علي زبيدات - سخنين
مما لا شك فيه أن الحركة الصهيونية بعد قرن وربع قرن من تاريخها وبعد ستين سنة ونيف من قيام دولتها، إسرائيل، استطاعت تحقيق إنجازات هامة غيرت وجه المنطقة تغييرا جذريا وأثرت على مجرى التاريخ الحديث على المستوى العالمي.
ما هو أعظم وأهم إنجاز حققته الحركة الصهيونية والكيان الذي خلقته؟ هل هو إقامة دولة عصرية قوية استطاعت أن تحتل فلسطين التاريخية وتشرد شعبها وتبني قاعدة كولونيالية متينة في قلب العالم العربي على الرغم من أنف كافة الأنظمة والشعوب العربية؟
أم هل كان أهم إنجازاتها أن تحظى بشرعية دولية وعربية وتكافأ على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وضد الإنسانية وتتحول من مجرم إلى ضحية، ويسكت العالم عن هذه الجرائم ويلهث الجميع طلبا لودها ولصداقتها؟
أم أن أعظم إنجازاتها هو تحويلها إلى أكبر ترسانة حربية في العالم تمتلك أعتى أسلحة الدمار الشامل، تشن الحروب متى يحلو لها، تأجج الصراعات والحروب في جميع أرجاء العالم، تصدر الأسلحة والمرتزقة المحترفين إلى العديد من دول العالم، وتشكل أكبر تهديد للسلام العالمي؟ ومع كل ذلك تعتبرها الدول الغربية المهيمنة على الاقتصاد العالمي وعلى الساسة العالمية دولة محبة للسلام، واحة للديمقراطية وسط بحر متلاطم من الاستبداد؟
أم أن أعظم إنجازاتها هو اعتراف العالم بأنها الممثل الشرعي والوحيد ليهود العالم؟ فبعد أن اقتلعت جاليات يهودية بكاملها وجلبتها إلى فلسطين. قامت بابتزاز العالم على خلفية الجرائم التي ارتكبتها النازية في حق يهود أوروبا وأصبحت الوريث الشرعي لضحايا النازية وحصلت على ثروات لا تقدر من جراء ذلك بينما لم يحصل الضحايا الحقيقيون إلا على فتات بالكاد أبقاهم على قيد الحياة. بينما من المعروف أن الحركة الصهيونية كانت لا مبالية بمصير يهود أوروبا، هذا حسب ألطف تعبير كما اعترف به بعض الصهاينة أنفسهم. ناهيك عن التعاون المباشر وغير المباشر بين الصهيونية والنازية.
نستطيع أن نعد إنجازات أخرى عديدة من هذا القبيل. وهي بالفعل إنجازات مهمة لا يجوز التغاضي عنها أو المس بأهميتها بأي حال من الأحوال. ولكنها تبقى حسب رأيي ليست هي الانجاز الأعظم.
إذن ما هو أعظم إنجاز حققته دولة إسرائيل؟
أعظم إنجاز على الإطلاق حققته دولة إسرائيل هو اختراق الساحة العربية والفلسطينية. هو أنها استطاعت أن تجبر الضحية أن يتخلى عن حقه بل أكثر من ذلك استطاعت أن تدخل الشك في قلوب الضحايا حول عدالة قضيتهم. لا يهم إسرائيل كثيرا أن يصرح زعماء العالم أجمع صباح مساء عن حقها بالعيش في أمن وسلام، ولكن يهمها أن تسمع مثل هذا التصريح من أحد القادة العرب أو الفلسطينيين مهما كانت تفاهته.
منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين كانت مقاومة هذا الغزو هو القاعدة وكان التعاون مع الغزاة يعد استثناء، بل يعد جريمة يعاقب مقترفها شعبيا وعلى كافة المستويات. أما اليوم فقد انقلبت الأمور رأسا على عقب. لقد أصبح التعاون هو القاعدة أما المقاومة هي الاستثناء يعاقب عليها ليس إسرائيليا فحسب بل فلسطينيا أيضا.
إننا أمام عملية اختراق مخيفة وعلى كافة المستويات، وعندما تنتهي هذه العملية تستطيع إسرائيل أن تقف أمام العالم وتعلن: الآن انتصرنا.
الجبهة الفلسطينية أصبحت اليوم هي الحلقة الأضعف في مقاومة الاحتلال. أوساط دولية شعبية ومنها يهودية تقاوم الاحتلال اليوم بإخلاص وحماس لا يقاسان بالمقارنة مع الأوساط الفلسطينية المهيمنة على القرار الفلسطيني.
الجبهة الفلسطينية هي اليوم الحلقة الأضعف مع إنها من المفروض أن تكون الحلقة الأقوى. هل يمكن بعد اليوم أن نلوم دول العالم بسبب دعمها اللامحدود لإسرائيل؟ هل يمكن أن نلوم الأنظمة العربية التي تلهث وراء التطبيع معها والتي طالما نعتناها بالرجعية والتبعية؟
قوة الجبهة الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام صادرة عن قوة عسكرية حتى عندما كنا نتكلم ونمارس الكفاح المسلح. ولم تكن نابعة في يوم من الأيام عن قوة اقتصادية أو سياسية. بل كانت نابعة من حيث الأساس من أيماننا الذي لا يتزعزع بعدالة قضيتنا ومن إيماننا الإنساني، البديهي والعفوي بأن الحق سوف ينتصر في نهاية المطاف. لقد آمنا وبكل بساطة بالمثل الشعبي الذي يقول: لا يضيع حق وراءه مطالب. لذلك ولفترة طويلة كانت إسرائيل في موقف حرج بالرغم من انتصاراتها العسكرية والسياسية على الصعيدين المحلي والعالمي، وبالرغم من قوتها العسكرية المفرطة.
اليوم يوجد وراء الحق الفلسطيني تجار يعرضونه للبيع بالمزاد العلني. باسم الوطن يبيعون الوطن.
في هذا العصر حيث يتعرض العالم إلى هجمات فيروسية مختلفة تهاجم جهاز المناعة عنده، ما أحوجنا إلى تقوية جهاز المناعة الفلسطيني لكي يتحول من الحلقة الأضعف ليكون الحلقة الأقوى مرة أخرى. الحفاظ على شعلة المقاومة ملتهبة هي المصل الأنجع لتحقيق هذا الهدف.
No comments:
Post a Comment