Wednesday, August 26, 2009

ما افسده الدهر لا يصلحه العطارون


أنا لا افهم بالضبط ما هو المقصود من شعار "إعادة البناء" الذي نستعمله بكثرة في الآونة الأخيرة كحل سحري للخروج من أزمتنا على المستوى الوطني والمحلي. فالفصائل الفلسطينية على شتى مشاربها الفكرية والسياسية تدعو إلى "إعادة بناء" منظمة التحرير الفلسطينية كحل وحيد لإنهاء حالة الانقسام والعودة إلى أيام "الوحدة الوطنية" السعيدة. وعلى الساحة المحلية تدعو كافة الأحزاب والحركات العربية الإسرائيلية (ومن عنده اعتراض على هذه التسمية فليقف) إلى إعادة بناء لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل (لاحظوا الاسم).
قبل سنوات اشتريت سيارة قديمة(موديل 1977) أصبحت مثلا عندنا في الحارة. نظرا لضيق الحالة المادية وثمنها الزهيد قررت شراءها ضاربا بعرض الحائط نصائح المحذرين من الأهل والأصدقاء. اشتريتها من هنا وبدأ الخراب بها من هنا. أصلح رأس المحرك فيخرب الكلاتش، أصلح الكلاتش فينتقل الخراب إلى شبكة الكهربائية وهكذا دواليك. حتى دفعت على التصليحات إضعاف ما كلفني ثمنها. وفي النهاية، وبعد أن كادت أن تقضي علي ماديا حاولت بيعها كقطع غيار لعلي أستطيع أن أعوض بعض الشيء. فلم أجد أي كراج يقبلها. وأخيرا توقفت نهائيا والقي بها في مجمع للنفايات غير مأسوف عليها.
ماذا بقي من منظمة التحرير الفلسطينية لإعادة بنائه؟ معروف أن المنظمة تتكون من ثلاث مؤسسات رئيسية: المجلس الوطني الفلسطيني، المجلس المركزي واللجنة التنفيذية؟
إذا كان مؤتمر فتح السادس عقد بعد عشرين سنة من المؤتمر الخامس، فهل أحد يعرف متى عقد المجلس الوطني للمرة الأخيرة؟ هل أحد يعرف من هم أعضاء المجلس وما هو عددهم. نحن نهاجم الكنيست الإسرائيلي بمناسبة ومن غير مناسبة، ولكن على الأقل أعضاء الكنيست معروفون بأسمائهم وبعددهم. عدت إلى الأرشيفات فوجدت أن المؤتمر الفلسطيني الأول المؤسس للمنظمة في عام 1964 ضم 397 عضوا أصبحوا أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الأول. وبعد استيلاء فصائل المقاومة على المنظمة في أعقاب هزيمة حزيران وحسب طريقة المخاصصة تقلص العدد إلى 143 عضوا. ولكن هذا العدد كان يزيد وينقص حسب رغبة القيادة المتنفذة في اللجنة المركزية وعند الحاجة كان يصل إلى عدة مئات. بعد اتفاقيات أوسلو تخلى المجلس الوطني الفلسطيني نهائيا عن كونه الهيئة التمثيلية التشريعية العليا للشعب الفلسطيني وأصبح أداة للترويج وتمرير هذه الاتفاقيات. وبصفته هذه عقد في عام 1998 في غزة تحت رعاية أمريكية- إسرائيلية (على غرار مؤتمر فتح السادس) من أجل تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني لكي يتلاءم مع المرحلة الجديدة، مرحلة الاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها. وهكذا تم شطب 12 بندا تدعوا إلى التحرير ومقاومة الاحتلال وتعديل 16 بندا آخرا.
أليس من السخرية أن يقوم اليوم سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني(وهو بالمناسبة مثل رئيس السلطة محمود عباس منتهية صلاحيته) بدعوة هذا المجلس للانعقاد من أجل اختيار أعضاء جدد للجنة التنفيذية بدلا من الذين توفوا؟ أنا أتحدى الزعنون أن يكشف لنا عن أسماء الذين وجه لهم الدعوات لحضور هذه الجلسة. إلى هذا الحد وصل الاستهتار بأعلى هيئة تشريعية فلسطينية، المجلس الوطني الفلسطيني.
هل المجلس المركزي أحسن حالا؟ أراهن أن معظم الفلسطينيين لا يعرفون أصلا بوجوده. هذا المجلس الذي من المفروض أن يكون هيئة دائمة ويشكل حلقة وصل بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية ويجتمع مرة كل شهرين على الأقل. أعضاء هذا المجلس بالأساس مندوبون عن الفصائل الفلسطينية المسلحة التي اختفت معظمها عن الساحة. وعدده هو أيضا كان يتغير حسب رغبة القيادة المتنفذة فبدأ ب32 عضوا عام 1973 وأخذ يزداد حتى وصل حسب آخر معلوماتي إلى 59 عضوا بالإضافة إلى ستة مراقبين. ولكن طبعا هذا الرقم غير ذي أهمية لأن المجلس ككل مشلول شللا كاملا.
وأخيرا اللجنة التنفيذية، وهي حسب تعريفها:"أعلى سلطة تنفيذية للمنظمة، وتكون دائمة الانعقاد، وأعضاؤها متفرغون للعمل، وتتولى تنفيذ السياسة والبرامج والمخططات التي يقررها المجلس الوطني وتكون مسؤولة أمامه مسؤولية تضامنية وفردية". فهي إذن توازي الحكومات في الدول الأخرى.
أكثر من ثلث اللجنة التنفيذية (6 أعضاء) توفوا (بعضهم قبل 13 سنة) وما زالت أماكنهم شاغرة. تصورا أن ستة وزراء في الحكومة الإسرائيلية ماتوا وما زالت الحكومة تمارس نشاطها وكأن شيئا لم يحدث. بعد أوسلو هذه اللجنة أسوة بالمجلس الوطني الفلسطيني الذي من المفروض أن ينتخبها تنازلت عن دورها طوعا لصالح حكومة السلطة الفلسطينية التي يرأسها حاليا سلام فياض الذي لا تربطه لا ناقة ولا جمل بأي شكل من أشكال النضال الفلسطيني. ماذا تعمل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اليوم؟ هل سمعتم لها أي صوت ضد الحرب الأخيرة على غزة؟ ضد الحصار الذي تجاوز عامه الثالث؟ ضد تهويد القدس؟ ضد الاستيطان؟ حتى الدول الغربية الصديقة لإسرائيل انتقدت السياسة الإسرائيلية أكثر من هذه اللجنة.
النتيجة، هل جسم كهذا يمكن أن يعاد بناؤه؟ إذا كانت هذه الجثة الميتة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني فعلى هذا الشعب السلام. على الشعب الفلسطيني أن يدفن موتاه ويكف عن البكاء وينهض.
الدعوة إلى إعادة بناء "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل" هي نصيبنا من هذه المأساة. أصلا وجود مثل هذه اللجنة يعني تخليد انسلاخنا عن شعبنا الفلسطيني بما يرضي الكيان الصهيوني. المصيبة أننا ننظر إلى هذه اللجنة كحامية لهويتنا الوطنية وليست كوسيلة لأسرلتنا. لقد باءت جميع المحاولات للتوفيق بين هذين النقيضين بالفشل. إننا بحاجة إلى بناء، وليس إلى إعادة بناء، لجنة متابعة للجماهير الفلسطينية في فلسطين المحتلة. ولكن أحيانا قبل البناء لا مفر من الهدم.

No comments: