Tuesday, January 14, 2020

إلى اليمين در

إلى اليمين در
قبل أن نتكلم عن اليمين الإسرائيلي دعونا نتكلم قليلا عن اليمين الفلسطيني. 
لعل الشعار الرئيسي لحركة فتح، أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، التنظيم "الحاكم" (على الاقل حاليا في الضفة الغربية) والتي تعتبر نفسها مفجرة الثورة الفلسطينية الحديثة من خلال انطلاقتها في 1/1/196، كان وما زال: "لا يمين ولا يسار في الثورة الفلسطينية". هذا ما كان يتلقنه كوادر وأسرى في السجون الاسرائيلية (وانا هنا اتكلم عن تجربتي الخاصة). حسب هذا الشعار، لم تفرق إسرائيل في عام النكبة بين غني وفقير، بين عامل ورأسمالي، بين فلاح واقطاعي وبين تقدمي ومحافظ. كل هؤلاء كانوا سواسية في التشرد واللجوء وعلى حركة فتح أن تقودهم جميعا بعد أن توحدهم في تنظيم واحد. طبعا لا مفر من تعدد الآراء والافكار والنظريات والمواقف السياسية ولكن كل ذلك يجب أن يتم داخل إطار الحركة فقط. هكذا قام منظرو حركة فتح بالاعتراف بوجود تيارات يسارية ووسطية ويمينية داخلها وأنها مفتوحة أمام كافة الفلسطينيين من شتى الانتماءات. فهناك التيار اليساري الذي مثله لفترة ناجي علوش ومنير شفيق (ذو الميول الماوية الذي أصبح فيما بعد منظرا اسلامويا) وهناك تيار اليمين المحافظ المنبثق عن الإخوان المسلمين أو على الأقل ذو الخلفية الاخوانية ورموزه ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) وهناك التيار الوطني الليبرالي ومن رموزه ابو اياد وابو اللطف وغيرهما. ما وحد جميع هؤلاء في تنظيم واحد هو رفضهم فكرة الصراع الطبقي وفكرة ربط النضال الوطني بالنضال الاجتماعي. ولكن حركة فتح لم تستطع أن تصمد أمام المصطلحات التي كانت سائدة (عالميا) حينذاك وقد تم نعتها بيمينها ووسطها ويسارها باليمين الفلسطيني.
يعود مصدر هذه التسمية إلى ثلاثة تنظيمات أعلنت عن نفسها بأنها تمثل "قوى اليسار" وهي: 1- الحزب الشيوعي الفلسطيني (الذي أصبح بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حزب الشعب). 2- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (المنبثقة عن حركة القوميين العرب). 3.الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين المنشقة عن الجبهة الشعبية.
بالنسبة للحزب الشيوعي الفلسطيني وبالرغم من هامشيته على أرض الواقع فهو يمثل "الشرعية اليسارية" إذا صح التعبير لكونه عضوا في الكومنترن وعلاقته المميزة التي تتسم بالخضوع التام للحزب الشيوعي السوفياتي. فقد هذا الحزب معظم شعبيته في أعقاب قبوله لقرار تقسيم فلسطين واعترافه لاحقا بدولة اسرائيل المنبثقة عن الحركة الصهيونية العالمية. مع تطور الأحداث التي تسببت في تراجع العلاقات بين الاتحاد السوفياتي واسرائيل تبنى الحزب الشيوعي الفلسطيني سياسة نقدية تجاه اسرائيل ولكن من غير أن يسحب اعترافه بشرعية قيامها وأخذ يتقرب من اليمين الفلسطيني خصوصا كلما اقترب هذا اكثر فأكثر لحل سياسي سلمي للقضية الفلسطينية. حافظ على رفضه للنضال المسلح كطريق للتحرر. وهكذا انضم الحزب الشيوعي الفلسطيني (الشعب) كليا لمعسكر اليمين مع احتفاظه ببعض المصطلحات والشعارات اليسارية.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شكلت الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب، وجدت نفسها في مأزق نظري وعملي. فالحركات القومية أثبتت عجزها عن مواجهة إسرائيل بعد أن تلقت الهزيمة تلو الأخرى وفي المقابل كان اليسار الثوري على الصعيد العالمي (وليس المحلي او الاقليمي) في حالة مد ويحقق الانتصارات في فيتنام، كوبا وأماكن اخرى في العالم. هكذا قررت أن تترك فكرها القومي وتتبنى ما سمته بالاشتراكية العلمية (الماركسية) وأعلنت عن نفسها التنظيم اليساري الجذري على الساحة الفلسطينية. ولكنها لم تستطع على أرض الواقع أن تتخلى عن فكرها القومي ولم تنجح في تبني الماركسية ومن هنا نبع تخبطها على صعيد النظرية والممارسة. فقد تبنت النظرية الستالينية التي تدعو الى تقسيم الثورة الى مرحلتين: الاولى، مرحلة التحرر الوطني والثانية، مرحلة التحرر الاجتماعي (الاشتراكية). في المرحلة الاولى لا بد من تشكيل جبهة وطنية تشمل كافة التنظيمات والقبول بقيادة البرجوازية (التي أطلق عليها إسم البرجوازية الوطنية) لقيادة وإنجاز هذه المرحلة. وهكذا أخذت تتبنى المواقف اليمينية أكثر فأكثر وتبررها بشعارات يسارية موروثة من عصر آل إلى الزوال.
انشقت الجبهة الديمقراطية عن الجبهة الشعبية على خلفية اتهامها للقيادة بالفشل من التحرر من الفكر القومي من جهة والفشل في تبني الاشتراكية العلمية من جهة أخرى. وأعلنت عن نفسها أنها هي التنظيم الاشتراكي الوحيد على الساحة الفلسطينية. ولكن سرعان ما وجدت نفسها تلعب دور يسار فتح خارج فتح. بدأ ذلك علنا في أعقاب تبني البرنامج المرحلي الذي ساهمت في صياغته في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني الفلسطيني ومن ثم رفع شعار السلطة الوطنية الذي طرح لاحقا بأشكال مختلفة في مؤتمر جنيف ومن ثم كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو. وتشكل اليوم طرف أساسي في اليمين الفلسطيني من خلال مشاركتها الفعالة  بسلطة أوسلو.
الخلاصة في كلمتين: لقد تحول شعار: "لا يمين ولا يسار في الثورة الفلسطينية"، إلى: جميع التنظيمات الفلسطينية هي يمين.


No comments: