Wednesday, February 19, 2014

الانهزامية الثورية



الانهزامية الثورية
علي زبيدات – سخنين

أنا انسان انهزامي. لا يوجد هناك أي خطأ في هذا الاعتراف الذي يبدو خطيرا. أعود وأكرر: أنا انسان انهزاميييي، ولو استطعت مد الياء لمددتها أكثر. بل اكثر من ذلك، فأنا أدعو الجميع لكي يصبحوا انهزاميين. هل تريدون الدليل القاطع على انهزاميتي؟ حسنا، في مصر مثلا، بعد رحيل نظام مبارك، دعوت الى هزيمة سلطة الاخوان المسلمين وفورا بعد ذلك دعوت الى اسقاط سلطة الطغمة العسكرية المدعومة من قبل فلول النظام السابق والقوميين واليساريين المزيفين. اليوم بينما نعيش في حالة استقطاب ليس على مستوى مصر فحسب بل على طول وعرض العالم العربي: معسكر "الشرعية" الاخوانية من جهة ومعسكر "الشرعية" الانقلابية من جهة اخرى أدعو الى هزيمة الطرفين. ولو كنت في مصر الان لناضلت ولو كنت وحيدا من أجل اسقاط الطرفين. ما يحدث في مصر من صراع، بعد اسقاط الاقنعة، هو ليس صراعا من أجل مصر بل صراعا على مصر.
في سوريا دعوت الى اسقاط النظام السوري على الاقل منذ ٤٥ سنة أي منذ هزيمة حزيران، هل ما زال أحد يذكرها؟والتي تحولت بقدرة قادر الى انتصار مبين، مرورا بحرب تشرين التحريكية ومن ثم مغامراته في لبنان ودوره في تدمير العراق وحتى يومنا هذا لابسا قناع القومية والاشتراكية والوحدة والمقاومة. وفي الوقت نفسه أدعو الى هزيمة عصابات المرتزقة المدعومة خليجيا واجنبيا والتي لا تمت بأية صلة للشعب السوري. النظام يدافع عن النظام تحت شعار الدفاع عن الوطن والتنظيمات الدينية تتاجر بالدين بحجة الدفاع عن الدين.
وفي فلسطين، بينما كانت دعوات المصالحة بين حركتي فتح وحماس تتنقل من مكة الى القاهرة مرورا بعواصم عربية اخرى ولم تبق هناك وساطة الا وتم تجنيدها، دعوت الى هزيمة فتح وحماس معا وحذرت وما زلت احذر من المصالحة بينهما. في السنوات الاخير دمرت كل حركة على حدة القضية الفلسطينية بما يكفي، فماذا سيبقى من القضية لو تصالحتا وعملتا سويا لفرض التسوية المعروفة من حيث شروطها وابعادها؟ هل ما زال هناك فلسطيني واحد يتوهم بأن الصراع بين حركتي فتح وحماس هو صراع مبدئي وليس على فتات سلطة وهمية؟
حتى على الساحة المحلية أنا من أنصار الانهزامية. فها أنا ادعو الى هزيمة "ناصرة" جرايسي ومن حوله وفي الوقت نفسه الى هزيمة "ناصرة" سلام وانصاره. اعرف انه لا حق لي بالتصويت في انتخابات الناصرة، ولكن من حقي ابداء رأيي مع علمي المسبق برفضه من الطرفين لأن الناصرة اكبر من أي طرف. في سخنين حيث يوجد لي الحق في التصويت دعوت الى هزيمة القطبين لاني رأيت كيف سخنين تنهار تحت ثقل قبلات المرشحين، وكيف يتم عصرها من شدة احتضان هؤلاء المرشحين لها. والان برز كل ذلك على السطح عندما حانت لحظة تقسيم الكعكة. مساهمتي المتواضعة، وهي اضعف الايمان، كانت مقاطعة انتخابات الهازم والمهزوم والتمرد على عقلية القطيع الذي يساق للانتخابات حتى تقف نسبتها على عتبة ال١٠٠٪.
قد يقول البعض هذا هو الموقف العدمي بعينه، بل هو الجبن في اتخاذ موقف، وهو ليس سوى هروب من الواقع، ففي نهاية المطاف سوف ينتصر طرف وسوف يهزم آخر. وأنا اقول لا: كلا الطرفين مهزوم. وقد يكون "النصر" الوهمي أشد وطأة من الهزيمة. وقد يقولون أيضا: عندما يكون الطرفان سيئين يجب اختيار الاقل سوء. نظرية السيء والأسوأ هي بحد ذاتها نظرية سيئة لانها لا تؤمن بالجيد وبامكانية انتصاره لذلك يجب علينا دائما ان نختار السيء لقطع الطريق على الاسوأ.
في القرن الماضي كان هناك ثائر فذ اسمه فلاديمير ايليتش اليانوف والمعروف عالميا باسم لينين، مفجر احدى الثورات التى مازالت تشكل نقطة تحول في تاريخ البشرية الحديث بالرغم من نهايتها المأساوية. لم يتورع لينين من دمج الانهزامية تلك الكلمة الفظيعة بالثورية، ونادى بهزيمة روسيا القيصرية في الحرب العالمية الاولى الامبريالية. فما كان من زبانية النظام الا ان اتهموه بالعمالة للعدو وبالخيانة العظمى وأهدروا دمه. ولم تقتصر الاتهامات على زبانية النظام بل جرفت العديد من الاشتراكيين الشوفينيين والثوار المزيفين الذين دعوا الى الدفاع عن "الوطن" باسم الكرامة الوطنية الروسية. وكان لينين يرد على جميع المشككين بإنه لا كرامة وطنية للروس في ظل هذا النظام الاقطاعي المستبد، ولا يمكن النضال لاسقاط هذا النظام وفي الوقت نفسه النضال من اجل انتصاره. حتى بعد سقوط النظام الشكلي في أعقاب ثورة شباط البرجوازية وقيام الحكومة المؤقتة بمواصلة الحرب استمر لينين بالدعوة الى الانهزامية الثورية لأن الشعب الروسي لا تربطه أية علاقة بهذه الحرب اللصوصية. اذا تصارع لصان أو اكثر على غنيمة فيجب عدم مساعدة لص ضد آخر والا اصبحت شريكا بالجريمة. ينبغي مقاومة جميع اللصوص والبدء باللص خاصتك.
فقط خلال النضال الثوري وبعد انتصار الثورة وانتزاع الشعب لحريته يصبح هناك معنى للدفاع عن الثورة وعن الوطن ويصبح هناك معنى للكرامة الوطنية والقومية وتصبح الانهزامية عارا بل جريمة.

No comments: