لماذا المصداقية ضرورية؟
علي زبيدات – سخنين
قرأت خبرا ظننته للوهلة الأولى ملفقا إلى درجة الافتراء. يقول الخبر: أن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة سوف تطرح على لجنة المتابعة العليا للشؤون العربية أن تتبنى موقف الإضراب العام في ذكرى هبة أكتوبر. هل يمكن تصديق مثل هذا الخبر؟ قد يكون صادر من أحد المزايدين الذين يتهمون الجبهة بمناسبة وبغير مناسبة بالتقاعس وعدم تصعيد النضال لكي يرتقي إلى مستوى الأحداث وغيرها من الشعارات. فالجبهة تقريبا منذ يوم الأرض الأول وهي تعارض مبدئيا اللجوء إلى الإضرابات العامة بحجة أن الجماهير غير مستعدة لذلك أو أن أضرارها تفوق فوائدها. وفي الحالات القليلة التي اتخذت بها لجنة المتابعة قرارا بالإضراب واضطرت الجبهة قبول هذا القرار على مضض لم تتجند بما فيه الكفاية لإنجاحه وكان لسان حالها يقول: ألم اقل لكم أن الجماهير غير جاهزة للإضراب؟
ولكن سرعان ما تبين لي أن هذا الخبر ليس ملفقا. حيث وجدت مقالا مطولا في موقع الجبهة الالكتروني بقلم سكرتير الجبهة القطرية المحامي أيمن عودة بعنوان:" لماذا الإضراب". يقول أيمن في بداية المقال:" الإضراب ليس رد فعل مباشر وغريزي. وإنما رد فعل سياسي مدروس ومخطط له لمواجهة مجمل سياسة التحريض والإقصاء ونزع الشرعية من المواطنين العرب". كلام جميل، أليس كذلك؟
ولكن وراء هذه الكلمات الجميلة تكمن حسب رأيي نوايا قبيحة. هل هذا يعني أن الذين اقترحوا الإضراب العام في ذكرى أيام الأرض وهبة أكتوبر والحروب التي شنتها الدولة على شعبنا الفلسطيني في الضفة وغزة ولبنان كانت رد فعل مباشر وغريزي؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تجلس حضرتك وحزبك وتحضر رد فعل "سياسي" و"مدروس" و"مخطط له"؟ ما الذي يجعل مجمل سياسة التحريض والإقصاء ونزع الشرعية التي تتحدث عنها تختلف عن السياسة التي مارستها الدولة طوال الأربعين سنة الأخيرة على الأقل؟
تعميم هذا الخبر قبل ذكرى أكتوبر بفترة تقارب الشهرين جاء ليضفي صبغة من الجدية والمصداقية عليه. فهو ليس رد فعل غريزي بل هو مدروس ومخطط له. وهذه الفترة ضرورية لتجنيد الرفاق من أجل إنجاح الإضراب العام. والإضراب العام لا يعني إغلاق بعض الحوانيت في الناصرة وأم الفحم وسخنين. بل عام بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. أي شل جميع مرافق الحياة من مدارس وجامعات ومؤسسات حكومية وخاصة. وهذه الفترة ضرورية أيضا لإقناع المترددين أو غير المقتنعين، وللكاتب يوجد تصور كيف يمكن إقناع هؤلاء. ولكن حسب رأيي كل هذا الكلام لا يجدي فتيلا. المصداقية تبدأ بنقد الذات ومحاولة تصحيح الأخطاء السابقة. فقبل أن تسأل "لماذا الإضراب" يجب أن تعطي جوابا مقنعا على السؤال الذي يقول: لماذا كنا كل هذه الفترة ضد الإضراب العام؟
مع كل الاحترام لذكرى هبة أكتوبر وكل الاحترام للشهداء الذين سقطوا برصاص الشرطة، إلا أن هذه الحادثة لا تشكل المفصل الأساسي في تاريخنا كشعب فلسطيني يناضل لتحرير أرضه وعودته إلى دياره. حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة وأسفرت عن استشهاد حوالي 1500 شهيد أكثر من 80% منهم من المدنيين وأكثر من 300 طفل، أليست مفصلا أهم؟ فلماذا لم يفكر أحد برد فعل سياسي ومدروس ومخطط له؟ واكتفت الأحزاب من باب رفع العتب بأعمال احتجاجية هزيلة، حتى المظاهرة الجبارة التي جرت في سخنين في نهاية الحرب كانت قد أفرغت من مضمونها النضالي.
وما زالت الدماء التي سفكت في حرب الإبادة التي شنتها الدولة على لبنان في عام 2006 والتي استمرت 33 يوم لم تجف بعد. إلا إنها لم تكن كافية للجنة المتابعة بجميع مركباتها أن تدعو لإضراب عام.
بدل أن تكون ذكرى هبة أكتوبر ويوم الأرض مناسبات للتأكيد على لحمة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده تستغله الأحزاب العربية الإسرائيلية المنضوية تحت كنف لجنة المتابعة للتشديد على ما يميزنا ويفصلنا عن الشعب. كيف تستطيع الدولة أن تطلق النار وتقتل ستة من مواطنيها في يوم الأرض؟ وكيف تستطيع أن تقتل بدم بارد 13 شابا من مواطني الدولة في هبة أكتوبر. بالنسبة لهذه الأحزاب هذه الناحية بالذات هي التي ميزت يوم الأرض وهبة أكتوبر. أما آلاف الشهداء الذين يسقطون يوميا في غزة والضفة فهم في المرتبة الثانية.
لقد عبر سكرتير الجبهة القطرية عن خوفه، وهو خوف مشترك لكافة الأحزاب العربية الإسرائيلية، من السياسة الإسرائيلية التي:"كشفت عن عوراتها في السنوات الأخيرة، والتي تقول جهارا، الدولة ليست لكم. وانتم غير مرغوب ببقائكم هنا".
هذا الشيء الوحيد الصحيح الذي تقوله السياسة الإسرائيلية: هذه الدولة ليست لنا. ولكن بقاءنا هنا غير مرهون برغبة أحد.
وأخيرا، ولكي لا افهم غلط ويقول أحدهم تحيرنا معكم فعندما نرفض الإضراب تنتقدوننا وعندما ندعو للإضراب تنتقدوننا، الإضراب العام يبقى وسيلة نضالية لتعبئة الجماهير ورفع وعيها لمواصلة نضالها بغض النظر عن نوايا البعض. ويجب بذل كل الجهود لإنجاح الإضراب.
علي زبيدات – سخنين
قرأت خبرا ظننته للوهلة الأولى ملفقا إلى درجة الافتراء. يقول الخبر: أن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة سوف تطرح على لجنة المتابعة العليا للشؤون العربية أن تتبنى موقف الإضراب العام في ذكرى هبة أكتوبر. هل يمكن تصديق مثل هذا الخبر؟ قد يكون صادر من أحد المزايدين الذين يتهمون الجبهة بمناسبة وبغير مناسبة بالتقاعس وعدم تصعيد النضال لكي يرتقي إلى مستوى الأحداث وغيرها من الشعارات. فالجبهة تقريبا منذ يوم الأرض الأول وهي تعارض مبدئيا اللجوء إلى الإضرابات العامة بحجة أن الجماهير غير مستعدة لذلك أو أن أضرارها تفوق فوائدها. وفي الحالات القليلة التي اتخذت بها لجنة المتابعة قرارا بالإضراب واضطرت الجبهة قبول هذا القرار على مضض لم تتجند بما فيه الكفاية لإنجاحه وكان لسان حالها يقول: ألم اقل لكم أن الجماهير غير جاهزة للإضراب؟
ولكن سرعان ما تبين لي أن هذا الخبر ليس ملفقا. حيث وجدت مقالا مطولا في موقع الجبهة الالكتروني بقلم سكرتير الجبهة القطرية المحامي أيمن عودة بعنوان:" لماذا الإضراب". يقول أيمن في بداية المقال:" الإضراب ليس رد فعل مباشر وغريزي. وإنما رد فعل سياسي مدروس ومخطط له لمواجهة مجمل سياسة التحريض والإقصاء ونزع الشرعية من المواطنين العرب". كلام جميل، أليس كذلك؟
ولكن وراء هذه الكلمات الجميلة تكمن حسب رأيي نوايا قبيحة. هل هذا يعني أن الذين اقترحوا الإضراب العام في ذكرى أيام الأرض وهبة أكتوبر والحروب التي شنتها الدولة على شعبنا الفلسطيني في الضفة وغزة ولبنان كانت رد فعل مباشر وغريزي؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تجلس حضرتك وحزبك وتحضر رد فعل "سياسي" و"مدروس" و"مخطط له"؟ ما الذي يجعل مجمل سياسة التحريض والإقصاء ونزع الشرعية التي تتحدث عنها تختلف عن السياسة التي مارستها الدولة طوال الأربعين سنة الأخيرة على الأقل؟
تعميم هذا الخبر قبل ذكرى أكتوبر بفترة تقارب الشهرين جاء ليضفي صبغة من الجدية والمصداقية عليه. فهو ليس رد فعل غريزي بل هو مدروس ومخطط له. وهذه الفترة ضرورية لتجنيد الرفاق من أجل إنجاح الإضراب العام. والإضراب العام لا يعني إغلاق بعض الحوانيت في الناصرة وأم الفحم وسخنين. بل عام بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. أي شل جميع مرافق الحياة من مدارس وجامعات ومؤسسات حكومية وخاصة. وهذه الفترة ضرورية أيضا لإقناع المترددين أو غير المقتنعين، وللكاتب يوجد تصور كيف يمكن إقناع هؤلاء. ولكن حسب رأيي كل هذا الكلام لا يجدي فتيلا. المصداقية تبدأ بنقد الذات ومحاولة تصحيح الأخطاء السابقة. فقبل أن تسأل "لماذا الإضراب" يجب أن تعطي جوابا مقنعا على السؤال الذي يقول: لماذا كنا كل هذه الفترة ضد الإضراب العام؟
مع كل الاحترام لذكرى هبة أكتوبر وكل الاحترام للشهداء الذين سقطوا برصاص الشرطة، إلا أن هذه الحادثة لا تشكل المفصل الأساسي في تاريخنا كشعب فلسطيني يناضل لتحرير أرضه وعودته إلى دياره. حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة وأسفرت عن استشهاد حوالي 1500 شهيد أكثر من 80% منهم من المدنيين وأكثر من 300 طفل، أليست مفصلا أهم؟ فلماذا لم يفكر أحد برد فعل سياسي ومدروس ومخطط له؟ واكتفت الأحزاب من باب رفع العتب بأعمال احتجاجية هزيلة، حتى المظاهرة الجبارة التي جرت في سخنين في نهاية الحرب كانت قد أفرغت من مضمونها النضالي.
وما زالت الدماء التي سفكت في حرب الإبادة التي شنتها الدولة على لبنان في عام 2006 والتي استمرت 33 يوم لم تجف بعد. إلا إنها لم تكن كافية للجنة المتابعة بجميع مركباتها أن تدعو لإضراب عام.
بدل أن تكون ذكرى هبة أكتوبر ويوم الأرض مناسبات للتأكيد على لحمة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده تستغله الأحزاب العربية الإسرائيلية المنضوية تحت كنف لجنة المتابعة للتشديد على ما يميزنا ويفصلنا عن الشعب. كيف تستطيع الدولة أن تطلق النار وتقتل ستة من مواطنيها في يوم الأرض؟ وكيف تستطيع أن تقتل بدم بارد 13 شابا من مواطني الدولة في هبة أكتوبر. بالنسبة لهذه الأحزاب هذه الناحية بالذات هي التي ميزت يوم الأرض وهبة أكتوبر. أما آلاف الشهداء الذين يسقطون يوميا في غزة والضفة فهم في المرتبة الثانية.
لقد عبر سكرتير الجبهة القطرية عن خوفه، وهو خوف مشترك لكافة الأحزاب العربية الإسرائيلية، من السياسة الإسرائيلية التي:"كشفت عن عوراتها في السنوات الأخيرة، والتي تقول جهارا، الدولة ليست لكم. وانتم غير مرغوب ببقائكم هنا".
هذا الشيء الوحيد الصحيح الذي تقوله السياسة الإسرائيلية: هذه الدولة ليست لنا. ولكن بقاءنا هنا غير مرهون برغبة أحد.
وأخيرا، ولكي لا افهم غلط ويقول أحدهم تحيرنا معكم فعندما نرفض الإضراب تنتقدوننا وعندما ندعو للإضراب تنتقدوننا، الإضراب العام يبقى وسيلة نضالية لتعبئة الجماهير ورفع وعيها لمواصلة نضالها بغض النظر عن نوايا البعض. ويجب بذل كل الجهود لإنجاح الإضراب.
No comments:
Post a Comment