الثورة
والثورة المضادة في ظل العولمة
علي
زبيدات – سخنين
لنفترض
ان العالم فعلا قد اصبح قرية صغيرة، كما
يدعي العديد من المفكرين والكتاب الغربيين
وغير الغربييين، في ظل ثورة الاتصالات
في كافة المجالات التي قربت القطب الشمالي
من القطب الجنوبي والغت المسافات بين
الشرق والغرب، فما الذي تغيير في هذه
القرية العالمية الصغيرة؟ ما زال معظم
سكانها يسكنون في أحياء الفقر المدقع
كما كانوا يعيشون من قبل، يعانون من
الامراض والمجاعات والامية والتخلف.
في هذه القرية ما
زالت أقلية صغيرة جدا تسكن في أحياء راقية
تستحوذ على السلطة وعلى الثروات.
ومن تسول له نفسه
من سكان الاحياء الفقيرة للانتقال الى
الاحياء الراقية سوف يواجه بالجدران
العالية والقوانين الصارمة وربما القتل
والموت غرقا. اما
اذا حاولوا الاحتجاج على اوضاعهم المزرية
وغياب العادلة الاجتماعية وتحسين مستوى
حياتهم، سيقوم سكان الاحياء الراقية،
بسهولة آكثر بسبب قربهم، بقصفهم بالصواريخ
والقنابل الذكية وغيرها من مختلف الاسلحة
المتطورة.
في
هذه القرية الصغيرة، مسموح للاحياء
الراقية ان تقيم الاحلاف العسكرية لكي
تحمي ثرواتها وسلطتها وتشكل جيوشا يتم
ارسالها لاخماد كل تمرد معاد لها.
وفي الوقت نفسه
تستكثر وتستنكر ان تتعاون بعض العصابات
في الاحياء الفقيرة فيما بينها وتصفها
بالارهاب وذلك يعني الحق في القضاء عليها.
يعني مسموح للولايات
المتحدة الامريكية ان تشكل جيشا دوليا
مدججا باحدث الاسلحة وترسله لمحاربة
تنيظيم داعش في العراق وسوريا وتستنكر
انضمام بعض الافراد من اماكن اخرى الى
هذا التنظيم.
مما
لا شك فيه، وليس في ذلك اية غرابة، ان
تحتوي الاحياء الراقية في هذه القرية
العالمية الصغيرة على كل شيء جميل من
ابنية ومؤسسات ومسارح ودور سينما واماكن
ترفيه واستجمام ومجمعات تجارية ومطاعم
فاخرة. بينما
تنغل شوارع الاحياء الفقيرة بالاجرام
والمخدرات والجوع. ثورة
الاتصالات والمعلومات الالكترونية
والفضائيات اختصرت المسافات وكشفت الاسرار
ولكنها لم تغير كثيرا في طبيعة هذا العالم
الاقتصادية والسياسية.
المأساة الحقيقية
أن سكان الاحياء الفقيرة ما زالو،ا بالرغم
من وضوح الصورة، يحتجون على هذا الوضع
بتدمير وقتل بعضهم البعض، واذا صدف ان
تصادموا مع سكان الاحياء الراقية فانهم
غالبا ما يلجؤون الى طرق خاطئة تعود عليهم
بالضرر.
ليس
لدي مشكلة في اعتبار العالم قد اصبح حقا
قرية صغيرة. فهذا
لا ينفي ضرورة الثورات وامكانيتها بل
يؤكدها، وفي الوقت نفسه لا ينفي مخاطر
الثورات المضادة. كل
ما هنالك انه يجب اعادة صياغة الثورات
وهذا موضوع قائم بذاته وليس هنا المكان
المناسب للخوض في تفاصيله.
كما يجب اعادة
صياغة وفهم طرق واساليب مواجهة الثورات
المضادة. من
الواضح ان النظام الرأسمالي العالمي
المهيمن على هذه "القرية"
قد استطاع ان يشكل
تحالفا واسعا لحماية نفسه من السقوط، مما
يستدعي القوى الثورية ان تعمل على تشكيل
تحالف دولي مضاد لمواجهة هذا الحلف الذي
يجسد قوى الثورة المضادة.
وهذا يتطلب مسبقا
تحديد قوى الثورة واهدافها.
العديد من التنظيمات
التي تلبس قناع الثورة هي في الحقيقة جزء
من الثورة المضادة تمت صناعتها في معامل
الطبقة المهيمنة واستغلالها لخدمة
مصالحها. تنظيم
داعش مثلا وغيره من التنطيمات الطائفية
والسلفية لا يمكن اعتباره من قوى الثورة
بل من قوى الثورة المضادة، صراعها مع قوى
اخرى مضادة للثورة هو نسبي بينما صراعها
مع قوى الثورة هو مطلق.
حتى
قبل ثورة الاتصالات والمعلومات، كانت
هناك محاولات جادة لبناء تحالف ثوري في
مواجهة التحالف الرجعي المضاد.
من اهم هذه المحاولات
الدفاع عن الثورة في اسبانيا بين اعوام
١٩٣٦-١٩٣٩
من قبل ثوار أمميين. انخراط
العديد من الثوار الامميين في الثورة
الفلسطينية في السبعينيات هو ايضا من ضمن
هذه المحاولات. كذلك
لا يمكن تجاهل محاولات القائد الثوري
الخالد تشي جيفارا في بناء حركة ثورية
عالمية في كل من امريكا اللاتينية وافريقيا
وآسيا. المشكلة
في تنظيمات مثل داعش لا تكمن قي ضمها
لمقاتلين من عدة بلدان بل في طبيعتها
الرجعية التي تلقي بها خارج المعسكر
الثوري. لم
يعد هناك قضايا محلية ومن الوهم حلها على
صعيد محلي فقط. اذا
كان العالم اصبح قرية صغيرة فعلينا العم
على تنظيف قريتنا من القاذورات.
No comments:
Post a Comment