Thursday, March 22, 2018

لنتحدث قليلا عن عنصريتنا

لنتحدث قليلا عن عنصريتنا
علي زبيدات - سخنين

هناك يوم اسمه: "اليوم العالمي للقضاء على العنصرية" أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل أكثر من نصف قرن وبالتحديد في عام 1966 . يصادف هذا اليوم اليوم الأول من فصل الربيع وعيد الأم في البلدان العربية أي في 21 من شهر آذار. كما هو واضح للجميع، بعد مرور نصف قرن، لم نقض على العنصرية بل هي التي تقضي علينا يوميا بعد أن استفحلت ووصلت شراستها إلى درجة لم يعد بالإمكان مواجهتها. لن أتطرق هنا، لا من قريب ولا من بعيد، للعنصرية على الصعيد العالمي. لن أتكلم عن نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا الذي استمد هذا اليوم اسمه وشرعيته من المجازر التي اقترفها ذاك النظام في حينه. ولن أتكلم عن العنصرية في أمريكا "زعيمة العالم الحر" وما فعلته بالشعوب الاصلانية والمهاجرين من أصل أفريقي، لاتيني، اسيوي وغيرهم. حتى انني لن اتطرق الى العنصرية التي تمارسها الصهيونية منذ 70 سنة ضد شعبنا الفلسطيني. لا حاجة لأحد بما أكتبه في هذا المجال فالعالم يفيض بالكتب والمقالات والوثائق في هذا الموضوع وجميعها في متناول اليد.
أود أن اقتصر الكلام في هذه السطور القليلة على عنصريتنا نحن. ما المقصود بكلمة نحن؟ المقصود نحن العرب، أو إذا شئتم الشعوب العربية أو الامة العربية أو البلدان العربية، اختاروا التسمية التي تلائمكم. طبعا سيكون هناك من يقطب حاجبيه متسائلا: وهل نحن عنصريون؟ تساؤل ينضح بالانكار وقد يتابع: ولكن كيف يعقل أن نكون عنصريين ونحن ضحايا العنصرية التي يشنها العالم علينا؟ مما لا شك فيه أنه يوجد هناك الكثير من الحقيقة في كوننا ضحايا للعنصرية، ولكن من يقول أن ضحية العنصرية لا يكون هو الآخر عنصريا؟ وقد يتفوق أحيانا على من يمارس العنصرية ضده؟ وأكثر من ذلك: من يضمن ألا يكون مدعو مناهضة العنصرية عنصريين متسترين أو مكشوفين؟ لقد آن الأوان أن ننزع القناع الفضيلة ونكشف وجهنا العنصري أمام شمس الحقيقة ونكف عن الاختباء وراء عدم الاعتراف والبحث عن التبريرات والتهرب من المسؤولية.
أريد هنا أن أتطرق إلى ثلاثة أشكال أساسية من أشكال عنصريتنا والتي أصبح السكوت عنها جريمة في حق شعوبنا أولا ومن ثم في حق الانسانية جمعاء:
العنصرية على أساس عرقي وقومي: جميع الأقليات العرقية والقومية في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وبدون استثناء تتعرض للتمييز العنصري.  الأمازيغ في المغرب "العربي" ووضع كلمة العربي هنا بين هلالين  مقصودة نظرا لكون الامازيغ هم سكان البلاد الاصليين، يتعرضون لشتى أنواع التمييز حتى أنهم يمنعون في بعض الاماكن من الكلام أو التعليم بلغتهم الاصلية. وهكذا حال الاكراد في المشرق العربي وباقي الاثنيات الصغيرة مثل اليزيديين والشركس والارمن والتركمان وغيرهم. القومية العربية فكرا وممارسة فشلت مرارا وتكرارا في إيجاد حل ديمقراطي لمسألة الأقليات يقوم على أساس المساواة والمواطنة الكاملة. وهذا الفشل هو أحد الأسباب الرئيسية للتخلف العالم العربي بجميع مركباته.
العنصرية على أساس ديني وطائفي، وهي لا تقل من حيث خطورتها عن الشكل الأول بل في كثير من الاحيان وفي بعض الاماكن تفوقه خطورة. لا يوجد هناك ديانة لا تتبنى موقفا عنصريا من ديانة أخرى. ولا يوجد هناك طائفة لا تتبنى موقفا عنصريا من طائفة أخرى. ومما يزيد الطين بلة هو انكار كافة الديانات وكافة الطوائف لهذه العنصرية. إذ لا يمكن ستر الواقع بورقة توت بالية من الشعارات المزيفة حول التسامح والاخوة والتعايش والحوار بين الاديان. هيا أعطوني طائفة واحدة متسامحة مع طائفة أخرى. أعطوني ديانة واحدة أو مذهب واحد يتقبل غيره؟ حتى داخل الديانة الواحدة لم يعد هناك أي تسامح، وإلا ماذا نسمي حرب داحس والغبراء الجديدة بين السنة والشيعة؟ ولا أريد أن أتكلم أكثر عن العلاقات المتبادلة بين باقي الطوائف من اسلامية ودرزية وقبطية ومارونية وارثوذكسية وعلوية وغيرها.
العنصرية ضد المرأة: قد يحتج البعض ويقول أن الاسلام قد منح المرأة كافة حقوقها وأن المرأة المسلمة تتمتع بحقوق غير موجودة حتى في أكثر البلدان تقدما. من غير الخوض في نقاش ديني لا أول له ولا آخر، قد يكون الإسلام منح المرأة بعض الحقوق عند ظهوره ولكن عاد المسلمون وصادروا هذه الحقوق باسم الإسلام نفسه. تعاني المرأة العربية المسلمة وغير المسلمة اليوم من التمييز العنصري في كافة مجالات الحياة: في البيت والمجتمع والدولة. بعد مرور أكثر من قرن على اختراع السيارة ما زالت المرأة العربية في بعض الأماكن تمنع من قيادتها وعندما قررت أخيرا السماح لها بذلك أعتبرنا ذلك انجازا تاريخيا. علاوة على أن المرأة العربية أكثر نساء الارض تعرضا للتحرش الجنسي في البيت والشارع وأماكن العمل.
بالاضافة لهذه الاشكال الاساسية الثلاثة حيث تظهر عنصريتنا بابشع صورها يوجد هناك اشكال اخرى عديدة للعنصرية لا يتسع المجال لذكر كلها، ولكني ساكتفي بالاشارة إلى بعضها فيما يتعلق بواقعنا الفلسطيني الخاص. هناك عنصرية مقيتة في تعاملنا مع بعض كأبناء شعب واحد يحمل قضية واحدة. طالما رايت بأم عيني وسمعت باذني عندما نقول ضفاوي أو غزاوي نقولها بكثير من العنجهية والاستعلاء وهذا توجه عنصري مرفوض بتاتا وله نتائج سلبية وخيمة على هويتنا ووحدة نضالنا. وأكثر من ذلك، طالما سمعت عن ظواهر ذات طابع عنصري ضد المهجرين في القرى التي استوعبتهم بعد تهجيرهم من قراهم عام النكبة. من العار أن تبقى هذه الظاهرة بعد 70 عاما حتى وإن لم تأخذ أشكالا عنيفة في أغلب الأحيان. هذا بالاضافة للعنصرية الطائفية التي تتحكم بالعلاقات بين طوائف شعبنا المختلفة والتي نكنسها عادة تحت البساط ولكنها تنفجر  بين الحين والآخر في وجوهنا ونجبن عن مواجهتها بشكل عقلاني مسؤول.
طبعا منسوب العنصرية يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر ومن بلد لآخر، فمنها ما يصل إلى حد الابادة الجماعية ومنها ما يبقى كلاميا. ولكن المطلوب ليس خفض منسوب العنصرية بل القضاء عليها نهائيا. حسب رأيي يوجد داخل كل فرد فينا عنصري صغير، يمكن أن ينمو ويستفحل حتى يسيطر علينا تماما ويمكن أن نحاربه حتى نقضي عليه نهائيا. ومن هنا يجب أن نبدأ: مكافحة العنصرية على المستوى الفردي لأن المجتمع في نهاية المطاف مكون من أفراد. فقط أفراد أحرار قادرون على بناء وطنا حرا.  

No comments: