وماذا عن "بلفورات" العرب؟
علي زبيدات - سخنين
قبل عدة أيام مرت الذكرى ال92 لوعد بلفور. ما أشبه اليوم بالأمس. وكأننا لا رحنا ولا جئنا. في هذه المناسبة وعلى ضوء ما قرأته في وسائل الإعلام العربية التي نشرت ما جادت به أقلام من يعدون أنفسهم مفكرين قوميين أو إسلاميين أو شيوعيين، أستذكر مقولة كارل ماركس الشهيرة: التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة بشكل تراجيدي ومرة أخرى على شكل هزلي. ولكن في هذه المناسبة، وأعذروني على وقاحتي، أود أن أصحح مقولة معلمي الكبير: التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة بشكل تراجيدي ومرة أخرى بشكل أكثر تراجيدية.
حوالي القرن مر على وعد بلفور وما زلنا نجتر الكلمات نفسها ونكيل الشتائم نفسها ونعيد التبريرات والأعذار نفسها. لم نتعلم أي شيء من التاريخ وخصوصا لم نتعلم أي درس من هذه التجربة الوجودية الخاصة. ما رأيكم، لقد قرأت أكثر من عشرة مقالات في هذه المناسبة وكلها تكرر بصوت ببغاوي: وعد بلفور المشؤوم... لا أدري من أول من أطلق هذه الصفة على هذا الوعد، وما كانت منطلقاته الفكرية وموقفه السياسي، وهو بلا شك كان على حق تماما بإلصاق هذه الصفة به. ولكن بعد 92 سنة لا نجد كلمة أخرى نصفه بها؟ إن هذه لمصيبة.
في ذلك الوقت قدم وزير الخارجية البريطاني بلفور باسم الحكومة البريطانية وعدا للحركة الصهيونية بمساعدتها ودعمها حتى تحقيق هدفها بإقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين. إذن، لم يكن هذا التصريح سوى الخطوة الأولى في سياسة استمرت حتى الإعلان عن قيام دولة إسرائيل وما زالت مستمرة بأشكال أخرى إلى يومنا هذا. تلت هذه الخطوة قيام بريطانيا باحتلال فلسطين تحت اسم الانتداب من أجل تنفيذ هذا الوعد على أرض الواقع. وقد ذكر هذا الهدف بشكل واضح لا يقبل التأويل في صك الانتداب. في الوقت نفسه كانت الزعامات العربية تتهافت على بريطانيا وتحاول أن تقنعها بأنها سوف تخدم مصالحها في المنطقة بشكل أفضل مما تستطيع أن تقدمه الحركة الصهيونية، وكانت تعمل المستحيل لكي تعبر عن صداقتها لهذه الدولة الاستعمارية، وكانت تطير في الفضاء فرحا عند سماعها لوعود وهمية بمنحها الاستقلال.
ماذا تغير منذ ذلك الوقت وحتى الآن. ها هو حفيد بلفور، طوني بلير مبعوث الرباعية للسلام في الشرق الأوسط يصول ويجول في العواصم العربية ويستقبل بالأحضان وهو يحاول إقناع الحكام العرب بتقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل والتطبيع معها على أمل تحقيق السلام المفقود.
منذ قرن من الزمان ونحن نتبع مثلنا العربي الذي يقول: "اليد التي لا تستطيع أن تكسرها، قبلها وأدعو عليها بالكسر".
إذا كان وعد بلفور مشؤوما فماذا نقول عن قبولنا لقرار تقسيم فلسطين وعن الاتفاقيات الخيانية من كامب ديفيد إلى وادي عربة إلى اتفاقيات أوسلو إلى مبادرة السلام العربية وحتى المفوضات العبثية الراهنة؟.
من السهل جدا أن نصب جام غضبنا على بلفور وعلى وعده بعدما أصبحا في ذمة التاريخ وفي الوقت نفسه نقبل وندافع عن كل ما تمخض عنه هذا الوعد.
الحلول التي تطرح اليوم لتصفية القضية الفلسطينية أسوأ بما لا يقاس من وعد بلفور. على الأقل ذكر هناك: " على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى". بينما كل الأعمال التي تتم اليوم في سياق ما يسمى بالعملية السلمية ليس فقط أنها تنتقص حقوقنا المدنية والدينية بل تشطبها تماما. وهي أيضا تتعامل معنا كما ينص وعد بلفور أي كطوائف غير يهودية وليس كشعب.
"البلفورات" العرب من شريف مكة وسلالته مرورا بالحكام العرب على مر عصورهم وحتى رئيس السلطة الفلسطينية وباقي إخوانه في جامعة الدول العربية هم أشد شؤما من آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطانية.
تغيرت الأسماء ولكن السياسة واحدة والمؤامرة واحدة. بالأمس كان لويد جورج ووزير خارجيته بلفور واليوم غوردن براون ومبعوثه طوني بلير.
تصريح بلفور هو جريمة ضد الإنسانية قبل أن يكون جريمة في حق الشعب الفلسطيني والأمة العربية. وكما هو متعارف عليه عالميا، الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. فبدلا من الاكتفاء بكيل الشتائم ووصفه بالوعد المشؤوم في كل ذكرى دعونا نعمل على ملاحقة مصدري هذا الوعد وأحفادهم من الساسة البريطانيين الحاليين في كافة المحافل الدولية وتقديمهم إلى العدالة لمعاقبتهم على جرائمهم ولنبدأ بتقديمهم إلى محكمة الشعب الفلسطيني الشعبية الثورية.
