت الاحتلال؟ هل يمكن وهل يعقل المساواة بين الظالم والمظلوم؟ بين المستعمر (بالكسرة) والمستعمر (بالفتحة)؟
ماذا تعني الدولة ثنائية القومية التي ينادون بها؟ عن أي قوميتين يتكلمون؟ هل هي القومية العربية واليهودية؟ ام العربية ولاسرائيلية؟ ولماذا لا يتكلمون عن دولة متعددة القوميات؟، وهذا اقرب الى الواقع الذي فرضه الاستيطان الصهيوني الذي جلب مستوطينين من عشرات القوميات. وبالرغم من كافة الجهود الصهيونية على مدى 60 عاما لصهر هذه القوميات في بوتقة واحدة الا ان الفشل في هذا المجال ظاهر امام كل من يريد أن يرى، واذا ما زال احدهم يشك في ذلك فاليسأل المهاجرين الروس والاثيوبيين والمغاربة واليمنيين وهلم جرا.
حسب المفهوم الليبرالي للمروجين الجدد للدولة الواحدة، تستطيع إسرائيل بكل بساطة أن تدعي بأنها دولة ديموقراطية علمانية، فما الجديد الذي يجلبه هؤلاء؟ والحق يقال أن الدعاية الصهيونية قد حققت نجاحا كبيرا في إقناع العالم بأنها الدولة الديموقراطية العلمانية الوحيدة بالمنطقة وأن كونها دولة يهودية في الوقت نفسه لا يتناقض مع كونها دولة ديموقراطية وعلمانية.
إن مثل هؤلاء الاكادميين والناشطين الذين يعقدون مثل هذه المؤتمرات يسدون خدمة مجانية عظمى للدولة العنصرية التي يتهمونها هم انفسهم بإتباع سياسة التطهير العرقي. نحن كشعب فلسطيني مشرد ومهجر وواقع تحت الاحتلال يجب ألا نقع في هذه المصيدة. الدعوة للإعتراف بنا كأقلية (قومية) (أصلانية) وما شابه هذه الفلذكات الكلامية، هي مصيدة هدفها سلخنا عن عمقنا الفلسطيني والعربي من جهة ومنح الشرعية للأغلبية الصهيونية من جهة أخرى. الكلام حول تحويل إسرائيل الى دولة جميع مواطنيها هو أيضا مصيدة إذ كيف يعقل أن تصبح دولة المستوطنين العنصرية التي اقترفت جرائم لا تحصى ولا تعد أن تكون في الوقت ذاته دولة الشعب المحتل واللاجئ؟
الدولة الديموقراطية العلمانية اذا لم تكن تعني تحرير الارض والانسان فأنها تكون كذبة عظمى يجب فضحها ونبذها.

No comments: