Tuesday, September 15, 2009

صبرا وشاتيلا - جلادو الامس اصبحوا اصدقاء اليوم


صبرا وشاتيلا – جلادو الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم
علي زبيدات - سخنين

في مثل هذه الأيام قبل 27 عاما خرجت جماهير غفيرة من العالم العربي ومن شتى أصقاع الأرض إلى الشوارع معبرة عن سخطها واستنكارها للمجزرة الرهيبة التي اقترفتها الأيدي الآثمة الفاشية في إسرائيل ولبنان بحق الشيوخ والنساء والأطفال والمواطنين العزل في مخيمي صبرا وشاتيلا. لقد ذرفت هذه الجماهير في حينه الدموع الغزيرة وتعالت حناجرها الغاضبة بالهتاف: لن نغفر ولن ننسى.
ولكن، ويا لسخرية الأقدار، فقد نجا المجرم بجريمته، ليس فقط أنه لم يعاقب على ما اقترفته يداه، بل على العكس من ذلك فقد حظي منذ ذلك الوقت وحتى اليوم بجوائز عديدة، كان أهمها إنه أصبح صديقا حميما وحليفا إستراتيجيا. لقد تبين أن قسم كبير من الدموع التي سكبت لم تكن سوى دموع تماسيح، خصوصا تلك التي انهمرت من مآق الملوك والرؤساء والأمراء العرب والفئات المهيمنة على القرار الفلسطيني. أما الصراخ بعدم المغفرة والنسيان لم يكن سوى مسرحية للاستهلاك المحلي لا أكثر.
لقد سقط شهداء صبرا وشاتيلا مرتين: مرة بسلاح قطعان الفاشية القادمين من جانبي الحدود ومرة بسلاح ذوي القربى، سلاح الجبن والصمت والنسيان الذي يتوج حاليا باحتضان المعتدين. وغني عن القول أي السلاحين أشد مضاضة.
ما حدث في صبرا وشاتيلا كان واضحا وضوح الشمس حتى أن ماكينة الدعاية الصهيونية مهما بلغ جبروتها لم تستطع أن تطمس الحقيقة. صور الجثث المكدسة في الطرقات وباحات الدور والقبور الجماعية، التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية كانت، وما زالت، تتحدث عن نفسها. لقد كان التعاون وتقاسم الأدوار بين الفاشيين الإسرائيليين واللبنانيين قد بلغ ذروته وأخذ أنجع أشكاله. حيث قام الأوائل بفرض الحصار التام على المخيمين، سدوا جميع المنافذ، سلحوا وجلبوا قطعان الفاشية المحليين، أضاءوا لهم سماء المخيمين وقالوا لهم: هيا أدخلوا.
لا يعرف أحد بالضبط، حتى اليوم، عدد الشهداء الذين سقطوا، ما هي أسماءهم؟ ما هي هويتهم الشخصية؟. المصادر الأمنية اللبنانية التي أرادت أن تتهرب من مسؤوليتها وتواطؤها تكلمت عن (470) شهيدا، المصادر الإسرائيلية قالت بين (800-1000) شهيدا، غير أن المصادر الصحفية العالمية والفلسطينية أكدت أن العدد يتراوح بين 2000-3000) شهيدا. ولكن في نهاية المطاف جميع هذه الأرقام لم تكن ذات أهمية. العالم رأى وسكت. لم يكن هناك أي تحرك للكشف عن الحقائق. لم تكن أية مطالبة بمعاقبة المسؤولين. لا محكمة دولية، لا لجنة تحقيق دولية، لا شيء.
دعونا نجري هذه المقارنة: في عام 2001 بعد نسف أبراج التوأمين في نيويورك رصدت الإدارة الأمريكية سقوط 2752 قتيلا. أي تقريبا نفس ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا. كيف كان رد الإدارة الأمريكية على ذلك؟ قامت بشن حرب عالمية على ما يسمى الإرهاب، احتلت أفغانستان والعراق بعد أن قتلت وهجرت الملايين ودمرت البنى التحتية لهذين البلدين ولم تتورع عن التصريح بأنها تريد إعادة هذين البلدين إلى العصر الحجري. وما زال العالم بأسره يدفع ثمن ما حدث في 11/9/ 2001 حتى وإن لم يكن ذد صلة بما حدث لا من قريب ولا من بعيد.
نحن نعلم جيدا أن مجرد المقارنة بين ما حدث في نيويورك وما حدث في صبرا وشاتيلا هي وقاحة تتعدى كل الحدود بل هي جريمة لا تغتفر، إذ ما هو وجه الشبه بين المعدومين والمنبوذين من سكان المخيمات وبين أولئك الذين يمسكون في تلابيب الاقتصاد العالمي في نيويورك؟
مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي تقترفها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وجيشها الأخلاقي جدا، الذي يحافظ على طهارة سلاحه كما يحافظ على بؤبؤ عينه. فقد سبقتها مجازر عديدة من دير ياسين إلى كفر قاسم إلى بحر البقر، وتلتها مجازر أخرى لا تقل عنها فظاعة من قانا الأولى إلى قانا الثانية إلى مجازر غزة الأخيرة.
يا للعار، جميع هذه المجازر تم غفرانها وتم نسيانها. وإذا ذكرها أحدنا فعلى سبيل أنها صفحة من التاريخ أكل الدهر عليها وشرب، يجب علينا أن نقلب صفحة جديدة. أليس من العار أن اللجنة الوحيدة التي حققت في هذه المجزرة الرهيبة كانت لجنة إسرائيلية والتي كان هدفها المعلن مسبقا هو تبرئة القيادة الإسرائيلية وعلى رأسها شارون من المسؤولية؟ وهي لجنة كاهان التي لم يكن أمامها إلا أن تعترف ب"إهمال" و"سوء تقدير" هذه القيادة. وتركنا بعض الناجين من المجزرة يتسولون أمام المحاكم الأجنبية عسى أن تستطيع محاسبة المجرمين بينما كانت القيادة الفلسطينية نفسها تبحث عن اقصر الطرق المؤدية إلى أحضان هؤلاء المجرمين.
في هذه الذكرى الأليمة، الذكرى ال27 لمجزرة صبرا وشاتيلا، نزف بشرى للشهداء بأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أسوة بالحكومات السابقة، تعد العدة للمزيد من المجازر، وأن مزيدا من الضحايا سوف ينضمون إلى قافلة الشهداء. ولكن وكما قال أحد الشعراء: الشهادة في سبيل الوطن ليست مصيرا سيئا، بل هي خلود في موت رائع.

No comments: