سنة حلوة يا جميل
بمناسبة 90 عاما على ميلاد الحزب الشيوعي الإسرائيلي
علي زبيدات – سخنين
من منا لا يحب الحفلات؟ وهل يوجد أجمل من أن يحتفل الإنسان بعيد ميلاده؟ فهذه المناسبة تجمع الأهل والأصدقاء والزملاء الذين فرقهم الزمن ومتاعب الحياة. وإذا كان الشخص المحتفى به شخصية معتبرة فهناك الهدايا الجميلة وهناك زخات من المدائح التي تنهال على رأسه من المهنئين حتى يبدأ بالتساؤل: هل أنا حقا المعني بهذا الكلام؟ وإذا كان الشخص يرى نفسه ولا يصدق فسرعان ما ينضم لجوقة المداحين، ينفش ريشه كالطاووس وينزل نفخ في نفسه حتى يشارف على درجة الانفجار أو حتى تنقطع أنفاسه. وفي اليوم التالي بعدما ينظف نفايات الحفلة من حوله، يعود إلى حجمه الحقيقي ويغص ثانية في لجة حياته المملة. وقد يتمتم مع فريد الأطرش: عدت يا يوم مولدي، عدت يا أيها الشقي، الصبا ضاع من يدي وغزا الشيب مفرقي، ليت يا يوم مولدي كنت يوما بلا غد. وهذا ليس من باب التشاؤم أو من باب اليأس لا سمح الله، ولكن لأن هذا هو واقع معظمنا في هذا الزمن الرديء.
الأحزاب السياسية، تقريبا كالأشخاص، هي أيضا تولد في يوم ما وتقطع مسيرة قد تقصر أو تطول حتى يأتي أجلها في يوم ما. وهي كالأشخاص تحب الحفلات وخصوصا حفلات عيد ميلادها. وتحب أن تجمع في هذه الحفلات أكبر عدد من الأصدقاء والأحباء وتتقبل الهدايا بكل سرور وتتلهف إلى سماع الإطراءات. وإذا كان هذا الحزب، كالشخص، شايف حاله وغير مصدق، ينضم هو الآخر إلى جوقة المداحين ويبدأ بعرض إنجازاته الخارقة حتى يسكر طربا على صوت المدائح والموسيقى. وفي اليوم التالي، بعد ما يسلم قاعة الاحتفالات إلى أصحابها يعود ليأخذ دوره الطبيعي على هامش السياسة وعلى هامش التاريخ.
في هذه الأجواء احتفل الحزب الشيوعي الإسرائيلي بعيد ميلاده التسعين. أولا وقبل كل شيء مبروك وعقبال ال190 وأكثر. والآن لنضع أقدامنا مرة أخرى على أرض الواقع.
تأسس الحزب الشيوعي في روسيا عمليا في عام 1903 عندما قاد لينين انشقاق البلاشفة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وحتى عام 1917 كان وراءه ثورتان الأولى عام 1905 فشلت ولكن خرج الحزب منها أقوى والثانية تكللت بالنجاح بعد أن دك احد أعتى الأنظمة رجعية. وبعدها، من غير توقف، خاض حربا أهلية مدعومة من قوى عالمية عظمى وانتصر عليها وبدأ في تشييد أول دولة اشتراكية وخاض الحرب العالمية الثانية ضد النازية الشرسة وانتصر عليها. مثل هذا الحزب لو احتفل بعيد ميلاده العاشر أو العشرين أو الثلاثين وتحدث عن إنجازاته فهو يستحق ذلك. ولكن ككل إنسان عظيم تكون حياته عريضة وعميقة وإن لم تكن طويلة، مات مبكرا وترك الأحزاب التي تسمي نفسها شيوعية يتيمة تتخبط في الظلام مع أوهامها، ولكن هذه قصة أخرى.
الحزب الشيوعي الصيني ولد عام 1921 أي بعد ولادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ومنذ لحظة ولادته تعرض إلى مؤامرات ومجازر لتصفيته ولكنه خاض حربا بلا هوادة ضد الإقطاعيين وأمراء الحرب المحليين وضد المحتلين اليابانيين، وقبل أن يحتفل بعيد ميلاده ال30 كان يحرر أكبر دولة في العالم من حيث السكان ويبني الصين الجديدة. فلو احتفل هذا الحزب بعيد ميلاده وتكلم عن إنجازاته لأخرس جميع المتطاولين.
الحزب الشيوعي الفيتنامي، الذي ولد عام 1941 بقيادة هو تشي منه، خاض منذ لحظة ولادته الأولى الحرب ضد الغزاة اليابانيين وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية وحاولت فرنسا العودة لاستعمار فيتنام تابع الحزب الشيوعي الفيتنامي حربه التحريرية حتى انتصر على الاستعمار الفرنسي وأجبره على الرحيل. وتابع الحزب الشيوعي الفيتنامي نضاله لتحرير الجزء من الوطن الذي بقي تحت سلطة العملاء المدعومين من الامبريالية الأمريكية الجديدة حتى حقق الانتصار النهائي في عام 1975. مثل هذا الحزب لو احتفل بعيد ميلاده وتكلم عن إنجازاته فما علينا إلا أن نحني هاماتنا احتراما وتقديرا.
ولكن أن يقف أحد قادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي على المنصة ويترنح طربا ويقول: " إن الحزب الشيوعي الإسرائيلي هو قائد الانجاز الأكبر للشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، من خلال قيادته لبقاء الجماهير الفلسطينية في وطنها، ويقابل بالتصفيق؟ أليست هذه جريمة في حق التاريخ؟ ويتابع هذا الحزبي التعيس أضغاث أحلامه ويقول:" أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي أعاد بناء الشعب الفلسطيني من خلال الحفاظ على لغته وصنع أيامه الوطنية كيوم الأرض الخالد وبناء المؤسسات والأطر الوحدوية..." هذا إذا أضفنا خطابات النفاق التي تخرج من اللسان ولا تتجاوز الآذان والتي تكرم بها ممثل سلطة رام الله المنهارة وممثل حزب الشعب الهلامي الذي لم يتخذ يوما موقفا مستقلا ورئيس لجنة المتابعة ورئيس بلدية حيفا، تحلو الحفلة ويحلو الرقص.
ولكن بصفتي فردا من هذا الشعب المنكوب، فردا كان وما زال يحلم بمجتمع شيوعي حقيقي خال من القهر ومن استغلال الإنسان للإنسان، لا أستطيع أن أرقص على هذه الألحان النشاز.
الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي ولد باسم الحزب الشيوعي الفلسطيني وغير اسمه بعد ولادته الثانية مع ولادة أمه الثانية، دولة إسرائيل عام 1948، ولد عن طريق الخطيئة بتزاوج الأفكار الشيوعية مع المشروع الكولونيالي الصهيوني. ومنذ اليوم الأول لولادته وحتى يومنا هذا وهو يحمل أوزار خطيئته هذه.
لقد آن الأوان أن يستفيق الرفاق وخصوصا من قطاع الشبيبة الذين لم يتم إفسادهم كليا بعد وينظروا إلى التناقض الصارخ الذي يحمله اسم حزبهم في أحشائه: "الحزب الشيوعي الإسرائيلي". هل يعقل أن يولد حزب شيوعي حقيقي من صلب مشروع استيطاني عنصري؟
بمناسبة 90 عاما على ميلاد الحزب الشيوعي الإسرائيلي
علي زبيدات – سخنين
من منا لا يحب الحفلات؟ وهل يوجد أجمل من أن يحتفل الإنسان بعيد ميلاده؟ فهذه المناسبة تجمع الأهل والأصدقاء والزملاء الذين فرقهم الزمن ومتاعب الحياة. وإذا كان الشخص المحتفى به شخصية معتبرة فهناك الهدايا الجميلة وهناك زخات من المدائح التي تنهال على رأسه من المهنئين حتى يبدأ بالتساؤل: هل أنا حقا المعني بهذا الكلام؟ وإذا كان الشخص يرى نفسه ولا يصدق فسرعان ما ينضم لجوقة المداحين، ينفش ريشه كالطاووس وينزل نفخ في نفسه حتى يشارف على درجة الانفجار أو حتى تنقطع أنفاسه. وفي اليوم التالي بعدما ينظف نفايات الحفلة من حوله، يعود إلى حجمه الحقيقي ويغص ثانية في لجة حياته المملة. وقد يتمتم مع فريد الأطرش: عدت يا يوم مولدي، عدت يا أيها الشقي، الصبا ضاع من يدي وغزا الشيب مفرقي، ليت يا يوم مولدي كنت يوما بلا غد. وهذا ليس من باب التشاؤم أو من باب اليأس لا سمح الله، ولكن لأن هذا هو واقع معظمنا في هذا الزمن الرديء.
الأحزاب السياسية، تقريبا كالأشخاص، هي أيضا تولد في يوم ما وتقطع مسيرة قد تقصر أو تطول حتى يأتي أجلها في يوم ما. وهي كالأشخاص تحب الحفلات وخصوصا حفلات عيد ميلادها. وتحب أن تجمع في هذه الحفلات أكبر عدد من الأصدقاء والأحباء وتتقبل الهدايا بكل سرور وتتلهف إلى سماع الإطراءات. وإذا كان هذا الحزب، كالشخص، شايف حاله وغير مصدق، ينضم هو الآخر إلى جوقة المداحين ويبدأ بعرض إنجازاته الخارقة حتى يسكر طربا على صوت المدائح والموسيقى. وفي اليوم التالي، بعد ما يسلم قاعة الاحتفالات إلى أصحابها يعود ليأخذ دوره الطبيعي على هامش السياسة وعلى هامش التاريخ.
في هذه الأجواء احتفل الحزب الشيوعي الإسرائيلي بعيد ميلاده التسعين. أولا وقبل كل شيء مبروك وعقبال ال190 وأكثر. والآن لنضع أقدامنا مرة أخرى على أرض الواقع.
تأسس الحزب الشيوعي في روسيا عمليا في عام 1903 عندما قاد لينين انشقاق البلاشفة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وحتى عام 1917 كان وراءه ثورتان الأولى عام 1905 فشلت ولكن خرج الحزب منها أقوى والثانية تكللت بالنجاح بعد أن دك احد أعتى الأنظمة رجعية. وبعدها، من غير توقف، خاض حربا أهلية مدعومة من قوى عالمية عظمى وانتصر عليها وبدأ في تشييد أول دولة اشتراكية وخاض الحرب العالمية الثانية ضد النازية الشرسة وانتصر عليها. مثل هذا الحزب لو احتفل بعيد ميلاده العاشر أو العشرين أو الثلاثين وتحدث عن إنجازاته فهو يستحق ذلك. ولكن ككل إنسان عظيم تكون حياته عريضة وعميقة وإن لم تكن طويلة، مات مبكرا وترك الأحزاب التي تسمي نفسها شيوعية يتيمة تتخبط في الظلام مع أوهامها، ولكن هذه قصة أخرى.
الحزب الشيوعي الصيني ولد عام 1921 أي بعد ولادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ومنذ لحظة ولادته تعرض إلى مؤامرات ومجازر لتصفيته ولكنه خاض حربا بلا هوادة ضد الإقطاعيين وأمراء الحرب المحليين وضد المحتلين اليابانيين، وقبل أن يحتفل بعيد ميلاده ال30 كان يحرر أكبر دولة في العالم من حيث السكان ويبني الصين الجديدة. فلو احتفل هذا الحزب بعيد ميلاده وتكلم عن إنجازاته لأخرس جميع المتطاولين.
الحزب الشيوعي الفيتنامي، الذي ولد عام 1941 بقيادة هو تشي منه، خاض منذ لحظة ولادته الأولى الحرب ضد الغزاة اليابانيين وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية وحاولت فرنسا العودة لاستعمار فيتنام تابع الحزب الشيوعي الفيتنامي حربه التحريرية حتى انتصر على الاستعمار الفرنسي وأجبره على الرحيل. وتابع الحزب الشيوعي الفيتنامي نضاله لتحرير الجزء من الوطن الذي بقي تحت سلطة العملاء المدعومين من الامبريالية الأمريكية الجديدة حتى حقق الانتصار النهائي في عام 1975. مثل هذا الحزب لو احتفل بعيد ميلاده وتكلم عن إنجازاته فما علينا إلا أن نحني هاماتنا احتراما وتقديرا.
ولكن أن يقف أحد قادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي على المنصة ويترنح طربا ويقول: " إن الحزب الشيوعي الإسرائيلي هو قائد الانجاز الأكبر للشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، من خلال قيادته لبقاء الجماهير الفلسطينية في وطنها، ويقابل بالتصفيق؟ أليست هذه جريمة في حق التاريخ؟ ويتابع هذا الحزبي التعيس أضغاث أحلامه ويقول:" أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي أعاد بناء الشعب الفلسطيني من خلال الحفاظ على لغته وصنع أيامه الوطنية كيوم الأرض الخالد وبناء المؤسسات والأطر الوحدوية..." هذا إذا أضفنا خطابات النفاق التي تخرج من اللسان ولا تتجاوز الآذان والتي تكرم بها ممثل سلطة رام الله المنهارة وممثل حزب الشعب الهلامي الذي لم يتخذ يوما موقفا مستقلا ورئيس لجنة المتابعة ورئيس بلدية حيفا، تحلو الحفلة ويحلو الرقص.
ولكن بصفتي فردا من هذا الشعب المنكوب، فردا كان وما زال يحلم بمجتمع شيوعي حقيقي خال من القهر ومن استغلال الإنسان للإنسان، لا أستطيع أن أرقص على هذه الألحان النشاز.
الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي ولد باسم الحزب الشيوعي الفلسطيني وغير اسمه بعد ولادته الثانية مع ولادة أمه الثانية، دولة إسرائيل عام 1948، ولد عن طريق الخطيئة بتزاوج الأفكار الشيوعية مع المشروع الكولونيالي الصهيوني. ومنذ اليوم الأول لولادته وحتى يومنا هذا وهو يحمل أوزار خطيئته هذه.
لقد آن الأوان أن يستفيق الرفاق وخصوصا من قطاع الشبيبة الذين لم يتم إفسادهم كليا بعد وينظروا إلى التناقض الصارخ الذي يحمله اسم حزبهم في أحشائه: "الحزب الشيوعي الإسرائيلي". هل يعقل أن يولد حزب شيوعي حقيقي من صلب مشروع استيطاني عنصري؟
No comments:
Post a Comment