علي زبيدات - سخنين
قبل عدة أيام مرت الذكرى ال92 لوعد بلفور. ما أشبه اليوم بالأمس. وكأننا لا رحنا ولا جئنا. في هذه المناسبة وعلى ضوء ما قرأته في وسائل الإعلام العربية التي نشرت ما جادت به أقلام من يعدون أنفسهم مفكرين قوميين أو إسلاميين أو شيوعيين، أستذكر مقولة كارل ماركس الشهيرة: التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة بشكل تراجيدي ومرة أخرى على شكل هزلي. ولكن في هذه المناسبة، وأعذروني على وقاحتي، أود أن أصحح مقولة معلمي الكبير: التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة بشكل تراجيدي ومرة أخرى بشكل أكثر تراجيدية.
حوالي القرن مر على وعد بلفور وما زلنا نجتر الكلمات نفسها ونكيل الشتائم نفسها ونعيد التبريرات والأعذار نفسها. لم نتعلم أي شيء من التاريخ وخصوصا لم نتعلم أي درس من هذه التجربة الوجودية الخاصة. ما رأيكم، لقد قرأت أكثر من عشرة مقالات في هذه المناسبة وكلها تكرر بصوت ببغاوي: وعد بلفور المشؤوم... لا أدري من أول من أطلق هذه الصفة على هذا الوعد، وما كانت منطلقاته الفكرية وموقفه السياسي، وهو بلا شك كان على حق تماما بإلصاق هذه الصفة به. ولكن بعد 92 سنة لا نجد كلمة أخرى نصفه بها؟ إن هذه لمصيبة.
في ذلك الوقت قدم وزير الخارجية البريطاني بلفور باسم الحكومة البريطانية وعدا للحركة الصهيونية بمساعدتها ودعمها حتى تحقيق هدفها بإقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين. إذن، لم يكن هذا التصريح سوى الخطوة الأولى في سياسة استمرت حتى الإعلان عن قيام دولة إسرائيل وما زالت مستمرة بأشكال أخرى إلى يومنا هذا. تلت هذه الخطوة قيام بريطانيا باحتلال فلسطين تحت اسم الانتداب من أجل تنفيذ هذا الوعد على أرض الواقع. وقد ذكر هذا الهدف بشكل واضح لا يقبل التأويل في صك الانتداب. في الوقت نفسه كانت الزعامات العربية تتهافت على بريطانيا وتحاول أن تقنعها بأنها سوف تخدم مصالحها في المنطقة بشكل أفضل مما تستطيع أن تقدمه الحركة الصهيونية، وكانت تعمل المستحيل لكي تعبر عن صداقتها لهذه الدولة الاستعمارية، وكانت تطير في الفضاء فرحا عند سماعها لوعود وهمية بمنحها الاستقلال.
ماذا تغير منذ ذلك الوقت وحتى الآن. ها هو حفيد بلفور، طوني بلير مبعوث الرباعية للسلام في الشرق الأوسط يصول ويجول في العواصم العربية ويستقبل بالأحضان وهو يحاول إقناع الحكام العرب بتقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل والتطبيع معها على أمل تحقيق السلام المفقود.
منذ قرن من الزمان ونحن نتبع مثلنا العربي الذي يقول: "اليد التي لا تستطيع أن تكسرها، قبلها وأدعو عليها بالكسر".
إذا كان وعد بلفور مشؤوما فماذا نقول عن قبولنا لقرار تقسيم فلسطين وعن الاتفاقيات الخيانية من كامب ديفيد إلى وادي عربة إلى اتفاقيات أوسلو إلى مبادرة السلام العربية وحتى المفوضات العبثية الراهنة؟.
من السهل جدا أن نصب جام غضبنا على بلفور وعلى وعده بعدما أصبحا في ذمة التاريخ وفي الوقت نفسه نقبل وندافع عن كل ما تمخض عنه هذا الوعد.
الحلول التي تطرح اليوم لتصفية القضية الفلسطينية أسوأ بما لا يقاس من وعد بلفور. على الأقل ذكر هناك: " على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى". بينما كل الأعمال التي تتم اليوم في سياق ما يسمى بالعملية السلمية ليس فقط أنها تنتقص حقوقنا المدنية والدينية بل تشطبها تماما. وهي أيضا تتعامل معنا كما ينص وعد بلفور أي كطوائف غير يهودية وليس كشعب.
"البلفورات" العرب من شريف مكة وسلالته مرورا بالحكام العرب على مر عصورهم وحتى رئيس السلطة الفلسطينية وباقي إخوانه في جامعة الدول العربية هم أشد شؤما من آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطانية.
تغيرت الأسماء ولكن السياسة واحدة والمؤامرة واحدة. بالأمس كان لويد جورج ووزير خارجيته بلفور واليوم غوردن براون ومبعوثه طوني بلير.
تصريح بلفور هو جريمة ضد الإنسانية قبل أن يكون جريمة في حق الشعب الفلسطيني والأمة العربية. وكما هو متعارف عليه عالميا، الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. فبدلا من الاكتفاء بكيل الشتائم ووصفه بالوعد المشؤوم في كل ذكرى دعونا نعمل على ملاحقة مصدري هذا الوعد وأحفادهم من الساسة البريطانيين الحاليين في كافة المحافل الدولية وتقديمهم إلى العدالة لمعاقبتهم على جرائمهم ولنبدأ بتقديمهم إلى محكمة الشعب الفلسطيني الشعبية الثورية.
No comments:
Post a Comment