دولة متعهدي الدفن
علي زبيدات - سخنين
كنت حتى زمن ليس ببعيد من محبي مشاهدة المصارعة الامريكية. بالرغم من معرفتي بأن هذه المصارعة غير حقيقية وأنها أقرب إلى التمثيل والتسلية إلا انني كنت أغض الطرف عن هذه الناحية وأقوم بين الحين والآخر بمشاهدة بعض الحلقات بحماس. وكان من بين المصارعين الكثار مصارع شرس إلى أبعد حدود الشراسة يسمي نفسه: ذا أندرتيكر(the Undertaker) وبما انني في البداية لم أكن متأكدا من معنى هذا الاسم، بحثت عن المعنى في القاموس فوجدت انه يعني: متعهد الدفن، الشخص الذي يقتصر عمله على تحضير الموتى للدفن وترتيب الجنازات. وكان هذا المصارع يدخل الحلبة باضواء خافتة وترافقه موسيقى خاصة فيخيم جو من الموت والرعب على الحلبة وعلى المشاهدين حتى يصبح اقرب ما يكون إلى الواقع. طبعا غالبا ما تنتهي الجولة بفوز الاندرتيكر بعد أن يغيب الخصم عن الوعي فيضع يديه على صدره تحضيرا لدفنه.
لماذا أسوق هذه المقدمة الطويلة والتي تبدو للوهلة الاولى لا علاقة لها بأي موضوع جدي جدير بالكتابة عنه؟ لأننا نعيش في دولة من متعهدي الدفن الحقيقيين، يصنعون الموت ويصدرونه إلى كافة أرجاء العالم. المتعهد الاول ورئيس اتحاد متعهدي الدفن في هذه الدولة هو رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يقود بحنكة كيانا كاملا وظيفته تحضير مراسم الدفن والجنازات على الصعيد العالمي. في هذه الايام يقوم نتنياهو بزيارة طويلة تستمر اسبوعا كاملا إلى الهند. من ضمن مرافقيه وفد مكون من 130 رجل أعمال يمثلون 100 شركة أغلبها تحترف صناعة الموت، ذكر منهم: مدير عام شركة رفائيل يوآف هار إيفن لتسويق صواريخه، مدير الصناعة الجوية يوسي فايس، ممثلون كبار عن شركة أنظمة ألبيط، وعن شركة ايرناوتكس التي تصنع طائرات بدون طيار وتجربها على المدنيين لاثبات فعاليتها وتسهيل تسويقها، وتتعرض في هذه الايام لتحقيقات سرية لتورطها بتهم خطيرة في هذا المجال.
أصبحت الهند، حسب بعض الاحصائيات، أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، بعد أن كانت الثانية بعد الصين الشعبية. وحسب بعض الاحصائيات يعيش 77% من سكانها تحت خط الفقر مع أن الحكومة الهندية تعترف بنصف هذه النسبة فقط. هذا ناهيك عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والطائفية والدينية التي لا تعد ولا تحصى والتي يعاني منها هذا البلد. وكـأن ذلك لا يكفي، إذ يقودها رئيس حكومة عنصري متطرف يهوى تبادل التحية مع نظيره الاسرائيلي بعبارة: صديقي العزيز. ماذا يجلب نتنياهو في جعبته للهند؟ 8000 صاروخ مضاد للدبابات من طراز سبايك بقيمة 850 مليون دولار وأنواع أخرى من الاسلحة والانظمة الامنية التي لا يعرف تفاصيلها سوى متعهدي الدفن. في عام 2016 اشترت الهند أسلحة إسرائيلية بقيمة 2.5 مليار دولار. ومن المتوقع بعد هذه الزيارة وبعد زيارة ناردانا مودي السابقة لنتنياهو قبل نصف سنة أن تتجاوز صفقات الاسلحة هذا المبلغ.
طبعا، يحتاج المتعهدون الكبار إلى مساعدة متعهدين ثانويين مقابل نسبة معينة من الارباح. مودي هو واحد من المتعهدين الثانويين الذي يسمسر بحياة شعبه ولكنه ليس الوحيد في هذا العالم. سبق وتم تطبيق هذا السيناريو في القارة الافريقية خلال زيارات نتنياهو المتكررة لها برفقة هذه الزمرة المتوحشة نفسها. لم يعد سرا أن دولة اسرائيل تلعب دورا اساسيا في كل حروب الابادة التي تعصف بالقارة الافريقية من جنوب السودان مرورا بأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو وحتى مالي ورواندا ونيجيريا. وأخيرا يجب الا ننسى المتعهدين الثانويين الجدد في السعودية ودول الخليج وسوف تكشف الايام صفقاتهم لشراء أسلحة الموت الاسرائيلية. إننا أمام ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ البشري يصعب على العقل استيعابها:دولة إسرائيل التي قامت على احتلال كافة الأراضي الفلسطينية والتي يأتي ترتيبها في المكان أل 146 في العالم من حيث المساحة، والمكان ال108 من حيث عدد السكان يأتي ترتيبها في المكان السابع من حيث تصدير الاسلحة وقد تصبح في المكان الثالث عما قريب.
الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة ليست الضحية الوحيدة لصناع وتجار الموت هؤلاء، بل شعوب العالم بأسره أيضا. وعلى هذه الشعوب أن توحد نضالاتها لمواجهة متعهدي الموت في كل مكان من تل ابيب إلى واشنطن ومن برلين إلى لندن مرورا بباريس ومن موسكو إلى بكين. الشعوب وجدت لتحيا لا لتقتل.
No comments:
Post a Comment