Wednesday, April 01, 2009

العودة الى كهف أفلاطون


شهدت منطقتنا هذا الاسبوع وفي يوم واحد تقريبا ثلاثة أحداث تلقي ظلالها على الوضع الراهن وتعكس آفاق تطور الاحداث السياسية على الصعيد المحلي والمنطقي والدولي. هذه الاحداث الثلاثة هي: مؤتمر القمة العربية في الدوحة، تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة وإحياء الذكرى ال33 ليوم الارض.
لست بصدد تناول هذه الاحداث بالشرح والتحليل والاسهاب بالنقد والتعليق كما جرت العادة عند الصحفيين والكتاب ولكن تزامن هذه الاحداث ومجرياتها اثارت بي تأملات فلسفية صوفية نقلتني الى الماضي السحيق وحطت بي امام كهف افلاطون الشهير.
ما هي علاقة افلاطون وكهفه بهذه الاحداث؟
من المعلوم اننا نعيش في عصر المعلومات، المعلومات السريعة والشاملة. حيث ان الشبكة العنكبوتية قد اغرقتنا بكميات هائلة من المعلومات من شتى انحاء العالم وبسرعة قصوى. فما يكاد يحصل شيء في أحد اطراف العالم مهما كان تافها او عظيما إلا وتنقله هذه الشبكة الى باقي الاطراف. هذا ناهيك عن القنوات الفضائية التي تنقل لنا الحدث مباشرة بالصوت والصورة. ولكنها وبصورة عكسية تعيد الى ذاكرتنا القانون الاول في التفكير الديالكتيكي حول وحدة وصراع الاضداد. فكلما إزدادت المعلومات قلت الحقائق. فإذا أخذنا مؤتمر القمة العربية الاخير في الدوحة (وهو مؤتمر القمة الثالث أو الرابع في غضون بضعة اشهر) كمثل وجدنا قدر هائل من المعلومات على الشبكة والجرائد والبث المباشر على الفضائيات، ولكن أين الحقائق؟ هل حقا تمت المصالحة بين الملوك والرؤساء العرب؟ هل حقا سوف يقوم المؤتمرون بإعادة بنا غزة؟ هل تقدم العرب خطوة واحدة في طريق مواجهة التحديات الصادرة من إسرائيل بعد تشكيل الحكومة الجديدة؟ هل اصبحوا أكثر استعدادا للتعامل مع الادارة الامريكية الجديدة؟ إذن، المعلومات الغزيرة تغطي الحقائق بدل أن تكشفها.
الامر نفسه ينطبق على تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة. المعلومات حولها بلا نهاية. من لا يعرف الفرسان الثلاثة الذين سوف يقودون هذه الدولة في المرحلة القادمة، نتنياهو، براك وليبرمان؟ تاريخهم وسياستهم وافكارهم معروفة. ولكن اين الحقائق؟ هل ستواصل هذه الحكومة المفاوضات والتمسك بعملية السلام كما تدعي أم انها تحضر لشن حرب جديدة في المنطقة كما يظن آخرون؟ هل الترانسفير لفلسطينيي الداخل الذي رفع رايته ليبرمان أصبح وشيكا أم انه لم يكن سوى دعاية انتخابية؟ هل سيقوم ليبرمان بتناول العشاء الفاخر مع حسني مبارك في أحد منتجعات شرم الشيخ أم يدعه يذهب الى الجحيم كما قال السنة الماضية؟ وهل سنقدم، نحن فلسطينيو الداخل، آيات الولاء والاخلاص للدولة أم سوف تسحب المواطنة المشوهة من تحت أقدامنا. وهل براك هو رجل حرب أم رجل سلام؟ هل يشكل الجناح اليساري المتعقل في الحكومة أم انه يميني أكثر من اليمين المتطرف؟
وعلى صعيدنا المحلي وفي أعقاب إحياء الذكرى ال33 ليوم الارض من حقنا أن نتساءل: هل مسيرة ال10 كم من سخنين الى دير حنا قد قربتنا من الارض أم انها مؤشر على فقداننا للارض الى الابد؟ وهل كلما كبر حجم العلم الفلسطيني الذي حمله أحد الاحزاب العربية القومية جدا جدا والتي تؤمن بإمكانية تحقيق مشروعها القومي من خلال دهاليز الكنيست، هو دليل على زيادة أم نقص بالانتماء القومي الحقيقي؟
التأمل في هذه الامور نقلتني الى كهف افلاطون. القيت نظرة الى الداخل فرأيت زعماءنا العرب مقيدين بالسلاسل داخل الكهف. يبدوا واضحا انهم يرفلون بهذه السلاسل منذ ولادتهم. لا يستطيعون حراكا. عيونهم مصوبة الى أحد جدران الكهف. من خلفهم تشتعل نار لا يرونها ولكنها كافية لكي تلقي بظلال الاشياء على الجدار. وبسبب العادة والالفة وعدم خروجهم من الكهف يظنون أن الظلال والاشباح التي تتراقص على الحائط هي حقيقة الاشياء.
هنا تنتهي المقارنة بين الزعماء العرب وبين أهل كهف افلاطون. حيث أن أفلاطون يكسر السلاسل ويطلق سراح المحتجزين ويخرجهم الى النور، بالرغم من انهم في البداية لايستطيعون النظر الى النور ويعانون من ألم في عيونهم. ولكن مع الوقت يتعودون ويرون الامور على حقيقتها رويدا رويدا. بينما فضل الزعماء العرب البقاء للعيش في ظلمات الكهف مكبلين بالاصفاد طوال حياتهم حيث الامن والطمانينة.
الا يوجد زعيم عربي واحد يمتلك الجرأة ليحطم قيوده، يخرج من الكهف ويواجه النور؟
قال أحد الفلاسفة العرب المتصوفين:" كلما إتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" أما عندنا فقد إنعدمت الرؤيا تماما وأصبحت العبارة سلاحنا الوحيد.

No comments: