Wednesday, February 03, 2010

المقاومة هي الطريق الوحيد لدحر سياسة التطهير العرقي



علي زبيدات – سخنين

وصلتني رسالة من صديقة فرنسية تدعوني لزيارة باريس للتعرف على عائلة صديقة لها من قبيلة نافاهو من سكان أمريكا الأصليين. هذه العائلة النشيطة في الدفاع عن حقوق الهنود الحمر في الولايات المتحدة هي أيضا من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني. حيث ترى أن كلا الشعبين قد تعرض لسياسة الإبادة العرقية على يد الرجل الأبيض. تقوم هذه العائلة الفريدة من نوعها اليوم بسرد مأساة الهنود الحمر من خلال الموسيقى الهندية التراثية والقصص الشعبية. في الوقت نفسه سيتم اللقاء مع ناشط استرالي من السكان الأصليين (الابورجينز) الذين تعرضوا هم أيضا لإبادة عرقية على يد الرجل الأبيض نفسه.
بالطبع لم أستطع رفض هذه الدعوة وسوف أسافر قريبا إلى باريس. ولكني أوضحت مسبقا لصديقتي الفرنسية بعض الفوارق الأساسية لسياسة التطهر العرقي التي تعرضت لها الأماكن الثلاث: الولايات المتحدة الأمريكية، استراليا وفلسطين هذا بالإضافة إلى وجوه الشبه العديدة. جوهر الصراع واحد وهو كولونيالية متوحشة تقوم على النهب والسلب والإبادة الجماعية من قبل الإنسان "المتحضر" ضد الإنسان "البدائي" المتخلف.
هناك ثلاثة فوارق أساسية لعبت دورا هاما في بلورة واقع الشعوب الثلاث وجميعها تصب في مصلحة الفلسطينيين مما يبقي الأمل حيا للانتصار على سياسة التطهير العرقي وهي:
أولا: الحركة الصهيونية التي قادت سياسة التطهير العرقي في فلسطين، بعد أكثر من قرن على نشاطها وأكثر من 60 سنة على إقامة دولتها كانت وما زالت حركة محدودة الإمكانيات عدديا، قوتها لا تنبع من ذاتها بل مأخوذة من الآخرين وهي هامشية عالميا حتى بين الذين تدعي أنها تمثلهم. خلال هذه الفترة لم تستطع هذه الحركة من جلب أكثر من خمسة ملايين مستوطن. بينما وصل المستوطنون في أمريكا إلى أكثر من 300 مليونا وفي استراليا إلى 22 مليونا. هذا الفارق الكمي الهائل أتاح للمستوطنين في أمريكا واستراليا إمكانية تغيير الواقع جذريا من خلال السيطرة الكاملة وفرض سلطتهم السياسية والاقتصادية والثقافية. بينما فشلت الموارد البشرية الضئيلة للحركة الصهيونية بإحداث مثل هذا التغيير.
ثانيا: الحركة الكولونيالية الصهيونية جاءت متأخرة 3 قرون على الأقل عن الحركات الكولونيالية في العالم الجديد. الشيء الذي كان يمكن أن ينجح نجاحا كاملا قبل 3 قرون في مناطق نائية عن العالم القديم لا يمكن أن يحقق النجاح نفسه بعد 3 قرون وفي مركز حضارات العالم.
ثالثا: مقاومة التطهير العرقي والاحتلال الاستيطاني في فلسطين ما زالت مستمرة بالرغم من كافة الانتكاسات، بينما انتهت بالنسبة للهنود الحمر في أمريكا والابورجينز في استراليا. لقد حققت الحركة الصهيونية انتصارات عديدة في معارك عديدة ولكنها لم تحقق نصرا تاريخيا. بالمقابل تعرض الشعب الفلسطيني لهزائم عديدة وخسائر جسيمة ولكنه لم يخسر تاريخيا بعد. ما دامت هناك مقاومة بكافة أشكالها فأن الخسارة التاريخية مستحيلة.
مع كل تضامني مع الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول أمريكا اللاتينية ومع كل تضامني مع المواطنين الأصليين في استراليا فإننا لا يمكن أبدا أن نقبل بنفس المصير. وأظن أن مناصري قضيتنا العادلة من بين هذه الشعوب لا يريدون لنا أن ننتهي إلى نفس المصير. بل هم يرون في نضالنا المستمر والمتواصل تعويضا لما آلت إليه نضالاتهم الماضية.
أبدو متفائلا جدا وأنا أأكد أن الحركة الصهيونية ومن خلال شكلها الحالي كدولة تقف أمام مأزق تاريخي لا فرار منه، تقف أمام طريق مسدود. لكن هذا لا يعني أنه لا تساورني بعض الشكوك وأنا أرى هذه الدولة المشوهة تصرح وتمرح في أرجاء العالم العربي من المحيط إلى الخليج، تغتال هذا وتؤجج الصراعات الداخلية هنا وهناك وبالرغم من ذلك تتهافت الأنظمة العربية إلى طلب ودها. يساورني الشك عندما أرى القيادة الفلسطينية التي من المفروض أن تقود النضال من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة تنبطح بهذا الشكل المخزي أمام عنجهية هذه الدولة. يزعجني جدا ـن نمنح هذه الدولة الشرعية ونقدمه على طبق من ذهب ونعتبر أنفسنا أقلية مع أن العكس هو الصحيح. لم يعد هناك شيء اسمه نزاع إسرائيلي عربي على الصعيد الرسمي حيث أن جميع الدول العربية إما مطبعة علنا أو سرا وإما ممانعة كلاميا فقط. هذه الدول ميئوس منها ولا يمكن المراهنة عليها. إلا أن الشعوب العربية وقواها الحية ما زالت ترفض التطبيع وهي التي في نهاية المطاف سوف تحسم المعركة التاريخية.
إن انتصار الحق الفلسطيني في نهاية المطاف سيكون انتصارا لكافة الشعوب التي تعرضت وتتعرض لحروب الإبادة من قبل الرأسمالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتهدد بحروبها هذه الحياة على كرتنا الأرضية.

No comments: